«المؤتمر الشعبي»... طموح لتوحيد القيادة ولعب دور في مستقبل اليمن

سعي حوثي لتعزيز تشظّي الحزب وترهيب «جناح صنعاء»

من احتفال حزب «المؤتمر الشعبي العام» بذكرى تأسيسه في تعز (إكس)
من احتفال حزب «المؤتمر الشعبي العام» بذكرى تأسيسه في تعز (إكس)
TT

«المؤتمر الشعبي»... طموح لتوحيد القيادة ولعب دور في مستقبل اليمن

من احتفال حزب «المؤتمر الشعبي العام» بذكرى تأسيسه في تعز (إكس)
من احتفال حزب «المؤتمر الشعبي العام» بذكرى تأسيسه في تعز (إكس)

أتت الذكرى الثانية والأربعين لتأسيس حزب «المؤتمر الشعبي العام» اليمني في ظل انقسام كبير يعيشه الحزب بين جناحين، أحدهما قادته وأعضاؤه في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية ويخضع لها، والآخر ينشط في المناطق المحررة ويوجد الكثير من قادته خارج البلاد ويؤيد الحكومة الشرعية.

وتواصل الجماعة الحوثية فرض سيطرتها على شؤون جناح الحزب وقراراته في مناطق سيطرتها، وسعت أخيراً إلى إجباره على إقالة أحمد علي صالح، الابن الأكبر للرئيس الأسبق للبلاد ومؤسس الحزب، والذي يشغل منصب نائب الأمين العام للحزب بعد اختياره قبل خمسة أعوام في هذا المنصب من داخل صنعاء بعد عامين من مقتل والده.

احتفالات «المؤتمر الشعبي العام» بذكرى تأسيسه في محافظة مأرب (إكس)

وتأتي هذه المساعي الحوثية بعد عودة أحمد علي صالح إلى واجهة الحضور السياسي إثر إسقاط العقوبات الأممية المفروضة عليه وعلى والده الراحل؛ ما يعني امتلاكه الحق في مزاولة أنشطته ومهامه السياسية. وشنّت الجماعة الحوثية عبر قادتها ونشطائها هجوماً على أحمد بمجرد الإعلان عن إسقاط العقوبات بحقه، وعمدت إلى اتهامه بالخيانة والعمالة، واتهام والده بالفساد؛ بهدف الضغط على جناح صنعاء ودفعه إلى إعلان إقالته، كما يفسر باحث سياسي وعضو في الحزب يقيم في صنعاء.

وأجبرت تلك الضغوط جناح صنعاء على الإعلان بعدم اعترافه بأي قيادة للحزب سوى تلك الموجودة في صنعاء تحت سيطرة الجماعة الحوثية.

وينبّه الباحث، الذي طلب عدم الإفصاح عن بياناته حفاظاً على سلامته، إلى أن الجماعة الحوثية حاولت من خلال ترويج أخبار ومعلومات مفبركة إشعال حرب إعلامية بين جناحي «المؤتمر» لتعميق الانقسام بينهما، إلا أنها لم تنجح في ذلك، بحسب رأيه.

واستغرب، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، من المساعي الحوثية لتعزيز هذا الانقسام بينما تعمل على إقصاء جناح صنعاء وإزاحته من المواقع كافة في مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها، والإجراءات التعسفية بحق أعضائه، خصوصاً بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، ضمن مزاعمها بإحداث تغييرات جذرية في مؤسسات الدولة. وقال: «من غير المنطقي أن تسعى إلى تعزيز الانقسام، بينما تعمل على إقصاء (المؤتمريين) المقيمين في مناطقها واضطهادهم، فهي بذلك تدفعهم إلى التناغم الوجداني مع المقيمين خارج مناطق سيطرتها».

انتظار دور قيادي

بمجرد الإعلان عن رفع العقوبات عن أحمد علي صالح، أعلن عودته إلى السياسة، مبدياً رغبته في الوقوف إلى جانب الدولة ولملمة الشتات واستعادة الأمن والاستقرار. ويرى متابعون للشأن اليمني أن الجماعة الحوثية تخشى من استفادة صالح من شعبية والده في مناطق سيطرته، خصوصاً وأنه قضى على يدها غدراً بعد أن تحالفت معه منذ بداية الحرب والانقلاب.

أحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس اليمني الأسبق (إكس)

ويقول عبد الحفيظ النهاري، نائب رئيس الدائرة الإعلامية في الحزب، لـ«الشرق الأوسط» إن حال «المؤتمر» هو حال بقية الأحزاب السياسية في تأثره بالمتغيرات الوطنية والإقليمية، والواقع الذي خلفه انقلاب الميليشيا الحوثية على المسار الديمقراطي الانتقالي. ولعدم استعادة العاصمة صنعاء والدولة خلال عشر سنوات خُلِق واقع منقسم على الأرض بين المناطق المحررة والمناطق تحت سيطرة الجماعة الحوثية.

ويراهن «المؤتمر» على تعزيز وحدته الداخلية واستعادة تماسكه التنظيمي من خلال الحوار الداخلي والديمقراطي في حياته التنظيمية، وتعزيز تكويناته ومرجعياته التنظيمية التي احتفظ بتماسكها النسبي رغم كل الأحداث التي عصفت به، لكن ذلك مرهون بتحقيق السلام والتعاون الوطني، طبقاً للنهاري.

ويتطلع الحزب إلى أن يسهم رفع العقوبات في تمكينه بالتعاون مع كل القوى الوطنية والإقليمية والدولية، وبالاستفادة من خبرته وقدراته السياسية والإدارية والتنظيمية، من استعادة السلام الوطني والإقليمي والدولي، فضلاً عن استعادة تواصله الوثيق بالقوى الوطنية والإقليمية والدولية باتجاه بناء السلام، وهي المهمة التي وصفها النهاري بالصعبة والمنوطة بكل القوى الوطنية دون استثناء.

أعضاء حزب «المؤتمر» في صنعاء يخضعون لضغوط وتهديدات الحوثيين (إكس)

ويمتلك «المؤتمر الشعبي» قاعدة شعبية كبيرة تجعله مؤثراً بشدة في تقرير مصير البلد، وفقاً للقيادي في الجناح المؤيد للشرعية عبد الكريم المدي الذي يشدد على ضرورة لملمة الصفوف حالياً، وأن يعمل وفق مصلحة الدولة والمجتمع، وما يحقق استعادة الدولة، وأن يستفيدوا من تلك الشعبية لتجاوز الأخطاء.

حاجة المجتمع إلى قائد

يستعد قادة وأعضاء «المؤتمر» في عدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية لإعادة تفعيل أنشطة الحزب، وتنظيم الاجتماعات والفعاليات، مستفيدة من عودة أهم قياداته إلى الواجهة. ويتوقع القيادي المدي، وهو عضو اللجنة الدائمة في الحزب، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون «المؤتمر» فاعلاً في المرحلة المقبلة بما يمتلكه من قدرات وإمكانات وقوى اجتماعية مؤيدة له، وبما يساهم به في مواجهة الجماعة الحوثية من خلال حضوره في عدد من الجبهات في المحافظات اليمنية، وإيمان أعضائه بمبادئ الدولة والثورة اللتين تستهدفهما الجماعة الحوثية. وعدّ رفع العقوبات عن أحمد علي صالح بأنه سيساهم في لملمة شتات الحزب وتفعيل دوره الوطني في استعادة الجمهورية، ومواجهة التحديات الجسيمة في سبيل ذلك.

ولا يتفاءل محمد الشجاع، وهو كاتب وناشط مؤيد للحزب، أن يتم تجاوز حالة الانقسام في الوضع الراهن كنتيجة حتمية لواقع البلاد التي تعاني تباينات تراكمت خلال السنوات الماضية، إلا أن الأهم بالنسبة له، عودة نشاط الحزب بشكل رسمي وإتاحة الفرصة أمامه.

جناح «المؤتمر» في صنعاء نظَّم فعالياته في قاعات صغيرة ومغلقة (إكس)

ووفقاً لتصريحات الشجاع لـ«الشرق الأوسط»، فإن المجتمع يأمل في قدرة أي كيان موجود قادر على إحداث فارق في الصراع القائم اليوم، وليس فقط بـ«المؤتمر»، وهي حاجة إلى من يقود إلى الخلاص من المشروع الحوثي المدمر.

ويلمح الشجاع إلى أن الوضع في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية غامض مع حالة استرخاء أو خوف أو مهادنة عجيبة نتيجة السيطرة المطلقة لميليشيات الحوثي، حيث تظهر تهديدات وخطابات القادة الحوثيين ما هو وضع جناح «المؤتمر» في تلك المناطق من خوف، وما يتعرض له من إقصاء، لدرجة إقامة فعالياتهم في قاعات صغيرة ومغلقة.

