الانفلات الأمني في إب اليمنية لمعاقبة منتقدي الفساد

مقتل أحد السكان بعد تهديده بكشف وقائع فساد وإطلاق متهمين بجرائم خطيرة

سكان إب يتهمون الحوثيين بفرض وجودهم في المحافظة بالفوضى الأمنية والفساد (غيتي – أرشيفية)
سكان إب يتهمون الحوثيين بفرض وجودهم في المحافظة بالفوضى الأمنية والفساد (غيتي – أرشيفية)
TT

الانفلات الأمني في إب اليمنية لمعاقبة منتقدي الفساد

سكان إب يتهمون الحوثيين بفرض وجودهم في المحافظة بالفوضى الأمنية والفساد (غيتي – أرشيفية)
سكان إب يتهمون الحوثيين بفرض وجودهم في المحافظة بالفوضى الأمنية والفساد (غيتي – أرشيفية)

تشهد محافظة إب اليمنية ازدياداً في الجرائم ووقائع الانفلات الأمني تثير هلع السكان وخوفهم، وتزامن مقتل شخص في ظروف غامضة بعد انتقاده فساد السلطات الحوثية واتهامها بالوقوف ضده في خلافات عائلية، مع إطلاق سجين متهم بجرائم خطيرة.

وعُثِر، الاثنين الماضي، على جثة فكري الجراني، من سكان مركز المحافظة التي تبعد 193 كيلومتراً عن جنوب صنعاء، خلف جامع عائشة وسط المدينة، وعليها آثار عدة طعنات، في حين التزمت أجهزة أمن الجماعة الحوثية الصمت، وسط مطالبة السكان لها بكشف غموض الجريمة وإلقاء القبض على منفذيها، وحمّلوها المسؤولية الكاملة عن هذه الحادثة وغيرها من الحوادث الأمنية في المحافظة الخاضعة لسيطرتها.

وذكرت مصادر محلية مطلعة في المحافظة لـ«الشرق الأوسط» أن السكان يتهمون أجهزة أمن الجماعة بالتعاطي المستهتر وغير المسؤول مع الجريمة، وعدم تفعيل أدوات التحري والتحقيق، والاكتفاء بزيارة موقعها والتحفظ على الجثة؛ خصوصاً أن الضحية كان يشتكي من تلقيه تهديدات باستهداف حياته وسلامته الجسدية.

وتساور سكان مدينة إب الشكوك بارتباط الجريمة بكتابات للقتيل على مواقع التواصل الاجتماعي هدد فيها بكشف فساد ونهب ممتلكات واستغلال للوظيفة العامة، إلى جانب تصريحه بتلقي تهديدات باستهداف حياته بعد خلافات عائلية حُرم بسببها من أولاده، واشتكى من فساد أجهزة الأمن والقضاء التي رفضت إنصافه وتجاهلت شكاواه.

أجهزة الأمن الحوثية تتساهل في قضايا أمنية خطيرة تشهدها مدينة ومحافظة إب (إكس)

ونقلت المصادر أن الواقعة زادت من استياء وسخط السكان من تدهور الأمن في المحافظة، وتقاعس أجهزة أمن الجماعة الحوثية في أداء مهامها، بل واتهامها في الوقت ذاته بالتواطؤ مع عصابات إجرامية، وتسهيل إفلاتها من المحاسبة والعقاب، وإطلاق سراح متهمين بجرائم خطيرة من السجون.

تهريب السجناء

جاءت هذه الواقعة بعد نحو أسبوع من هروب متهم بالشروع في القتل من سجن في المحافظة، يقول السكان إن قادة أمنيين في الجماعة الحوثية تواطأوا معه مقابل رشوة مالية.

وأوردت مصادر محلية أن المتهم جرى تهريبه من سجن قسم شرطة «مَيْتَم» في مديرية ريف إب، بعد دفع رشوة مالية لقادة أمنيين قُدرت بنحو 5 آلاف و600 دولار (3 ملايين ريال، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ534 ريالاً).

