وقف النار في كاراباخ ومفاوضات تمهد لفرض سيطرة باكو

سلطات الإقليم ترضخ لشروط أذربيجان... وباشينيان يواجه هزة داخلية كبرى

TT

وقف النار في كاراباخ ومفاوضات تمهد لفرض سيطرة باكو

قوات الأمن الأرمينية تعتقل متظاهرة في يريفان الأربعاء (أ.ف.ب)
قوات الأمن الأرمينية تعتقل متظاهرة في يريفان الأربعاء (أ.ف.ب)

بعد مرور أقل من 24 ساعة على اندلاع الأعمال القتالية في ناغورنو كاراباخ، توصّل طرفا النزاع في الإقليم إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، عكست ملامحه الأولى رضوخ السلطات الانفصالية في الإقليم لشروط أذربيجان، خصوصاً لجهة الاستعداد لتسليم السلاح وإفساح المجال لتعزيز السيطرة العسكرية المباشرة للقوات الأذرية على المؤسسات الحيوية في الإقليم.

وأعلنت وزارة الدفاع الأذرية أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف النار بعد ظهر الأربعاء. واشتمل الاتفاق على إطلاق جولة مفاوضات ينتظر أن تبدأ الخميس لوضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات تنهي الجولة الجديدة من الصراع. وأعلنت وزارة الدفاع الأذرية أنه «مع الأخذ في الاعتبار نداء السكان الأرمن في كاراباخ، الذي تم تلقيه عبر قوة حفظ السلام الروسية، تم التوصل إلى اتفاق لوقف عملية مكافحة الإرهاب في 20 سبتمبر (أيلول)، اعتباراً من الساعة الواحدة ظهراً». وأضافت أنه في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه «ستسلم الجماعات المسلحة غير الشرعية جميع الأسلحة والمعدات الثقيلة». وأوضحت الوزارة أن الجيش الأذري سيطر خلال عمليته على أكثر من 90 موقعاً عسكرياً أرمينياً.

هزيمة سريعة

شكّلت هذه النتيجة هزيمة سريعة وقوية لقوات إقليم كاراباخ، المدعومة من جانب أرمينيا. كما نصّ الاتفاق على إطلاق عملية مفاوضات ينتظر أن يتم ترتيب أولى جولاتها الخميس، تهدف لوضع ترتيبات عمليات تسليم الأسلحة وتضع ملامح المرحلة المقبلة بعد نجاح القوات الأذرية في توسيع رقعة سيطرتها المباشرة في الإقليم.

من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قوات حفظ الروسية في المنطقة على اتصال مكثف وعلى المستوى المناسب مع الجانبين الأذري والأرميني، وممثلي إقليم كاراباخ. وأضافت أن قيادة قوات حفظ السلام تبحث مع الأطراف المذكورة سبل منع إراقة الدماء، والامتثال للقانون الإنساني لحماية المدنيين.

وأكدت أن قوات حفظ السلام الروسية تواصل أداء مهامها في كاراباخ، وتعمل على تقديم كل المساعدات الممكنة للمدنيين، مشيرة إلى أنها أجلت 2261 مدنياً بينهم 1049 طفلاً إلى مخيّم في قاعدتها، ويتم تزويدهم بالمواد الغذائية وتقديم الخدمات الطبية اللازمة لهم ورعايتهم.

وساطة روسية

وأعرب الرئيس فلاديمير بوتين في أول تعليق على المستوى الرئاسي الروسي، عن أمله في أن تتمكن روسيا من وقف التصعيد في كاراباخ، والانتقال بحل المشكلة إلى المسار السلمي. وقال بوتين: «نحن على اتصال مكثف مع جميع أطراف النزاع، سواء مع السلطات في يريفان أو في ستيباناكيرت أو باكو».

