«الصحة العالمية» لـ«الشرق الأوسط»: وضع غزة حرج جداً ويستدعي تدخلاً دولياً فورياً

مديرتها الإقليمية أكدت أن المجاعة تشكل خطراً وجودياً

فلسطينيون يملأون أوعية بالماء من مركز توزيع في دير البلح بوسط غزة الثلاثاء (رويترز)
فلسطينيون يملأون أوعية بالماء من مركز توزيع في دير البلح بوسط غزة الثلاثاء (رويترز)
TT

«الصحة العالمية» لـ«الشرق الأوسط»: وضع غزة حرج جداً ويستدعي تدخلاً دولياً فورياً

فلسطينيون يملأون أوعية بالماء من مركز توزيع في دير البلح بوسط غزة الثلاثاء (رويترز)
فلسطينيون يملأون أوعية بالماء من مركز توزيع في دير البلح بوسط غزة الثلاثاء (رويترز)

حذرت «منظمة الصحة العالمية» من أن الوضع الكارثي في غزة لم يعد يحتمل الانتظار، مطلقة صرخة للمجتمع الدولي بالتدخل الفوري، لوضع حد لخطر وجودي يداهم أهل غزة، موثقة 746 هجوماً إسرائيلياً على قطاع الصحة. وشددت على أنه في غياب الوقود، فإن الخدمات الصحية الحرجة معرضة للإغلاق التام، خصوصاً في ظل غياب البدائل الفعالة، واستمرار التهديدات الأمنية، في ظل تعرض المرافق الصحية والعاملين الصحيين للاستهداف المباشر.

وقالت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط: «الوضع الصحي في غزة كارثي، ومستمر في التدهور بوتيرة متسارعة. فالنظام الصحي بالكاد يعمل بسبب الأعمال العدائية المستمرة، والحصار، وانعدام المقومات الأساسية لتشغيل المرافق الصحية».

الدكتورة حنان بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط (الشرق الأوسط)1

أضافت بلخي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة، لا تعمل منها سوى 18 بشكل جزئي، وتعمل تحت ظروف شديدة الخطورة، وتعاني من نقص حاد في الوقود والإمدادات الطبية الأساسية».

وأوضحت أن هناك وحدات حيوية مثل العناية المركزة، وأقسام الطوارئ، وأجنحة غسيل الكلى، ومحطات الأكسجين تواجه خطر التوقف الكامل نتيجة انعدام الوقود الذي لم يدخل غزة منذ أكثر من 120 يوماً.

وشددت على أن تعقيدات الوضع الأمني أدت إلى تفاقم صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية، حيث إن ما يقارب 90 في المائة من غزة يخضع حالياً لأوامر إخلاء، أو جرى تصنيفه مناطقَ عسكرية مغلقة، ما يقيّد حركة المرضى والعاملين الصحيين والمساعدات الإنسانية تقييداً شديداً.

وقالت: «في الوقت نفسه، تواجه المستشفيات والمراكز الصحية ضغوطاً غير مسبوقة بسبب الارتفاع الهائل في عدد الإصابات، وتزايد أعداد المرضى الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل... كل ذلك يحدث في وقت تُستنزف فيه الموارد الطبية يومياً، وتتعطل سلاسل الإمداد بشكل حاد، ما يجعل تقديم الرعاية المنقذة للحياة تحدياً بالغاً».

صبي فلسطيني يجر وعاء ملأه بالماء من مركز توزيع في دير البلح بوسط غزة الثلاثاء (رويترز)

وأضافت: «إن القيود المفروضة على دخول الفرق الطبية الدولية التي تنسقها المنظمة أعاقت جهود الاستجابة، حيث رُفِضَ دخول 58 طبيباً واختصاصياً طبياً منذ شهر مارس (آذار)، فيما تُفاقِم أزمة التمويل هذا الوضع، إذ لم يُمَوَّل سوى 16 في المائة فقط من خطة الاستجابة التنفيذية للمنظمة في فلسطين لعام 2025».

