3 لقاءات بين زعيمي إثيوبيا والصومال... لماذا تأخر إتمام «إعلان أنقرة»؟

آبي أحمد وشيخ محمود يجتمعان في أديس أبابا... ولا حديث عن أزمة «المنفذ البحري»

الرئيس الصومالي يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للأمن الغذائي العالمي بأديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للأمن الغذائي العالمي بأديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

3 لقاءات بين زعيمي إثيوبيا والصومال... لماذا تأخر إتمام «إعلان أنقرة»؟

الرئيس الصومالي يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للأمن الغذائي العالمي بأديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للأمن الغذائي العالمي بأديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)

لقاء جديد بين رئيس الصومال حسن شيخ محمود، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، يعد الثالث عقب إعلان أنقرة لإنهاء أزمة المنفذ البحري بين البلدين، دون أن تدفع تلك اللقاءات في التوصل إلى اتفاق بخصوص تلك الأزمة التي استمرت لنحو عام.

ووفق البيانات الرسمية، لم يتطرق اللقاء الجديد بين حسن شيخ محمود وآبي أحمد بأديس أبابا، الأحد، لإعلان أنقرة الذي أعلن في ديسمبر (كانون الأول) 2024، والذي حدد فترة تبدأ من فبراير (شباط)، وتصل إلى نحو 4 أشهر لإبرام اتفاق.

ويرجع مصدر صومالي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، تأخير إعلان الاتفاق حتى الآن، رغم مرور شهر على موعده «لظروف عدم نضوج الاتفاق وخلاف حول حق إثيوبيا في منفذ بحري، وحرص البلدين على التعاون الأمني بمواجهة (حركة الشباب) الإرهابية لتفادي أي تصعيد»، مستبعداً أن ينهار إعلان أنقرة رغم عدم الالتزام بمواعيده المعلنة مسبقاً.

وحل رئيس الصومال، ضيفاً الأحد، على أديس أبابا لحضور مؤتمر الأمم المتحدة للأمن الغذائي العالمي، والتقى على هامشه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وناقش «العلاقات الثنائية والوضع في المنطقة»، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وأكد الجانبان «أولوية العمل المشترك لمكافحة الإرهاب الذي يهدد بقاء شعوب المنطقة وتنميتها»، بينما قال آبي أحمد في منشور عبر حسابه بمنصة «إكس»: «تربط إثيوبيا والصومال علاقات تاريخية وثقافية ودبلوماسية راسخة، ونحن ملتزمون بتعزيز علاقاتنا الأخوية».

واستقبل الرئيس الصومالي لدى وصوله إلى مطار بولي الدولي، نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، تيمسجن تيرونه، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الإثيوبية الأحد.

شيخ محمود وآبي أحمد يلتقيان مجدداً في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)

وتدهورت العلاقات بين الجارتين، إثيوبيا والصومال، منذ توقيع أديس أبابا في 1 يناير (كانون الثاني) 2024، اتفاقية مع «أرض الصومال»، تسمح لها باستخدام سواحل الإقليم على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال أرض الصومال، وسط رفض مصري - عربي - صومالي. وتلاها في أبريل (نيسان) 2024، إعلان مقديشو طرد السفير الإثيوبي من البلاد.

وبعد جولات عدة بين الصومال وإثيوبيا، رعتها تركيا التي لها وجود لافت بالبلدين بداية من يوليو (تموز) 2024، تلتها جولة ثانية في أغسطس (آب)، صدر إعلان أنقرة في ديسمبر (كانون الأول) والقاضي بالذهاب لمحادثات انطلقت في فبراير (شباط) الماضي، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن أزمة الميناء البحري في غضون 4 أشهر، بمساعدة تركية.

المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري، يرى أن لقاءات شيخ محمود وآبي أحمد كانت بهدف استعادة العلاقات الدبلوماسية رسمياً بعد القطيعة، والتركيز على التعاون الأمني والعسكري ضد حركة الشباب الإرهابية.

وأوضح أن «ما جرى في أنقرة كان إعلاناً لإطلاق محادثات تقنية وليس اتفاقاً نهائياً، وتأخر التنفيذ بسبب خلافات عميقة، حيث الصومال يرفض رسمياً أي اتفاق يعطي إثيوبيا منفذاً بحرياً عبر أرض الصومال، لأنه يُعدّ تهديداً لوحدة أراضيه».

ويضيف بري سببين إضافيين لتأخر إتمام إعلان أنقرة رغم تعدد لقاءات الزعيمين الصومالي والإثيوبي، أحدهما يتعلق بوجود «ضغط داخلي قوي جداً في الصومال ضد أي تسوية تُفسَّر بوصفها اعترافاً ضمنياً باستقلال أرض الصومال، والثاني مرتبط بحساسية إقليمية ودولية تجعل تركيا تلعب دور وسيط دون فرض حلول، مما يبطئ الوصول إلى صيغة نهائية».

