نفاد السولار يجبر سائقين في قطاع غزة على استخدام زيت الطهي وقوداً

لا بديل الآن سوى استخدام زيت الطهي بعد ارتفاع أسعار البنزين والسولار في غزة (أ.و.ب)
لا بديل الآن سوى استخدام زيت الطهي بعد ارتفاع أسعار البنزين والسولار في غزة (أ.و.ب)
TT

نفاد السولار يجبر سائقين في قطاع غزة على استخدام زيت الطهي وقوداً

لا بديل الآن سوى استخدام زيت الطهي بعد ارتفاع أسعار البنزين والسولار في غزة (أ.و.ب)
لا بديل الآن سوى استخدام زيت الطهي بعد ارتفاع أسعار البنزين والسولار في غزة (أ.و.ب)

يقف السائق أحمد عبد الناصر على جانب طريق الرشيد الساحلية بين دير البلح ومنطقة مواصي خان يونس في جنوب قطاع غزة ليشتري 4 لترات من زيت الطهي.

يفتح عبد الناصر (23 عاماً) غطاء محرك سيارته القديمة من طراز «مرسيدس» ويبدأ في إضافة زيت الطهي، الذي اشتراه للتو، داخل إناء حوّله إلى خزان سولار بعد تلف الخزان الجانبي، ثم طلب لترين إضافيين لضمان عدم نفاده قبل أن يصل إلى وجهته في الأجزاء الغربية من رفح التي لم يدخلها الجيش الإسرائيلي بعد.

ينظر البائع إلى السائق بابتسامة عريضة وهو يناوله قنينة سابعة تزن لتراً واحداً من زيت الطهي، ويتبادلان أطراف الحديث حول كمية الزيت الإضافية التي اشتراها، فيخبره عبد الناصر بأنه بصدد نقل عائلة نازحة من رفح ويخشى أن ينفد منه الوقود خلال رحلة العودة إلى دير البلح.

وبينما يوضح سائق سيارة الأجرة أن لا بديل الآن أمامه وأمام غيره من السائقين سوى استخدام زيت الطهي الذي تراجع سعره إلى نحو دولارين للتر الواحد بعد أن وصل إلى 6 دولارات قبل فترة وجيزة، فإنه يشير إلى شح السولار وارتفاع سعر المتوفر منه لنحو 18 دولاراً للتر الواحد.

ويؤكد عبد الناصر أنه وغيره من أصحاب السيارات؛ سواء الخاصة والأجرة، لا يستطيعون شراء السولار بهذا الثمن المرتفع، والأمر ينطبق كذلك على البنزين الذي تجاوز سعر اللتر الواحد منه 30 دولاراً، معرباً عن ارتياحه لانخفاض سعر زيت الطهي ليتمكن من العمل على سيارة الأجرة وتوفير لقمة العيش لعائلته.

وأوضح أنه اضطر في وقت سابق إلى التوقف عن العمل لأن أسعار السولار وزيت الطهي كانت مرتفعة في آن معاً، ولم يكن ممكناً توفير هامش من الربح إذا استخدم أحدهما، لافتاً إلى أنه سيظل يعتمد على زيت الطهي ما دامت أسعار السولار مرتفعة ولم تعد إلى سابق عهدها قبل الحرب.

وسيطر الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح مع مصر منذ 20 يوماً، مما أدى إلى توقف تدفق الوقود الذي كان يورد بوصفه مساعدات إلى قطاع غزة ويساهم في التخفيف من احتياجات الفلسطينيين، على الرغم من أن أسعار الوقود كانت مرتفعة أيضاً حتى قبل إغلاق المعبر بنحو 5 أمثال أسعارها قبل الحرب.

يستخدم الفلسطينيون في غزة زيت الطهي لتشغيل السيارات التي تعمل بالبنزين بعد إجراء تعديلات طفيفة على المحرك (أ.و.ب)

ولا يكترث عبد الناصر؛ النازح من وسط خان يونس، بإمكانية تلف محرك سيارته بسبب استخدام زيت الطهي مع خلطه بقليل من الوقود وزيت السيارات، ويرى أن بوسعه استبدال المحرك لاحقاً في حال توقفه عن العمل.

يدرك عبد الناصر حجم الأضرار البيئية التي يخلفها استخدام زيت الطهي بدلاً من السولار في تشغيل سيارته، لكنه يرى أن البدائل محدودة أمامه كغيره من أصحاب السيارات، فهم بين خيارين؛ إما عدم العمل، وإما محاولة تدبر حياتهم وتوفير قليل من الدخل لإعانة عائلاتهم في ظروف النزوح الصعبة.

وقال عبد الناصر لـ«وكالة أنباء العالم العربي (أ.و.ب)»: «المستشفيات توقفت عن العمل لنفاد السولار الذي يشغل المولدات، فهل نستطيع نحن البسطاء توفيره بهذه الأسعار المجنونة؟ بالطبع لا، ولا يمكننا أيضاً الوقوف مكتوفي الأيدي ولدينا سيارة يمكن أن تدر علينا دخلاً ولو يسيراً».