خطورة الكارثة الصحية وتداعياتها

أكدت بلخي أن «ما تشهده غزة اليوم هو كارثة إنسانية وصحية متعددة الأبعاد، وغير مسبوقة من حيث الحجم والحدة. فمنذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فقد أكثر من 60 ألف شخص حياتهم، وأُصيب أكثر من 145 ألفاً آخرين، بينهم نسبة عالية من النساء والأطفال... الأرقام والأوضاع الإنسانية والصحية تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يواجهها السكان المدنيون. إلا أن المأساة لا تتوقف عند الإصابات الجسدية والصدمات النفسية، إذ باتت غزة اليوم تواجه خطراً وجودياً يتمثل في المجاعة».

نازحون بينهم أطفال يحاولون الحصول على طعام من مطبخ خيري في مدينة غزة الاثنين (إ.ب.أ)

وأوضحت أنه «في شهر يوليو (تموز) وحده، توفي 77 شخصاً بسبب سوء التغذية، من بينهم 27 طفلاً دون سن الخامسة. ومنذ أبريل (نيسان)، تَلَقَّى أكثر من 20 ألف طفل العلاج من سوء التغذية الحاد، منهم أكثر من 3 آلاف في حالة حرجة. بالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من 40 في المائة من النساء الحوامل والمرضعات يعانين من سوء التغذية الحاد».

ووفق بلخي، فإن المراكز الأربعة الوحيدة للتغذية العلاجية في غزة تعمل فوق طاقتها، وتعاني من نقص حاد في الإمدادات والوقود، ومع توقع نفاد المخزون بحلول منتصف أغسطس (آب)، هناك خطر كبير بتوقف كامل لخدمات التغذية المنقذة للحياة.

وحذرت من «أن الأثر التراكمي لكل هذه العوامل لا يهدد النتائج الصحية الحالية فحسب، بل يهدد استمرارية النظام الصحي على المدى الطويل، ويحرم السكان من حقهم في العيش بكرامة».

فتاة نازحة تبكي وهي تنتظر الحصول على طعام من مطبخ خيري في مدينة غزة الاثنين (إ.ب.أ)

الاحتياجات الصحية

أشارت بلخي إلى «أن الاحتياجات الصحية في غزة هائلة، ومعقدة، وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم. فهناك أكثر من 14 ألف مريض بحاجة إلى إجلاء طبي عاجل لتلقي العلاج المنقذ للحياة خارج القطاع، منهم مرضى السرطان، وأصحاب الأمراض المزمنة، وأطفال في حالات حرجة، فلم يعد بالإمكان علاجهم محلياً بسبب انهيار النظام الصحي».

وقالت: «إن المرافق الصحية التي لا تزال تعمل تكافح للاستمرار وسط نقص شديد في الأدوية الأساسية، مثل المضادات الحيوية، والإنسولين، وأدوية السرطان، والمستلزمات الجراحية الحرجة. علاوة على ذلك، فإن أزمة الوقود طويلة الأمد تهدد بإغلاق وحدات العناية المركزة، وأجهزة غسيل الكلى، ومولدات الأكسجين، وغرف العمليات».

أضافت: «إن السكان الأكثر ضعفاً، ومنهم الأطفال، والنساء الحوامل والمرضعات، وكبار السن، هم الأكثر تأثراً. فهناك أكثر من 40 في المائة من النساء الحوامل والمرضعات يعانين من سوء تغذية حاد، كما يتم إدخال آلاف الأطفال شهرياً إلى المستشفيات بسبب مضاعفات تهدد حياتهم مرتبطة بالجوع».

