عزوف في صنعاء عن شراء الأضاحي نتيجة اشتداد الفقر

أسعار مرتفعة وتوجه نحو لحوم الدجاج والأسماك

جزار يمسك بخروف في سوق للماشية بصنعاء حيث يكافح اليمنيون للحصول على أضحية للعيد (رويترز)
جزار يمسك بخروف في سوق للماشية بصنعاء حيث يكافح اليمنيون للحصول على أضحية للعيد (رويترز)
TT

عزوف في صنعاء عن شراء الأضاحي نتيجة اشتداد الفقر

جزار يمسك بخروف في سوق للماشية بصنعاء حيث يكافح اليمنيون للحصول على أضحية للعيد (رويترز)
جزار يمسك بخروف في سوق للماشية بصنعاء حيث يكافح اليمنيون للحصول على أضحية للعيد (رويترز)

في سوقِ لبيع المواشي غرب العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، يقف عبد الله؛ البالغ من العمر نحو 52 عاماً، وهو يمسك بيده حبالاً تربط 4 من الضأن والماعز، وعينه تدور يميناً وشمالاً بحثاً عن زبائن لبيعها وتأمين مستلزمات العيد لأولاده، في ظل عزوف كبير عن شراء أضاحي العيد، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية التي يرافقها انقطاع الرواتب، وندرة العمل، وتفشي رقعة الجوع والفقر.

ويستقبل ملايين السكان اليمنيين في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية عيد الأضحى في ظل ظروف إنسانية بائسة وموجة غلاء في أسعار الأضاحي وبقية متطلبات العيد من ملابس وحلوى ومكسرات وغيرها، وسط توجه نحو لحوم الدجاج والأسماك لمن استطاع ذلك.

جزار يمسك بخروف في سوق للماشية بصنعاء حيث يكافح اليمنيون للحصول على أضحية للعيد (رويترز)

ويتحدث عبد الله، وهو أب لأربعة أولاد ويقطن قرية الجعادب في مديرية بني مطر بريف صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، عن استمراره منذ نحو أسبوع في الوقوف يومياً بسوق صغيرة للمواشي بمنطقة الصباحة ليتمكن من بيع ماشيته التي كان قد عانى الأمرين في تربيتها على مدى أشهر ماضية.

واستطاع الرجل الخمسيني بعد أيام بيع خروف بمبلغ 85 ألف ريال يمني (الدولار يساوي 530 ريالاً) وهو مبلغ لن يكفيه لمتطلبات العيد وإدخال البهجة على أبنائه.

ونتيجة غياب الأعمال واتساع رقعة البطالة والفقر، كان عبد الله قد لجأ قبل سنوات عدة إلى مزاولة مهنة تربية المواشي في منطقته، أملاً في التخفيف من حدة معاناته وأسرته المتصاعدة.

تراجع القدرة الشرائية

يتحدث بعض تجار المواشي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن عزوف كبير للسكان في العاصمة المختطفة ومدن أخرى عن شراء أضاحي العيد هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة. وأرجعوا الأمر إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير؛ حيث يتراوح سعر التيس أو الخروف المحلي بين 80 ألفاً و150 ألف ريال (الدولار يساوي 530 ريالاً).

وأفاد ناصر، وهو أحد تجار المواشي في صنعاء، بأن معظم أسواق المواشي المنتشرة في الوقت الحالي بطول وعرض صنعاء تشهد منذ أسابيع عدة تراجعاً ملحوظاً في إقبال السكان على شراء أضحية العيد بسبب تدني القدرة الشرائية للسكان نتيجة ظروفهم المتدهورة.

وأوضح التاجر أن كثيراً من السكان في صنعاء سيقبلون خلال عيد الأضحى هذا العام على شراء لحوم الدجاج والأسماك تعويضاً للحوم الأبقار والأغنام، حيث تعجز أغلبية السكان عن تأمين الأضحية.

أغلب اليمنيين باتوا عاجزين عن شراء اللحوم جراء شدة الفقر (رويترز)

وفي وقت تعاني فيه آلاف الأسر اليمنية بمختلف المناطق تحت سيطرة الانقلابيين من أوضاع معيشية صعبة، كشف «برنامج الغذاء العالمي»، في تقرير حديث له، عن ارتفاع عدد الأسر التي تعاني نقصاً في استهلاك الغذاء باليمن، إلى 49 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي.

وذكر «البرنامج الأممي» أن وضع الأمن الغذائي في اليمن تدهور خلال الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتوقع أن تستمر هذه التدهورات حتى سبتمبر (أيلول) المقبل.

وأكد أن القوة الشرائية للأسر اليمنية انخفضت بشكل كبير نتيجة انخفاض فرص العمل الزراعي الموسمي، وما يواجهه موظفو الخدمة المدنية من انقطاع رواتبهم وسط توقعات اقتصادية صعبة، بينما يؤدي انخفاض المساعدات الغذائية الإنسانية إلى زيادة الاعتماد على الأسواق.

