تشريع حوثي للتنصل من الالتزام برواتب الموظفين العموميين

تمييز حاد بين المؤسسات وفرض جبايات جديدة

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
TT

تشريع حوثي للتنصل من الالتزام برواتب الموظفين العموميين

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 8 سنوات من إيقاف رواتب الموظفين العموميين في مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها؛ أقرت الجماعة الحوثية تشريعاً خاصاً لدعم فاتورة الرواتب وحل مشكلة صغار المودعين، يقضي بالتنصل من الالتزامات المالية تجاه الموظفين، والتمييز بينهم في الحقوق المالية، وفرض جبايات وزيادات جديدة في رسوم الخدمات العامة.

وذكرت مصادر سياسية في صنعاء، أن البرلمان غير الشرعي الذي تسيطر عليه الجماعة الانقلابية أقر مشروع قانون، تقدمت به حكومتها غير المعترف بها، يقضي بتخلي المؤسسات العمومية عن واجباتها المالية تجاه الموظفين، وتخولها فرض إتاوات ومصادرة أموال من المؤسسات والجهات الإيرادية، محذرة من أن مشروع القانون يخلق تمييزاً خطيراً بين مختلف فئات الموظفين.

بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

ولم يستغرق تمرير القانون أكثر من 3 أيام، وهو ما دأبت عليه الجماعة خلال السنوات الأخيرة، حيث تُعد التشريعات وتقدمها إلى البرلمان غير الشرعي لإقرارها بصفتها إجراءات شكلية فقط لادعاء التزامها بالإجراءات الدستورية.

وحسب المذكرة الإيضاحية للقانون الحوثي، فإن الهدف من هذا التشريع المزمع لا يشمل الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تسيطر عليها الجماعة، في حين يُعطي لأعضاء الحكومة والبرلمان و«مجلس الشورى» وأجهزة القضاء امتيازات مالية أفضل من موظفي باقي المؤسسات الذين سيجري تخفيض رواتبهم وحوافزهم.

وبمقتضى هذا القانون، سيجري فتح حساب خاص باسم وزارة المالية في «البنك المركزي» الخاضع للجماعة في صنعاء، يجري توريد إسهامات شهرية إليه من المؤسسات الإيرادية، وكل موارد «صندوق دعم المعلم والتعليم»، وما نسبته 20 في المائة من إجمالي النفقات والتعزيزات التي يتم صرفها من حساب حكومة الجماعة بشكل شهري، و10 في المائة من تكلفة نفقات البرامج الاستثمارية لوحدات القطاع الاقتصادي العام والهيئات والمصالح المستقلة شهرياً أو ربع سنوي، حسب تعليمات الوزير.

اليمنيون يواجهون أوضاعاً متدهورة في حين يُنفق الحوثيون على مقاتليهم بجمع تبرعات إجبارية (إعلام محلي)

ويقر القانون الحوثي لوزير مالية الجماعة بصلاحيات التحكم بإيرادات ومصروفات الحسابات، وفرض النسب الشهرية على القطاعات الاقتصادية والإيرادية، وسحبها من حساباتها مباشرة في البنوك الحكومية أو الخاصة.

ويوزّع القانون الحوثي الموظفين المستحقين للرواتب إلى ثلاث فئات، تتقاضى الفئة الأولى راتباً كاملاً شهرياً، وهي الفئة التي تتطلّب طبيعة عملها ذلك، ومنها خصوصاً ما يُسمى مجلسا «النواب» و«الشورى» وأجهزة السلطة القضائية، في حين تحصل الفئة الثانية على نصف راتب شهري بصفته حداً أدنى، أما الفئة الثالثة فتحصل على نصف راتب كل ثلاثة أشهر.

وبينما منح القانون وزير مالية الجماعة صلاحية إصدار قرارات بتوزيع هذه الفئات حسب رغبته، رأت مصادر قانونية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التقسيم «سيخضع لاعتبارات طائفية ومناطقية، إلى جانب منح الامتيازات للمقربين من الجماعة».

