إخضاع منتسبي القطاع الزراعي في صنعاء للتعبئة العسكرية

دورات عسكرية في صنعاء لمنتسبي القطاع الزراعي الخاضع للحوثيين (فيسبوك)
دورات عسكرية في صنعاء لمنتسبي القطاع الزراعي الخاضع للحوثيين (فيسبوك)
TT

إخضاع منتسبي القطاع الزراعي في صنعاء للتعبئة العسكرية

دورات عسكرية في صنعاء لمنتسبي القطاع الزراعي الخاضع للحوثيين (فيسبوك)
دورات عسكرية في صنعاء لمنتسبي القطاع الزراعي الخاضع للحوثيين (فيسبوك)

أخضعت الجماعة الحوثية عشرات من المسؤولين والموظفين في القطاع الزراعي الخاضع لها في العاصمة اليمنية المختطفة، صنعاء، للتعبئة الفكرية والعسكرية، ضمن حملات تطييف وتجنيد واسعة، تستهدف كافة فئات المجتمع في عموم مناطق سيطرتها، حسبما أفادت به مصادر مطلعة «الشرق الأوسط».

وألحقت الجماعة -حسب المصادر- منذ أيام، مديري إدارات وأقسام بديوان عام وزارة الزراعة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها ومكتبها في صنعاء، إلى جانب مسؤولين وموظفين آخرين فيما تسمى «المؤسسة العامة للخدمات الزراعية»، و«هيئة البحوث والإرشاد الزراعي»؛ ألحقتهم بدورات تعبوية وقتالية، تحت اسم «دورات طوفان الأقصى».

ووسط ما يعانيه القطاع الزراعي -كغيره من القطاعات الأخرى في مناطق سيطرة الحوثيين- من حالة تدهور كبيرة جراء استمرار السياسات التدميرية للجماعة، والتي قضت على أكثر من ثلث الإنتاج الزراعي اليمني، اتهمت المصادر الجماعة بتحويل المؤسسات الزراعية في مناطق سيطرتها، من أماكن لوضع الخُطط والبرامج المستقبلية للنهوض بقطاع الزراعة، وتقديم الدعم والاستشارة للمزارعين، إلى أخرى للتعبئة، واستهداف منتسبيها بالأنشطة الفكرية والالتحاق بالجبهات.

وزعمت قيادات حوثية تُدير القطاع الزراعي في صنعاء، أن هذه البرامج والدورات العسكرية تأتي ضمن الاستعداد لمواجهة إسرائيل، تنفيذاً لتوجيهات أصدرها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، تحض مسؤولي «إدارات التطييف» في المؤسسات على إطلاق معسكرات تعبئة وتجنيد للعاملين فيها.

إرغام عاملين في قطاع الزراعة على المشاركة في فعالية حوثية بصنعاء (إعلام حوثي)

وتركزت مضامين الدورات التعبوية -حسب المصادر- على إخضاع منتسبي القطاع الزراعي للاستماع إلى خطب ومحاضرات ودروس، يلقيها معممون حوثيون، إضافة إلى الدفع بهم لتلقي تدريبات على القتال في ميادين مفتوحة بضواحي صنعاء.

واشتكى مهندسون وعاملون زراعيون في صنعاء، شاركوا في الدورات الحوثية، لـ«الشرق الأوسط»، من إلزامهم بالحضور لتلقي برامج التعبئة، والقيام بتدريبات عسكرية ليس لها علاقة بالمشكلات التي يعانيها القطاع الزراعي ومنتسبوه.

وذكر بعضهم أن الاستهداف الحالي لهم بالتعبئة والتطييف هو من أجل خدمة أجندات الجماعة الحوثية، بعيداً عن معاناتهم المتصاعدة المتمثلة في حرمانهم من الحقوق، بما فيها الرواتب المنقطعة عنهم منذ عدة سنوات.

استهداف مُكثَّف

ويأتي الاستهداف الحوثي لموظفي القطاع الزراعي، وسط تحركات الجماعة الميدانية في أوساط السكان والعاملين في المؤسسات الحكومية الخاضعة لهم في صنعاء وبقية المناطق، من أجل إرغامهم على حضور برامج فكرية، والمشاركة في دورات عسكرية، استعداداً لإلحاقهم بجبهات القتال بزعم نصرة «القضية الفلسطينية»، وهو امتداد لسلسلة استهدافات سابقة؛ كان آخرها إرغام العاملين بذلك القطاع على تنظيم تظاهرات ووقفات احتجاجية، خدمة لأجندة الجماعة.

الحوثيون يجبرون المزارعين على تقديم قوافل لمقاتليهم في الجبهات (إعلام حوثي)

في السياق نفسه، ذكرت وسائل إعلام حوثية أن القيادي محمد هاجر، المعيَّن مسؤولاً للقطاع الزراعي في صنعاء، دعا خلال الوقفة الأخيرة، مديري وموظفي مكتب الزراعة وفروعه، للتأهب والاستعداد للمشاركة فيما سماها «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس» لمواجهة إسرائيل، ونصرة أهل غزة.

وحث القيادي الحوثي المشاركين على الاستمرار في الانخراط بدورات «طوفان الأقصى» والالتحاق بالجبهات، إلى جانب تقديم الدعم المادي لمصلحة المجهود الحربي.

وعلى مدى الأعوام المنصرمة من عمر الانقلاب الحوثي، دخل القطاع الزراعي -كغيره من القطاعات- في حالة تدهور حادة؛ إذ تفيد تقارير محلية بتضرُّر ذلك القطاع الحيوي بدرجة كبيرة.

ووفق مراقبين اقتصاديين، يعاني المزارعون اليمنيون -خصوصاً في مناطق سيطرة الجماعة- من تحديات وصعوبات عدة، بينها استمرار سيطرة الجماعة على الأسواق المركزية، ورفع رسوم البلدية ورسوم الأسواق، وإرغام المنتجين على دفع الإتاوات، و«التبرع» بجزء من منتجاتهم لمقاتلي الجماعة في الجبهات.


مقالات ذات صلة

حديث حوثي عن غارات غربية استهدفت صنعاء وعمران والحديدة

العالم العربي مقاتلة من طراز «إف 15» تعمل ضمن منطقة القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

حديث حوثي عن غارات غربية استهدفت صنعاء وعمران والحديدة

أقرّ الحوثيون بتلقي خمس غارات استهدفت مواقع في صنعاء والحديدة وعمران الخميس وذلك غداة ضربات تبناها الجيش الأميركي ضد منشأتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

الحارس الحوثي القضائي يشعل خلافات مع أجنحة الجماعة

فجّرت ممارسات الحارس القضائي الحوثي الجديد المكلف مصادرة أموال المعارضين، خلافاً بين أجنحة الجماعة بعد أن امتدت هذه الممارسات إلى أحد وجهاء القبائل المتعاونين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (إ.ب.أ)

غروندبرغ يغادر صنعاء ويحض الحوثيين على خفض التصعيد وإطلاق المعتقلين

حض المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قادة الجماعة الحوثية في صنعاء على خفض التصعيد المحلي والإقليمي وإطلاق المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

كثّفت الجماعة الحوثية من الاعتقالات في صعدة بالتوازي مع إطلاقها سراح عدد من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي»، مقابل ضمانات بعدم القيام بأي سلوك يناهض توجهات الجماعة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

مستودعات الأسلحة الحوثية تستقبل ثانية الضربات الأميركية في السنة الجديدة

أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة الحوثية تحت الأرض في ريف صنعاء الجنوبي وبمحافظة عمران المجاورة شمالاً.

علي ربيع (عدن)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم