يمنيون يبيعون أثاث منازلهم لتغطية تكاليف العلاج

الحوثيون وجّهوا الموارد لخدمة قادتهم ومقاتليهم

الأطفال والنساء الأكثر إصابة بالأمراض والأشد احتياجاً للرعاية الطبية (الأمم المتحدة)
الأطفال والنساء الأكثر إصابة بالأمراض والأشد احتياجاً للرعاية الطبية (الأمم المتحدة)
TT

يمنيون يبيعون أثاث منازلهم لتغطية تكاليف العلاج

الأطفال والنساء الأكثر إصابة بالأمراض والأشد احتياجاً للرعاية الطبية (الأمم المتحدة)
الأطفال والنساء الأكثر إصابة بالأمراض والأشد احتياجاً للرعاية الطبية (الأمم المتحدة)

في بلدة يمنية صغيرة تقع شمال محافظة إب، الخاضعة لسيطرة الحوثيين (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اضطرت أسرة إلى بيع أثاث منزلها لتغطية نفقات علاج طفلتها، لكنها مع ذلك عجزت عن تجميع كامل المبلغ الذي يطالب به أحد المستشفيات الخاصة، ولهذا قام نشطاء بعمل إعلان لجمع التبرعات لدعم هذه الأسرة.

ويقول بشير، الذي يتولى رصد الحالات وتوجيه النداءات للميسورين، «هناك مرضى لا يجدون قيمة الأدوية، وآخرون في المستشفيات عجزوا عن دفع الفواتير»، مبيناً أن الأسرة ورغم قيامها ببيع موقد الطبخ مع أسطوانات الغاز والغسالة ودولاب الملابس؛ كي تغطي نفقات علاج طفلتها، فإن المبلغ المطلوب أكثر من عائدات بيع هذه الأدوات.

كبرى المستشفيات العامة أغلقها الحوثيون أمام الفقراء (إعلام حوثي)

ويضيف: «نواجه حالات مأساوية لكثير من المرضى باتت أسرهم عاجزة عن دفع نفقات علاجهم». ويذكر أن مريضة حُجزت في المستشفى الذي نُقلت إليه؛ بسبب عدم قدرة أسرتها على دفع نفقات علاجها، التي تصل إلى ما يعادل 1500 دولار لأنها أسرة معدمة، وإدارة المستشفى تلوح باللجوء إلى القضاء، وأن كل ما استطاع جمعه هو 300 دولار فقط.

هذه القصص المأساوية تُسجّل في بلدة واحدة، لكن الوضع أكثر سوءاً في مناطق أخرى خاضعة للحوثيين، حيث وجهت الجماعة كل عائدات الدولة لمصلحة مقاتليها وقادتها، ومَن عيّنتهم في مواقع المسؤولية أو أعضاء فيما يُسميان «مجلسا النواب والشورى»، وخصّصت عدداً من المستشفيات العامة الكبيرة لعلاج مقاتليها فقط، وتركت السكان يواجهون مصيرهم، مجردين من رواتبهم التي قُطعت منذ 8 أعوام، مع توقف كل الأعمال نتيجة للحرب التي أشعلتها.

تدهور حاد

تذكر مصادر طبية وسكان في صنعاء، التي يُقدّر عدد سكانها بـ4 ملايين نسمة لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين وبعد انتقادات لسنوات عدة أعلنوا تخصيص المستشفى الجمهوري الحكومي لتقديم العلاج المجاني، على أن يتم الصرف عليه من عائدات الزكاة التي تُجمع بالقوة وبمبالغ مضاعفة.

ومع ذلك تؤكد المصادر أن المرضى يُلزمون بدفع مبالغ تحت مسمى «الدعم الشعبي»، كما أن عدداً محدوداً منهم يحصل على الخدمة، بينما لا يستطيع كثير الحصول عليها؛ بسبب الأعداد الكبيرة من المرتادين، حيث يضطر كثيرون إلى الذهاب فجراً للحصول على مكان في طابور الانتظار الطويل.

