خسائر بشرية ومادية في اليمن جراء الصواعق الرعدية والفيضانات

تطرفات مناخية غير معهودة وعدم قدرة على المواجهة

مواسم الأمطار تحمل معها أخطاراً كبيرة على حياة الأطفال في اليمن (غيتي)
مواسم الأمطار تحمل معها أخطاراً كبيرة على حياة الأطفال في اليمن (غيتي)
TT

خسائر بشرية ومادية في اليمن جراء الصواعق الرعدية والفيضانات

مواسم الأمطار تحمل معها أخطاراً كبيرة على حياة الأطفال في اليمن (غيتي)
مواسم الأمطار تحمل معها أخطاراً كبيرة على حياة الأطفال في اليمن (غيتي)

يستبشر اليمنيون خيراً بفصل الصيف؛ لأنه موسم الأمطار في بلد يعتمد غالبية سكانه على الزراعة ويعاني في الوقت نفسه من شح وتراجع المياه الجوفية، إلا إن هذه الأمطار حين تزيد على الحد فغالباً ما تأتي بالخراب، بفعل التغيرات المناخية التي جعلت اليمن في المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر عرضة لها، وفق تقارير دولية.

وخلال الأسابيع الأخيرة تعددت الإحصاءات المحلية حول أعداد الضحايا بسبب الصواعق الرعدية والسيول الجارفة في مناطق يمنية متعددة وسط غياب الإحصاءات الصادرة عن جهات رسمية.

أحجام كبيرة من حبات البرد ألحقت أضراراً بالمزروعات والممتلكات في تعز ولحج (الشرق الأوسط)

وذكرت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» أن عشرات السكان في مديرية الشمايتين التابعة لمحافظة تعز، ومديرية المقاطرة المجاورة لها في محافظة لحج (جنوبي غرب)، أصيبوا جراء سقوط أمطار غزيرة مصحوبة بحبات برد ضخمة، في حين تعرض كثير من الممتلكات لأضرار جسيمة.

وأفاد السكان في المديريتين بأن حجم حبات البرد كان كبيراً؛ في ظاهرة نادرة، إذ وصل حجمها إلى نحو حجم بيضة الدجاجة، وتسببت في تكسير زجاج السيارات ونوافذ المنازل وألواح الطاقة الشمسية وأنابيب نقل المياه، إلى جانب إتلاف المزروعات والثمار.

كما تسببت صواعق رعدية مصاحبة لتلك الأمطار في إتلاف أجهزة الطاقة الشمسية وأجهزة الراديو والتلفزيون، وتسببت في حرائق محدودة لم تنجم عنها إصابات بشرية أو تدمير منازل.

وكان أهالي المديريتين انتظروا هذه الأمطار أشهراً عدة لبدء موسم زراعة الحبوب التي يعدّ فصل الصيف موسمها الأنسب، إلا إن حبات البرد تسببت في إتلاف الزرع في أيامه الأولى، ما سيضطر كثيراً من المزارعين إلى إعادة زراعته من جديد.

صواعق قاتلة

وشهدت 5 محافظات يمنية خلال الأسبوعين الماضيين وفاة 7 أشخاص؛ بينهم 4 أطفال وامرأة، وإصابة العشرات، بسبب الأمطار الموسمية الغزيرة أو الصواعق الرعدية المصاحبة لها. ووفق مصادر محلية، فإن الوفيات وقعت في محافظات ريمة وعمران ولحج وصنعاء وإب.

وترجح المصادر أن الوفيات بسبب الأمطار والصواعق خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر الحالي وصلت إلى نحو 30 حالة، حيث كان الأسبوع الثاني قد شهد 5 وفيات؛ منها شخصان في مديرية الطويلة التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، والتي ضربتها عشرات الصواعق الرعدية؛ أحدهما معلم توفي جراء الصواعق خلال أول يوم من العام الدراسي الجديد.

أعداد كبيرة من الوفيات كل عام في اليمن بسبب الصواعق الرعدية (رويترز)

وقتلت صاعقة رعدية في محافظة تعز رجلاَ وأصابت زوجته و4 من أبنائه، في حين توفيت فتاة وأصيب والدها بجروح خطرة نتيجة صاعقة رعدية ضربت منزلهما في مديرية الجعفرية التابعة لمحافظة ريمة جنوب غربي صنعاء.

وخلال الأسبوع الأخير من يونيو (حزيران) الماضي تحدثت وسائل إعلام عن عدد من الوفيات، بينهم 5 أشخاص في اليوم ما قبل الأخير من الشهر، إلى جانب أعدادٍ كبيرة من الإصابات، بصواعق رعدية في محافظات عدة.

وطبقاً لما نقلته «رويترز» في حينه، فإن صاعقة رعدية شديدة ضربت تجمعاً للشباب في إحدى القرى الجبلية، متسببة في مقتل اثنين منهم وإصابة اثنين آخرين بجروح خطرة، في حين توفيت فتاتان في مديرية القفر ضمن محافظة إب (192 كيلومترا جنوب صنعاء) وأُصيب 7 أشخاص بصواعق رعدية ضربت قريتهم.