ولفت «البرنامج الأممي» إلى أن الأمطار الموسمية المتزايدة خلقت ظروفاً مواتية لتجديد المراعي وتوافر العلف الحيواني، مما يوفر بصيصاً من الأمل لأولئك الذين يعتنون بالحيوانات.


مقالات ذات صلة

اتهامات للحوثيين بعرقلة مساعدات الفقراء

العالم العربي جانب من عملية صرف مساعدات نقدية للفقراء في إحدى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (فيسبوك)

اتهامات للحوثيين بعرقلة مساعدات الفقراء

الجماعة الحوثية توقف صرف المساعدات النقدية للحالات الأشد فقراً في مناطق سيطرتها، وتستقطع منها لصالح جبهاتها، متسببة بمزيد من المعاناة الإنسانية للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي معدل انعدام الغذاء الكافي انتشر بين 62 ‎%‎ من سكان اليمن (الأمم المتحدة)

برنامج أممي يحذر من خطر سوء التغذية الحاد في اليمن

حذر برنامج الأغذية العالمي من أن سوء التغذية الحاد في اليمن لا يزال يشكل تهديداً خطيراً لحياة الأشخاص مع وجود 17.6 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي دُشنت المشروعات التنموية برعاية عدد من الوزراء والمسؤولين (الشرق الأوسط)

«البرنامج السعودي» يضع حجر الأساس لمشروعات تنموية في مأرب

وضع «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» حجر الأساس لحزمة مشروعات تنموية في محافظة مأرب.

«الشرق الأوسط» (مأرب)
العالم العربي آثار عميقة تسببت بها الفيضانات في اليمن وأدت إلى تفاقم الظروف الإنسانية المتردية (أ.ف.ب)

تحذيرات من استمرار تأثير الفيضانات على الوضع الإنساني في اليمن

على الرغم من اقتراب موسم الأمطار في اليمن من نهايته مع رحيل فصل الصيف، تواصلت التحذيرات من استمرار هطول الأمطار على مناطق عدة، مع تراجع حدتها وغزارتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي: لا خيار سوى الانتصار على المشروع الإيراني في اليمن

وسط احتفالات واسعة بذكرى «ثورة 26 سبتمبر» أكد رئيس مجلس الحكم اليمني رشاد العليمي أنه لا خيار في بلاده إلا الانتصار على المشروع الإيراني المتمثل في الحوثيين

علي ربيع (عدن)

اتهامات للحوثيين بعرقلة مساعدات الفقراء

الجماعة الحوثية متهمة باستقطاع أجزاء من مبالغ مخصصة للفقراء (فيسبوك)
الجماعة الحوثية متهمة باستقطاع أجزاء من مبالغ مخصصة للفقراء (فيسبوك)
TT

اتهامات للحوثيين بعرقلة مساعدات الفقراء

الجماعة الحوثية متهمة باستقطاع أجزاء من مبالغ مخصصة للفقراء (فيسبوك)
الجماعة الحوثية متهمة باستقطاع أجزاء من مبالغ مخصصة للفقراء (فيسبوك)

أوقفت الجماعة الحوثية، خلال الأيام القليلة الماضية، صرف المساعدات النقدية المخصصة للحالات الأشد فقراً في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، في ظل اتهامات لها باستقطاع مبالغ مالية من المساعدات التي تُخصصها المنظمات الأممية والدولية لمصلحة الفقراء في اليمن.

وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تعمدت وضع صعوبات وعراقيل عدة، لمنع صرف المساعدات النقدية للمستحقين في نحو 35 مركزاً خاصاً في 6 محافظات يمنية تحت سيطرتها، وهي صنعاء، وإب، والمحويت، وذمار، وريمة، وعمران، من خلال ما سمته «المرحلة الـ18 لمشروع الحوالات النقدية للمستفيدين من صندوق الرعاية الاجتماعية».

إشراف عناصر حوثية على عملية صرف مساعدات نقدية طارئة في محافظة إب (إعلام حوثي)

ويستهدف مشروع الحوالات النقدية المموَّل من البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف)، في هذه المرحلة، ما يزيد على مليون ونصف المليون أسرة، تضم نحو 10 ملايين شخص في صنعاء وبقية المحافظات، بينما يبلغ إجمالي المبلغ المخصص بوصفه معونات نقدية في هذه المرحلة أكثر من 63 مليون دولار.

واشتكى مستفيدون من تلك الحوالات في صنعاء ومدن أخرى لـ«الشرق الأوسط»، من عراقيل وصعوبات مستمرة تتعمد الجماعة وضعها، وتؤدي لإيقاف عملية صرف المساعدات النقدية ساعات وأحياناً أياماً، في مراكز عدة؛ الأمر الذي يزيد من معاناتهم ومتاعبهم نتيجة الوقوف ساعات طويلة أمام تلك المراكز.

