«شحنة مقديشو» و«اجتماع نيويورك»... القاهرة لمواجهة «تهديدات» أديس أبابا

تنسيق مصري - صومالي - إريتري على «أعلى مستوى»

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

«شحنة مقديشو» و«اجتماع نيويورك»... القاهرة لمواجهة «تهديدات» أديس أبابا

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تحركات مصرية في منطقة القرن الأفريقي عدّها محللون ضمن مساعي القاهرة لمواجهة أي «تهديد محتمل من إثيوبيا»، على ضوء خلافهما بشأن ملف «سد النهضة» الذي تبنيه أديس أبابا على الرافد الرئيس لنهر النيل، وكان أحدثها إعلان هو الأول من نوعه بشأن تقديم القاهرة شحنة مساعدات عسكرية لمقديشو.

والإعلان المصري اللافت عن دعم عسكري للصومال، جاء عقب يوم من اتهام الصومال لأديس أبابا بـ«تمرير شحنة أسلحة إلى انفصاليين»، وبموازاة اجتماع وزاري مصري - صومالي - إريتري، في نيويورك، اتفقت خلاله الدول الثلاث بشأن التنسيق على «أعلى مستوى»، وسط ترقب وقلق من إثيوبيا التي يتهمها الصومال منذ بداية العام بأنها «تشكل تهديداً لاستقرار المنطقة».

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون تصاعد مسار التعاون المصري - الصومالي والاجتماع الثلاثي في نيويورك، بمثابة «محور رفض» تجاه «تهديدات إثيوبيا» المتزايدة بمنطقة القرن الأفريقي، وآخرها اتفاقها مع إقليم انفصالي على خلاف الأعراف والمواثيق الدولية و«زعزعة أمن مقديشو»، وتوقعوا أن تحمل تلك التحركات «رسائل لأديس أبابا وخطوة استباقية لمنع أي تهديد تحاول فرضه كأمر واقع»، معربين عن تخوّفهم من دعم إثيوبي لـ«حرب بالوكالة بزيادة الدعم للانفصاليين وإشعال أزمة جديدة بالمنطقة».

وأعلنت الخارجية المصرية، في بيان صحافي، مساء الاثنين «وصول شحنة من المساعدات العسكرية المصرية إلى مقديشو للجيش الصومالي بهدف دعم وبناء قدراته»، مؤكدة أن ذلك جاء في «إطار دعم مصر لمساعي الصومال الشقيق لتحقيق الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب وصون سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها».

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

وتأتي تلك المساعدات، وفق البيان المصري، في «إطار تنفيذ التزامات مصر بموجب بروتوكول التعاون العسكري الموقع مؤخراً مع الصومال، وتأكيداً على مواصلة الدور المصري المحوري في دعم الجهود الصومالية نحو امتلاك القدرات والإمكانات الوطنية لتحقيق تطلعات الشعب الصومالي الشقيق في الأمن والاستقرار والتنمية».

ووقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود، في القاهرة منتصف أغسطس (آب) الماضي، على «بروتوكول تعاون عسكري (دفاعي)»، كما أعلن السيسي استعداد بلاده للمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية من يناير (كانون الأول) 2025.

تلا ذلك إعلان سفير الصومال لدى مصر، علي عبدي أواري، في بيان صحافي أواخر أغسطس «بدء وصول المعدات والوفود العسكرية المصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو» في إطار تلك المشاركة، ووقتها دعا وزير الخارجية الإثيوبي، تاي أصقي سيلاسي، في مؤتمر صحافي، مقديشو إلى «وقف تحركاتها مع جهات تسعى لاستهداف مصالح إثيوبيا»، محذراً من أن لبلاده «حدوداً للصبر».

سبق ذلك الإعلان المصري الأول من نوعه بشأن التعاون العسكري مع الصومال، لقاء وزراء خارجية مصر بدر عبد العاطي والصومال، أحمد فقي، وإريتريا، عثمان صالح، الاثنين، في لقاء ثلاثي مشترك على هامش مشاركتهم في أعمال الشق رفيع المستوى للدورة الـ79 للجمعية العامة بنيويورك.

وأفادت الخارجية المصرية، الاثنين، في بيان صحافي، بأن «الاجتماع الثلاثي المصري - الصومالي - الإريتري عكس التنسيق المشترك على أعلى مستوى، والإرادة السياسية لدى الدول الثلاث لتحقيق الأهداف والمصالح المشتركة والحفاظ على الاستقرار بالمنطقة واحترام سيادة ووحدة وسلامة الأراضي الصومالية».