كما لقيت امرأة مصرعها ونفق عدد من مواشيها بصاعقة رعدية شديدة أصابت منزلها في مديرية بني سعد التابعة لمحافظة المحويت.

ويقول محمد سيف الجلال، الخبير في شؤون الطاقة والكهرباء، إن الصواعق الرعدية تزداد بفعل التغيرات المناخية التي تتضمن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة.

أنابيب نقل المياه في المناطق الريفية بمحافظة تعز بعد أن مزقتها حبات البرد (الشرق الأوسط)

ويوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن اليمن تتوفر فيه بيئة مناسبة للصواعق الرعدية الخطرة، التي تزيد التغيرات المناخية من احتمالية وقوعها بشكل كبير، فبالإضافة إلى تصادم الرياح الجافة من المرتفعات الجبلية مع الرياح المحملة بالرطوبة الآتية من البحر، تساهم الاضطرابات الجوية وسخونة الأرض الزائدة في تكوين السحب المتسببة في حدوث الصواعق.

تحذيرات دولية

وتأتي هذه الحوادث بعد أن توقعت «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)» التابعة للأمم المتحدة، زيادة في شدة هطول الأمطار على عموم البلاد، وتحديداً على محافظة إب؛ مما يؤدي إلى فيضانات مفاجئة، وما ينتج عنها من مخاطر، خصوصاً في المناطق الساحلية.

وطبقاً لنشرة الإنذار المبكر الصادرة عن المنظمة الأممية خلال الفترة من 11 إلى 20 يوليو (تموز) الحالي، فإن عوامل هطول الأمطار الغزيرة، وأنظمة الصرف غير الكافية، وإزالة الغطاء النباتي، وغيرها من الظروف البيئية، من شأنها أن تساهم في حدوث الفيضانات المفاجئة، ويؤدي التعرض، الناتج عن ذلك، للموارد الزراعية الضعيفة إلى تضخيم التهديد الذي يتعرض له الأمن الغذائي.

وتوقعت النشرة أمطاراً أشد غزارة على المرتفعات الوسطى وأجزاء من المرتفعات الجنوبية، وارتفاع مستويات هطول الأمطار اليومية لتصل إلى قيم تراكمية تتجاوز 200 مليمتر في مناطق مثل محافظة إب، وهو ما يهدد، بسبب الخصائص الهيدروطوبوغرافية للمستجمعات المائية المنخفضة والساحلية، بوقوع فيضانات مفاجئة مرة أخرى.

وأواخر الشهر الماضي حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من تأثيرات شديدة للأمطار في موسمها الثاني خلال العام، والذي يبدأ هذا الشهر ويستمر لشهرين على الأقل، مشيراً إلى محدودية الموارد المالية لمواجهة هذه التأثيرات.

مخاطر كبيرة تحدق باليمنيين بسبب الأمطار الغزيرة وندرة المواد لمواجهة آثارها (الأمم المتحدة)

وأخيراً أورد تقرير دولي إحصائية عن تسبب الفيضانات والصواعق والانهيارات الأرضية التي شهدها اليمن خلال العام الماضي في مقتل وإصابة 431 شخصاً.

وكشف التقرير الصادر عن «الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر»، بشأن آثار الفيضانات في اليمن، عن وفاة 248 شخصاً وإصابة 183 آخرين بالصواعق الرعدية المصاحبة للأمطار الغزيرة والفيضانات الجارفة خلال الموسم المطري في عام 2023.

وبدأ الموسم المطري خلال العام الماضي، بحلول مارس (آذار) واستمر حتى سبتمبر (أيلول)، وتميز بحدوث أنواع مختلفة من الكوارث الطبيعية، مثل الصواعق الرعدية والانهيارات الأرضية التي تسببت فيها الفيضانات.

وعدّ «الاتحاد الدولي» اليمن في المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ والأقل استعداداً لمواجهة الصدمات المناخية.


مقالات ذات صلة

تحريك الملف الاقتصادي يفتح نافذة في جدار الصراع اليمني

العالم العربي عملة معدنية غير شرعية من فئة 100 ريال يمني سكها الحوثيون في صنعاء (إكس)

تحريك الملف الاقتصادي يفتح نافذة في جدار الصراع اليمني

أدى اتفاق خفض التصعيد اليمني في الملف الاقتصادي إلى فتح نافذة في جدار الصراع أملاً في تنفيذ خريطة السلام المتفق عليها والتي تجمدت بسبب هجمات الحوثيين البحرية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي برج سكني تعود ملكيته للأوقاف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (فيسبوك)

سكان مباني الأوقاف في صنعاء مهددون بالتشرد

تعتزم الجماعة الحوثية تشريد سكان مباني الأوقاف الكائنة في منطقة عصر غرب العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء بعد عجزهم عن تسديد الإيجارات المفروضة عليهم.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الحوثيون يزعمون مناصرة الفلسطينيين في غزة وأعينهم على المناطق اليمنية المحرَّرة (رويترز)