وكانت وزارة الدفاع الأذرية أعلنت، الثلاثاء، إطلاق عملية لمكافحة الإرهاب في كاراباخ قالت إنها موجهة «لاستعادة النظام الدستوري». واشترطت نزع سلاح القوات التابعة لسلطات الإقليم وانسحاب القوات الأرمينية منه لوقف عملياتها. وقالت الوزارة إنها أبلغت بخطواتها قيادة قوات حفظ السلام الروسية وإدارة مركز المتابعة في المنطقة.

بدورها، وصفت يريفان هذه العملية بأنها «عدوان من باكو»، وأكدت أنه لا توجد أي قوات أرمينية في كاراباخ.

باشينيان ينأى بنفسه

ومع ترقب فرص الهدنة المعلنة، وآفاق عملية المفاوضات التي تنطلق الخميس، بدا أن رئيس الوزراء الأرميني قد يدفع مبكراً ثمن «الهزيمة الجديدة» وفقاً لوصف وسائل إعلام محلية.

جانب من مظاهرة في يريفان (أ.ف.ب)

واحتشد الأربعاء، فور الإعلان عن اتفاق وقف النار، آلاف المتظاهرين في وسط يريفان رفعوا شعارات تندد بالاتفاقيات بين أذربيجان وكاراباخ. ورددوا شعارات تنتقد أداء باشينيان الذي يواجه تنامياً في صفوف المعارضة، بسبب اتهامه بالتقصير وعدم الكفاءة والفشل في ردع التقدم الأذري. وأغلق المتظاهرون شارع تيغران ميتس المؤدي إلى ساحة الجمهورية، حيث مقر رئاسة الوزراء، وقالت تقارير إعلامية إن «حركة السيارات في هذا الجزء من المدينة باتت مشلولة جزئياً».

اللافت أن باشينيان سعى إلى النأي بنفسه عن اتفاق وقف النار، وأعلن في حديث مع الصحافيين أن يرفان «لم تكن طرفاً فيه». وزاد: «من صفحات المعلومات الرسمية لكاراباخ، علمنا أن سلطات الإقليم قبلت اقتراح قيادة فرقة حفظ السلام الروسية بوقف إطلاق النار. لقد اطلعنا على النص. ولم تشارك جمهورية أرمينيا في صياغته، ولم نكن طرفاً في المناقشات».

وفي خطاب موجه إلى الأمة، قال رئيس الوزراء الأرميني إنه «لم يفهم البنود المتعلقة بانسحاب القوات المسلحة الأرمنية» من كاراباخ في نص البيان الخاص بوقف إطلاق النار في المنطقة. وأوضح: «يذكر النص القوات المسلحة الأرمنية ويتحدث عن انسحاب الوحدات المتبقية من القوات المسلحة الأرمنية من كاراباخ (...) هذا الأمر ليس واضحاً تماماً بالنسبة إلينا». وأضاف أن بلاده «أكدت أكثر من مرة في السابق أنه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وجمهورية أرمينيا ليس لديها قوات منتشرة في كاراباخ».

وزاد باشينيان في رسالة فيديو بثّها التلفزيون العام في البلاد، أنه يعتقد أن ذكر أرمينيا في نص الاتفاق يؤكد صحة وجهة نظره بأن أحد أهداف العملية في كاراباخ كان إشراك يريفان في الأعمال العدائية.

استياء من يريفان

إلى ذلك، لفتت ردود الفعل الروسية على اتفاق وقف النار الأنظار. من جانب، رحّبت موسكو بالاتفاق الذي قالت إن قوات الفصل التابعة لها في كاراباخ لعبت دوراً في صياغته، لكن من جانب آخر، حملت عبارات الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إشارات إلى تبدل في الموقف الروسي حول الصراع في المنطقة. فبعدما كانت موسكو تؤكد سابقاً أهمية التوصل إلى اتفاقات مقبولة من كل الأطراف، وتلبي مصالح أذربيجان وأرمينيا وسكان الإقليم، قال بيسكوف الأربعاء، إن «تصرفات أذربيجان في كاراباخ قانونية بحكم أن أرمينيا أقرت في وقت سابق بأن كاراباخ تعد أراضاً أذرية».