ومن الجهات الإيرادية التي سيجري الاعتماد عليها في تسديد رواتب الموظفين «صندوق المعلم»، الذي أنشأته الجماعة، وفرضت من خلاله الإتاوات للحصول على إيرادات بحجة تسديد رواتب المعلمين.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وعلى الرغم من مضي 4 سنوات منذ إنشاء الصندوق، ما يزال المعلمون دون رواتب، واضطروا منذ بدء العام الدراسي الماضي إلى الإضراب للمطالبة بها.

ويفرض القانون زيادة الجبايات المفروضة على الخدمات الحكومية، مثل: رسوم المؤسسات الطبية والاتصالات، والرسوم الحكومية، واستصدار الوثائق والبيانات؛ لتغطية إيرادات الجهات الإيرادية التي ستتكفل بتغذية حساب وزارة المالية الخاص بالرواتب.

وتوقعت المصادر القانونية أن يكون هذا القانون «وسيلة من وسائل الجماعة الحوثية للتعامل مع أزمة المحالين إلى التقاعد التي تتوقع ظهورها في الأيام المقبلة، بصفتها جزءاً من برنامج حكومتها التي تسميها حكومة التغيير والبناء، والتي جرى تشكيلها في أغسطس (آب) الماضي، وتهربت في برنامجها من الالتزام بسداد رواتب الموظفين العموميين بشكل منتظم».

إحلال وشيك

وترجح مصادر سياسية وقانونية لـ«الشرق الأوسط» أن تعمل الجماعة الحوثية خلال الأشهر المقبلة على إحالة الآلاف من الموظفين العموميين إلى التقاعد، ضمن إجراءاتها لتغيير هيكل الجهاز الإداري للدولة، بدمج وتقليص عدد من المؤسسات والقطاعات العمومية؛ مما ينتج عنه التخلي عن الكثير من الوظائف وتسريح العاملين فيها.

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وجاء في برنامج الحكومة الحوثية غير المعترف بها، أنها تخطط «للتغلب على التحديات المتمثلة في التراجع الحاد في مستوى الإيرادات، وضغط النفقات العامة الذي أدى إلى تفاقم عجز الموازنة». وهي الموازنة العامة التي لا يُعرف مقدارها أو تفاصيلها، حيث تفرض الجماعة تعتيماً عليها، وتتهم كل من يتساءل أو يتحدث عنها بـ«الخيانة».

وأعلنت الحكومة الانقلابية في برنامجها نيتها لتعزيز ضريبة الدخل، والضريبة العامة على المبيعات، والرسوم الجمركية.

وإلى جانب ذلك، فإن القانون الحوثي يهدف إلى شرعنة إجراءات الجماعة في توظيف أتباعها وإلحاقهم بالجهاز الإداري للدولة، وتسريح الآلاف ممن نزحوا هرباً من ممارساتها أو رفضوا الانصياع لأوامرها وسياساتها.

ووصفت المصادر القانون الحوثي بأنه «تحايل على التزامات الدولة ومؤسساتها تجاه موظفيها، وتحويلها إلى ما يشبه المعونات والمساعدات، في حين أن الرواتب، وفق القوانين والدساتير حول العالم، هي ثوابت من مهام الدولة، ولها موارد محددة لا تخضع لأي إجراءات للتهرب منها، أو تبرير إيقافها».

وأضافت المصادر أن «الانتهاكات الحوثية لحقوق الموظفين العموميين بدأت بقرار منح الجهات الإيرادية صلاحية تغطية نفقاتها وصرف الحوافز لموظفيها حسب تلك الإيرادات، ووفقاً لرؤية القائمين عليها، في حين تم حرمان موظفي الجهات غير الإيرادية من رواتبهم»، مشيرة إلى تحجج الجماعة، عند اتخاذ هذا القرار، بالحرب ومزاعم تعرضها للحصار.

ويحول القرار الحوثي، حسب المصادر ذاتها، جهات الدولة الإيرادية إلى ما يشبه شركات القطاع الخاص، في حين الجهات غير الإيرادية أصبحت بمثابة جمعيات ومؤسسات تطوعية، مع فارق أن موظفي الجهات التطوعية يتقاضون ما يغطي نفقات تطوعهم، في حين ظل موظفو الجهات الحكومية أكثر من 8 سنوات دون رواتب.

