باكستان تُحذر من استمرار التوتّر رغم وقف النار... وتؤكّد دور السعودية الحاسم في الوساطة

سفيرها بالرياض لـ«الشرق الأوسط»: المملكة سهّلت التوصل إلى الاتفاق

احتفالات في لاهور بإعلان وقف إطلاق النار بين باكستان والهند في 10 مايو (أ.ف.ب)
احتفالات في لاهور بإعلان وقف إطلاق النار بين باكستان والهند في 10 مايو (أ.ف.ب)
TT

باكستان تُحذر من استمرار التوتّر رغم وقف النار... وتؤكّد دور السعودية الحاسم في الوساطة

احتفالات في لاهور بإعلان وقف إطلاق النار بين باكستان والهند في 10 مايو (أ.ف.ب)
احتفالات في لاهور بإعلان وقف إطلاق النار بين باكستان والهند في 10 مايو (أ.ف.ب)

أكّد السفير الباكستاني لدى السعودية أحمد فاروق، أن بلاده أكدت منذ بداية النزاع مع الهند أنها لا ترغب في التصعيد، لكنها «اضطرت إلى التحرك» دفاعاً عن النفس، بعد تعرضها لـ«هجوم هنديّ عنيف استمر ثلاثَ ليالٍ، واستهدف السكان المدنيين، بالإضافة إلى منشآتنا العسكرية»، على حد قوله.

وعقب أقلّ من 24 ساعة على إعلان وقف إطلاق النار بشكل فوري وشامل بين الجانبين، بعد أسوأ تصعيد عسكري بين القوتين النوويتين منذ نحو ثلاثة عقود، أكّد سفير باكستان لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط»، ترحيب بلاده بالإعلان عن وقف إطلاق النار بين البلدين، الذي جرى بوساطة «أصدقائنا وشركائنا من مختلف دول العالم»، مضيفاً أن القيادة الباكستانية وجّهت الشكر بشكل خاص إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونائبه جي دي فانس، ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، لدورهم الفاعل في الدعوة إلى إنهاء هذه الأزمة بالطرق السلمية.

كما أعرب عن امتنانهم للغاية لـ«الدور المحوري الذي لعبته دول أخرى، لا سيما السعودية، في تسهيل المباحثات التي أدت إلى إعلان وقف إطلاق النار وإقناع الطرفين بأن الحرب ليست حلاً».

وأكد مراقبون أن دور السعودية خلال الأزمة كان الوحيد والحاسم، وتكلل بالنجاح في إعلان البلدين إنهاء التصعيد العسكري والالتزام بالتهدئة، الأمر الذي دعا إلى إعلان كل من إسلام أباد ونيودلهي إلى الإعراب عن تقديرهما للدور المحوري والأساسي الذي لعبته الرياض في جهود خفض التصعيد بين الجانبين، ما يؤكد بحسب المراقبين على محورية الدور السعودي الحاسم في نزع فتيل الأزمة وتجنيب العالم خطر نشوب حرب عسكرية بين الجارتين النوويتين.

وأشار فاروق إلى أنه في ليلة 9 إلى 10 من الشهر الجاري، «شنّت الهند هجمات صاروخية منسّقة ضد قواعدنا الجوية، مما دفعنا إلى الرد بالمثل. بطريقة محسوبة ومدروسة ومتوازنة، عكست إرادتنا في الحفاظ على سيادتنا وسلامة أراضينا وكرامتنا الوطنية» على حد تعبيره، محذّراً من أنه على الرغم من أن وقف إطلاق النار ما زال قائماً إلى حد كبير، فإن الوضع على الأرض لا يزال متوتراً، حيث تبقى القوات المسلحة في حالة تأهب قصوى.

دور سعودي حاسم

وتعليقاً على الجهود السعودية لاحتواء التوتّر خلال الأيام القليلة الماضية، عبر سلسلة من المشاورات الهاتفية أجراها الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودية، مع نظيريه في الهند وباكستان، وزيارة شملت نيودلهي وإسلام آباد لعادل الجبير وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، لفت فاروق إلى أن السعودية لعبت دوراً حاسماً في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن الرياض انخرطت بشكل فاعل منذ البداية، وقامت بدور الوسيط، مما يعكس الأهمية والجدية التي توليها السعودية لـ«تهدئة الوضع المتدهور بسرعة في جنوب آسيا، وتسهيل المباحثات من أجل وقف إطلاق النار».