فلسطيني يطعم طفلة من حساء عدس في مدينة غزة الأحد الماضي (أ.ف.ب)

وشددت على أن تلبية هذه الاحتياجات العاجلة لا تتوقف عند توفير الخدمات الصحية فقط، بل تتطلب تدفقاً مستمراً للإمدادات الطبية، وضمان وصول العاملين في المجال الإنساني من دون عوائق، واستعادة الحد الأدنى من القدرة التشغيلية للمرافق الصحية، مشيرة إلى أن حجم الاحتياج يستدعي تدخلاً دولياً فورياً، وواسع النطاق، يشمل دعماً طبياً ولوجستياً ومالياً.

تحديات تواجه عمل المنظمة

أكدت بلخي أن منظمة الصحة العالمية تواجه تحديات جسيمة في أداء مهامها في غزة، وعلى رأسها التحديات الأمنية، مبينة أنه في 21 يوليو، تعرضت مقار إقامة موظفي المنظمة في دير البلح لثلاث هجمات.

ولفتت إلى أنه جرى إجلاء الموظفين وأُسَرِهم تحت قصف مكثف، ولا يزال أحد الموظفين قيد الاحتجاز، وتطالب المنظمة بالإفراج الفوري عنه، فيما تَعَرَّضَ المستودع الرئيس للمنظمة لأضرار جزئية، وسُرِقَ لاحقاً.

وقالت: «بالإضافة إلى أن التهديدات الأمنية لا تطال منظمة الصحة العالمية وحدها، بل تشمل وكالات الأمم المتحدة الأخرى العاملة في غزة، وتواجه المنظمة صعوبات كبيرة في إدخال الإمدادات الطبية بسبب محدودية الموافقات على دخول الشحنات».

سليم عصفور (85 عاماً) المصاب بسوء تغذية حاد يغسل وجهه خارج خيمة عائلته في خان يونس الأحد الماضي (إ.ب.أ)

وأضافت: «إن القيود المفروضة على دخول الفرق الطبية الدولية التي تنسقها المنظمة أعاقت جهود الاستجابة، حيث رُفِضَ دخول 58 طبيباً واختصاصياً طبياً منذ شهر مارس، فيما تُفاقِم أزمة التمويل هذا الوضع، إذ لم يُمَوَّل سوى 16 في المائة فقط من خطة الاستجابة التنفيذية للمنظمة في فلسطين لعام 2025».

الخطة الإسعافية

وقالت بلخي: «رغم المخاطر الجسيمة والقيود الكبيرة، فإن المنظمة تظل ملتزمة بالبقاء في غزة، ومواصلة عملياتها. فمنذ الأول من أغسطس، نجحت المنظمة في إدخال 24 شاحنة مساعدات إلى غزة تحمل أدوية أساسية، ولوازم جراحية، ومستلزمات مخبرية، وأطقم اختبار مياه. وتُسَلَّم هذه الإمدادات إلى المستشفيات التي تعمل فوق طاقتها بهدف الحفاظ على استمرارية عملها».

ودعمت المنظمة مؤخراً، وفق بلخي، إجلاء 47 مريضاً لأسباب طبية يرافقهم 129 مرافقاً إلى دول منها إسبانيا وتركيا وفرنسا والنرويج والأردن، فيما تعمل المنظمة على ضمان تدفق آمن ومستدام للإمدادات الطبية والوقود إلى غزة.

ولفتت إلى الاستمرار في المطالبة بالإفراج الفوري عن الموظف المحتجز، وضمان حماية العاملين الصحيين والمرافق الطبية، بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني، فيما تجدد منظمة الصحة العالمية التزامها بتوسيع نطاق استجابتها، بالتعاون مع الشركاء، رغم التحديات الهائلة على الأرض.


