«معجزة» هانيدا: كيف نجح الطاقم في إخلاء جميع ركاب الطائرة اليابانية المشتعلة؟

الطيار الذي أوقف الطائرة المشتعلة بأمان والطاقم الذي طبّق تدريبات السلامة فاجأوا الخبراء

احتراق طائرة تابعة للخطوط الجوية اليابانية على مدرج مطار هانيدا بطوكيو (أ.ف.ب)
احتراق طائرة تابعة للخطوط الجوية اليابانية على مدرج مطار هانيدا بطوكيو (أ.ف.ب)
TT

«معجزة» هانيدا: كيف نجح الطاقم في إخلاء جميع ركاب الطائرة اليابانية المشتعلة؟

احتراق طائرة تابعة للخطوط الجوية اليابانية على مدرج مطار هانيدا بطوكيو (أ.ف.ب)
احتراق طائرة تابعة للخطوط الجوية اليابانية على مدرج مطار هانيدا بطوكيو (أ.ف.ب)

استغرق الأمر من رجال الإطفاء أكثر من ست ساعات لإخماد الحريق الذي اجتاح طائرة الخطوط الجوية اليابانية بعد أن اصطدمت بطائرة أخرى في أثناء هبوطها في مطار هانيدا بطوكيو، أمس (الثلاثاء). لكن، لم يستغرق الأمر من أفراد الطاقم المكون من 12 سوى دقائق قليلة لنقل مئات الأشخاص من الطائرة إلى بر الأمان، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

وفي وقت كان الركاب المذعورون يشاهدون ألسنة اللهب وهي تلعق النوافذ فيما تمتلئ المقصورة بالدخان، أخفى مضيفو طيران شركة JAL قلقهم، واعتمدوا على كل التفاصيل المرتبطة بتدريبهم على السلامة. ووفقاً لشركة الطيران، نزل جميع الركاب البالغ عددهم 367 راكباً وأفراد الطاقم البالغ عددهم 12 فرداً في أقل من 20 دقيقة.

وفي حين يحاول خبراء الطيران اليابانيون والدوليون تحديد كيف وصلت طائرة تابعة لخفر السواحل الياباني (بومباردييه DHC8-300) التي لقي خمسة من ركابها الستة حتفهم، للوقوع مباشرةً في مسار طائرة «إيرباص A350»، فإن الرجال والنساء الذين أدت تصرفاتهم إلى تجنب وقوع كارثة كبرى خلال تلك الرحلة جرت الإشادة بهم بسبب رباطة جأشهم واحترافهم: الطيار الذي أوقف الطائرة المنزلقة، التي تشبه كرة نارية؛ الطاقم الذي أصدر تعليمات بهدوء عبر مكبرات الصوت؛ والركاب الذين ظلوا جالسين قبل أن يشقوا طريقهم إلى منزلقات الإخلاء تاركين أمتعتهم المحمولة مشتعلة.

وتُظهر الصور الملتقطة في الوقت الفعلي من مبنى الركاب في هانيدا -أحد المطارين الدوليين اللذين يخدمان العاصمة- الطائرة فيما تشتعل فيها النيران في أثناء هبوطها على المدرج، مما يشير إلى أن الأخبار عن عملية «الإخلاء المعجزة» بعيدة كل البعد عن المبالغة.

حطام طائرة الركاب التابعة للخطوط الجوية اليابانية على مدرج مطار طوكيو الدولي (أ.ف.ب)

داخل الطائرة، سرعان ما تحول الارتباك إلى رعب عندما لاحظ الركاب أن المحرك قد اشتعلت فيه النيران بعد ثوانٍ من هبوط الطائرة في نهاية رحلة في وقت مبكر من المساء من مطار شين شيتوس في جزيرة هوكايدو في أقصى شمال اليابان.

وقال تسوباسا ساوادا، أحد سكان طوكيو: «كنت أضحك قليلاً في البداية عندما رأيت شرارة تخرج من المحرك، ولكن عندما اندلع الحريق، أدركت أن الأمر أكثر من ذلك... اعتقدت حقاً أنني سأموت».