ورأى فاروق أن جهود المملكة في بناء السلام في كثير من النزاعات الدولية برهان على نفوذ قيادتها المتزايد، والاحترام الذي تحظى به داخل المنطقة وخارجها، كما تؤكد هذه الجهود أن السعودية هي «قوة خير تقود من الأمام في تعزيز السلام حول العالم» وفقاً لتعبيره، مطالباً الدول التي لعبت دوراً حيوياً في دفع الطرفين للتوصل إلى وقف إطلاق النار، إلى «مراقبة الوضع عن كثب والبقاء منخرطة بشكل فاعل» إلى جانب اضطلاع المجتمع الدولي بدور «في الضغط على الهند للجلوس إلى طاولة الحوار مع باكستان ومناقشة جميع القضايا»، مرحّباً بالتصريحات الصادرة عن السعودية ودول صديقة أخرى، تدعو إلى الحوار بين البلدين.

وأشارت الولايات المتحدة إلى أن منطقة محايدة ستحتضن محادثات هندية - باكستانية قريباً، إلا أن فاروق أكد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يتم الاتفاق على هذه المسألة بين الطرفين حتى الآن، مشدّداً على استعداد بلاده لمناقشة جميع القضايا الثنائية مع الهند في أي مكان محايد، على أساس الاحترام المتبادل والمساواة في السيادة، كما سترحب بوساطة الدول الصديقة. وأردف: «هذا سيعتمد على موقف الهند وسلوكها»، وأكد أن بلاده ترى أن «السلام الدائم في جنوب آسيا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حوار مستمر بين الهند وباكستان يهدف إلى معالجة جميع القضايا الثنائية، وعلى رأسها نزاع جامو وكشمير، عبر الحوار والدبلوماسية». كما أشاد بالإرادة التي أظهرتها بلاده في «الحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها وكرامتها الوطنية».

وكشف فاروق عن التزام باكستاني بالحفاظ على وقف إطلاق النار، مندّداً بما سماها «حملة التضليل والدعاية الهندية المستمرة بلا هوادة»، وعلّل ذلك بأنه عقب ساعات من إعلان وقف إطلاق النار، بدأت وسائل الإعلام الهندية حملة منسقة تتهم باكستان بانتهاكه، علاوةً على تقارير واردة عن تبادل لإطلاق النار.

«الخيار الأخير»

وعن العواقب السلبية للمواجهات العسكرية بين الجانبين، لفت فاروق، وهو دبلوماسي باكستاني رفيع، إلى أن «الحرب ليست مزحة، ومسألة في غاية الجدية، ويجب أن تكون الخيار الأخير». وأشار إلى أن هذه العمليات بيّنت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحرب ليست وسيلة لحل القضايا الثنائية، خصوصاً في حالة بلدين يمتلكان قدرات نووية. وسلّط بقعة من الضوء على أن الأوضاع قد تخرج عن السيطرة بسرعة إذا تصرفت الدول دون مسؤولية، وتعاملت مع العلاقات الدولية من منظور ضيّق لـ«إرضاء الرأي العام المحلي»، وفقاً لوصفه.

احتفالات في إسلام آباد بإعلان وقف إطلاق النار بين باكستان والهند 10 مايو (رويترز)

وعن التعامل من جانب باكستان، شرح فاروق أن بلاده «حاولت بكل السبل التواصل مع الهند في جميع القضايا، وأدانت الهجوم الإرهابي في بَهالغام، وعرضت التعاون في إجراء تحقيق محايد، وأظهرت أقصى درجات الحذر وضبط النفس في مواجهة الاستفزازات المستمرة». وأردف أن الأحداث أثبتت أهمية الحوار للطرفين، وأن بلداً واحداً مهما كان مسؤولاً أو محباً للسلام، لا يمكنه وحده الحفاظ على السلام والأمن.

ولفت السفير في الوقت ذاته إلى أن الأحداث أبرزت أهمية زيادة انخراط المجتمع الدولي لتعزيز الحوار والوساطة؛ لأن المناطق الساخنة حسب وصفه، خصوصاً تلك التي تحمل تاريخاً طويلاً من الصراعات، لا يمكن تجاهلها، لأنها قد تتحول بسرعة إلى موجات جديدة من العنف.

جندي باكستاني يقف عند نقطة حدودية بين الهند وباكستان 4 مايو (إ.ب.أ)

والسبت، وافقت الهند وباكستان، على وقف إطلاق النار، بعدما تبادلت الدولتان الجارتان منذ الأربعاء، قصفاً مدفعياً وهجمات بمسيّرات وصواريخ، الأمر الذي أثار مخاوف من الانزلاق إلى حرب شاملة، ودفع كثيراً من العواصم الأجنبية إلى الدعوة إلى ضبط النفس. إلا أن مناوشات في إقليم كشمير أثارت قلقاً من استئناف القتال في المناطق الحدودية بين البلدين.


مقالات ذات صلة

رئيس وزراء الهند يفتتح خطاً استراتيجياً للسكك الحديدية في كشمير

آسيا أفراد أمن هنود يقفون في إحدى محطات خط السكة الحديدية الجديد (رويترز)

رئيس وزراء الهند يفتتح خطاً استراتيجياً للسكك الحديدية في كشمير

قام رئيس وزراء الهند بأول زيارة لكشمير منذ النزاع مع باكستان، الشهر الماضي، حيث افتتح خطاً استراتيجياً للسكك الحديدية بالمنطقة التي وصفها بـ«درة تاج الهند».