مقالات ذات صلة

الشرطة الإسرائيلية: مقتل شخصين في هجوم شنه فلسطيني 

المشرق العربي مركبات للشرطة الإسرائيلية تعمل أثناء مداهمة في الضفة الغربية... 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

الشرطة الإسرائيلية: مقتل شخصين في هجوم شنه فلسطيني 

قالت السلطات الإسرائيلية ​اليوم الجمعة إن شخصين قتلا في هجوم نفذه فلسطيني بالطعن والدهس في ‌شمال ‌إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز) play-circle

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

ندّدت 14 دولة من بينها فرنسا وبريطانيا، الأربعاء، بإقرار إسرائيل الأخير إنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلة داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز) play-circle

الرئيس الفلسطيني: ماضون في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان اليوم الأربعاء، إن السلطة ماضية في تنفيذ برنامج إصلاحي وطني شامل، يهدف إلى تطوير وتحديث المنظومة القانونية والمؤسسية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
TT

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)

بعد 9 أشهر من الإنكار والتكتم، أقرّت الجماعة الحوثية بخسارة إحدى أهم وحداتها القتالية، مع تشييع قائد سلاح الطيران المسيّر اللواء زكريا حجر وعدد من أبرز معاونيه، الذين يرجح أنهم قُتلوا في غارة أميركية استهدفتهم داخل أحد المنازل بحي الجراف شرق صنعاء خلال شهر رمضان الماضي.

الاعتراف الحوثي المتأخر أعاد فتح ملف الخسائر العسكرية الثقيلة التي مُني بها جناح الجماعة العسكري، وكشف جانباً من حجم الضربات التي طالت بنيته القيادية والتقنية خلال الأشهر الماضية.

وجاء هذا الإقرار من قبل الجماعة المتحالفة مع إيران بعد أشهر من إقرار مماثل بمقتل رئيس هيئة أركانها محمد الغماري، عبر مراسم تشييع نُظمت في صنعاء.

وشملت مراسم تشييع حجر، التي أقيمت الخميس، كلاً من مدير العمليات في وحدة الطيران المسيّر اللواء محمد الحيفي، واللواء عبد الله حجر، والعميد أحمد حجر، والعميد حسين الهاشمي. ويُعد هؤلاء من أبرز القادة في وحدة الطيران المسيّر التي أُنشئت بإشراف وتدريب مباشر من الحرس الثوري الإيراني والجناح العسكري لـ«حزب الله» اللبناني، وشكّلت خلال السنوات الماضية أحد أهم أذرع الحوثيين في تنفيذ الهجمات العابرة للحدود.

الحوثيون تعمّدوا التكتم على خبر مقتل حجر 9 أشهر (إعلام محلي)

وعلى الرغم من أن هذه الخسارة تُعد ثاني أكبر خسارة تعترف بها الجماعة بعد مقتل الغماري، فإن اللافت في مراسم التشييع كان الغياب شبه الكامل للقيادات العسكرية البارزة. إذ غاب وزير دفاع الجماعة محمد العاطفي، الذي تُرجّح مصادر إصابته في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً للحكومة غير المعترف بها في نهاية أغسطس (آب) الماضي، ومنذ ذلك الحين اختفى عن الأنظار.

كما غاب رئيس هيئة الأركان الجديد يوسف المدني، إلى جانب معظم القادة العسكريين، واقتصر الحضور على مفتي الجماعة شمس الدين شرف الدين، والقائم بأعمال رئيس الحكومة غير المعترف بها محمد مفتاح، في مؤشر فسّره مراقبون بحجم الإرباك الذي تعانيه القيادة العسكرية للجماعة.

ضربات موجعة

يرى مراقبون عسكريون أن الهجمات الأميركية التي استهدفت مخابئ القادة الحوثيين ومخازن أسلحتهم ومراكز القيادة والسيطرة، قبل التوصل إلى هدنة بين الطرفين، كادت أن تُخرج القوة الصاروخية وسلاح الطيران المسيّر عن الخدمة. فقد خسر الحوثيون خلال تلك الضربات أبرز كوادرهم المتخصصة، من قائد الوحدة ومسؤول العمليات والدراسات، إلى المسؤولين التقنيين والمشرفين على ورش تركيب وتجهيز الطائرات المسيّرة، إضافة إلى مختصين بعمليات الإطلاق والتوجيه.