وأضاف: «نفعل ذلك مجبرين وغير مخيرين، وإذا ما ارتفع سعر زيت (الطهي) فسنبحث عن أي بدائل أخرى لضمان عملنا واستمرار مصدر رزقنا».

قبل أن يبدأ عبد الناصر في تحريك سيارته، تأتي سيارة أخرى ويسأل صاحبها عن سعر لتر زيت الطهي، فيجيب البائع: «لاستخدام الخيمة أم السيارة؟»، فيشير السائق بابتسامة على وجهه بيده اليسرى نحو سيارته.

تتحرك السيارة الجديدة مخلفة سحابة من الدخان تكاد تخنق المارة، فيطلب الباعة القريبون من بائع الزيت أن ينتقل لمنطقة أخرى حتى لا يتأذوا هم أو زبائنهم.

المارة؛ الذين تزدحم بهم شوارع المواصي ودير البلح بعد نزوح أكثر من مليون فلسطيني من رفح نحو هاتين المنطقتين، يدركون حجم المخاطر الصحية الناتجة عن استنشاقهم دخان السيارات التي تستخدم زيت الطهي وقوداً، فيلجأ بعضهم إلى وضع كمامات للاحتماء من التلوث.

ناهد كميل؛ النازحة من منطقة المغراقة في وسط قطاع غزة إلى المواصي في الآونة الأخيرة مروراً بدير البلح وخان يونس ورفح، توضح أن طفلها هيثم الذي لم يكمل عامه الأول كاد يختنق بعدما فوجئت بإحدى السيارات تنطلق فجأة بجانبها، مؤكدة أنها بالكاد نجحت في الابتعاد عنها ليستعيد الطفل التنفس الطبيعي بعد مراجعة الطبيب.

تقول ناهد (34 عاماً) إنها تضطر، كغيرها من النازحين، إلى استنشاق كميات من الأدخنة الناتجة عن استخدام السيارات الزيت خلال تنقلها بشكل يومي، فتعود في نهاية النهار متعبة وتشعر بضيق كبير في التنفس، عادّةً أن الأكثر خطورة هو الانتقال عبر عربة يجرها حمار أو حصان بينما تكون أمامها مركبة تخرج هذا الدخان القاتل؛ على حد وصفها.

وهذه ليست أول مرة يلجأ فيها أهالي غزة إلى استخدام زيت الطهي لتشغيل سياراتهم التي تعمل بالسولار، فكلما كانت إسرائيل تشدد حصارها عليهم وتقلص إمدادات الوقود، كانوا يلجأون لهذا الحل منذ أكثر من 17 عاماً.

كما يستخدم الفلسطينيون في قطاع غزة غاز الطهي لتشغيل السيارات التي تعمل بالبنزين بعد إجراء تعديلات طفيفة على منظومة عمل المحرك، لكن نفاد الغاز هذه المرة لم يسمح باستخدامه في السيارات.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود مع قطاع غزة (د.ب.أ)

صندوق تقاعد نرويجي ينسحب من شركة أميركية بسبب تورطها في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان

أعلن أكبر صندوق تقاعد خاص بالنرويج سحب استثماراته من شركة صناعة المعدات الثقيلة الأميركية «كاتربلر» بسبب مخاوف احتمال مساهمتها في تسهيل انتهاك حقوق الإنسان.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
تحليل إخباري المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)

تحليل إخباري هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

قبل أيام زار هوكستين، عراب الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي، تل أبيب وبيروت في مسعى لمنع تحول المواجهة من جبهة محدودة في جنوب لبنان إلى مواجهة مفتوحة.

مالك القعقور (لندن)
شؤون إقليمية حقل الغاز الطبيعي البحري الإسرائيلي «تمار» في الصورة أمام عسقلان قرب ساحل غزة (رويترز)

اتحاد المصنّعين الإسرائيليين: سنُغلق منصّات الغاز إذا نشبت حرب مع «حزب الله»

قال رون تومر، رئيس اتحاد المصنّعين في إسرائيل، إنه سيتم وقف تشغيل كل منصّات استخراج الغاز الطبيعي في المياه الإسرائيلية؛ لحمايتها في حال نشوب حرب مع «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري تؤكد إيران أنها ستتدخل مباشرة في القتال حال قيام إسرائيل بتوسعة الحرب ضد «حزب الله» (أرشيف «الشرق الأوسط»)

تحليل إخباري واشنطن توكل لباريس التواصل مع طهران لمنع التصعيد في جنوب لبنان

أكد مصدر دبلوماسي غربي أن واشنطن أوكلت إلى باريس مهمة التواصل مع إيران وحليفها «حزب الله» لإعادة الهدوء إلى جبهة جنوب لبنان ومنع توسعة الحرب بين الحزب وإسرائيل.