تُظهر لقطات فيديو جرت مشاركتها على نطاق واسع مضيفي الطيران في مقدمة المقصورة المظلمة، وهم يشيرون إلى الركاب بالبقاء في مقاعدهم ويشكرونهم على تعاونهم. عند نقطة ما، تتحرك الكاميرا لإظهار إطار نافذة مملوء بالضوء البرتقالي.

وصاحت إحدى النساء في الفيديو: «أرجوكم أخرجوني من هنا». ويُسمع صوت طفل يسأل: «لماذا لا تُفتح الأبواب؟».

كان لتصرفات الطاقم والركاب الفضل في تجنب المأساة. بشكل لا يصدَّق، لم يُصَب أيٌّ منهم إصابات خطيرة. ومع وصول رجال الإطفاء لبدء مكافحة النيران، كان الطاقم قد نشر بالفعل مزالق الهروب -وهي إشارة لنحو 400 شخص، بما في ذلك الكثير من الأطفال الصغار، للانزلاق إلى بر الأمان.

الأهم من ذلك، أنه لم يتوقف أي منهم على ما يبدو لأخذ أمتعة اليد من الخزائن العلوية، مما يضمن طريقاً واضحة إلى مخارج الطوارئ. وقبل أقل من ساعتين، شاهد الركاب مقطع فيديو للسلامة تابع لشركة JAL يحثهم على القيام بذلك بالضبط. في الفيديو، تحذّر إحدى المضيفات قائلة: «اترك أمتعتك عند الإخلاء!»، وتمد كفيها المفتوحتين للتأكيد. يُظهر تسلسل متحرك بعد ذلك الضرر الذي يمكن أن تسببه الحقائب والأحذية ذات الكعب العالي لشرائح الإخلاء القابلة للنفخ.

لقطة جوية تُظهر طائرة «إيرباص A350» المحترقة التابعة للخطوط الجوية اليابانية بعد اصطدامها بطائرة تابعة لخفر السواحل الياباني في مطار هانيدا الدولي بطوكيو (رويترز)

وقال خبراء الطيران إن الهدوء الذي أظهره المضيفون، بالإضافة إلى المستوى العالي من التعاون بين الركاب ربما حال دون تحول التجربة المقلقة للغاية إلى كارثة كبرى.

وأفاد بول هايز، مدير السلامة الجوية في شركة Ascend by Cirium لاستشارات الطيران ومقرها المملكة المتحدة: «لا بد أن طاقم الطائرة قام بعمل ممتاز. كانت معجزة أن ينزل جميع الركاب من الطائرة».

وأفادت ميشيل روبسون، المراقبة الجوية السابقة، بأن الطاقم «قام بعمل جيد للغاية في الإخلاء في ظل ظروف صعبة... من الطبيعي أن يبدأ الركاب بالشعور بالذعر عندما يرون ألسنة اللهب، ومن الواضح أنه كان هناك نوع من الاصطدام، الأمر الذي لا بد أنه كان مقلقاً للغاية لمن كانوا في الطائرة».

وقال جون كوكس، الطيار ومؤسس شركة استشارات سلامة الطيران ومقرها الولايات المتحدة، إن أفراد طاقم الطائرة «قاموا بعمل رائع للغاية» في إخراج الركاب بهذه السرعة. وأضاف: «ما حصل يعكس تدريباً جيداً... وإذا نظرت إلى الفيديو، فإن الناس لا يحاولون إخراج أمتعتهم بل يركزون على الخروج من الطائرة».

والإصرار الصارم على السلامة في أثناء عملية الإخلاء متجذر في تصميم أفضل للطائرات ومعايير أكثر صرامة في جميع أنحاء الصناعة، ولكن أيضاً في دور الخطوط الجوية اليابانية في الحادث الأكثر فتكاً في تاريخ الطيران الذي يتعلق بطائرة واحدة.

في 12 أغسطس (آب) 1985، تحطمت طائرة «جمبو» تابعة لشركة JAL في جبل في طريقها من طوكيو إلى أوساكا، مما أسفر عن مقتل 520 شخصاً من أصل 524 كانوا فيها.