واحتفل «المؤتمر الشعبي العام»، السبت الماضي، بذكرى تأسيسه في فعاليات حاشدة في محافظتي تعز ومأرب، شهدت مشاركة من قيادات الدولة ومختلف القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في تلك المحافظات، وأعيد فيها رفع صورة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، في حين اكتفى جناح صنعاء بفعاليات مصغرة في قاعات مغلقة.


مقالات ذات صلة

اليمن يحذّر من كارثة بيئية مع توقّع انفجار ناقلة النفط «سونيون»

المشرق العربي مهمة «أسبيدس» الأوروبية رصدت 5 حرائق على الأقل فوق متن ناقلة النفط اليونانية (رويترز)

اليمن يحذّر من كارثة بيئية مع توقّع انفجار ناقلة النفط «سونيون»

حذّرت الحكومة اليمنية من كارثة بيئية، مع توقّع انفجار ناقلة النفط اليونانية «سونيون» أو غرقها جرّاء الحرائق المستمرة على متنها بعد هجمات حوثية بدأت الأربعاء.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مدينة زبيد التاريخية في اليمن ضربتها أمطار غير مسبوقة (إعلام محلي)

التغيّر المناخي يهدد مدناً تاريخيّة في اليمن

تضرر 100 منزل تاريخي في مدينة صنعاء القديمة وكذلك الأمر في مدينة زبيد، المدرجتين على قائمة التراث الإنساني، مع تضرر مبانٍ في مدن يمنية أخرى.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي قوات خفر السواحل اليمنية في محيط باب المندب (أرشيفية - أ.ف.ب)

قتلى ومفقودون بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن

قالت المنظمة الدولية للهجرة، الأحد، إن 13 شخصاً لقوا حتفهم، وإن 14 لا يزالون مفقودين بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن يوم الثلاثاء الماضي.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي جانب من منشأة «صافر» لتكرير النفط في محافظة مأرب اليمنية (إكس)

الجيش اليمني يُسقط 3 مسيّرات حوثية هاجمت منشأة نفطية حيوية

هاجمت الجماعة الحوثية منشأة «صافر» النفطية بمحافظة مأرب الخاضعة للحكومة الشرعية بثلاث طائرات مسيرة تم اعتراضها وإسقاطها، وذلك في أخطر تصعيد ضد المنشآت الحيوية.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي المركز الصحي الوحيد في منطقة «مفرق المخا» يقدم الرعاية الطبية مجاناً (إعلام محلي)

«مفرق المخا»... بلدة يمنية تحاصرها خطوط المواجهة

يعيش أكثر من 4500 نازح في بلدة «مفرق المخا» اليمنية قرب خطوط المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين في ظروف إنسانية صعبة.

محمد ناصر (تعز)

انقلابيو اليمن يكثّفون انتهاكاتهم في قطاع التعليم

إجبار طلبة المدارس بمناطق سيطرة الحوثيين على المشاركة في فعاليات طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس بمناطق سيطرة الحوثيين على المشاركة في فعاليات طائفية (إعلام حوثي)
TT

انقلابيو اليمن يكثّفون انتهاكاتهم في قطاع التعليم

إجبار طلبة المدارس بمناطق سيطرة الحوثيين على المشاركة في فعاليات طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس بمناطق سيطرة الحوثيين على المشاركة في فعاليات طائفية (إعلام حوثي)

عادت الجماعة الحوثية مجدداً لاستهداف قطاع التعليم ومنتسبيه بالانتهاك من خلال إلزام المدارس الأهلية بتخصيص أوقات دراسية لإحياء مناسبات ذات منحى طائفي، وإجبار معلمين على المشاركة في دورات تعبوية وعسكرية، وإرغام مدارس أخرى على التخلي عن النشيد الوطني أثناء الإذاعة المدرسية الصباحية، واستبدال ذلك بترديد «الصرخة الخمينية».

وتحدثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية أرغمت المدارس الأهلية في صنعاء على إحياء مناسبات ذات منحى طائفي، تُضاف إلى أنشطة تعبوية سابقة تستهدف أدمغة وعقول الطلبة بهدف تحشيدهم إلى الجبهات.

