«الإطار التنسيقي» يحاصر سنة العراق لحسم اختيار مرشح واحد لرئاسة البرلمان

شبه توافق على ترشيح الرئيس الأسبق محمود المشهداني

البرلمان العراقي بلا رئيس منذ أكتوبر الماضي بعد إقالة الحلبوسي (إعلام المجلس)
البرلمان العراقي بلا رئيس منذ أكتوبر الماضي بعد إقالة الحلبوسي (إعلام المجلس)
TT

«الإطار التنسيقي» يحاصر سنة العراق لحسم اختيار مرشح واحد لرئاسة البرلمان

البرلمان العراقي بلا رئيس منذ أكتوبر الماضي بعد إقالة الحلبوسي (إعلام المجلس)
البرلمان العراقي بلا رئيس منذ أكتوبر الماضي بعد إقالة الحلبوسي (إعلام المجلس)

في وقتٍ لم تحدد فيه رئاسة البرلمان العراقي موعد الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس جديد للبرلمان، بعد شغور هذا المنصب لتسعة شهور، فإن قوى الإطار التنسيقي الشيعي نجحت في فرض المرشح الواحد على السنة.

انشغال الجميع بالزيارة الأربعينية في كربلاء، نهاية الأسبوع الحالي، لم يمنع من وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق شِبه نهائي صمَّمه قادة الإطار التنسيقي الشيعي، في آخِر اجتماع لهم، الخميس الماضي، في اختيار الرئيس المقبل، بعد إسقاط مرشحي السنة، والإبقاء على مرشح واحد.

قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، وإن لم تتوصل إلى صيغة متوافق عليها بين زعاماته لتعديل النظام الداخلي بوصفه سابقة قد ترتد عليهم مستقبلاً، لكنهم نجحوا في وضع السنة في موقف هو الأكثر حرجاً منذ شغور المنصب العائد إليهم، عقب سلسلة انشقاقات للقوى والزعامات السنية، طوال مدة شغور المنصب، وكثرة الراغبين في شغله.

ومع أن أكبر قوتين سنيتين تتنافسان على منصب رئيس البرلمان هما حزب «تقدم»، بزعامة محمد الحلبوسي، و«السيادة» بزعامة خميس الخنجر، غير أن من يملك الكفة لترجيح أي مرشح من هاتين الكتلتين هو «الإطار التنسيقي» الشيعي الذي يملك أغلبية مطلقة قوامها 180 نائباً.

توافق هش

وفي آخِر المعلومات المسرَّبة من الغرف السياسية لكل من المكونين السني والشيعي، يبدو أن هناك شِبه توافق على ترشيح الرئيس الأسبق للبرلمان، محمود المشهداني، المدعوم من زعيم دولة القانون، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، فضلاً عن اضطرار محمد الحلبوسي لقبوله مرشحاً باسمه، بعد أن غادر آخِر مرشحيه شعلان الكريم سباق التنافس بعد إقامة دعاوى قضائية ضده بتهمة تمجيد رئيس النظام السابق، صدام حسين.

لكنه، وطبقاً لما كشفه السياسي والعضو السابق في البرلمان، مشعان الجبوري، في لقاء مُتَلفز، من أنه يحمل تخويلاً من زعيم «السيادة»، خميس الخنجر، عبر بصمة صوتية تتضمن مرشحاً معيناً لم يكشف عنه، لكنه، وطبقاً للتسرييات، فإن المرشح المقصود هو المشهداني.

وفي حين بدا أن هذا الترشيح من شأنه خلق أزمة داخل حزب «السيادة»؛ كون مرشحه الرسمي هو سالم العيساوي، فإن عدم إعلان العيساوي سحب ترشحه لرئاسة البرلمان، مقابل الإبقاء على المشهداني يعني أن التوافق بين «السيادة» و«تقدم» بهذا الشأن يبقى توافقاً هشاً.

من جهته فإن الجبوري هدَّد بكشف ما سمّاه المستور ما لم يتراجع «السيادة» عن بيان قال فيه إن الجبوري لا يمثله، مما اضطر حزب «السيادة» إلى الخضوع للتهديد وسحب بيانه بهذا الخصوص.

معادلة الأخ الأكبر

شيعياً وفي حين لم تتفق قياداته على تعديل النظام الداخلي وفتح باب الترشيح، من خلال إلزام السنة بتقديم مرشح واحد، فإن الأنظار اتجهت إلى أن يكون الاتفاق النهائي بين السنة على ترشيح محمود المشهداني للمنصب بوصفه مرشح تسوية، في وقت لا يزال الغموض فيه يسيطر على المشهد داخل حزب «السيادة» الذي لم يكشف علناً تأييده لترشيح المشهداني، كما لم يعلن سحب مرشحه سالم العيساوي من سباق التنافس، وهو ما بات يعطي المكون الشيعي داخل البرلمان قوة فرض المرشح الذي يريدون فرضه بسبب تشظي البيت السني.