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

انقلابيو اليمن يخضِعون أطفالاً معاقين للتعبئة الطائفية

العالم العربي معاقون يشاركون في وقفات احتجاجية تخدم أجندة الجماعة الحوثية (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يخضِعون أطفالاً معاقين للتعبئة الطائفية

أخضعت الجماعة الحوثية عشرات الأطفال اليمنيين المعاقين لتلقي دروس وبرامج تعبوية في العاصمة المختطفة صنعاء، ضمن ما تسميه «دورات توعوية».

العالم العربي معظم قادة المكونات السياسية شاركوا في إحياء ذكرى انتفاضة صالح ضد الحوثيين (إعلام حكومي)

ذكرى انتفاضة صالح تجمع القوى المناهضة للحوثيين

تحولت الذكرى السنوية للانتفاضة التي قادها الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح إلى مناسبة لجمع أغلب القوى السياسية المناهضة للحوثيين المدعومين من إيران.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

حملات حوثية تستهدف مُلاك المطاعم في صنعاء وإب

أطلقت الجماعة الحوثية حملات جباية جديدة تستهدف ملاك المطاعم في العاصمة المختطفة صنعاء ومحافظة إب بغية إجبارهم على دفع إتاوات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي ثلثا سكان اليمن يعيشون في مناطق موبوءة بالملاريا (الأمم المتحدة)

«الصحة العالمية»: 21 مليون يمني معرّضون للإصابة بالملاريا

حذرت منظمة الصحة العالمية من أن 21 مليون يمني معرَّضون للإصابة بالملاريا. وقالت إن الأمطار الغزيرة والفيضانات ألحقت أضراراً بالغة بالبنية التحتية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي الحكومة اليمنية تتهم الجماعة الحوثية بتنفيذ أجندة إيران لتهديد السلم المحلي والإقليمي (رويترز)

ترحيب يمني بتصنيف كندا الحوثيين «منظمة إرهابية»

رحبت الحكومة اليمنية بقرار الحكومة الكندية تصنيف الجماعة الحوثية المدعومة من إيران «منظمةً إرهابيةً»، داعية بقية دول العالم إلى اتخاذ خطوات مماثلة.

«الشرق الأوسط» (عدن)

انقلابيو اليمن يخضِعون أطفالاً معاقين للتعبئة الطائفية

معاقون يشاركون في وقفات احتجاجية تخدم أجندة الجماعة الحوثية (فيسبوك)
معاقون يشاركون في وقفات احتجاجية تخدم أجندة الجماعة الحوثية (فيسبوك)
TT

انقلابيو اليمن يخضِعون أطفالاً معاقين للتعبئة الطائفية

معاقون يشاركون في وقفات احتجاجية تخدم أجندة الجماعة الحوثية (فيسبوك)
معاقون يشاركون في وقفات احتجاجية تخدم أجندة الجماعة الحوثية (فيسبوك)

أخضعت الجماعة الحوثية عشرات الأطفال اليمنيين المعاقين، لدروس وبرامج تعبوية في العاصمة المختطفة صنعاء، ضمن ما تسميه «دورات توعوية» تهدف لتلقينهم الأفكار ذات المنحى الطائفي؛ وذلك بالتزامن مع احتفال العالم في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام بـ«اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة».

وفي ظل ما يعانيه آلاف المعاقين اليمنيين من بؤس وحرمان، وغياب الرعاية والمساعدات الإنسانية، تحدثت مصادر يمنية مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الجماعة الحوثية، «دفعت بعشرات القاصرين من ذوي الإعاقة تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاماً، لتلقي دروس وأنشطة تعبوية تحت اسم دورات تدريبية».

الحوثيون أغلقوا عشرات الجمعيات والمراكز العلاجية لذوي الإعاقة (إكس)

وبحسب المصادر، «استقدمت الجماعة المعاقين الذين ينتسبون إلى 12 منظمة ومؤسسة وجمعية، إلى صنعاء، من محافظات الحديدة وذمار وريف صنعاء وإب وريمة وتعز؛ بغية استهدافهم بالتعبئة الطائفية».

ويتهم عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين»، الجماعة «بمواصلة فسادها وعبثها المستشري في أروقة الصندوق وفروعه بالمحافظات، وسرقة المخصصات المالية التي يتم استقطاعها من جهات إيرادية عدة لمصلحة المعاقين».