غياب القادة العسكريين لجماعة الحوثي عن مراسم التشييع (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، وصفت منصة «ديفانس أونلاين» المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية زكريا حجر (39 عاماً) بأنه خبير محوري في منظومة الصواريخ وبرنامج الطيران المسيّر لدى الحوثيين، وأحد الفنيين الذين عملوا إلى جانب خبراء ومستشارين من «الحرس الثوري» و«فيلق القدس»، إضافة إلى جنسيات عربية، على تطوير القدرات القتالية للجماعة.

وأشارت المنصة إلى أن حجر يرتبط بعلاقة مصاهرة مع عائلة عبد الملك الحوثي، وأن عدداً من إخوته وأفراد أسرته يشغلون مواقع مهمة داخل هياكل الجماعة.

وحسب المعلومات، جرى تعيين حجر عقب اجتياح صنعاء ضمن هياكل وزارة الدفاع التابعة للجماعة، ومنح رتبة عسكرية رفيعة، قبل أن يتولى الإشراف على برنامج الطيران المسيّر ضمن منظومة «القوة النوعية» المرتبطة بالمجلس الجهادي للحوثيين. وتؤكد مصادر متطابقة أن هذه الوحدة لعبت دوراً رئيسياً في الهجمات التي استهدفت العمق اليمني ودول الجوار وخطوط الملاحة الدولية.

اعترافات متأخرة

تشير منصة «ديفانس أونلاين» إلى أن حجر يُعد من العناصر المطلوبين للقضاء اليمني، وقد ورد اسمه ضمن قائمة قيادات خضعت للمحاكمة أمام القضاء العسكري في مأرب منذ مطلع 2022، بتهم تتعلق بالتمرد والقتل والإرهاب.

كما أدرجه التحالف الداعم للشرعية ضمن قوائم الإرهاب في أغسطس (آب) من العام نفسه، إلى جانب أربعة آخرين، لارتباطهم المباشر بعمليات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وتهريب الأسلحة الإيرانية، والمشاركة في الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.

ويؤكد الصحافي المتخصص في شؤون الحوثيين، عدنان الجبرني، أن وحدة الطيران المسيّر تلقت «ضربات قاتلة» جراء الغارات الأميركية التي نُفذت خلال الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وأوضح أن حجر قُتل في غارة استهدفت منزلاً بحي الجراف، ومعه اثنان من أبرز مساعديه، أثناء تناول وجبة الإفطار في شهر رمضان، إلا أن الجماعة فرضت تعتيماً مشدداً على هوية المستهدفين.

ناشطون حوثيون كشفوا عن مقتل ثمانية من أشقاء حجر خلال تجنيدهم مع الجماعة (إكس)

وفي نعي آخر، أقرت قيادات حوثية بأن حجر قُتل قبل مصرع محمد الغماري، الذي يُرجّح أنه لقي حتفه في غارة استهدفت منزلاً بحي حدة جنوب صنعاء، كان الحوثيون قد استولوا عليه وحولوه إلى مركز للعمليات العسكرية، رغم ترويج شائعات آنذاك عن نجاته ومغادرته المكان قبل دقائق من الضربة.

وتجمع مصادر حكومية ومراقبون على أن هذه الخسائر القيادية والتقنية كانت عاملاً رئيسياً وراء عرض الحوثيين هدنة مع الجانب الأميركي، التزموا بموجبها بوقف استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، مقابل وقف الضربات الأميركية التي استهدفت قيادات مهمة في جناحهم العسكري، ودمرت مخازن سرية للأسلحة ومراكز للقيادة والسيطرة في صنعاء وصعدة والحديدة.

ويذهب هؤلاء إلى أن الاعتراف المتأخر بمقتل قادة الطيران المسيّر يعكس حجم الضرر الذي أصاب أحد أهم أذرع الجماعة، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من إعادة ترتيب الصفوف تحت ضغط الخسائر.


إجماع يمني واسع خلف الموقف السعودي لاحتواء التصعيد في الشرق

الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
TT

إجماع يمني واسع خلف الموقف السعودي لاحتواء التصعيد في الشرق

الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)

اصطفت الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، إلى جانب الهيئات المجتمعية والقبلية في حضرموت، والمؤسسات الرسمية، خلف البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية بشأن التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، في مشهد يعكس إجماعاً على أولوية التهدئة ورفض فرض الوقائع بالقوة، والتمسك بمسار الدولة والحل السياسي الشامل.

وقد رأت المكونات اليمنية أن البيان السعودي، بما تضمنه من دعوة واضحة لعودة قوات المجلس الانتقالي إلى ثكناتها السابقة والخروج من المحافظتين وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف، يعدّ مدخلاً أساسياً لمعالجة الأزمة ومنع انزلاقها نحو تعقيدات أعمق تمس السلم المجتمعي والمركز القانوني للجمهورية اليمنية.

في هذا السياق، رحب تكتل الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، الذي يضم طيفاً متنوعاً من القوى الوطنية، بالبيان السعودي، معتبراً أنه يمثل جوهر المعالجة المطلوبة في هذه المرحلة الحساسة.

وأكدت الأحزاب، في بيان، أن الموقف السعودي يعكس حرصاً واضحاً على احتواء التصعيد، ومنع أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة، لما لذلك من انعكاسات مباشرة على الأمن والاستقرار ووحدة الصف الوطني.

موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (إ.ب.أ)

وجددت الأحزاب اليمنية دعمها لجهود مجلس القيادة الرئاسي في إدارة الأزمة، داعية المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الاستجابة العاجلة لمقتضيات التهدئة وتغليب لغة الحكمة والعقل، وتهيئة المناخ لمعالجة القضية الجنوبية معالجة عادلة وشاملة ضمن الأطر المتوافق عليها ووفق مخرجات الحوار الوطني، واتفاق الرياض، وإعلان نقل السلطة.

كما حذرت من أن الممارسات الأحادية قد تضر بعدالة القضية الجنوبية نفسها، وتهدد مكتسباتها السياسية، وتدفع بها نحو مسارات إقليمية معقدة تعزلها عن محيطها وتقصيها عن أي تسويات مستقبلية.

وأشادت الأحزاب بالموقف السعودي الثابت من القضية الجنوبية بوصفها قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، مثمنة في الوقت ذاته التنسيق القائم بين السعودية والإمارات لاحتواء التوتر ودعم مسار الحل السياسي الشامل. وشددت على ضرورة تنفيذ اتفاق الرياض كاملاً ودون انتقائية، باعتباره الضامن الحقيقي لمنع تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاً.

من جهته رحب الحزب الاشتراكي اليمني بالبيان السعودي، معتبراً أنه يعكس حرصاً صادقاً على أمن واستقرار اليمن، ويؤكد أن معالجة الأوضاع يجب أن تتم حصرياً عبر مؤسسات الدولة وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والتحالف.

وأكد الحزب أهمية ضبط النفس وتغليب المصلحة العامة بوصفهما مدخلاً ضرورياً لتهيئة الأجواء أمام حلول سياسية مستدامة، مجدداً التأكيد على أن القضية الجنوبية لا يمكن حلها إلا عبر حوار وطني جامع ضمن تسوية شاملة.

مواقف مجتمعية وقبلية

على الصعيد المجتمعي، عبّر حلف قبائل حضرموت عن ترحيبه الكبير بالبيان السعودي، مشيداً بما تضمنه من مواقف وصفها بالمسؤولة والأخوية، ومؤكداً أن المملكة كانت ولا تزال سنداً للشعب اليمني في مختلف المراحل. وأشاد الحلف بالجهود المتواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، والخروج العاجل والسلس للقوات التابعة للمجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة.