ومع ذلك، وفي سياق المخاوف من أن يبقى التنافس قائماً بين المشهداني والعيساوي، فإن الشيعة فرضوا على السنة آخر معادلة؛ وهي أنه في حال عدم اتفاقهم على مرشح واحد، سوف يضطرون لفتح باب الترشيح من جديد.

وطبقاً لمعادلة الأخ الأكبر، أكد زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، في لقاء مُتَلفز، أن «(الإطار التنسيقي) بوصفه يمثل المكون الأكبر والأخ الأكبر، معنيٌّ بنجاح العملية السياسية، ومن ثم فإن عدم اختيار رئيس مجلس نواب لمدة 9 أشهر هي مسألة غير صحية».

وبيَّن أنه «كان دور (الإطار التنسيقي) هو رعاية أن يتفق الطرفان السنيان المختلفان، وليس بعنوان إجبارهم على مرشح محدد، وكل من قال كلاماً آخر فهو إما كاذب أو متوهم».

في هذا السياق يقول الدكتور ياسين البكري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النهرين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «(الإطار التنسيقي) تجاوز مرحلة فرض معادلة القوة المختلّة من الأساس»، مبيناً أنه «في مناورة فرض المرشح الواحد هو يعمل على إحكام هذه المعادلة، ونقل مقولة الأخ الأكبر إلى مستوى أعلى، وإفراغ المنصب السيادي السني من تأثيره». وأكد البكري أن «المقصود بتأثيره على الساحة السنية، والضغط مستقبلاً على أي رئيس برلمان، أن شرط تولّيه المنصب وثمنه تدجين وخضوع كامل».

إلى ذلك أكد عضو البرلمان العراقي، حيدر السلامي، الأحد، أن «سياسة المتغيرات بالمواقف خلقت حالة من الصعوبة في التنبؤ بما يحدث في المشهد العراقي، سواء في السياسة أم غيرها»، لافتاً إلى أن «كثرة القرارات وتباينها وتمسك الزعامات التي تحاول أن يكون القرار حصرياً لديها، وليس تحت قبة مجلس النواب، هي ما يؤخر حسم منصب رئاسة مجلس النواب في الوقت الحالي». وأضاف أنه «لو ترك الأمر لأعضاء مجلس النواب، لحسم منصب رئاسة المجلس من الجولة الأولى»، مستدركاً بالقول: «لكن كثرة التدخلات السياسية هي ما يؤخر حسم المنصب منذ أشهر».



رواتب الموظفين خارج اهتمامات حكومة الانقلاب الحوثية

حكومة الانقلاب الحوثي الجديدة صدمت السكان بتجاهلها رواتب الموظفين (إعلام حوثي)
حكومة الانقلاب الحوثي الجديدة صدمت السكان بتجاهلها رواتب الموظفين (إعلام حوثي)
TT

رواتب الموظفين خارج اهتمامات حكومة الانقلاب الحوثية

حكومة الانقلاب الحوثي الجديدة صدمت السكان بتجاهلها رواتب الموظفين (إعلام حوثي)
حكومة الانقلاب الحوثي الجديدة صدمت السكان بتجاهلها رواتب الموظفين (إعلام حوثي)

وجَّهت الحكومة الانقلابية غير المعترف بها التي شكلها الحوثيون في اليمن صدمة للسكان في مناطق سيطرتها، بتجاهلها أي حديث عن رواتب مئات الآلاف من الموظفين المقطوعة منذ 8 أعوام، وكذا تأكيدها على استلهام النظام الإيراني في الحكم، وسط توقعات بأن تكون هذه التشكيلة نسخة مكررة من أداء الحكومة الانقلابية السابقة.

وإذا كانت الصدمة الأولى التي تلقاها السكان تمثلت في التشكيلة التي أتت بعد عام من الوعود التي قطعها عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة بإحداث تغييرات جذرية، فقد جاء إعلان برنامج عملها خالياً من أي إشارة إلى رواتب مئات الآلاف من الموظفين العموميين.

ملايين اليمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بينما يستأثر الحوثيون بالعائدات (إعلام محلي)

وتحدث إعلام الجماعة عن 5 محاور لعمل حكومة الانقلاب خلال المرحلة المقبلة، تبدأ بتعزيز ما يسمى الصمود، ومعالجة آثار الحرب، والتطوير الإداري، والإصلاح المؤسسي، والسياسات الاقتصادية والمالية والتنموية، والخدمات العامة والبنية التحتية، والسياسة الداخلية والخارجية.