وكشف العاملون لـ«الشرق الأوسط»، عن قيام قيادات انقلابية قبل أسبوعين بنهب أموال وكراسي متحركة كانت قدمتها منظمات إنسانية للمعاقين ووزّعتها على جرحاها العائدين من جبهات القتال.

ظروف حرجة

واشتكى ذوو أطفال معاقين في ريف صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من انشغال الجماعة الحوثية باستهداف أبنائهم المعاقين بالتعبئة، «في حين تتجاهل ما يعانيه الكثير منهم من ظروف حرجة جراء استمرار انعدام الخدمات الصحية والتعليمية وتوقف مراكز العلاج الطبيعي وخدمات صرف الأدوية وإجراء العمليات الجراحية، وتركيب الأطراف الاصطناعية».

وذكر «عمار.ن» وهو قريب طفل معاق في صنعاء، أنه لا يزال يتردد منذ نحو أسبوع على صندوق المعاقين الخاضع للجماعة؛ لغرض الحصول على الرعاية الطبية وبعض الخدمات الأخرى لقريبه المصاب بإعاقتين جسدية ونفسية، لكنه لم يجد أي تجاوب من قِبل قادة الجماعة الذين يديرون الصندوق.

تجمُّع لمعاقين يمنيين في إحدى الجمعيات بمحافظة عمران (إعلام حوثي)

ويتحدث ناشطون حقوقيون في صنعاء، عن «استغلال الجماعة الحوثية فئة المعاقين وجميع منتسبي الصناديق والمؤسسات والجمعيات التي تقدم الدعم لتلك الشريحة بمناطق سيطرتها، عبر حشدهم قسراً للمشاركة في وقفات احتجاجية ومسيرات مؤيدة لها، أو من خلال إقامة دورات لغسل أدمغتهم بالأفكار ذات البُعد الطائفي».

ويتزامن ذلك، بحسب المصادر، مع مواصلة الجماعة التصعيد من حجم انتهاكاتها وتعسفها وفسادها بحق الصناديق والجمعيات والمؤسسات الخاصة بالمعاقين ومنتسبيها في مناطق سيطرتها.

ملايين المعاقين

انتهاكات الجماعة الحوثية تأتي مع إقرار الجماعة، بأن نحو 15 في المائة من السكان يعانون أحد أشكال الإعاقات، حيث وصل عدد المعاقين إلى 4.9 مليون شخص.

واعترفت منظمة «انتصاف» التي يديرها الحوثيون، بأن المعاقين يعانون التقييد الشديد في الوصول إلى الخدمات الصحية والمساعدات. ولفتت إلى وجود نحو 16 ألف حالة إعاقة من النساء والأطفال تحتاج إلى تأهيل حركي، وأكثر من 460 ألفاً في حاجة إلى أجهزة مُعينة تساعدهم على الحركة، بينما يحتاج أكثر من 153 ألف معاق إلى أطراف اصطناعية أو أجهزة تقويمية.

أطفال يمنيون في مقرّ لرعاية المعاقين وتأهيلهم بمحافظة تعز (فيسبوك)

وأقرَّت المنظمة الحوثية، بوجود نحو مليوني مُعاق يمني لم تعد تصلهم أي خدمات صحية أو اجتماعية، ونحو 4 ملايين مُعاق يحتاجون إلى الوصول إلى خدمات إعادة التأهيل واستخدامها.

وأكدت أن 90 في المائة من إجمالي عدد المعاقين اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، و40 في المائة منهم محرومون من تلقي العلاج المستمر؛ ما جعلهم عُرضة لانتكاسات صحية. كاشفة عن تعرض 350 مركزاً ومنظمة وجمعية ومعهداً متخصصاً في رعاية وتدريب وتأهيل المُعاقين، للإغلاق من أصل 450 جمعية.

من جهتها، كشفت منظمة إنقاذ الطفولة الدولية، في بيان حديث، عن أن أكثر من مليون طفل في اليمن يعانون الإعاقة. مؤكدة أنها «في اليوم العالمي للمعاقين تكرّم قوتهم وقدرتهم على الصمود».