سجون محافظة إب شهدت هروب عشرات المتهمين بقضايا خطيرة خلال السنوات الماضية (إكس)

وشهدت محافظة إب خلال السنوات الماضية عدداً من حوادث هروب السجناء، سواء من السجن المركزي، حيث يقضي المتهمون عقوبتهم أو يخضعون للمحاكمة، أو من سجون أقسام الشرطة التي يحتجزون فيها قيد التحقيق فيما ينسب إليهم من اتهامات.

وفي فبراير (شباط) الماضي، تمكن 4 من المتهمين بقضايا جنائية، من الهروب من أحد السجون الاحتياطية التي تديرها الجماعة الحوثية في المحافظة إلى جهة مجهولة، بالتزامن مع جريمة قتل ارتكبها سجين فار في مدينة القاعدة جنوبي المحافظة، ولا يزال الجاني طليقاً.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وجهت مصادر قانونية في مديرية ذي السفال التابعة لمحافظة إب، أصابع الاتهام لقيادات أمنية حوثية بإخراج الجاني من سجن أمن المحافظة بصفقة مشبوهة، جرى فيها نقله إلى سجن قسم شرطة في مدينة القاعدة، حيث تمكن من الهروب رفقة محتجزين آخرين.

معاقبة منتقدي الفساد

شهدت الأسابيع الماضية من الشهر الحالي حوادث أمنية متفرقة اتهمت الجماعة الحوثية بارتكابها أو تدبيرها ضمن ما يقول السكان إنها مساعٍ لترهيبهم ونشر الفوضى والانقسام المجتمعي في أوساطهم.

مستشفى عمومي في إب يحمل اسم أحد رموز الثورة اليمنية فرض الحوثيون هويتهم على مظهره (إكس)

وقال ناشط حقوقي في المحافظة لـ«الشرق الأوسط» إن طبيعة الجرائم والحوادث الأمنية، إلى جانب ملاحقة الناشطين ومنتقدي الفساد، تجبر السكان على التزام الصمت خوفاً على حياتهم وسلامتهم.

وكشف الناشط، الذي طلب التحفظ على بياناته للحفاظ على سلامته، أن المحافظة تشهد خلال الأشهر الأخيرة وقائع انتهاكات متنوعة مرتبطة بانتقاد الفساد والنافذين الحوثيين.

ويجري، بحسب الناشط، ملاحقة الأفراد بسبب مواقفهم من قضايا الفساد، ليس فقط من خلال الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وحتى عبر الحديث عنها في اللقاءات العامة للسكان والأسواق ووسائل المواصلات في المدن والأرياف.

دخان في ليل مدينة إب بعد غارة أميركية خلال أبريل الماضي (إكس)

وأوضح الناشط أنه رصد ووثق عمليات مداهمة واقتحام للمنازل، جرى فيها انتهاك الحرمات والاعتداء على النساء والأطفال، ووصفه بالتحدي الصارخ لقيم وأعراف المجتمع التي تُجرم مثل هذه الممارسات، على خلفية حديث مالكي هذه المنازل أو ساكنيها عن وقائع فساد.

كانت إحدى الشخصيات الاجتماعية الموالية للحوثيين في المحافظة قد وقعت ضحية عملية اغتيال أشرف عليها أحد القادة الحوثيين أواخر الشهر الماضي، في واقعة عدّها السكان استمراراً لمسلسل تصفية الجماعة للموالين لها.

ووفقاً لمصادر محلية؛ فإن قيادياً حوثياً استغل خلافات بين الشيخ سام الحريمي، وإحدى العائلات على أراضٍ في مديرية حزم العدين، وساندت أفراداً من هذه العائلة لنصب كمين مسلح للحريمي أسفر عن مقتله.


مقالات ذات صلة

«تقييم الحوادث» في اليمن يؤكد عدم استهداف التحالف مستشفى صرواح الريفي في 2015

الخليج المستشار منصور المنصور خلال المؤتمر الصحافي الأربعاء في الرياض (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يؤكد عدم استهداف التحالف مستشفى صرواح الريفي في 2015

أكد الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن أن مهمته إيضاح الحقائق بحيادية تامة ودون تحيز.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
تحليل إخباري موالون للجماعة الحوثية يرفعون صوراً لزعيمهم خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

تحليل إخباري خوفاً على مشروعهم من الانهيار... دعوات حوثية للبحث عن حلول عاجلة للأزمة اليمنية

