دخلت الأزمة السياسية في مقديشو، منحنى جديداً، باحتضان دولة الجوار، كينيا، تأسيس «مجلس مستقبل الصومال» من جانب قيادات ولايتَي بونتلاند وغوبالاند، و«منتدى الإنقاذ» المعارض، الذين على خلاف مع الحكومة الفيدرالية في ملفات، بينها استكمال الدستور، والانتخابات المباشرة عام 2026.
ذلك المجلس الذي انتقده وزير الدفاع الصومالي أحمد معلم فقي، بأنه يؤسَّس من «أراضٍ أجنبية»، يأتي قبل لقاء محتمل هذا الأسبوع بين رئيس الصومال حسن شيخ محمود، مع رئيس غوبالاند أحمد مدوبي.
تلك التطورات يعدّها خبير في الشؤون الصومالية تحدَّث لـ«الشرق الأوسط»، قد تدفع لسيناريوهات عدة منها تعقيد الأزمة السياسية، مشيراً إلى أن هذا يتوقف على ردود فعل الحكومة الفيدرالية وحدوث الاجتماع الرئاسي المرتقب من عدمه.
وعقب اجتماع في نيروبي، أسَّس رئيسا غوبالاند وبونتلاند أحمد مدوبي وسعيد دني، وزعماء «منتدى الإنقاذ» المعارض رئيسا الوزراء السابقان حسن علي خيري وسعد شردون وعضو البرلمان عبد الرحمن عبد الشكور «مجلس مستقبل الصومال»، وفق إعلام محلي.
وغداة الاجتماع، انتقد وزير الدفاع الصومالي، أحمد معلم فقي، الاجتماع قائلاً في منشور على صفحته بـ«فيسبوك»، إن مستقبل الصومال يجب أن يُحسم داخل البلاد، وليس في «أراضٍ أجنبية تخدم مصالح خارجية»، مؤكداً أن الحكومة الشرعية القائمة هي الجهة الوحيدة المخوّلة برسم توجهات البلاد المستقبلية.
وشدَّد فقي على أن الصومال يعمل حالياً على إنتاج النفط، وتعزيز الأمن، والتحضير للانتقال إلى الاقتراع المباشر، عادّاً أنه من «المؤسف» أن يحاول أشخاص ذوو خلفيات معروفة فرض رؤيتهم من خارج البلاد.
تطور جديد
ويرى المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن تأسيس «مجلس مستقبل الصومال» بمبادرة من رئيسَي بونتلاند وغوبالاند و«منتدى الإنقاذ» المعارض يعدّ تطوراً جديداً في التوازنات السياسية داخل البلاد، لافتاً إلى أن انعقاد التأسيس في كينيا يعطيه طابعاً سياسياً ورسالة غير مباشرة إلى الحكومة الفيدرالية في مقديشو، خصوصاً أنه يأتي في ظل توتر متصاعد بين الحكومة المركزية وبعض الولايات.
ويعتقد أن التصعيد أو التهدئة في المشهد السياسي الصومالي، يتوقفان على نية الأطراف، وكيف ستتعامل الحكومة الفيدرالية مع المجلس، موضحاً أنه في حال استيعاب الحكومة للمبادرة واعتبارها منصة حوار وطني شامل، يمكن أن يُشكِّل المجلس مدخلاً لحوار جاد حول توزيع السلطة، والنظام الفيدرالي، والانتخابات المقبلة.
أما إذا تم التعامل معه بوصفه كياناً معارضاً أو تهديداً مباشراً لسلطة مقديشو، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد سياسي جديد، وربما انقسام أوسع بين المركز والولايات، وفق بري.
ويرى أن رفض وزير الدفاع يشير إلى حساسية مفرطة داخل الحكومة تجاه أي تحرك خارج إطارها الرسمي، خصوصاً مع استضافة كينيا اللقاء، مؤكداً أن هذا الرفض يعكس مخاوف من تدويل الخلافات الداخلية أو ظهور تحالف سياسي مناهض للرئيس حسن شيخ محمود.
ويأتي هذا التطور قبل لقاء مرتقب بين حسن شيخ محمود ومدوبي في مدينة كيسمايو؛ لإجراء محادثات مع مسؤولي غوبالاند؛ تهدف إلى إنهاء حالة الخلافات.
وكشف مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»، الخميس، أن «زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى كيسمايو كانت مقررة الأربعاء، وطلب أحمد مدوبي تأجيلها لبضعة أيام»، موضحاً أن اللقاء المحتمل «لن يقتصر على مناقشة قضية غوبالاند والمصالحة بين مدوبي والرئيس الصومالي، بل سيشمل أيضاً بحث سبل حل جميع الخلافات السياسية في البلاد».
وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012، الشرارة الأبرز لزيادة الخلافات بين الحكومة الفيدرالية مع ولايتَي بونتلاند وغوبالاند من جانب و«منتدى المعارضة»، الذي يترأسه الرئيس الأسبق شيخ شريف شيخ أحمد، من جانب آخر.
إذ رفض الجانبان تعديلات أُجريت في مارس (آذار) 2024، مهَّدت لتغيير نظام الحكم من «البرلماني» إلى «الرئاسي»، وإقرار الذهاب لإجراء الانتخابات المباشرة لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، في عام 2026. وشددا في بيانات وتصريحات، آنذاك، على أهمية «استكمال الدستور وليس تعديله، والعودة عن ذلك المسار».
ووسط تلك الأجواء، أطلقت ولايتا بونتلاند وغوبالاند، في بيان أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي، دعوة للحوار مع الحكومة الفيدرالية في الصومال، في حين اتّجه «المنتدى المعارض» إلى الدعوة لاحتجاجات بالعاصمة مقديشو، أواخر الشهر ذاته، وسط تحذيرات الحكومة من إتمامها واحتمال اعتبارها «تخريبية».
وينتظر أن يكون لقاء حسن شيخ محمود ومدوبي الأول منذ أزمة انتخاب رئيس ولاية غوبالاند في 2024، عقب عدم اعتراف مقديشو به، وتبادل قرارات قضائية بإصدار قرارات باعتقال كل منهما.
وعن تأثير تأسيس المجلس على لقاء حسن شيخ محمود ورئيس غوبالاند، يرجح بري أن يؤدي تأسيس المجلس إلى توتر في الأجواء التحضيرية للقاء، وربما تأجيله أو تجميد نتائجه المتوقعة، مستدركاً: «لكن إذا أحسن الطرفان إدارة الموقف، فقد يتحول اللقاء إلى فرصة لتقريب وجهات النظر واحتواء الأزمة بدل تصعيدها».
3 سيناريوهات
في ضوء ذلك، يتوقع بري 3 سيناريوهات لمستقبل المشهد السياسي الصومالي، الأول: «إيجابي يتمثل في أن يتحول المجلس إلى منبر وطني تشاوري يسهم في بلورة رؤية جامعة للإصلاح السياسي والإداري، خصوصاً مع اقتراب التحضير للانتخابات المقبلة».
والسيناريو الثاني، بحسب بري، سيكون سلبياً، حيث من المتوقع أن يتعمَّق الانقسام بين الحكومة الفيدرالية والولايات، ويُستخدَم المجلس ورقةَ ضغط سياسية أو منصة للمعارضة، مما يعقِّد المشهد ويضعف مؤسسات الدولة.
أما السيناريو الثالث والمرجح حالياً، وفق تقديرات بري، فيتمثل في حالة شد وجذب سياسي بين مقديشو وبعض رؤساء الولايات، مع محاولات وساطة من أطراف محلية وإقليمية لاحتواء التوتر.