وتتم عملية الصرف التي يُشرِف عليها عناصر يتبعون ما يسمى «المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية»، وهو هيئة مخابراتية شكَّلتها الجماعة للرقابة على أنشطة الإغاثة والمنظمات الدولية والمحلية، إضافة إلى موظفين في بنك الأمل وصندوق التنمية الاجتماعي، عبر أكثر من 2500 مركز صرف تنتشر في نحو 40 ألف قرية.

جانب من عملية صرف مساعدات نقدية للفقراء في إحدى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (فيسبوك)

ويبرر هؤلاء المشرفون إيقاف عمليات الصرف في تلك المراكز وحرمان المستفيدين من الحصول على مستحقاتهم المالية الزهيدة، بزعم عدم انتظام المستفيدين في طوابير خاصة بعملية التسلُّم، وعدم تجهيز كشوفات أسماء بعض المستفيدين، إضافة إلى التحجج بوجود أعطال فنية في المراكز.

استقطاع متكرر

كشف مستفيدون آخرون من تلك الحوالات في قرى عدة في مديريات العدين وحبيش ومذيخرة في محافظة إب، ومديريات الجبين والجعفرية في محافظة ريمة، والرجم وحفاش في المحويت، وعتمة في ذمار، والعشة في عمران، ومناطق أخرى في صنعاء، عن وجود استقطاعات حوثية حالية من مستحقاتهم الزهيدة لدعم جبهات القتال.

ولفت المستفيدون إلى أن تلك الاستقطاعات يسبقها في كل مرة عمليات إيقاف متعمدة للصرف ساعات طويلة، دون إبداء الأسباب.

الجوع والفقر يدفعان يمنيين في صنعاء للتسول (الشرق الأوسط)

وبيَّن (أمين ع.)، وهو أحد المقربين من أحد المستفيدين من الضمان الاجتماعي في إب لـ«الشرق الأوسط»، أن قريبه لم يتسلم هذه المرة سوى مبلغ يساوي 15 دولاراً أميركياً تقريباً (8 آلاف ريال يمني)، وتفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار يساوي (536 ريالاً) كمساعدة نقدية مخصصة له، وذلك بعد عناء وجهد من أحد مراكز الصرف في ضواحي مدينة العدين.

وأوضح أن قريبه سبق له أن تَسَلَّمَ في المرحلة السابقة مبلغ 22 دولاراً (12 ألف ريال)، أي أنه تم استقطاع ثلث مستحقاته هذه المرة.

واتُّهم أمين الجماعة باستهداف الفقراء بشكل متكرر، ونهب كل مدخرات وموارد برامج الحماية الاجتماعية (شبكات الضمان الاجتماعي)، ما أدى إلى تعميق الفقر وارتفاع نسبته، وفقدان اليمنيين في عموم مناطق سيطرتها للحماية.

تدمير شبكة الضمان

ليست المرة الأولى التي تعرقل فيها الجماعة الحوثية صرف المساعدات العينية أو النقدية لصالح الفقراء والنازحين؛ إذ سبق أن اشتكى مستفيدون في مدن تحت سيطرتها مرات عدة من عمليات نهب واستقطاع مستحقاتهم.

وكشفت مصادر حقوقية في يونيو (حزيران) من العام قبل الماضي عن استقطاع قيادات انقلابية تدير مكاتب الشؤون الاجتماعية في المحافظات التي تحت سيطرتها، مبالغ من مستحقات الفقراء المستفيدين من مشروع الضمان الاجتماعي، تراوحت في حينها بين 6 و12 دولاراً (3 آلاف و7 آلاف ريال) عن كل حالة.

أسر يمنية في صنعاء تلجأ للحصول على وجبات طعام من مخلفات القمامة (الشرق الأوسط)

كما اتهمت المصادر الجماعة حينها بعدم مراعاة معاناة آلاف الأسر المعوزة المستفيدة من تلك المبالغ، وقد باتت مُعظمها لا تملك أي مصادر دخل غير تلك المستحقات الزهيدة التي تُصْرف لها كل 3 أشهر بعد انقطاع دام أعواماً، بفعل سطو قادة الجماعة على أرصدة صندوق الضمان الاجتماعي.

وأظهرت تقارير محلية وأخرى دولية تعرُّض عدد من الصناديق الإيرادية بما فيها «صناديق التقاعد» في مناطق سيطرة الجماعة لعمليات سطو منظمة، من بينها صندوق الضمان الاجتماعي، وصندوق النشء والشباب، وصندوق مؤسسة التأمينات الاجتماعية.

وعمدت الجماعة عقب انقلابها، وفق التقارير، إلى نهب أموال صناديق التقاعد، وأوقفت في المقابل مشاريع البنية التحتية، كما أحجمت عن تسديد ديونها للبنوك ومؤسسات التمويل الأصغر، ما قاد هذه المكونات التي تقدم العون والمساعدة لشريحة كبيرة من اليمنيين، إلى التوقف عن العمل.