تصنيع عسكري مصري - تركي مشترك يتوج التقارب بين البلدين

يشمل إنتاج طائرات مُسيّرة ومركبات

الجانبان المصري والتركي يوقّعان اتفاقية التصنيع المشترك (صفحة السفير التركي في القاهرة)
الجانبان المصري والتركي يوقّعان اتفاقية التصنيع المشترك (صفحة السفير التركي في القاهرة)
TT

تصنيع عسكري مصري - تركي مشترك يتوج التقارب بين البلدين

الجانبان المصري والتركي يوقّعان اتفاقية التصنيع المشترك (صفحة السفير التركي في القاهرة)
الجانبان المصري والتركي يوقّعان اتفاقية التصنيع المشترك (صفحة السفير التركي في القاهرة)

عزّزت مصر وتركيا من تعاونهما العسكري عبر الإعلان عن تصنيع مشترك لإنتاج طائرات مُسيّرة ومركبات، في خطوة جديدة تتوج تقارباً أقدمت عليه الدولتان خلال السنوات الأخيرة، بعد سنوات من القطيعة.

وأعلن السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شن، عبر حسابه على منصة «إكس»، مساء الثلاثاء، توقيع اتفاقية لإنتاج طائرات من دون طيار ذات إقلاع وهبوط عمودي (في تول - يواف) في القاهرة بين شركة «هافيلسان» التركية لتقنيات الدفاع، و«الهيئة العربية للتصنيع» في مصر.

ولم تذكر «الهيئة العربية للتصنيع»، التابعة لوزارة الإنتاج الحربي المصرية، تفاصيل الاتفاق، مكتفية ببيان الثلاثاء، أشار إلى تعاون بينها وبين شركة «هافيلسان» التركية في مجالات التصنيع المختلفة؛ «لجذب الاستثمارات، وتلبية احتياجات السوق المحلية، وفتح منافذ جديدة للتصدير، طبقاً لرؤية مصر للتنمية المستدامة 2030».

أثناء اجتماع مسؤولي «الهيئة العربية للتصنيع» مع قيادات شركة «هافيلسان» التركية (صفحة الهيئة العربية للتصنيع)

ويعدّ التعاون العسكري بين البلدين ركيزة أساسية في الزيارات المتبادلة على مستوى رؤساء الدولتين خلال العام الماضي، التي أفرزت عقد أول اجتماع للحوار العسكري رفيع المستوى بين البلدين في العاصمة التركية أنقرة خلال شهر مايو (أيار) الماضي.

ويحقق التصنيع المشترك فائدة مشتركة للطرفين، لأنه يمنح أفقاً لمزيد من التعاون السياسي والأمني على مستوى تأمين حقول غاز شرق المتوسط، التي تسعى تركيا إلى أن تحقق مكاسب فيها تتجاوز الخلافات العميقة مع اليونان وقبرص، كما أنها تحقق للقاهرة أهدافاً عسكرية مهمة مع امتلاك تقنيات تكنولوجية متطورة في مجال «المُسيّرات»، وفقاً لخبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

الرئيس عبد الفتاح السيسي يستقبل نظيره التركي إردوغان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

ويُشكّل الوصول إلى نقطة التصنيع العسكري المشترك «أعلى مراتب العلاقات الثنائية بين الدول»، بحسب أستاذ العلوم السياسية بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا المصرية، اللواء نصر سالم، الذي أشار إلى أن «مصر تبحث عن الجودة في تصنيع المُسيّرات، ووجدت تجاوباً سياسياً من تركيا».

وأخذت خطوات تطبيع العلاقات وقتاً طويلاً حتى وصلت إلى التوافق على إجراءات رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين في أغسطس (آب) من عام 2023، وذلك بعد عشر سنوات تقريباً من القطيعة والجفاء بسبب المواقف التركية الداعمة لتنظيم «الإخوان» (مصنف بوصفه إرهابياً في مصر)، قبل أن يأخذ مسار العلاقات خطوات أسرع دعّمها تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وتبادل الزيارات على المستوى الرئاسي التي فتحت أبواب التعاون العسكري.

زيارة رئيس الأركان المصري الفريق أحمد خليفة إلى تركيا في مايو الماضي (صفحة المتحدث العسكري)

وأضاف سالم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تصنيع مصر لطائرات من دون طيار متقدمة تكنولوجياً يمنحها تفوقاً عسكرياً، ويأتي ضمن خطط تنويع مصادر التسليح، سواء عبر الصفقات المتعددة، أو التعاون المشترك في التصنيع».

ويعد اسم الطائرة «في تول» اختصاراً لعبارة (الإقلاع والهبوط العمودي)،إذ إن الطائرة لا تحتاج إلى مدرج، ويمكنها الإقلاع والهبوط عمودياً، وتمتاز بكفاءة ومرونة طيرانها، وطول مداها، وتستخدم الآن على نطاق واسع في المراقبة ورسم الخرائط والمسح وغير ذلك، وفقاً لما نشرته منظمة «تي درونز»، وهي هيئة ابتكار عالية التقنية تُركز على تصنيع المُسيّرات.