مبنى سكني أصيب بالقصف في ستيباناكيرت عاصمة ناغورنو كاراباخ الثلاثاء (أ.ب)

وفسّر خبراء لهجة الكرملين بأنها تعكس درجة الاستياء من تصرفات القيادة الأرمينية التي سعت في الفترة الأخيرة إلى توسيع الهوة في العلاقات مع موسكو. وكانت موسكو انتقدت زيارة زوجة باشينيان إلى كييف أخيراً، حيث شاركت في مؤتمر لدعم أوكرانيا. كما أن قرار يريفان الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية أثار انتقادات في روسيا أيضاً لجهة توقيته بعد صدور مذكرة التوقيف ضد الرئيس فلاديمير بوتين. في الوقت ذاته، راقبت موسكو بحذر خلال الفترة الماضية الدعوات التي وجهتها يريفان لتوسيع حجم الانخراط الأوروبي في تسوية الصراع في المنطقة، ورأت أوساط روسية أن يريفان حاولت العمل على تقليص الحضور الروسي في هذا الملف.


مقالات ذات صلة

بولندا تنتقد قرار ألمانيا تشديد المراقبة على حدودها

أوروبا  رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك (إ.ب.أ)

بولندا تنتقد قرار ألمانيا تشديد المراقبة على حدودها

أدان رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك اليوم (الثلاثاء) قرار ألمانيا المجاورة تشديد الرقابة على الحدود في محاولة للحد من الهجرة غير الشرعية.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا الحكومة الألمانية تفرض ضوابط مؤقتة على جميع حدودها البرية (أ.ف.ب)

لمواجهة الهجرة غير الشرعية... ألمانيا تفرض ضوابط مؤقتة على جميع حدودها البرية

أعلنت الحكومة الألمانية فرض ضوابط مؤقتة على جميع الحدود البرية للبلاد، الاثنين، في إجراء وصفته بأنه محاولة لمواجهة الهجرة غير الشرعية وحماية مواطنيها.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا جندي بولندي من قوات حفظ السلام التي يقودها «الناتو» يقف عند المعبر الحدودي الرئيسي بين كوسوفو وصربيا في ميردار (رويترز)

كوسوفو تعيد فتح معبرين حدوديين مع صربيا

أعادت كوسوفو فتح معبرين مع صربيا السبت بعد إغلاقهما خلال الليل إثر تظاهرات على الجانب الصربي أدت إلى توقف حركة المرور، وفق ما أعلن وزير الداخلية الكوسوفي.

«الشرق الأوسط» (بريشتينا)
آسيا بالونات يعتقد أن كوريا الشمالية أطلقتها تحلق في السماء (رويترز)

لليوم الثاني... كوريا الشمالية تُسقط «بالونات قمامة» على جارتها الجنوبية

ذكر الجيش الكوري الجنوبي، اليوم (الخميس)، أن كوريا الشمالية أرسلت بالونات تحمل، على الأرجح، قمامة إلى كوريا الجنوبية لليوم الثاني على التوالي.

«الشرق الأوسط» (سيول)
شمال افريقيا اصطفاف السيارات أمام معبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس (أرشيفية - داخلية حكومة الدبيبة)

60 مليون دولار خسائر إغلاق معبر «رأس جدير» بين تونس وليبيا

قدر «المعهد الوطني لرؤساء المؤسسات» بتونس، في تقرير له، الخسائر الاقتصادية المترتبة عن إغلاق معبر رأس جدير بين ليبيا وتونس لعدة أشهر بـ180 مليون دينار تونسي.