تعميم حوثي يُلزم المدارس في محافظة الضالع اليمنية بترديد «الصرخة الخمينية» (فيسبوك)

وألزمت الجماعة الحوثية عبر تعليمات صادرة عن قيادات تدير قطاع التعليم، مدارس صنعاء، بتخصيص يومين دراسيين من كل أسبوع للاحتفال بالمناسبات ذات الصبغة الطائفية، مع توفير ملصقات وشعارات على صلة بكل مناسبة.

ونصت التعليمات على إلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى ليومين من كل أسبوع بالمدارس المستهدفة واستبدال فقرات تحتفي بمناسبات الجماعة بها، وذلك في سياق الاستهداف الممنهج لقطاع التعليم وتحويله إلى أداة للتعبئة ونشر الطائفية ورافد للحرب وجبهات القتال.

دورات قتالية

تزامنت الانتهاكات الحوثية الجديدة في قطاع التعليم مع إخضاع الجماعة أكثر من 80 معلماً وكادراً تربوياً في مديرية الصافية في صنعاء للالتحاق بدورات تعبوية وقتالية، بينما تواصل تلك الجماعة تجاهلها المتعمد لمعاناة وأوجاع عشرات الآلاف من المعلمين التي يكابدونها بسبب استمرار توقف رواتبهم.

ونقلت وسائل إعلام حوثية عن قيادات في الجماعة تأكيدها على أن الدورة ستُركّز على الجانب التعبوي والقتالي، عوضاً عن الجانب التعليمي والتربوي، لافتة إلى أن ذلك يأتي استجابةً لتوجيهات صادرة من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، تحض على إلحاق منتسبي قطاع التعليم بدورات عسكرية مفتوحة لتدريبهم وتأهيلهم استعداداً لما يسمونه «مواجهة الأعداء وتحرير الأقصى».

انقلابيو اليمن يجبرون طالبات المدارس على المشاركة في فعالياتهم (إعلام حوثي)

إلى ذلك، تحدثت مصادر تربوية في محافظة الضالع (جنوب شرق صنعاء) عن إلزام جماعة الحوثي المدارس الحكومية والأهلية في مديرية جبن بترديد «الصرخة الخمينية» في الطابور الصباحي المدرسي.

وتداول ناشطون يمنيون تعميماً حوثياً يُلزم المدارس بترديد تلك الصرخة عوضاً عن النشيد الوطني أثناء الطابور المدرسي الصباحي.

وأثار ذلك التوجه الانقلابي موجة غضب واستنكار في أوساط الطلاب والتربويين وأولياء أمور في الضالع، وأوضح عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أن تلك الممارسات تضاف إلى سجل الجماعة الحافل بأبشع الممارسات المرتكبة بحق قطاع التعليم اليمني ومنتسبيه.

تجاهل الرواتب

كان نادي المعلمين اليمنيين اتهم في وقت سابق الجماعة الحوثية بالعمل على إغلاق أبواب التعليم وفتح أبواب الجهل والتخلف للطلبة من خلال تجاهلها المستمر لرواتب المعلمين في مناطق سيطرتها.

وفي تغريدات على منصة «إكس»، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن سلطة الانقلاب تتجاهل رواتب المعلمين المقطوعة، وتعالج ذلك بحوافز بدل انتقال «لا تسمن ولا تغني من جوع»، معتبراً أن ذلك يُعد مساهمة حوثية في إغلاق أبواب التعليم بالمدارس وفتح أبواب الجهل والتخلف للطلاب على مصراعيه والتسرب إلى الشوارع.

الحوثيون أخضعوا تربويين في صنعاء للتعبئة الفكرية والعسكرية (إعلام حوثي)

وطالب نادي المعلمين موظفي وكوادر وزارة التربية بمناطق سيطرة الجماعة الحوثية بالضغط من أجل نيل حقوقهم، لافتاً إلى أن استمرار الجماعة في قطع الرواتب التربويين «يثبت جلياً أنها ليست على القدر الكافي من المسؤولية تجاه وطن لا يستطيع أن يرعى حقوق مواطنيه».

ومنذ اجتياح صنعاء ومدن يمنية أخرى، سعت جماعة الحوثي بكل طاقتها لارتكاب أبشع التعسفات والممارسات بحق المؤسسات التعليمية ومنتسبيها من المعلمين والطلاب والكادر الإداري في عموم مناطق سيطرتها، إذ عملت على انتهاك حرمات مئات المدارس؛ بغية حرفها عن مسارها التعليمي وتحويلها إلى أداة للتعبئة الطائفية والتجنيد.