تبنّت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، الأحد، إطلاق صاروخ باليستي وصفته بـ«فرط صوتي» إلى تل أبيب، وتوعدت بمزيد من الهجمات التي تزعم أنها لمناصرة الفلسطينيين في غزة، وسط مخاوف يمنية من أن يقود التصعيد إلى نتائج كارثية على البنية التحتية، والاقتصاد، والأوضاع الإنسانية المتدهورة.
ومع أن الصاروخ لم يتسبب في خسائر بشرية، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هدّد الجماعة الحوثية بدفع «ثمن باهظ»، مذكّراً بالضربات على ميناء الحديدة في 20 يوليو (تموز) الماضي، التي استهدفت مستودعات الوقود.
وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية يحيى سريع في بيان متلفز، إن قوة جماعته الصاروخية نفذت «عملية نوعية» في تل أبيب بصاروخ باليستي جديد فرط صوتي، وإن الدفاعات الإسرائيلية أخفقت في اعتراضِه والتصدي له؛ وفق ادعائه.
وأضاف المتحدث الحوثي أن الصاروخ قطع مسافة 2040 كيلومتراً في غضونِ 11 دقيقة ونصف الدقيقة، وتسبب في حالة من الخوف والهلع، وفق قوله، مشيراً إلى أن العملية تأتي في سياق ما وصفه بـ«المرحلة الخامسة» من التصعيد الذي بدأته الجماعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بمهاجمة السفن التجارية.
وفي حين هدد المتحدث العسكري للحوثيين بمزيد من الضربات والعمليات النوعية المقبلة ضد إسرائيل، تعد هذه هي المرة الثانية التي يصل فيها هجوم حوثي إلى تل أبيب بعد المسيّرة التي انفجرت في شقة سكنية في 19 يوليو، وأدت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين.
وسبق أن تبنت الجماعة الحوثية إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل خلال الأشهر الماضية، لم يكن لها أي تأثير، كما زعمت استهداف سفن في موانئ إسرائيلية بالتنسيق مع فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران، وهي مزاعم لم تؤكدها أي مصادر غربية أو إسرائيلية.
تهديد إسرائيلي
في أول تعليق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هدّد جماعة الحوثي بأنها يجب أن تدرك أنها ستدفع ثمناً باهظاً عن أي هجوم على إسرائيل.
ونقلت «رويترز» عن نتنياهو أنه قال في الاجتماع الأسبوعي لحكومته: «الذي يحتاج إلى تذكير بذلك مدعو لزيارة ميناء الحديدة»، في إشارة إلى الضربات التي شنتها إسرائيل على الميناء، وأدت إلى استمرار الحرائق نحو أسبوع، رداً على هجوم الطائرة المسيّرة.
وذكر الجيش الإسرائيلي أن الصاروخ الحوثي سقط في منطقة مفتوحة، لكنه قال بعد ذلك إن الصاروخ من المرجح أن يكون تحطم في الجو، وحطام صواريخ أطلقت لاعتراضه سقطت في مناطق مفتوحة وبالقرب من محطة سكك حديدية. وأضاف أنه لم ترد تقارير عن وقوع إصابات؛ وفق «رويترز».
وتشن الجماعة الحوثية منذ 19 نوفمبر الماضي هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، ومنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغض النظر عن جنسيتها، إضافة إلى السفن الأميركية والبريطانية.
وأطلقت واشنطن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ما سمّته «تحالف حارس الازدهار»؛ لحماية الملاحة البحرية من هجمات الحوثيين قبل أن تبدأ ضرباتها الجوية على الأرض في 12 يناير (كانون الثاني) بمشاركة من بريطانيا.
وتلقت الجماعة الحوثية نحو 700 غارة وقصف بحري - وفق زعيمها عبد الملك الحوثي - في مناطق يمنية عدة خاضعة لها، بما فيها صنعاء، لكن أكثر الضربات تركّزت على المناطق الساحلية في محافظة الحديدة الساحلية، وأدت في مجملها إلى مقتل أكثر من 60 عنصراً.
ومن بين نحو 185 سفينة تبنّت الجماعة مهاجمتها، أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) الماضي إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استهدفتها الجماعة في 12 يونيو (حزيران) الماضي.
كما أدى هجوم صاروخي حوثي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية في خليج عدن.
وإلى جانب الإصابات التي لحقت بعدد من السفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.
مخاوف يمنية
يتخوف اليمنيون من تبعات التصعيد الحوثي على الرغم من أن أثر هجمات الجماعة ذات طابع دعائي وإعلامي، حيث إن تأثيرها العسكري يكاد يكون معدوماً، وفق ما يقوله لـ«الشرق الأوسط» صالح البيضاني المستشار الإعلامي في السفارة اليمنية في الرياض.
وعلى الرغم من عدم تأثير هذه الهجمات، فإنها في المقابل - وفق البيضاني - تأتي بنتائج كارثية على الاقتصاد والبنية التحتية في اليمن كما حدث في القصف الإسرائيلي على ميناء الحديدة الذي خلّف خسائر هائلة على مقدرات اليمن الاقتصادية.
ويعلق الباحث السياسي والأكاديمي اليمني فارس البيل على التهديد الإسرائيلي، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في الحقيقة، اليمنيون هم الذين سيدفعون هذه الفاتورة، أما الحوثي ومغامراته الزائفة، فلن يناله أي شيء».
ويعتقد البيل بأن إسرائيل سترد، لكن هل سيكون هذا الرد على الحوثيين مباشرة، أم على مقدرات اليمنيين التي تتحكم فيها ميليشيا الحوثي، ويرجح الخيار الأخير «نتيجة لطبيعة وأجندات الصراع في المنطقة».
ويرى أن الجماعة الحوثية ستدخل اليمن إلى منطقة مختلفة من الصراع، حيث ستتعقد مسارات الحل والوصول إلى سلام، وستصبح البلاد رهناً لمفاوضات الصراع بين إيران والغرب، عوضاً عن المخاطر الاقتصادية والسياسية.
ويتابع البيل بالقول: «لم يصب إسرائيل أي أذى من هذا الصاروخ، ولا استفاد منه الفلسطينيون، لكن الذين سيصيبهم الأذى هم اليمنيون أنفسهم». ويضيف: «الجماعة لا تريد أكثر من تحقيق غايات إيران وانتهازية مشروعها التوسعي، في حين أن اليمنيين صاروا وقوداً لهذه المعركة».
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني أحمد عباس أن الجماعة الحوثية مستمرة في التضحية بكل مقدرات الشعب اليمني من أجل الحصول على دعاية فجة تُحسن صورتها، وتُظهرها بمظهر المدافع عن غزة وعن الشعب الفلسطيني.
ويقول عباس في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن الجماعة الحوثية تتمنى أن تقوم إسرائيل بعمليات أوسع ضد البنى التحتية اليمنية: «لأن هذا يحقق لها ما تصبو إليه من دعاية وخطاب شعبوي تستطيع من ورائه تكميم الأفواه، وسحق أي صوت يُفكر في معارضتها بحجة أنها تحارب إسرائيل وأميركا».