ومع أن السبب يرجع إلى إصلاح خاطئ أجراه مهندسو «بوينغ» وليس إلى خطأ الطيار، فقد ترك الحادث وعواقبه علامة لا تُمحى على ثقافة السلامة لدى الشركة، بما في ذلك عرض جسم الطائرة الممزق والمقاعد التالفة التي جرى انتشالها من الحطام لرفع مستوى الوعي حول السلامة بين موظفي JAL.

مسؤولون ينظرون إلى الحطام المحترق لطائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية اليابانية (JAL) على مدرج مطار طوكيو الدولي (أ.ف.ب)

وبعد مرور ما يقرب من أربعة عقود، يتم تصنيف الشركة اليابانية بانتظام كواحدة من أكثر شركات الطيران أماناً في العالم من خلال الموقع الإلكتروني airairatings.com.

وقال البروفيسور غراهام بريثويت، مدير أنظمة النقل في جامعة «كرانفيلد» في المملكة المتحدة، لـ«بي بي سي»: «تتمتع اليابان بسجل ممتاز عندما يتعلق الأمر بسلامة النقل»، واصفاً شركة JAL بأنها «رائدة عالمياً» في مجال السلامة.

وأضاف: «كانت عملية الإخلاء ناجحة وهي تذكير بحجم ما أُنفق على تدريب طاقم الطائرة... تركيزهم ينصبّ على السلامة. إنهم آخر الأشخاص الذين أخلوا الطائرة، ويبدو أنهم قاموا بعمل رائع».

ومثل كل واحد من زملائه الركاب، حاول ساوادا، الذي كان عائداً من هوكايدو من عطلة، قمع الأفكار حول ما كان يمكن أن يحدث لو أن عملية الإخلاء استغرقت وقتاً أطول.

وأضاف أنه بعد نحو 10 دقائق من النزول، وقع انفجار في الطائرة، وتابع: «لا أستطيع إلا أن أقول إنها كانت معجزة... كان من الممكن أن نموت لو تأخرنا».


مقالات ذات صلة

18 قتيلاً في تحطّم طائرة نيبالية... والطيار الناجي الوحيد

آسيا صورة لحطام طائرة نيبالية تابعة لشركة «Saurya Airlines» اشتعلت فيها النيران بعد انزلاقها عن المدرج خلال إقلاعها في مطار تريبهوفان الدولي في كاتماندو يوم 24 يوليو 2024 (رويترز)

18 قتيلاً في تحطّم طائرة نيبالية... والطيار الناجي الوحيد

أدى تحطّم طائرة في كاتماندو، الأربعاء، إلى مقتل 18 من 19 شخصاً كانوا فيها، وفق ما أفادت الشرطة في العاصمة النيبالية، ونجا الطيار وحده.

«الشرق الأوسط» (كاتماندو)
أوروبا صورة مأخوذة من شريط فيديو قدمته لجنة التحقيق الروسية تظهر محققاً روسياً يفحص الحطام في موقع تحطم طائرة نقل جوية من طراز «إليوشن إيل-76» بالقرب من قرية يابلونوفو في منطقة بيلغورود (أرشيفية - إ.ب.أ)

مقتل 3 في تحطم طائرة قرب موسكو

نقلت وكالة «تاس» للأنباء عن خدمات الطوارئ الروسية قولها إن طائرة ركاب من طراز «سوخوي سوبرجيت» تحطمت في منطقة موسكو.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق تعرض سقف الطائرة للتلف والخلع في أماكن متعددة بسبب المطبَّات الهوائية (إكس)

مطبات جوية تصيب ركاب طائرة «بوينغ»... وأحدهم طار وعلق في مكان الأمتعة (فيديو)

أُصيب 30 راكباً بعد أن تعرّضت رحلة جوية من مدريد إلى أوروغواي لمطبَّات جوية قوية واضطرت إلى الهبوط اضطرارياً في البرازيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق شعار شركة «بوينغ» (رويترز)

تقرير: عمال أكبر مصنع لشركة «بوينغ» يُجبرون على الصمت بشأن إجراءات السلامة

قال تقرير صحافي إن أكبر مصنع تابع لشركة صناعة الطائرات الأميركية «بوينغ» يعيش «حالة من الذعر»، حيث تجبر الشركة الموظفين على التزام الصمت بشأن سلامة الطائرات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في القصر الرئاسي بدمشق مايو 2023 (أ.ف.ب)