ويقول جمال، وهو أحد الناشطين، إنهم يبحثون عن متبرع بمبلغ 100 دولار شهرياً لتغطية تكاليف جرعة شهرية لعلاج امرأة مصابة بالسرطان لأن الأسرة لا تمتلك المبلغ، وحياة هذه المرأة مرتبطة بالحصول على تلك الجرعة الشهرية.

الحرب التي فجّرها الحوثيون أخرجت نصف المنشآت الطبية عن العمل (إعلام محلي)

ويضيف: «نحن نقوم بدور الوسطاء. فقط ننشر عن الحالات بموجب التشخيص الطبي والمعرفة الشخصية، ويقوم المتبرعون بالتواصل مع تلك الحالات المرضية مباشرة، إما من خلال شراء الدواء المطلوب أو دفع النفقات مباشرة إلى المستشفيات».

ويذكر أن فتاة أخرى لا تزال في أحد المستشفيات الخاصة ولم تتمكن من المغادرة لأن الإدارة تطالب أسرتها بمبلغ يصل إلى 1300دولار وهي لا تمتلك المبلغ، ولذلك يبحثون عن متبرعين لجمعه حتى تتمكّن من الخروج.

وفي مقابل هذه المعاناة تشكو الأوساط الشعبية من غياب الرقابة على أداء المستشفيات الخاصة، ويقولون إنها تفرض مبالغ خيالية على المرضى، وتطلب منهم فحوصاً طبية غير ضرورية، ويتداولون قصة أحد مُلاك المستشفيات الذي اجتمع بالأطباء العاملين لديه وانتقد بقاء غرفة العناية المركزة فارغة، وقال لهم إنهم إذا لم يتصرفوا ويحيلوا عدداً من المرضى إلى هناك فلن يتسلموا رواتبهم نهاية الشهر؛ لأن المستشفى لا يحصل على أموال كافية.

ويذكر عاملون في قطاع الصحة أن مستثمرين حوّلوا مباني سكنية إلى مستشفيات تفتقر لأبسط الشروط المطلوبة، ويقولون إن الشخص الذي يقوم بإسعاف مريض يُلزمه بوضع مبلغ مالي عهدة لدى الإدارة ليتم تقديم الإسعافات اللازمة، وإذا لم يكن لديه المبلغ المطلوب فإن عليه رهن سيارته أو مجوهرات زوجته.

ويؤكد العاملون أن هذه المستشفيات التي وُجدت على حساب المستشفيات العامة لا تمتلك كادراً طبياً خاصاً، بل إن الطبيب يذهب إلى المستشفى العام ليعمل ساعتين ثم يغادر للعمل في المستشفى الخاص.

وتشير المصادر إلى أن كثيراً من المسؤولين الحوثيين شركاء في هذه المستشفيات، ويتقدمهم وزير الصحة في حكومة الانقلاب الذي عين أحد أقاربه مديراً لمستشفى امتلكه خلال مدة توليه هذا المنصب، كما أصبح كثير من عناصر الجماعة شركاء في امتلاك صيدليات بيع الأدوية التي فتحت بجوار المستشفيات العامة أو في المستشفيات الخاصة، حيث يُجبَر المريض على الشراء منها فقط.

إيقاف توزيع المياه

أبلغ شركاء العمل الإنساني، في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة، أن نشاط نقل المياه بالشاحنات إلى 56 موقعاً للنازحين داخلياً سيتوقف في غضون 3 أشهر؛ بسبب عدم اكتمال مشروع الاستجابة الإنسانية للمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، الذي يتطلب تمويلاً مستمراً بقيمة 56 ألف دولار شهرياً.

وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة أنه، وعلاوة على ذلك، سيتم أيضاً إيقاف نقل المياه بالشاحنات في 28 موقعاً للنازحين داخلياً يستفيد منها 39928 شخصاً بعد 6 أشهر. وناشدت المانحين تقديم دعم تمويلي عاجل لمواصلة أنشطة نقل المياه المنقذة للحياة بالشاحنات في هذه المواقع لأنه لا يوجد حل دائم، مثل تمديد شبكة المياه من أنظمة الضخ القريبة.