برزت أصوات من داخل جماعة الحوثيين تدعو إلى التحرك العاجل والبحث عن مخرج للأزمة اليمنية، تحسباً لتفاقم الأوضاع الإقليمية وتداعياتها المحتملة على الداخل اليمني.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي شاشة عملاقة نصبتها الجماعة في إحدى الساحات بصنعاء لمتابعة التصعيد بين إسرائيل وإيران (إكس)

الحوثيون يحشدون لـ«يوم الغدير» وتأييد إيران

حشد الحوثيون أنصارهم وأجبروا الأهالي على حضور احتفالات «يوم الولاية» واستغلوا الاحتفالات لتأييد إيران في مواجهة إسرائيل، في ظل أوضاع معيشية صعبة يعيشها السكان.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي السعدي مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة (إعلام حكومي)

غروندبرغ: توافق إقليمي واسع للحلّ التفاوضي في اليمن

أمام مجلس الأمن الدولي، أعلن المبعوث الأممي إلي اليمن عن وجود توافق إقليمي واسع للحلّ التفاوضي في اليمن، في حين اتهم مندوب اليمن الحوثيين بعرقلة جهود السلام.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا أدان عدم امتثال إيران لالتزاماتها (رويترز)

اليمن يطالب إيران بالكف عن زعزعة أمنه واستقراره

بالتزامن مع إدانتها لعدم الامتثال لالتزاماتها، طالب اليمن إيران بالكف عن زعزعة استقراره، في حين تشهد مناطق سيطرة الحوثيين تحركات موازية للتوترات في المنطقة

وضاح الجليل (عدن)

دون ذكر أميركا... مصر قلقة من «التطورات الأخيرة» في إيران

لقاء بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني في إسطنبول السبت (الخارجية المصرية)
لقاء بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني في إسطنبول السبت (الخارجية المصرية)
TT

دون ذكر أميركا... مصر قلقة من «التطورات الأخيرة» في إيران

لقاء بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني في إسطنبول السبت (الخارجية المصرية)
لقاء بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني في إسطنبول السبت (الخارجية المصرية)

عبّرت مصر عن «قلقها البالغ» إزاء «التطورات الأخيرة» في إيران، ورغم إدانتها لما وصفته بـ«التصعيد المتسارع»، وتحذيرها من «عواقب خطيرة» على الأمن في المنطقة والعالم، عقب ضربات أميركية، الأحد، على منشآت نووية إيرانية، فإنه كان لافتاً أن القاهرة لم تذكر الولايات المتحدة بالاسم.

وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس بالضرورة ولا مطلوب تعريف ما هو معروف، فالبيان عبّر عن إدانة التصعيد، بعد القصف الأميركي، ومن ثم فالكل يعلم أن مصر تقصد ما قامت به واشنطن، وليس غيرها».

وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً، الأحد، قالت فيه إن مصر تعرب عن «قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة في إيران، وتدين التصعيد المتسارع الذي ينذر بعواقب خطيرة على الأمن والسلم الإقليمي والدولي».

وحسب البيان، حذّرت مصر من «مخاطر انزلاق المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتوتر»، مشددة على أن «الحلول السياسية والمفاوضات الدبلوماسية، وليس الحلّ العسكري، هي السبيل الوحيد نحو الخروج من الأزمة».

جاء ذلك بعدما نفّذت الولايات المتحدة، فجر الأحد، ضربة عسكرية خاطفة وناجحة بحسب الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد منشآت نووية ومواقع استراتيجية داخل إيران، في واحدة من أخطر مراحل التصعيد بين واشنطن وطهران منذ سنوات، بحسب المراقبين.

العلاقة بين القاهرة وواشنطن شهدت توتراً بسبب الخلاف بشأن حرب غزة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

ويرى الخبير المصري بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، أن «مصر لها علاقة تحالف استراتيجي قوية مع الولايات المتحدة، ومن الأساس حصلت توترات في تلك العلاقة خلال الفترة الماضية تتعلق بتباين موقفي البلدين بشأن الوضع في غزة ومسألة تهجير الفلسطينيين، ومن ثم مصر لم ترغب في إشارة بشكل واضح للولايات المتحدة، رغم أن الأخيرة هي من قامت بالضربة على إيران، ما استدعى إصدار ذلك البيان».