«الشرق الأوسط» (سريناغار (الهند))
آسيا عناصر من الشرطة الهندية (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

توقيف 81 شخصاً في الهند بتهمة «التعاطف» مع باكستان

أوقفت الشرطة الهندية عشرات الأشخاص بتهمة «التعاطف» مع باكستان، بعد شهر على أسوأ نزاع بين البلدين منذ عقود، حسبما أفاد مسؤول حكومي.

«الشرق الأوسط» (غواهاتي)
آسيا أرشيفية لطائرات «رافال» تابعة لسلاح الجو الهندي خلال عرض جوي (رويترز)

رئيس الأركان الهندي يقر بسقوط طائرة واحدة على الأقل في النزاع مع باكستان

بدا رئيس أركان الدفاع الهندي السبت كأنه يؤكد أن بلاده خسرت طائرة واحدة على الأقل خلال المواجهة العسكرية القصيرة مع باكستان في وقت سابق من هذا الشهر.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
آسيا الجنرال ساهر شمشاد ميرزا رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» على هامش قمة «حوار شانغريلا للأمن» في سنغافورة... 30 مايو 2025 في لقطة من مقطع فيديو (رويترز)

مسؤول عسكري: باكستان والهند تقتربان من استكمال خفض القوات على الحدود

قال مسؤول عسكري باكستاني كبير لوكالة «رويترز»، اليوم (الجمعة)، إن باكستان والهند تقتربان من تقليل حشد القوات على حدودهما إلى مستويات ما قبل الصراع الأخير.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
آسيا أشخاص ينظفون شبكة صيد على مجرى نهر السند الجاف جزئياً بحيدر آباد في باكستان (رويترز)

باكستان تعد قرار الهند بتعليق معاهدة مياه نهر السند «انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي»

وصفت باكستان قرار الهند بتعليق معاهدة مياه نهر السند لعام 1960، بشكل غير قانوني وأحادي الجانب بأنه انتهاك خطير للقانون الدولي.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)

ارتفاع حصيلة تحطم الطائرة في الهند إلى 279 قتيلاً

أقارب لضحايا الطائرة الهندية ينتظرون نتائج فحوص الحمض النووي (إ.ب.أ)
أقارب لضحايا الطائرة الهندية ينتظرون نتائج فحوص الحمض النووي (إ.ب.أ)
TT

ارتفاع حصيلة تحطم الطائرة في الهند إلى 279 قتيلاً

أقارب لضحايا الطائرة الهندية ينتظرون نتائج فحوص الحمض النووي (إ.ب.أ)
أقارب لضحايا الطائرة الهندية ينتظرون نتائج فحوص الحمض النووي (إ.ب.أ)

ارتفعت حصيلة تحطم الطائرة التابعة للخطوط الجوية الهندية (إير إنديا) الخميس بعد إقلاعها من أحمد آباد في شمال غرب الهند باتجاه لندن، إلى 279 قتيلا، وفق ما أعلن مصدر في الشرطة اليوم السبت.

وأضاف المصدر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن 279 جثة أو أشلاء نُقلت إلى مستشفى المدينة منذ وقوع الكارثة.

وكانت حصيلة سابقة أفادت بمقتل 265 شخصا، من ركاب وأفراد الطاقم ومقيمين في مكان تحطم الطائرة.

وقد سقطت الطائرة الخميس بعد أقل من دقيقة من إقلاعها عند الساعة 13:39 بالتوقيت المحلي (08:09 ت غ)، وفقا لهيئة الطيران المدني الهندية. وأصدرت نداء استغاثة قبيل تحطمها خارج المطار.

وقال مصدر مطّلع إن حادث التحطم هذا هو الأول من نوعه لطائرة من طراز «بوينغ 787-8 دريملاينر»، وهي طائرة للمسافات الطويلة دخلت الخدمة في عام 2011.

الشرطة تطوّق مكان سقوط الطائرة بعد إقلاعها من أحمد آباد (إ.ب.أ)

وقالت الشركة المسيرة للرحلة إن الطائرة كانت تقل 242 شخصا من الركاب وأفراد الطاقم.

ومن بين الركاب البالغ عددهم 230 كان هناك 169 هنديا و53 بريطانيا وسبعة برتغاليين وكندي واحد. أمّا الناجي الوحيد، فهو بريطاني من أصل هندي.

وقال وزير الداخلية الهندي أميت شاه إنه سيتم الإعلان عن العدد الرسمي للضحايا عند انتهاء فحوص الحمض النووي.

وقال مسؤول في الشرطة، الجمعة، إنه تم العثور على أحد الصندوقين الأسودين للطائرة.