واتفق «وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا على مواصلة التنسيق والتعاون بشكل وثيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك خلال المرحلة المقبلة بما يصب في مصلحة الشعوب الثلاثة على ضوء ما يربط الشعوب والحكومات الثلاث من صلات أخوة وصداقة فضلاً عن تناغم في الرؤى والمواقف».

وبرأي الكاتب المتخصص في العلاقات الدولية، نبيل نجم الدين، يعد إعلان إرسال الشحنة المصرية لمقديشو، عبر الخارجية وليس الجيش، تأكيداً على أنه «يحمل رسالة للخارج، بأن مصر مستمرة في دعم الصومال والالتزام بالبروتوكول الدفاعي بين البلدين ولن تقبل بأي تهديد لأمنها القومي».

ويرى أنه «يحق لمصر أن تتحرك سواء في اجتماع نيويورك أو إرسال الشحنة العسكرية لمقديشو في إطار حماية أمنها القومي، خاصة وأن اتفاق إثيوبيا المبدئي مع إقليم أرض الصومال لتأجير ميناء على البحر الأحمر قد يحمل مستقبلاً مساساً بالتجارة العالمية وقناة السويس»، مؤكداً أن هذا التعاون المصري الذي يتسع مع دول جوار إثيوبيا يحمل رسائل عديدة لها.

وترفض الصومال توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) الماضي، اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري، وعَدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية».

وباعتقاد الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، فإن هذا التعاون المصري أيضاً يشكل مشهداً جديداً في القرن الأفريقي ويفرض ضغوطاً حقيقية على أديس أبابا، ويعلن عن تكوين محور مهم رافض للتحركات الإثيوبية.

وتحمل خطوات مصر مع دول لديها خلافات مع إثيوبيا رسائل بأن «تلك البلدان قادرة على تطويق تلك التهديدات التي تكررها أديس أبابا للأمن والاستقرار بالمنطقة»، وفق تورشين.

واتهمت الصومال، السبت، الجارة إثيوبيا بإرسال أسلحة إلى إقليم بونتلاند في شمال شرقي البلاد، الذي أعلن تمرده هذا العام، واعتبرت الخارجية الصومالية في بيان صحافي، تلك الخطوة، «خطراً جسيماً يهدد السلام في القرن الأفريقي»، وطالبت أديس أبابا بالتوقف عن ذلك.

ولم تعلق أديس أبابا على ذلك الاتهام، لكنها أبدت قلقاً من شحنة مساعدات مصر العسكرية للصومال، والثلاثاء، أعرب وزير الخارجية الإثيوبي تاي أصقي سيلاسي، عن «قلقه من أن إمداد الذخائر من قبل قوى خارجية من شأنه أن يزيد من تفاقم الوضع الأمني الهش وينتهي به الأمر في أيدي الإرهابيين في الصومال»، وفق إفادة للخارجية الإثيوبية.

وهو ما رد عليه وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، لـ«رويترز» الثلاثاء، بأن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

القلق الإثيوبي عدّه نجم الدين «مستغرباً» كون تحركات مصر والصومال تتفق مع القانون الدولي، وتقوم على احترام سيادة الدول وبروتوكول تعاون عسكري رسمي بين دولتين، بينما في المقابل تدعم أديس أبابا حركات انفصالية وتريد فرض واقع يهدد استقرار المنطقة ولا يتفق مع الأعراف والشرعية الدولية.

ولا يعتقد تورشين أن إثيوبيا تسعى لحلول دبلوماسية سلمية، خصوصاً أنها متمسكة بتأجير المنفذ البحري، وهي خطوة مرفوضة صومالياً ومصرياً وعربياً، وتدعم انفصاليين ضد مقديشو، متوقعاً أن تستمر أديس أبابا في إثارة مخاوف بشأن التعاون المصري - الصومالي وتدعم انفصاليين ضمن صراع غير مباشر قد يتصاعد بالمنطقة.