وأضاف الشوبكي لـ«الشرق الأوسط»؛ مع ذلك فـ«الإشارة العامة والتعبير عن القلق البالغ من مخاطر انزلاق المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتوتر يظلان توجهات عامة لمصر، فهي عبّرت عن قلقها من الضربة، لكن لم تذكر الولايات المتحدة بالاسم حتى لا تحدث مواجهة مفتوحة ومزيد من التوتر في العلاقات مع البلدين».

وكانت الرئاسة المصرية أصدرت بياناً، مساء السبت، أعلنت فيه عن اتصال السيسي بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وكان لافتاً في البيان أن السيسي أكّد رفض مصر للتصعيد الإسرائيلي ضد إيران، على عكس البيان الذي صدر عقب الضربة الأميركية، ولم يذكر الولايات المتحدة.

وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، كثّفت مصر من اتصالاتها الدبلوماسية لاحتواء الأزمة. وأعلنت الرئاسة المصرية، في بيان، الأحد، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجرى اتصالاً هاتفياً بالسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عُمان، أكّد خلاله أهمية العمل على وقف التصعيد الجاري بين إسرائيل وإيران، محذراً من التبعات الجسيمة لتوسع دائرة الصراع في المنطقة، ومؤكداً ضرورة العودة لمائدة التفاوض حقناً للدماء.

وأشاد السيسي بالدور الذي تقوم به سلطنة عُمان للوساطة بين إيران والولايات المتحدة، مؤكداً ضرورة استعادة مسار المفاوضات وتعزيزه لتجنيب المنطقة ويلات الحرب، ومن جانبه ثمّن سلطان عُمان الجهود المصرية لوقف العنف بالمنطقة، مؤكداً حرص بلاده على العمل المشترك في هذا الإطار، وفق البيان المصري.

كما أجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اتصالين هاتفيين، مع الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، وعبد اللطيف بن راشد الزياني وزير خارجية البحرين، للتشاور والتنسيق بشأن التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة.

ووفق بيان للخارجية المصرية، الأحد، جرى التأكيد على أهمية وقف التصعيد العسكري، ووقف إطلاق النار، وتغليب الحلول السياسية والدبلوماسية كسبيل وحيد للخروج من الأزمة الراهنة والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وضرورة العمل على تجنب انزلاق المنطقة إلى مزيد من الفوضى والتوتر، كما تم التأكيد على ضرورة احترام سيادة الدول ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

ويقول عضو الحزب الجمهوري الأميركي، توم حرب، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الرئيس المصري حريص على علاقته بالرئيس الأميركي ترمب». وأوضح أنه «في وجهة نظر واشنطن أن البيان المصري كان الأولى به أنه يوجه الإدانة لإيران، لأنها هي التي تهدد وهدّدت الأمن في المنطقة لعقود، ومصر نفسها تضررت من جماعة الحوثي في اليمن المدعومة من إيران، التي تستهدف السفن في البحر الأحمر، ما أدّى إلى تضرر كبير لقناة السويس».

من جانبه، يرى الخبير في الشؤون الأميركية والدولية المقيم في نيويورك، محمد السطوحي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «البيان المصري واضح أنه يعبّر بدبلوماسية عن انزعاج ورفض للخطوة الأميركية، لكن الارتباط بأميركا ارتباط زمني فقط، لأنه جاء بعد الهجمات الأميركية مباشرة، بينما جاء تعبير (الإدانة) للتصعيد ومخاطره، دون إشارة واضحة للطرف المسؤول عن هذا التصعيد».

وأضاف: «في مثل هذه المواقف تحاول فيها البيانات الرسمية السير على خط رفيع، يؤكد على الموقف المبدئي دون استخدام لغة تستفز الطرف الأقوى في المعادلة، وبما يهدد المصالح المشتركة. وقد لاحظت أن المواقف السلبية من إيران انعكست في كثير من بيانات الدول التي اكتفت بالقلق والدعوة إلى وقف التصعيد، دون أي تضامن مع طهران، مع تفادى إثارة الغضب الأميركي الإسرائيلي».