وقال رئيس وحدة الدراسات الدولية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أحمد قنديل، إن «الوصول لمرحلة التصنيع المشترك يعد تطوراً طبيعياً لتنامي العلاقات المصرية - التركية، وهدف الدولتين لمسايرة تنامي التكنولوجيا العسكرية الفاعلة في حرب أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على إيران».

وقلّل قنديل في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، من أن «يكون الهدف من التعاون هو خلق موازين قوى عسكرية جديدة بالمنطقة، على أساس أن الدولتين تهدفان للحفاظ على استقرار المنطقة، كما أن الصراعات المفتوحة حالياً أثبتت أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على توجيه دفة الأوضاع نحو التصعيد أو التهدئة».

مسؤولو «الهيئة العربية للتصنيع» في مصر وشركة «هافيلسان» التركية (صفحة الهيئة العربية للتصنيع)

وتعد إسرائيل من أكبر منتجي ومصدري الطائرات المُسيَّرة بالمنطقة، إذ مثلت المسيرات 25 في المائة من إجمالي صادراتها من السلاح عام 2022، حسب بيان لوزارة الدفاع الإسرائيلية.

كما استطاعت تركيا هي الأخرى أن توقع عقود تصدير من خلال شركة «بايكار» المنتجة للمُسيّرات في عام 2022 إلى 27 دولة، بإجمالي عائدات 1.18 مليار دولار، وفقاً لتقارير رسمية.

ويرى الباحث في مركز تحليل السياسات في إسطنبول، محمود علوش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العلاقات بين مصر وتركيا تمضي في تدرج متصاعد خصوصاً في مجال الصناعات الدفاعية، ويُعبّر ذلك عن رغبة مشتركة بصفتهما قوتين إقليميتين، ولن يقتصر التعاون على مجال المُسيّرات لكن سيشمل أسلحة أخرى سيتم الإعلان عنها».

وتضمنت تدوينة السفير التركي في القاهرة الحديث عن صفقة أخرى تتعلق بـ«إنتاج المركبات الأرضية غير المأهولة بين شركة (هافيلسان) التركية ومصنع (قادر) المصري التابع لوزارة الإنتاج الحربي».

وينعكس هذا التعاون، وفقاً لعلوش، على «تأمين مصالح البلدين في شرق المتوسط، وضمان سد الثغرات التي تقوض الحل في ليبيا، والتعامل مع التهديدات المتصاعدة في القرن الأفريقي، وكذلك إيجاد رؤى مشتركة بشأن القضية الفلسطينية، وتخفيف هواجس الدولتين من صعود إسرائيل بوصفه قوة إقليمية مهيمنة في المنطقة».

وزاد قنديل بتأكيده أن «تركيا تسعى عبر التعاون الاستراتيجي مع مصر، إلى تحقيق أقصى استفادة من موارد الطاقة الطبيعية في منطقة شرق المتوسط، وإن لم تصل لاتفاق لترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، من خلال خلق ما يمكن تسميته بشرق متوسط جديد بعد فترة من الاضطرابات بالمنطقة».

وسبق أن زودت تركيا مصر بالمُسيّرة التركية «بيرقدار تي بي 2» خلال صفقة جرى الإعلان عنها في فبراير (شباط) الماضي، تزامناً مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى مصر، كما نفّذ البلدان تدريبات عسكرية مشتركة بين وحدات من القوات الخاصة التركية والمصرية، أُجريت على الأراضي التركية، في مايو الماضي.


مقالات ذات صلة

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

شمال افريقيا منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

محمد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)

أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

انطلقت من القاهرة، الأحد، أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان، تحمل نحو 70 طناً من الأغذية والمستلزمات الطبية.

عصام فضل (القاهرة )
شمال افريقيا الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)

علاء عبد الفتاح يثير أزمة في بريطانيا... و«شماتة» مصرية

أثار ترحيب رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر بوصول الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح إلى لندن، بعد سنوات من سجنه في مصر، قبل صدور عفو عنه، أزمة واسعة.

أحمد عدلي (القاهرة)
الاقتصاد مصر تعيش انتعاشة سياحية في الربع الأخير من عام 2025 (تصوير: عبد الفتاح فرج)

الفنادق المصرية كاملة العدد بموسم إجازات «رأس السنة»

وسط توقعات بتحقيق أرقام قياسية في أعداد السائحين خلال عام 2025 أكد مسؤولون مصريون أن موسم احتفالات رأس السنة شهد إقبالاً واسعاً

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا مقر وزارة الداخلية في مصر (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)

«الداخلية المصرية» تنفي وفاة محتجز بسبب التعذيب

أكَّد مصدر أمني، الأحد، عدم صحة ما تم تداوله على إحدى الصفحات التابعة لجماعة «الإخوان» بمواقع التواصل الاجتماعي بشأن وفاة متهم داخل أحد أقسام الشرطة بالجيزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.