مخاوف يمنية من تدفق الميليشيات الموالية لإيران إلى صنعاء

أظهرت الحكومة اليمنية مخاوف من تدفق الميليشيات الإيرانية العابرة للحدود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خاصة بعد ظهور عناصر باكستانية في صنعاء.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الأزمة الإنسانية في اليمن تتصاعد بسبب الصراع ونقص التمويل الإغاثي (إ.ب.أ)

1.3 مليون يمني يستفيدون من المساعدات الأميركية

ذكرت الوكالة الأميركية للتنمية أنها قدمت عبر الشركاء المساعدات لأكثر من 1.3 مليون يمني بما في ذلك المناطق الخاضعة للحوثيين

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي صورة وزّعها الحوثيون للطائرة المسيّرة التي استهدفت تل أبيب (أ.ف.ب)

خفوت هجمات الحوثيين خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية

خفتت هجمات الجماعة الحوثية ضد السفن، خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، فيما واصل الجيش الأميركي عملياته الاستباقية الدفاعية ضد الجماعة.

علي ربيع (عدن)

سكان مباني الأوقاف في صنعاء مهددون بالتشرد

عربة حوثية تحرس عقاراً استولت عليه الجماعة في شمال صنعاء (إكس)
عربة حوثية تحرس عقاراً استولت عليه الجماعة في شمال صنعاء (إكس)
TT

سكان مباني الأوقاف في صنعاء مهددون بالتشرد

عربة حوثية تحرس عقاراً استولت عليه الجماعة في شمال صنعاء (إكس)
عربة حوثية تحرس عقاراً استولت عليه الجماعة في شمال صنعاء (إكس)

تعتزم الجماعة الحوثية تشريد سكان مباني الأوقاف، الكائنة في منطقة عصر، غرب العاصمة اليمنية المختطَفة صنعاء، بعد عجزهم عن تسديد الإيجارات المفروضة عليهم لمصلحة هيئة الأوقاف التي تديرها الجماعة.

ووفق مصادر مطّلعة في صنعاء، أصدر القيادي عبد المجيد الحوثي، المعيَّن رئيساً لما يسمى هيئة الأوقاف، أوامره إلى فرع الهيئة في مديرية الوحدة يطلب تحرير مذكرات لسكان المباني التابعة للأوقاف، تُلزِمهم إما بدفع ما تبقّى عليهم من إيجارات متأخرة، وإما بسرعة إخلاء المساكن.

برج سكني تعود ملكيته للأوقاف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (فيسبوك)

وتتهم المصادر الجماعة الحوثية بأنها تسعى لتسليم هذه المباني للموالين لها القادمين من صعدة وحجة وعمران، ضمن مساعي الإحلال الديموغرافي في العاصمة المختطفة.

وتداول ناشطون يمنيون على منصات التواصل الاجتماعي وثيقة صادرة عن جماعة الحوثي تطلب من سكان مباني الأوقاف في صنعاء سرعة دفع الإيجارات المتأخرة، متناسية الظروف المعيشية والاقتصادية المتدهورة التي يكابدها السكان مع ملايين اليمنيين في عموم مناطق سيطرة الجماعة.

ويتزامن التحرك الحوثي ضد سكان مباني الأوقاف مع استمرار ارتفاع أسعار العقارات والمباني السكنية في صنعاء، نتيجة سياسة الانقلابيين الرامية إلى إحداث التغيير الديموغرافي.

وتضمنت الوثيقة الحوثية، التي حملت توقيع القيادي المعيَّن في منصب مدير فرع هيئة الأوقاف بمديرية الوحدة، عبد الخالق معيض، تهديداً صريحاً للسكان وأُسرهم بطردهم من مساكنهم، حال التأخر عن تسديد الإيجارات، كما طلبت الجماعة من مسؤولي الأحياء في صنعاء تزويدها ببيانات تفصيلية عن السكان في مباني الأوقاف المتخلفين عن السداد.

وثيقة حوثية تطلب من عائلة يمنية دفع الإيجار أو إخلاء مسكنها (فيسبوك)

وأبدى عدد من السكان في مباني الأوقاف بصنعاء استياءهم من السلوك الحوثي، واتهموا الجماعة بأنها تسعى إلى طردهم وأطفالهم من مساكنهم المملوكة للأوقاف، دون مراعاة أنهم دون رواتب منذ سنوات.

وذكر «يحيي»؛ وهو اسم مستعار لأحد السكان، لـ«الشرق الأوسط»، أنهم تلقّوا إشعارات من الهيئة الحوثية تطالبهم بدفع الإيجارات المتأخرة، أو إخلاء الشقق وتسليم مفاتيحها لمشرفي الجماعة.

وسبَق للجماعة الحوثية أن أقدمت، في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، عبر هيئة الأوقاف المستحدَثة، على تهجير عدد من سكان مباني الأوقاف في منطقة عصر، بحجة الإخلاء من أجل الترميم.

كما قام مسلّحون حوثيون، في يونيو (حزيران) 2020، بشن حملة مداهمة لمباني الأوقاف في صنعاء، واعتقال عدد من سكانها، بذريعة أن بعضهم يعملون في إحدى المنظمات المناوئة للجماعة، وإلى ذلك ضاعفت الإيجارات على بقية السكان.