وزعم قادة الجماعة أن هذا البرنامج جاء ترجمة لتوجيهات عبد الملك الحوثي الذي يطلقون عليه «قائد الثورة» ومهدي المشاط رئيس مجلس الحكم الانقلابي، في تأكيد على المضي في تطبيق النموذج الإيراني في الحكم.

وفي غياب أي حديث عن الموارد العامة أو مواجهة الفقر وصرف رواتب الموظفين أسوة برواتب المسؤولين الحوثيين ومقاتليهم، ذكر إعلام الجماعة أن هذه الحكومة ستعمل على تحقيق أولويات الأهداف المرسومة، باستخدام أفضل الممارسات والآليات القابلة للتنفيذ دون أي تداخل في الاختصاصات، في إشارة إلى الصراع المتوقع بين الوزراء على الصلاحيات والمهام، بعد الدمج العشوائي الذي شمل عدداً كبيراً من الوزارات.

الحوثيون يخصصون موارد المؤسسات المالية لعناصرهم وللتعبئة والحشد (إ.ب.أ)

وفي تأكيد على أن الحكومة الانقلابية الجديدة تسير على خطى سابقتها، فقد تجنبت الحديث عن تقديم موازنة عامة أو خطة إنفاق حتى لا يُعرف مقدار المبالغ التي يتم جمعها من الموارد العامة، ولا كيفية إنفاقها، مع استئثار قادة الجماعة ومسؤوليها بالامتيازات المالية، وحصول مجنديها على رواتب شهرية منتظمة، في مقابل حرمان مئات الآلاف من الموظفين مدنيين وعسكريين من رواتبهم منذ نهاية عام 2016.

وهروباً من مواجهة الاحتياجات الأساسية للسكان في مناطق سيطرة الجماعة، ذهبت للحديث عن أنها ستعمل على تسهيل وتسريع معاملاتهم، إلى جانب مواجهة التحديات والفساد المالي «والأخلاقي» كما افتتحت جلستها الأولى بمحاضرة دينية طائفية.

تضارب وتنازع

توقع مراقبون سياسيون في صنعاء أن تؤدي عملية دمج الوزارات التي أقدم عليها الحوثيون، وغياب وزير للشؤون القانونية، إلى تضارب وتنازع في الاختصاصات والصلاحيات؛ لأنه تم تغييب قطاعات، وتوزيع القطاع الواحد بين أكثر من وزارة، ونقل تبعية مؤسسات وهيئات من وزارة إلى أخرى، وهو ما سيجعل الحكومة الانقلابية تدور في حلقة من الخلافات وتنازع الاختصاصات.

ووفق المراقبين، فإن لكل وزارة قانوناً يحدد صلاحياتها ومهامها وأهدافها، ولهذا ستصل في نهاية المطاف إلى قناعة بضرورة إيجاد صيغ قانونية لفض المنازعات وتداخل الاختصاصات، وهو ما يحتاج لوقت طويل، ولكن كيف يمكن إيجاد تلك المخارج القانونية في ظل إلغاء وزارة الشؤون القانونية بكل إرثها القانوني وتنظيمها الإداري.

الحوثيون تجاهلوا مأساة السكان عقب السيول التي جرفت الطرقات والمساكن والمزارع (إعلام محلي)

وذكرت مصادر وثيقة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة -في سبيل احتواء أي صراع على الصلاحيات والمهام- أوعزت إلى ما تسمى وزارة الخدمة المدنية بإجراء تعديل شكلي على هيكل الوزارات الملغية، وتحويلها إلى قطاعات في الوزارات التي دُمجت معها، وتعيين وكيل على رأس كل قطاع.

لكن الجماعة لم تبين الكيفية التي سيتم بها التعامل مع الوزارات التي دُمجت وبها أكثر من قطاع، مثل وزارة التعليم العالي، ووزارة الحج، ووزارة الشؤون القانونية، ووزارة شؤون المغتربين.

ورأت المصادر أن إعادة هيكلة الوزارات القائمة مع تلك التي تم دمجها ستحتاج إلى جهد كبير على مستوى البنية القانونية، وتوزيع المهام، وتجنب التضارب في الاختصاصات، إلى جانب الكادر الوظيفي؛ خصوصاً أن هناك جهات يتسلم العاملون فيها رواتب ومكافآت شهرية، كما سيتطلب ذلك تكلفة مالية كبيرة.