«الشرق الأوسط» (تونس)

اصطياد أول حوت زعنفي لأغراض تجارية منذ نصف قرن في المجال البحري الياباني

صورة أرشيفية تظهر حوتاً زعنفياً أمام جبال جليدية على الساحل الشمالي لجزيرة إليفانت في القارة القطبية الجنوبية (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة أرشيفية تظهر حوتاً زعنفياً أمام جبال جليدية على الساحل الشمالي لجزيرة إليفانت في القارة القطبية الجنوبية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

اصطياد أول حوت زعنفي لأغراض تجارية منذ نصف قرن في المجال البحري الياباني

صورة أرشيفية تظهر حوتاً زعنفياً أمام جبال جليدية على الساحل الشمالي لجزيرة إليفانت في القارة القطبية الجنوبية (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة أرشيفية تظهر حوتاً زعنفياً أمام جبال جليدية على الساحل الشمالي لجزيرة إليفانت في القارة القطبية الجنوبية (أرشيفية - أ.ف.ب)

نشرت الشركة الرئيسية لصيد الحيتان في اليابان صوراً، اليوم الأربعاء، لأول حوت زعنفي يتم اصطياده لأغراض تجارية في المجال البحري الياباني منذ نحو 50 عاماً. ويُعَدّ الحوت الزعنفي ثاني أكبر حيوان في العالم بعد الحوت الأزرق.

وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، تندرج اليابان مع النرويج وآيسلندا ضمن قائمة الدول التي تجيز صيد الحيتان لأغراض تجارية المثير للجدل، وقد أضافت الحوت الزعنفي هذه السنة إلى قائمة الفرائس التي يمكن اصطيادها والتي تشمل أصلاً حيتان المنك وبرايد وساي.

وتُظهر اللقطات التي تلقّتها «وكالة الصحافة الفرنسية» الحوت النافق، في أثناء رفعه على «السفينة الأم» الجديدة لصيد الحيتان في اليابان، بينما يقف موظفون إلى جانب الجيفة أمام الكاميرا ويتأهبون لتقطيعها بسكاكين كبيرة.

وأوضح الناطق باسم شركة «كيودو سينباكو» لصيد الحيتان، ماسوو إيدي، أنها «أول عملية صيد للحيتان الزعنفية منذ عام 1976 في إطار الصيد الياباني للحيتان التجارية».

وشرح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن الحوت الذكر الذي اصطادته سفن أصغر في الأول من أغسطس (آب) قبالة سواحل اليابان، يبلغ طوله 19.61 متر ويزن 55 طناً على الأقل.

وتولى طاقم سفينة «كانجي مارو» التي أُطلِقت في مايو (أيار) تقطيع الجيفة ثم تجميدها وتخزين اللحوم على متنها.

ويصنّف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الحيتان ذات الزعانف ضمن الأنواع «المعرّضة للخطر».

وتم اصطياد أربعة حيتان زعنفية أخرى منذ اصطياد الأول.

وأتيح تذوّق لحم الحوت الزعنفي في مدينة سابورو الشمالية الأسبوع الفائت، وقال تاجر جملة لوسائل الإعلام المحلية إنه «لذيذ وعديم الرائحة».

وأضاف: «لقد غيّر انطباعي عن لحوم الحيتان».

وتعتزم شركة صيد الحيتان تنظيم عملية تذوق أخرى، الجمعة، في طوكيو.

وكانت اليابان التي كانت تعدّ لحوم الحيتان مصدراً أساسياً للبروتين في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، انسحبت من اللجنة الدولية لشؤون صيد الحيتان عام 2019.

وعاودت الدولة الآسيوية مذّاك علناً صيد الحيتان لأغراض تجارية، فقط في مجالها البحري.

وسمحت الحكومة هذه السنة بصيد ما يصل إلى 376 حوتاً، من بينها 59 حوتاً زعنفياً، من بين نحو 19299 حوتاً في مياهها ومنطقتها الاقتصادية الخالصة.

وفي الوقت نفسه، تسعى اليابان راهناً إلى تسلّم الناشط الأميركي الكندي المناهض لصيد الحيتان بول واتسون (73 عاماً) الذي أوقِف في غرينلاند في يوليو (تموز) الماضي.

وشارك واتسون في تأسيس جمعية «سي شيبرد» التي خاض أعضاؤها معركة شرسة ضد سفن صيد الحيتان اليابانية في أعالي البحار في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.