قبيل أيام من انطلاق جولة مفاوضات جديدة بشأن هدنة في قطاع غزة، أثار قصف إسرائيلي جديد على مدرسة تؤوي نازحين وتسبب في سقوط عشرات الضحايا، مخاوف على مسار المحادثات، وسط استنكار مصري لتعمد الجانب الإسرائيلي القيام بتلك العمليات مع كل «جهد مكثف» للوسطاء، بالإضافة لإدانات عربية للقصف ومطالبات بـ«ضغوط دولية» على حكومة بنيامين نتنياهو.
القصف الإسرائيلي الجديد الذي وقع فجر السبت، وأدانته أيضاً حركة «حماس»، تصدر منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم #مجزرة_الفجر، وعدَّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بمثابة «تعمد إسرائيلي لاستفزاز (حماس) ومن ثم إفشال أو تعطيل المفاوضات».
إلا أن الخبراء توقعوا أن تنعقد الجولة الجديدة بموعدها، خصوصاً أن الدعوة إليها جاءت لأول مرة من رؤساء دول الوساطة، مصر وأميركا وقطر، وسط رغبة من واشنطن في خفض التصعيد وتجنيب المنطقة تداعيات ضربة إيرانية لإسرائيل إثر اتهامها باغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، نهاية يوليو (تموز) الماضي، بطهران.
وهو ما أشار إليه موقع «أكسيوس» الإخباري بأن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، يفكر في السفر إلى المنطقة للانضمام إلى الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة خشية أي عراقيل تمنع إبرام الصفقة.
وقصفت إسرائيل مدرسة «التابعين» التي تؤوي نازحين بغزة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 100 مواطن فلسطيني وإصابة العشرات، وفق تقارير إعلامية فلسطينية، بينما تحدث الجيش الإسرائيلي عن مقتل 20 من مسلحي «حماس» و«الجهاد» في تلك الغارة، وذلك بعد يومين من إعلان قادة مصر وقطر والولايات المتحدة، استئناف مفاوضات هدنة غزة، الأسبوع الحالي، وتحديد يوم الخميس المقبل موعداً لانطلاقها.
وأدانت مصر القصف الإسرائيلي الجديد، وطالبت بموقف دولي موحد ونافذ يوفر الحماية للشعب الفلسطيني في غزة، وفق إفادة لوزارة الخارجية والهجرة المصرية. وعدّت أن «إسقاط تلك الأعداد الهائلة من المدنيين العُزّل، كلما تكثفت جهود الوسطاء لمحاولة التوصل إلى صيغة لوقف لإطلاق النار في القطاع، دليلاً قاطعاً على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلي لإنهاء تلك الحرب الضروس».
وتمسكت مصر بأنها «سوف تستمر في مساعيها وجهودها الدبلوماسية، وفي اتصالاتها المكثفة مع جميع الأطراف المؤثرة دولياً، لضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشتى الطرق والوسائل، والعمل على التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مهما تكبدت من مشاقٍ أو واجهته من معوقات».
ولاقى القصف الإسرائيلي الجديد إدانات عربية، لاسيما من المملكة العربية السعودية التي طالبت بـ«ضرورة وقف المجازر الجماعية في قطاع غزة»، وكذلك طالبت قطر بتحقيق دولي، وعدّ العراق ذلك القصف «تجاهلاً للمبادرات الدولية الهادفة إلى وقف العدوان»، وحذر الأردن من أنه «مؤشر على سعي الحكومة الإسرائيلية لعرقلة جهود الوسطاء»، وفق إفادات لوزارات خارجية البلدان الأربعة.
«المجازر الإسرائيلية ستستمر طالما لا يوجد اتفاق على وقف إطلاق النار»، وفق مساعد وزير الخارجية الأسبق المصري، السفير رخا أحمد حسن، الذي أكد أن حكومة نتنياهو رغم أنها ستحضر المفاوضات المرتقبة ستعمل بكل السبل على تعطيل المفاوضات واستفزاز «حماس».
فيما عدّ السفير الفلسطيني السابق، بركات الفرا، «المجزرة» الجديدة رداً إسرائيلياً على البيان المشترك لقادة الوساطة، كعادة نتنياهو لتعطيل المفاوضات عبر افتعال أي جريمة كلما اقتربت محاولة جادة من اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة.
ورغم اعتقاد السفير الفلسطيني السابق أن أي مفاوضات تقام تحت تداعيات تلك المجازر مهددة بعدم النجاح، فإنه يرى أن الوسطاء والاتحاد الأوروبي الذي دعم البيان المشترك لقادة الوساطة، سيدعم استمرار المفاوضات وتخطي عراقيل نتنياهو.
ورغم ربط البعض بين التهدئة في غزة ومنع التصعيد بين إيران وإسرائيل، فإن بعثة إيران بالأمم المتحدة قالت، في بيان السبت، إن طهران «لديها الحق في الدفاع عن النفس، وهذا لا علاقة له بوقف إطلاق النار في غزة»، معربة عن «أملها أن يأتي الرد في الوقت المناسب وبطريقة لا تضر بوقف إطلاق النار المحتمل في القطاع».
يأتي ذلك وسط تأكيدات أميركية بأهمية الذهاب لاتفاق، حيث قال بلينكن، هاتفياً، لوزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الجمعة، إن «التصعيد ليس في مصلحة أي طرف»، كما حث بايدن على «عدم إضاعة الوقت وضرورة إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة فوراً»، فضلاً عن تأكيد نائبته ومرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، كامالا هاريس، أنه «حان الوقت لوقف الحرب في قطاع غزة».
وكان الاتحاد الأوروبي، أعلن الجمعة، «انضمامه إلى مصر وقطر والولايات المتحدة في دعوتهم إلى التوصل دون تأخير إلى اتفاق وقف إطلاق النار (في غزة)، وإطلاق سراح المحتجزين»، وفق ما ذكر مسؤول السياسة الخارجية، جوزيب بوريل، عبر حسابه على منصة «إكس»، مؤكداً أن «الاتفاق من شأنه أيضاً أن يفتح الطريق أمام خفض التصعيد الإقليمي».
ووفق السفير رخا فإن مثل هذا التضامن والجهود من أطراف عديدة لاسيما الاتحاد الأوروبي، لدعم حراك الوسطاء، مهمة لخفض التصعيد بالمنطقة وتخفيف تداعيات الضربة الإيرانية المحتملة، ولإنقاذ الشعب الفلسطيني من «الإبادة الجماعية»، غير أنه أكد أهمية وجود ضغوط أميركية جادة على نتنياهو للوصول لاتفاق.
وهو ما يتفق معه بركات الفرا، متوقعاً استمرار ضغوط إدارة بايدن للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، بهدف عدم توسيع الحرب بالمنطقة وتهدئة إيران، خصوصاً أن إيران و«حزب الله» بالعراق ولبنان والحوثيين في اليمن سيتوقفون حال توصل الوسطاء لإبرام صفقة هدنة، لافتاً إلى أن تريث طهران في توجه ضربة لإسرائيل، يشي بأنه «ربما هناك شيء يرتب للتهدئة بالمنطقة».