مقالات ذات صلة

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

شمال افريقيا بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

تلميح إثيوبي باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو بعد قرار صومالي باستبعادها رسمياً بنهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا التصويت في انتخابات الرئاسية بإقليم «أرض الصومال» (وكالة الأنباء الصومالية)

كيف تنعكس انتخابات «أرض الصومال» على توترات «القرن الأفريقي»؟

أجرى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأربعاء، انتخابات رئاسية مرتقبة، في ظل تساؤلات حول تأثير نتائجها على توترات منطقة القرن الأفريقي.

أحمد إمبابي (القاهرة)

الحكومة المصرية تغلظ عقوبات «سرقة الكهرباء»

اجتماع مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)
اجتماع مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)
TT

الحكومة المصرية تغلظ عقوبات «سرقة الكهرباء»

اجتماع مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)
اجتماع مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)

وافق مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، برئاسة مصطفى مدبولي، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الكهرباء الصادر عام 2015، بهدف تغليظ عقوبات الجرائم الخاصة بالاستيلاء على التيار الكهربائي.

وتشكو الحكومة المصرية منذ سنوات من لجوء مواطنين إلى وصلات غير شرعية للحصول على الكهرباء دون دفع رسوم، أو استهلاك الكهرباء من دون عداد، تُحصّل من خلاله الحكومة مستحقاتها.

وتحمّل الحكومة المصرية عمليات السرقة جزءاً كبيراً من مسؤولية انقطاع التيار الذي شهدته مصر خلال الأعوام الماضية.

وبحسب التعديل الجديد، الذي وضعته الحكومة، الأربعاء، يعاقب بالحبس مُدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه (الدولار يساوي 49.7)، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كُل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي، وتُضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى في حالة العود. أمّا إذا ترتب على هذه الجريمة انقطاع التيار الكهربائي فتكون العقوبة السجن.

وتقضي العقوبة في القانون الحالي، لتلك المخالفة، بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، ولا تزيد على سنتين، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه.

ووفق مشروع القانون الجديد، تقضي المحكمة بإلزام المحكوم عليه برد مثلي قيمة استهلاك التيار الكهربائي المستولى عليه، بالإضافة إلى الامتناع عمداً عن تقديم أي من الخدمات المُرخص بها دون عُذر أو سَنَد من القانون، على أن تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى في حالة التكرار.

وشملت التعديلات الجديدة، العقاب أيضاً بالحبس مُدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكُل من قام بتوصيل الكهرباء لأي من الأفراد أو الجهات بالمُخالفة لأحكام القانون، أو عَلِمَ بارتكاب أي مخالفة لتوصيل الكهرباء ولم يُبادر بإبلاغ السلطة المختصة.

بينما تقضي العقوبة في القانون الحالي، لذات المخالفة، بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تزيد على 50 ألف جنيه.

ووفق مشروع القانون الجديد، سيتم الحبس مُدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على مليوني جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا وقعت الجريمة عن طريق التدخل العمدي في تشغيل المعدات أو المهمات أو الأجهزة الخاصة بإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، وفقاً للضوابط الفنية المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية للقانون، وتُضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى في حالة العود.

وتضمن التعديل إضافة مادة جديدة إلى قانون الكهرباء، تنص على أن يكون للجهة المجني عليها التصالح مع المتهم في الجرائم المنصوص عليها في المادتين 70 و71، إذا دفع قبل رفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة المُختصة، مُقابل أداء قيمة استهلاك التيار الكهربائي المُستولى عليه، أو إذا دفع بعد رفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة المُختصة وحتى صدور حُكم باتٍ فيها، مقابل أداء مثلي قيمة استهلاك التيار الكهربائي المُستولى عليه، أو إذا دفع بعد صدور الحكم باتاً، مقابل أداء ثلاثة أمثال قيمة استهلاك التيار الكهربائي المستولى عليه.

وفي جميع حالات التصالح، إذا نتج عن الجرائم، إتلاف المعدات أو المُهمات أو الأجهزة الخاصة بإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء؛ يلتزم طالب التصالح بسداد قيمة ما تم إتلافه. وفي جميع الأحوال تضاعف قيمة مقابل التصالح في حالة العود.

وارتفعت أعداد المحاضر التي حرّرتها الحكومة لسارقي الكهرباء الفترة الماضية، حتى تجاوزت خلال 5 أسابيع فقط أكثر من 600 ألف محضر سرقة، وفق ما صرّح به وزير الكهرباء، خلال اجتماع الحكومة، في سبتمبر (أيلول) الماضي.