وكانت أزمة المنفذ البحري حاضرة في اللقاءين السابقين وبياناتهما الرسمية، فبعد شهر من توقيع إعلان أنقرة، وصل حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا، واستقبله آبي أحمد، وأفادت وكالة الأنباء الصومالية بأن الزيارة «تأتي عقب (اتفاق أنقرة) الذي توصل إليه البلدان أخيراً في تركيا، وتعكس مواصلة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين».

وبعد شهر، استقبل شيخ محمود، في فبراير (شباط)، آبي أحمد، لدى وصوله إلى مقديشو، في زيارة قالت وكالة الأنباء الصومالية آنذاك، إنها تهدف إلى «فتح صفحة جديدة تقوم على التعاون والاحترام المتبادل، بعد إعلان إثيوبيا، في ديسمبر الماضي، التراجع عن اتفاق أثار خلافات بين البلدين».

وعقب اللقاء الثاني آنذاك بين شيخ محمود وآبي أحمد، أصدرت حكومتا البلدين بياناً مشتركاً وقتها، أكدتا خلاله أن «الزيارة تأتي في إطار الجهود المتواصلة لتطبيع العلاقات الثنائية»، وسط ترحيب زعيمي الصومال وإثيوبيا بـ«انطلاق المحادثات الفنية في أنقرة، مؤكدين التزامهما بالحوار البنَّاء والتعاون».

ويعتقد برى أن «اللقاء الأحدث في أديس أبابا تجنب الحديث عن الاتفاق، لأن الوفدين فضّلا التركيز على الملفات العملية الخاصة بدور إثيوبيا في البعثة الأفريقية لمواجهة حركة الشباب والتعاون الأمني ضد الحركة»، مضيفاً: «أي إعلان عن أي تقدّم في ملف أنقرة دون نتيجة واضحة، سيُعرّض الحكومة الصومالية لانتقادات شديدة في الداخل».

ولا يتوقع المحلل السياسي الصومالي أن يُبرم الاتفاق قريباً، مضيفاً: «الأرجح استمرار التأجيل في المدى القريب بسبب تعقيد الملف المتعلق بأرض الصومال، واستمرار الانقسام الداخلي في الصومال».

ويستدرك: «لكن لا يزال هناك مسار تفاوض فني قائم برعاية تركيا، وقد يُنتج صيغة (غير نهائية) أو إطاراً جديداً في الأشهر المقبلة، إذا حدث تقدّم».

ويخلص بري إلى أن «الاتفاق لم ينهَر، لكن لم ينضج بعد ليُوقَّع رسمياً»، مؤكداً أن «اللقاءات الأخيرة ركزت على التعاون الأمني لتفادي مزيد من التصعيد، فيما بقيت القضايا السيادية مؤجلة لحين نضوج ظروف سياسية أو إقليمية مناسبة».


مقالات ذات صلة

الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

العالم العربي عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

أكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «خطوة إسرائيل سوف تعطى ذرائع لـ(الشباب) عبر إعادة النشاط واكتساب بيئة حاضنة ومتطوعين جُدد».

وليد عبد الرحمن (القاهرة )
العالم العربي جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

«الجامعة العربية» تدين اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

أدان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، الأحد، بـ«أشد العبارات اعتراف إسرائيل بانفصال إقليم الشمال الغربي بالصومال ما يسمى (أرض الصومال)»

فتحية الدخاخني (القاهرة)
خاص جانب من مدينة أنتاناناريفو عاصمة مدغشقر وأكبر المدن فيها وتحمل أهمية اقتصادية وتجارية منذ تأسيسها (الشرق الأوسط)

خاص رئيس مدغشقر لـ«الشرق الأوسط»: خطة اقتصادية ثلاثية المحاور للنهوض بالبلاد

قال رئيس مدغشقر، مايكل راندريانيرينا، إن بلاده ترى السعودية «الشريك الرئيسي» في مرحلة «إعادة التأسيس»، كاشفاً عن خطة اقتصادية ثلاثية لاستعادة الاستقرار.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
شمال افريقيا كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)

مصر تعزز علاقاتها الاقتصادية بجيبوتي بالتوازي مع تطور توافقهما السياسي

تُعزز مصر علاقتها الاقتصادية مع جيبوتي، وذلك بالتوازي مع توافق البلدين السياسي في ملفات مختلفة بينها «أمن البحر الأحمر».

وليد عبد الرحمن (القاهرة )
شمال افريقيا شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

هل يقلل «رفض ترمب» جدوى قرار الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»؟

طوفان ردود فعل اجتاح موقف الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، وبخلاف الرفض العربي، كان تفاعل دونالد ترمب بـ«السخرية من ذلك الإقليم».

محمد محمود (القاهرة )

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.