وأكدت الحاجة إلى تمويل عاجل بمبلغ 341 ألف دولار لنقل المياه بالصهاريج لمدة 6 أشهر إلى 117970 نازحاً في 56 موقعاً للنازحين داخلياً، كما تحتاج لتمويل آخر قدره 92 ألف دولار لنقل المياه بالصهاريج لمدة 6 أشهر لـ39928 نازحاً في 28 موقعاً للنازحين داخلياً.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يتجاهلون تهديدات نتنياهو ويواصلون هجماتهم تجاه إسرائيل

العالم العربي صورة وزعها الحوثيون لصاروخ هاجموا به إسرائيل يسمونه «فلسطين 2» (إعلام حوثي) play-circle 03:14

الحوثيون يتجاهلون تهديدات نتنياهو ويواصلون هجماتهم تجاه إسرائيل

تجاهل الحوثيون المدعومون من إيران تهديدات بنيامين نتنياهو بضربهم وتدمير البنية التحتية وواصلوا هجماتهم باتجاه إسرائيل بالتوازي مع التصعيد ضد الجيش اليمني في تعز

علي ربيع (عدن)
العالم العربي فوضى أمنية وممارسات عنصرية تؤرق اليمنيين في إب (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن يعززون بعناصر أمن صوب 3 محافظات

دفع الحوثيون بالمئات من عناصرهم الأمنيين من مناطق متفرقة في محافظة إب، صوب محافظات تعز والحديدة والضالع بعد أن فشلوا في حشد مزيد من المجندين.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي النساء يمثلن نحو 19% من المهاجرين الواصلين الشهر الماضي إلى اليمن (الأمم المتحدة)

رقم قياسي لعدد المهاجرين الأفارقة الواصلين إلى اليمن خلال شهر

وصل 18 ألف مهاجر أفريقي إلى اليمن الشهر الماضي في رقم قياسي منذ عام ونصف، في حين عاد طوعياً 1500 مهاجر إثيوبي في رحلات بحرية خطرة.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي عناصر من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يتفقدون موقع سقوط صاروخ حوثي في منطقة يافا جنوب تل أبيب (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعترض مسيّرة انطلقت من اليمن

أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، اعتراض سلاح الجو الإسرائيلي لطائرة مسيرة، أُطلقت من اليمن صوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي دخان يتصاعد من محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين إثر ضربات إسرائيلية (رويترز)

إيران تشدّ أزر الحوثيين عقب الضربات الإسرائيلية والأميركية

سارعت إيران إلى الاطمئنان على الحوثيين وشَدّ أزرهم إثر الضربات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة، فيما أكدت الجماعة مضيها في التصعيد، وعدم تأثر قدرتها العسكرية.

علي ربيع (عدن)

مصر: «عفو رئاسي» عن 54 سجيناً من سيناء

رئيس الوزراء المصري في لقاء سابق مع مشايخ وعواقل سيناء (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري في لقاء سابق مع مشايخ وعواقل سيناء (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر: «عفو رئاسي» عن 54 سجيناً من سيناء

رئيس الوزراء المصري في لقاء سابق مع مشايخ وعواقل سيناء (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري في لقاء سابق مع مشايخ وعواقل سيناء (مجلس الوزراء المصري)

قرَّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، العفو عن 54 سجيناً من أبناء سيناء، من المحكوم عليهم في قضايا، في خطوة رحّب بها مشايخ وعواقل قبائل سيناء، وقالوا إنها «ضمّت محبوسين في قضايا جنائية».

وذكرت الرئاسة المصرية، في إفادة لها، الثلاثاء، أن قرار السيسي بالعفو عن المحكوم عليهم من أهالي سيناء جاء «استجابة لطلب نواب ومشايخ وعواقل رفح والشيخ زويد، بمحافظة شمال سيناء». وأشارت إلى أنه «يأتي تقديراً للدور التاريخي لأبناء سيناء في جهود مكافحة الإرهاب، وتحقيق التنمية والاستقرار».

ويأتي قرار العفو تفعيلاً لصلاحيات دستورية ممنوحة لرئيس الجمهورية، وفي إطار «الاهتمام والمتابعة للظروف الإنسانية للمحكوم عليهم، في القضايا المختلفة»، وفق بيان الرئاسة المصرية.