لماذا لم يظهر الأسد في إيران للتعزية برئيسي؟

أظهر تناقض البيانات الصادرة عن دمشق وطهران أجواء فاترة بين البلدين، حتى في أجواء التعزية التي قدمها الرئيس السوري بشار الأسد بوفاة نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

بنغلاديش تؤكد احتجاز قادة الحركة الطلابية «حفاظاً على سلامتهم»

عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
TT

بنغلاديش تؤكد احتجاز قادة الحركة الطلابية «حفاظاً على سلامتهم»

عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)

أعلنت بنغلاديش وضع 3 من قادة الاحتجاجات الطلابية رهن الاحتجاز حفاظاً على سلامتهم، بعد أن قالت إن المظاهرات التي نظمتها مجموعتهم ضد إجراءات التوظيف في الخدمة المدنية هي المسؤولة عن تفجر الاضطرابات التي أوقعت أكثر من 200 قتيل على مستوى البلاد.

وأُخرج ناهد إسلام منسق حركة «طلاب ضد التمييز» واثنان آخران من مسؤولي الحركة بالقوة من مستشفى الجمعة، واقتادهم عناصر من المباحث بملابس مدنية.

وأفضت المظاهرات التي نظمها الثلاثة إلى إجراءات قمعية من الشرطة وأيام من المواجهات مع المحتجين أسفرت عن مقتل 201 شخص على الأقل، وفق حصيلة أعدتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً لعدد الضحايا الذين أعلنتهم الشرطة والمستشفيات.

وقال إسلام في وقت سابق هذا الأسبوع لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه يتلقى العلاج بمستشفى في دكا من إصابات تعرض لها خلال عملية اعتقال سابقة.

ونفت الشرطة في بادئ الأمر احتجاز إسلام وزميليه، قبل أن يؤكد وزير الداخلية أسد الزمان الأمر للصحافيين في ساعة متأخرة الجمعة. وقال: «هم أنفسهم كانوا يشعرون بعدم الأمان. يعتقدون أن بعض الأشخاص يهددونهم».

وأضاف: «لذا نعتقد أنه حفاظاً على سلامتهم ينبغي استجوابهم ومعرفة من يهددهم. بعد الاستجواب نتخذ الخطوة التالية».

ولم يؤكد ما إذا كان الثلاثة قيد الاعتقال رسمياً، أم لا.

وشهدت أيام من الاضطرابات الأسبوع الماضي إحراق مبانٍ حكومية ومراكز للشرطة في دكا، ومواجهات شرسة في الشوارع بين متظاهرين وشرطة مكافحة الشغب في أماكن أخرى من البلاد.

ونشرت حكومة الشيخة حسينة قوات وحجبت الإنترنت على مستوى البلاد، وفرضت حظر تجول لإعادة النظام.

عمليات دهم

اشتعلت الاضطرابات عندما هاجمت الشرطة ومجموعات طلابية مؤيدة للحكومة مظاهرات نظمتها حركة «طلاب ضد التمييز»، وظلت سلمية إلى حد كبير حتى الأسبوع الماضي.

وقال إسلام (26 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من سريره في المستشفى الاثنين، إنه يخشى على حياته.

وأضاف أنه قبل يومين قامت مجموعة من الأشخاص الذين عرفوا أنفسهم بأنهم من شرطة المباحث بعصب عينيه وتقييده بالأصفاد واقتادوه إلى مكان مجهول، حيث تعرض للتعذيب قبل إطلاق سراحه في صباح اليوم التالي.

وقال زميله آصف محمود الذي احتُجز أيضاً في المستشفى الجمعة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في وقت سابق، إن الشرطة احتجزته وتعرض للضرب في ذروة اضطرابات الأسبوع الماضي.

واعتقلت الشرطة ما لا يقل عن 4500 شخص منذ بدء الاضطرابات.

وقال مفوض شرطة دكا بيبلوب كومار ساركر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نفذنا عمليات دهم في العاصمة وسنواصل المداهمات حتى اعتقال الجناة».

وأضاف: «نحن لم نعتقل الطلاب بشكل عام، بل فقط أولئك الذين خربوا الممتلكات الحكومية وأضرموا النار فيها».