محمد شقير (بيروت)

جولة يمنية في مسقط لبحث ملف الأسرى والمحتجزين نهاية الشهر

أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة مستأجرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (رويترز)
أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة مستأجرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (رويترز)
TT

جولة يمنية في مسقط لبحث ملف الأسرى والمحتجزين نهاية الشهر

أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة مستأجرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (رويترز)
أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة مستأجرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (رويترز)

تنطلق في العاصمة العمانية، مسقط، نهاية الشهر الحالي، جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة اليمنية والحوثيين بشأن ملف الأسرى والمختطفين برعاية أممية، وسط اتهامات للجماعة المدعومة من إيران بوضع العراقيل، ودعوات للضغط الدولي عليها للإيفاء بالتزاماتها.

ومع وجود آلاف المعتقلين في سجون الجماعة الحوثية، نجحت الأمم المتحدة بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال الأعوام الماضية في إتمام صفقتين للتبادل بين الطرفين.

وعلى وقع تداول أنباء عن عدم مشاركة وفد الحكومة اليمنية في جولة المفاوضات المزمعة في مسقط، حسم رئيس الوفد، يحيى كزمان، الأربعاء، الجدل، وأكد تلقي تعليمات للمشاركة والتفاوض من أجل إطلاق جميع الأسرى، بمن فيهم محمد قحطان.

وقال كزمان في تغريدة على منصة «إكس»: «كثُر الجدل والأسئلة من الوسط الإعلامي وأهالي الأسرى والمحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً بخصوص جولة المفاوضات المقررة نهاية الشهر الحالي في مسقط».

وأضاف: «التوجيهات العليا تقضي بالحضور والعمل على إطلاق جميع المختطفين والمخفيين قسراً على قاعدة (الكل مقابل الكل)، وفي مقدمهم محمد قحطان».

جانب من اجتماع في عمان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين المختصين بملف الأسرى والمحتجزين (إكس)

ونجحت جولات التفاوض السابقة، برعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، في إطلاق دفعتين من الأسرى والمعتقلين لدى أطراف النزاع اليمني، إذ بلغ عدد المُفرج عنهم في الدفعة الأولى أكثر من ألف شخص، في حين بلغ عدد المفرج عنهم في الدفعة الثانية نحو 900 معتقل وأسير.

وتقول الحكومة اليمنية إنها تسعى إلى إطلاق كل المعتقلين وفق قاعدة «الكل مقابل الكل»، وتتهم الحوثيين بأنهم كل مرة يحاولون إجهاض النقاشات، من خلال الانتقائية في الأسماء، أو المطالبة بأسماء معتقلين غير موجودين لدى القوات الحكومية.

وخلال عمليتي الإفراج السابقة، أطلقت الجماعة الحوثية ثلاثة من الأربعة من المشمولين بقرار «مجلس الأمن الدولي 2216»، وهم شقيق الرئيس السابق، ناصر منصور، ووزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي، والقائد العسكري فيصل رجب، في حين لا تزال ترفض إطلاق سراح الشخصية الرابعة، وهو السياسي محمد قحطان، كما ترفض إعطاء معلومات عن وضعه الصحي، أو السماح لعائلته بالتواصل معه.

دعوة لضغط دولي

كان وفد الحكومة اليمنية المفاوض في ملف الأسرى والمختطفين، قد طالب المجتمع الدولي، بالضغط على الحوثيين، واتخاذ موقف صريح ورادع لوقف الاعتقالات والإعدامات، والإخفاء القسري بحق المدنيين، وتنفيذ التزاماتهم في الإفراج عن المختطفين والأسرى «الكل مقابل الكل».

مؤتمر صحافي في مأرب أقامه الوفد الحكومي اليمني المعني بملف الأسرى والمحتجزين (سبأ)

وجاءت مطالبات الوفد الحكومي، خلال مؤتمر صحافي عقد في مأرب (شرق صنعاء)، الثلاثاء؛ إذ انتقد الوفد ما وصفه بـ«التماهي مع تلاعب ميليشيات الحوثي الإرهابية بالملف الإنساني، واستمرارها في وضع العراقيل كل يوم، والتهرب من تنفيذ التزاماتها».

وطالب الوفد الحكومي المبعوث الأممي والمجتمع الدولي، بالضغط على الحوثيين للكشف عن مصير المخفيين قسراً، وفي مقدمهم السياسي محمد قحطان، والسماح لأسرته بزيارته، وإسقاط كل أوامر الإعدام التي أصدرتها الجماعة بحق المختطفين، سواء مَن في معتقلاتها أو المحررين الذين أصدرت بحقهم أوامر الإعدام، عقب الإفراج عنهم ضمن عمليات التبادل تحت الإشراف الأممي.