وتضم القائمة الجديدة، «مدانين في قضايا جنائية»، وفق الشيخ سالم موسى، أحد مشايخ جنوب سيناء، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «القائمة ضمّت أسماء سبق أن صدرت بحقهم أحكام في قضايا خلافية تتعلق بملكية أراضٍ في سيناء، أو بسبب قضايا جنائية أخرى، وليست قضايا مخلة بالأمن في سيناء، مثل القضايا المرتبطة بأحداث الإرهاب سابقاً».

وأوضح موسى، أن كثيراً ممّن تم العفو عنهم قضوا أكثر من نصف العقوبة، مشيراً إلى «سعادة أهالي سيناء بسبب قرار العفو من الرئيس المصري».

وقال شيخ قبيلة «الحويطات» في سيناء، الشيخ فريج سالم حسن، إن «عواقل ومشايخ قدموا التماساً إلى الرئيس المصري، للنظر في الجانب الإنساني لبعض المحكوم عليهم من أبناء القبائل». وعدّ استجابة السيسي «خطوة جيدة، تعزز شعور الاهتمام والاحتواء لدى أهالي سيناء».

وأوضح سالم، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرار العفو الرئاسي له مردود اجتماعي وسياسي وأمني، ويعكس تواصل الحكومة المصرية مع أهالي سيناء»، منوهاً إلى «مشاعر الفرحة لدى قبائل سيناء بقرار العفو»، وربط في الوقت نفسه بين القرار وجهود التنمية في سيناء، مشيراً إلى أن «المشروعات التي تنفِّذها الحكومة تغيِّر من وجه سيناء».

وتقول الحكومة المصرية إنها ضاعفت من ميزانية التنمية في سيناء خلال السنوات الماضية. ووفق رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال تفقده مشروعات تنموية بشمال سيناء في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن «بلاده أنفقت نحو 600 مليار جنيه، على مشروعات التنمية بسيناء خلال الـ10 سنوات الماضية». (الدولار يساوي 50.85 جنيه مصري).

الإفراج عن محبوسين مصريين بعد العفو عنهم في أبريل الماضي (الداخلية المصرية)

ويتوقف الخبير العسكري المصري ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، اللواء نصر سالم، مع توقيت قرار العفو، وقال: «إنه يأتي في مرحلة لم الشمل، وإعمار في سيناء» عادّاً أن «تلك المرحلة تحتاج إلى تلاحم كل القوى، وتكاتف شعبي من أهالي سيناء».

ويرى سالم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «خطوة العفو الرئاسي تستهدف، مع جهود التنمية في سيناء، تعزيز القدرات المختلفة؛ لحماية الأمن بالمنطقة»، مشيراً إلى أن «التدابير والإجراءات التي تقوم بها الحكومة المصرية في سيناء تحتاج لإعمارها بالبشر»، وعدّ أن العفو «يعزز من دور أهالي سيناء بوصفهم ظهيراً شعبياً لخطط الحكومة التنموية والأمنية بالمنطقة».

وتطالب منظمات حقوقية مصرية بالتوسع في قرارات العفو، خصوصاً عن النشطاء السياسيين، في ضوء قرار الرئيس المصري، في أبريل (نيسان) 2022، بإعادة تشكيل «لجنة العفو الرئاسي»، لمراجعة ملفات عشرات المحبوسين.

ودعا المحامي المصري وعضو لجنة العفو الرئاسي، طارق العوضي، إلى أن «تشمل قرارات العفو، المحبوسين كافة في قضايا الحريات»، عادّاً أن «هذه الخطوة، ستمثل فرصةً ذهبيةً لتحقيق مصالحة وطنية شاملة».

وأوضح العوضي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «لجنة العفو، سبق أن رفعت قوائم بأسماء محبوسين للنظر في أمرهم»، مشيراً إلى أن «العفو ليس مجرد قرار سياسي، وإنما رسالة أمل لآلاف الأسر، ويُشكِّل فرصةً تاريخيةً لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من الوحدة الوطنية».