كما اعتبرت قيادة العصبة الحضرمية البيان السعودي، إلى جانب موقف السلطة المحلية في حضرموت، خريطة طريق لا غنى عنها لحماية المحافظة من الانزلاق نحو الفوضى، وشددت على ضرورة الخروج الفوري وغير المشروط لجميع القوات غير المحلية، محذرة من أي التفاف على هذا المطلب الذي اعتبرته تعبيراً صريحاً عن إرادة الحضارم.

تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي الأحادية في حضرموت والمهرة قوبلت برفض يمني واسع (إ.ب.أ)

بدوره، أعلن مجلس حضرموت الوطني تأييده الكامل للبيان السعودي، معتبراً إياه موقفاً مسؤولاً يهدف إلى حماية مصالح أبناء حضرموت والمهرة ومنع أي تصعيد عسكري غير منسق.

وأكد المجلس أن أي تحركات عسكرية خارج الأطر المؤسسية تمثل تجاوزاً للإجماع الوطني، وتزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني، مشدداً على أهمية احترام صلاحيات السلطة المحلية وتسليم المعسكرات وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

أما مجلس الشورى اليمني، فرحب بالبيان السعودي بوصفه موقفاً واضحاً من التصرفات الأحادية التي أقدم عليها المجلس الانتقالي دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع التحالف.

وعدّ المجلس أن هذه التحركات تمثل خرقاً لاتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، وإضعافاً لوحدة الصف الوطني، ومساساً بالمركز القانوني للدولة اليمنية.

ودعا مجلس الشورى المجلس الانتقالي إلى سرعة الاستجابة لنداء التهدئة والخروج من المحافظتين، حفاظاً على مصلحة أبناء الجنوب واليمن عموماً، وتوجيه الجهود والطاقات نحو مواجهة الخطر الحقيقي المتمثل في الانقلاب الحوثي.


مواقف خليجية وعربية وإسلامية تدعم المسار السعودي للتهدئة شرق اليمن

حشد في مدينة عدن من أتباع المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن شمال اليمن (أ.ب)
حشد في مدينة عدن من أتباع المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن شمال اليمن (أ.ب)
TT

مواقف خليجية وعربية وإسلامية تدعم المسار السعودي للتهدئة شرق اليمن

حشد في مدينة عدن من أتباع المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن شمال اليمن (أ.ب)
حشد في مدينة عدن من أتباع المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن شمال اليمن (أ.ب)

توالت المواقف العربية والخليجية والإسلامية المرحِّبة بالبيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية بشأن التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، في تأكيد سياسي ودبلوماسي واسع على أولوية خفض التصعيد، ورفض الإجراءات الأحادية، والدعوة إلى العودة للمسار السياسي والحوار، بما يحفظ وحدة اليمن وسيادته، ويصون السلم المجتمعي في واحدة من أكثر المراحل حساسية في مسار الأزمة اليمنية.

وجاءت هذه المواقف بعد أن حددت السعودية بوضوح مسار التهدئة في المحافظات الشرقية، مؤكدة دعمها الكامل لرئيس مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، ووصفت التحركات العسكرية التي شهدتها حضرموت والمهرة بأنها تمت بشكل أحادي ودون تنسيق مع القيادة السياسية الشرعية أو قيادة التحالف، ما أدى إلى تصعيد غير مبرر أضر بمصالح اليمنيين وبجهود السلام.

وأكد البيان السعودي أن معالجة القضية الجنوبية لا يمكن أن تتم عبر فرض الأمر الواقع بالقوة، بل من خلال الحل السياسي الشامل، والحوار الجامع، مع كشفه عن إرسال فريق عسكري سعودي–إماراتي مشترك لوضع ترتيبات تضمن عودة القوات إلى مواقعها السابقة، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، تحت إشراف قوات التحالف.

