بدأ مجلس النواب المصري، الأربعاء، إعادة مناقشة مشروع قانون «الإجراءات الجنائية»، بعدما ردّه الرئيس عبد الفتاح السيسي، مطالباً بتعديلات على عدد من مواده، تشمل تنظيم «الحبس الاحتياطي»، وإضافة ضمانات جديدة، منها ما يتعلق بحرمة المسكن، وغيرها من المسائل الجوهرية.
وافتتح المجلس، الذي تنتهي ولايته مطلع العام المقبل، دور الانعقاد السادس، ببيان ألقاه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وجّه فيه الشكر للمجلس على «تعاطيه المسؤول» مع ملاحظات الرئيس على «الإجراءات الجنائية»، مشيراً إلى أن الملاحظات «تجسد الحرص العميق على تعزيز الحقوق والحريات، وترسيخ دعائم دولة القانون، بما يضمن أن يصدر القانون في صورة أكثر شمولاً وتعبيراً عن تطلعات المواطنين».
وأضاف مدبولي: «الرئيس مارس صلاحياته الدستورية بمسؤولية وحرص بالغ على تحقيق التوازن بين سيادة القانون وحماية المجتمع، وضمان عدالة النصوص التشريعية»، مؤكداً التزام الحكومة «بالحوار والتكامل مع البرلمان، من أجل إخراج منظومة تشريعية متكاملة تُعد نموذجاً في الانضباط والعدالة واحترام حقوق الإنسان».

وتركّزت اعتراضات السيسي على بعض القضايا المرتبطة بضمانات حرمة المسكن، وتنظيم الحبس الاحتياطي، والإعلانات القضائية، إلى جانب اقتراح بأن يكون سريان القانون مع بداية العام القضائي الجديد، وليس بمجرد نشره، نظراً لما يستلزمه من إنشاء مراكز إعلانات هاتفية تتبع وزارة العدل، وتجهيزها على مستوى المحاكم الجزئية.
ومن بين ملاحظات الرئيس: «غياب تعريف محدد للخطر الذي يجيز دخول المسكن»، وهو ما قد يفتح الباب أمام تفسيرات واسعة تمس الضمانات الدستورية المتعلقة بحرمة المسكن، بالإضافة إلى ما يرتبط بتنظيم استجواب المتهمين في حالات الضرورة، حيث لم تُمنح النيابة العامة الصلاحيات الكافية بما يوازي ما هو مقرر لمأموري الضبط القضائي، فضلاً عن النص الذي أجاز إيداع المتهم في بعض الجرائم من دون تحديد مدة قصوى، ودون اشتراط أمر قضائي مسبب، وهو ما عدّته الرئاسة «انتقاصاً من ضمانات الحرية الفردية».
ورأى السيسي، بحسب خطابه للبرلمان أن «بدائل الحبس الاحتياطي جاءت محدودة للغاية، واقتصرت على ثلاث فقط، في حين أن استحداث بدائل إضافية يمنح جهات التحقيق مرونة أكبر في إدارة القضايا، مع تأكيد ضرورة النص على العودة إلى الإعلان التقليدي في حال تعطل الوسائل الإلكترونية، وإلزام الإعلان خلال 24 ساعة».
وعقدت اللجنة العامة للمجلس اجتماعاً عقب الجلسة العامة بحضور وزيري العدل والشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي لمناقشة كتاب الرئيس وبيان رئيس الحكومة، ودراسة المشروع المعترض عليه، والمبادئ والنصوص محل الاعتراض، وإعداد تقرير بها وعرض ذلك على المجلس.
وقال عضو مجلس النواب عصام العمدة لـ«الشرق الأوسط»، إن اللجنة العامة ستشكل لجنة خاصة تكون مهمتها وضع الصياغات البديلة المقترحة للمواد التي تطرق لها الرئيس في كتابه إلى البرلمان، مشيراً إلى أن «إشادة الرئيس وتقديره للمجهود المبذول في إعداد مشروع القانون على مدار سنوات، تعكس تفهماً لحجم ما جرى إنجازه».
وأضاف العمدة: «التصور الحالي مقتصر على تعديل المواد التي تطرق إليها الرئيس فحسب»، متوقعاً «الانتهاء من التعديلات قبل نهاية دور الانعقاد الحالي للمجلس، الذي يفترض أن ينتهي مطلع العام المقبل مع انتهاء ولاية المجلس».
واستبق الحزب «المصري الديمقراطي الاجتماعي» جلسة البرلمان، بعقد «مائدة مستديرة» مساء الثلاثاء، لمناقشة مشروع القانون، بمشاركة نقيب الصحافيين وعدد من المحامين، حيث طالب المشاركون بإعادة دراسة للقانون من مختلف جوانبه، بما في ذلك فلسفته الأساسية، والاستفادة من مقترحات «المجلس القومي لحقوق الإنسان»، و«الحوار الوطني»، و«نقابة الصحافيين»، مع الانفتاح على المعايير الدولية وضمانات المحاكمة العادلة.
كما طالبوا وفق إفادة صدرت عن الحزب، بمراجعة موضوعات جوهرية، مثل حقوق المتهم، وضمانات حرمة السكن، وضوابط الحبس الاحتياطي، ومنع تحوله إلى عقوبة، إضافة إلى إزالة الغموض التشريعي، وضمان جاهزية البنية القضائية لتطبيق القانون، مؤكدين أن لائحة المجلس تسمح بإعادة النظر في مختلف مواد مشروع القانون، وليس التي تطرق إليها الرئيس فقط.
وواجه القانون وقت مناقشته في البرلمان خلال أبريل (نيسان) الماضي، اعتراضات عدة من «نادي القضاة» وبعض الحقوقيين، وسط مطالبات بتعديلات لمواد عدة، فيما دعت منظمات حقوقية البرلمان إلى فتح مجالات التعديل لمواد أخرى بخلاف التي ذكرها الرئيس في خطابه للمجلس.
لكن عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان ضياء الدين داوود، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن ملاحظات الرئيس جاءت من أجل فض بعض التشابكات الموجودة في القانون، وإيضاح بعض النقاط بشكل أكثر دقة، مشيراً إلى أن الوقت المتبقي من عمر المجلس لا يسمح على الأرجح بإعادة مناقشة جميع المواد؛ نظراً لضيق دور الانعقاد، وانشغال النواب خلال الفترة المقبلة بالانتخابات النيابية.





