بعد مرور نحو عام على الوعد الذي أطلقه زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي بإجراء تغييرات جذرية في حكومة الانقلاب، التي لا يعترف بها أحد والمؤسسات كافّة، صُدم أنصار الرجل بتسمية أحمد الرهوي لتشكيل حكومة جديدة، ومبادلة موقعه في مجلس الحكم الانقلابي مع رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بن حبتور.
وذكرت مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين وبعد أن فشلوا في الحصول على موافقة قيادات في «المؤتمر الشعبي» من مواليد محافظات جنوب البلاد، ذهبوا إلى تسمية الرهوي، وهو شخصية مغمورة، إذ تُظهر سيرته الذاتية أن أكبر موقع شغله هو وكيل محافظة قبل انتقاله إلى صنعاء في عام 2015؛ إذ عيّنه الحوثيون محافظاً للمحافظة ذاتها، مع أنها تقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية قبل أن يعيّنوه بعد مقتل الرئيس الأسبق علي صالح عضواً في مجلس الحكم.
ووفق هذه المصادر فإن تسمية الرهوي لتشكيل حكومة انقلابية جديدة شكّلت صدمة للمتحمسين من أتباع الجماعة، لأن الرجل غير معروف ولا يمتلك أي قدرات، وظل طوال السنوات السابقة يتسلّم مخصصات باسم أنه محافظ محافظة، في حين هو مقيم في صنعاء، والمحافظة تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً.
ومما زاد الإحباط في أوساط أتباع الجماعة -طبقاً للمصادر- أن الرهوي لا يمتلك أي قدرات إدارية أو اقتصادية أو سياسية، إلى جانب أن الموقع شكلي، باعتبار أن الحاكم الفعلي للحكومة الانقلابية هو القيادي أحمد حامد مدير مكتب مجلس الحكم الانقلابي (المجلس السياسي الأعلى).
ويذكر مؤيدون للحوثيين أن عدم تغيير حامد أو مدير مكتب رئيس الحكومة الانقلابية، الذي يُطلق عليه اسم (أبو راغب)، يعني أن وعود التغييرات الجذرية قد تبخرت وانتهت؛ لأن الأول هو صاحب السلطة الفعلية في مجلس الحكم، والثاني هو رئيس الوزراء الحقيقي وصاحب سلطة الظل، كما يؤكدون أن الرهوي سيكون نسخة مكررة من بن حبتور الذي ترأس حكومة الانقلاب 8 أعوام، دون أن يمارس أي سلطة حقيقية.
تبادل مواقع
يقول نشطاء مؤيدون للجماعة الحوثية إن عدم إزاحة مراكز القوى الفعلية في صنعاء، مثل مدير مكتب مجلس الحكم، ومدير مكتب رئيس الوزراء في حكومة الانقلاب، وعبد الكريم الحوثي المعين وزيراً لداخلية الجماعة، فإنه لا معنى لأي حديث عن تغييرات، لأن ما يتم الآن هو تبادل في المواقع فقط، وشكّكوا في صحة الأنباء التي تتحدّث عن نية قائد الحوثيين تعيين مدير مكتب مجلس الحكم أحمد حامد محافظاً لصعدة، وهو الذي يُتهم بالوقوف وراء كل الممارسات السيئة التي تحدث في كل المؤسسات.
ويعتقد أنصار الجماعة أن تحقيق التغيير الجذري يتطلّب إلغاء الهيئة الموازية لمؤسسات الدولة، التي أصبحت وكراً للفساد، على حد قولهم، وإبعادها عن المشهد؛ لأن هذه الهيئات هي واجهة السلطة الحقيقية للتنظيم الحوثي، سواء في قطاع الإعلام أو الاقتصاد أو التعليم.
إلى ذلك أبدى سكان في مناطق سيطرة الحوثيين تعجبهم من تسمية الرهوي لتشكيل الحكومة الانقلابية، في حين أنهم كانوا يتطلّعون إلى إزاحة كل المسؤولين الحوثيين ومحاسبة كل الفاسدين واختيار شخصية تعيد إليهم الأمل بإمكانية معالجة الوضع الاقتصادي المتردي وتطبيق القانون ووقف استباحة ممتلكات الناس والحد من الجبايات.
تغيير شكلي
يذكر ناصر يحيى، وهو معلم يمني في صنعاء، أن خطاب زعيم الحوثيين عند إقالة حكومة بن حبتور قبل 11 شهراً أوحى للناس أن هناك توجهاً جاداً لتصحيح واجتثاث الفاسدين وإعادة الاعتبار إلى مؤسسات الدولة والاحتكام للقانون.
ويرى أن هذه الآمال تبخرت مع طول المدة، كما أن تسمية رئيس للحكومة زاد من حالة الإحباط. ويعتقد أن الحوثيين لا يعيرون اهتماماً للوضع المعيشي المتدهور للملايين من السكان ولا مقدار الفساد الذي يُمارس.
وبالمثل يعتقد عبد القادر علي، وهو موظف لدى إحدى الشركات، أن تسمية الرهوي أقنعت من تبقّى من الناس بأن قائد الحوثيين لم يستوعب بعد مقدار السخط الشعبي، ولا الدمار الذي سبّبه المسؤولون على الصعيد الاجتماعي من خلال احتكار الوظائف والمواقع المهمة للمتحدرين من السلالة الحوثية، أو من خلال تغييب القانون وشيوع الفساد والجبايات والتدخل في اختصاصات القضاء، ويجزم أن الحكومة الجديدة ستكون أسوأ من السابقة.
وحسب وسائل إعلام الحوثيين فإن الرهوي ينتمي إلى جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرة الجماعة، وهو من مواليد مديرية خنفر في محافظة أبين الجنوبية.
وخلال المدة من عام 2000 وحتى 2015 تقلّد الرهوي مناصب متواضعة، منها مدير عام مديرية، ثم وكيلاً لمحافظة المحويت (شمال غربي صنعاء)، ثم وكيلاً لمحافظة أبين، قبل أن ينضم إلى الحوثيين ويعيّنوه في مارس (آذار) 2019 عضواً فيما يُسمّى «المجلس السياسي الأعلى» (مجلس الحكم الانقلابي)، ومحافظاً لمحافظة أبين.
ويرى سياسيون في صنعاء أن الحوثيين تعمّدوا اختيار رئيس الحكومة الجديد دون أن يكون لحزب «المؤتمر الشعبي» في تلك المناطق أي رأي، وأن الجماعة تخطّط لانتزاع ما تبقى من وزارات يشغلها محسوبون على الحزب الذي أسّسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
وأكدت المصادر أن ما يمر به جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء لا يُحسد عليه، وأنه لا يمكن مطالبة قيادته بأكثر من المحافظة على بقائه، لأن أي موقف يعارض الحوثيين سيعني حل الحزب والتنكيل بمن تبقى من قياداته.