دعم خليجي وإسلامي

أعربت مملكة البحرين عن دعمها الكامل للجهود التي تقودها السعودية والإمارات لتعزيز الأمن والاستقرار في اليمن، داعية جميع القوى والمكونات اليمنية إلى التهدئة وعدم التصعيد، واللجوء إلى الحوار والحلول السلمية، وتجنب كل ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار.

كما أكدت رابطة العالم الإسلامي تضامنها التام مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضائه والحكومة اليمنية، مثمنة الجهود الجليلة التي بذلتها السعودية والتحالف العربي لمساندة الشعب اليمني، واحتواء التحركات العسكرية التي وصفتها بالخطرة على وحدة الصف الوطني، والخارجة عن إطار القيادة السياسية الشرعية.

ورحبت الرابطة بالبيان السعودي، معتبرة مضامينه دعوة صادقة لتجنيب اليمنيين تداعيات التصعيد، ودعت المجلس الانتقالي الجنوبي إلى سرعة الاستجابة لنداء الحكمة والوحدة، وتغليب لغة الحوار في معالجة مختلف القضايا، بما في ذلك القضية الجنوبية العادلة، حفاظاً على السلم والأمن المجتمعي.

من جانبها، شددت دولة الكويت على أهمية تضافر الجهود الدولية والإقليمية لخفض التصعيد، وتهيئة بيئة سياسية بناءة تقوم على الحوار، بما يحفظ وحدة اليمن وسيادته ويلبي تطلعات شعبه نحو مستقبل آمن ومستقر، مؤكدة دعمها للجهود التي تقودها السعودية والإمارات لدفع العملية السياسية نحو حل شامل ومستدام.

إجماع عربي ودولي

على المستوى العربي، جدد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط التأكيد على الموقف العربي الموحد الداعم لوحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، محذراً من أن التطورات في حضرموت والمهرة من شأنها تعقيد الأزمة اليمنية والإضرار بوحدة التراب الوطني.

ودعا أبو الغيط، الأطراف اليمنية، ولا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى خفض التصعيد وتغليب المصلحة العليا للشعب اليمني، مشدداً على أن القضية الجنوبية ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، ويتعين معالجتها ضمن حوار سياسي شامل يفضي إلى تسوية مستدامة تعالج جذور الأزمة.

كما أكدت قطر دعمها الكامل للجهود التي تعزز السلم والأمن المجتمعي في اليمن، مشددة على ضرورة التعاون بين جميع الأطراف اليمنية لتجنب التصعيد، وحل القضايا العالقة عبر الحوار والوسائل السلمية، بما يحفظ وحدة اليمن وسلامة أراضيه، ومثمّنة في الوقت نفسه الجهود التي تقودها السعودية والإمارات لدفع مسار التهدئة.

بدورها، جددت مصر موقفها الثابت الداعم للشرعية اليمنية، وحرصها على وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، مؤكدة أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية وصون مقدرات الشعب اليمني، بما يسهم في استعادة الاستقرار، ويضمن أمن الملاحة في البحر الأحمر وأمن المنطقة ككل.

قوات تُدير نقطة تفتيش أمنية في مدينة عدن خلال مسيرة تُطالب باستقلال جنوب اليمن (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، أعربت عُمان عن متابعتها باهتمام للتطورات في حضرموت والمهرة، مثمنة الجهود التي تبذلها السعودية للتوصل إلى حلول سلمية، وداعية إلى تجنب التصعيد والعودة إلى المسار السياسي، وحوار شامل يضم مختلف أطياف الشعب اليمني.

كما رحبت الإمارات بالجهود الأخوية التي تقودها السعودية لدعم الأمن والاستقرار في اليمن، مؤكدة التزامها بدعم كل ما يسهم في تعزيز الاستقرار والتنمية، بما ينعكس إيجاباً على أمن المنطقة وازدهارها.