لودريان في مهمة استثنائية لإخراج انتخاب رئيس للبنان من المراوحة

يحذر من هدر الفرصة لمنع التدحرج نحو المجهول

الموفد الفرنسي جان إيف لودريان (رويترز)
الموفد الفرنسي جان إيف لودريان (رويترز)
TT

لودريان في مهمة استثنائية لإخراج انتخاب رئيس للبنان من المراوحة

الموفد الفرنسي جان إيف لودريان (رويترز)
الموفد الفرنسي جان إيف لودريان (رويترز)

تترقب الأوساط السياسية بفارغ الصبر ما سيحمله الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في جعبته من أفكار ومقترحات، في زيارته السادسة للبنان يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من التأزم وإعادة الهدوء إلى جبهة الجنوب، خصوصاً أن مجيئه إلى بيروت تأخر نحو 5 أشهر، بخلاف ما كان تعهد به في زيارته السابقة بأن يعود في مطلع العام الحالي، وتأتي زيارته هذه المرة في محاولة لجمع الكتل النيابية تحت سقف الذهاب إلى الخيار الرئاسي الثالث، على خلفية أن الانقسام داخل البرلمان يبقي الأبواب موصدة أمام انتخاب أحد المرشَّحَيْن: رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، والوزير السابق جهاد أزعور، رئيساً للجمهورية.

وتكتسب الزيارة السادسة للودريان إلى لبنان أهمية خاصة، وتُعدّ استثنائية، وتتلازم هذه المرة، كما يقول مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط»، مع البيان الذي أصدره سفراء «اللجنة الخماسية» المعتمدين لدى لبنان، ورسموا فيه خريطة الطريق لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، لوقف دوامة التعطيل لانتخابه، كما تأتي في ظل تصاعد المواجهة العسكرية جنوباً بين «حزب الله» وإسرائيل، التي تُنذر بتوسعة الحرب في ضوء تهديد رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بإعادة المستوطنين إلى المستوطنات التي نزحوا منها، والمتاخمة للحدود، في سبتمبر (أيلول) المقبل.

زيارة بمثابة إنذار

وأكد المصدر الدبلوماسي أن زيارة لودريان لبيروت تأتي هذه المرة بالإنابة عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي صرف النظر عن قيامه شخصياً بهذه الزيارة، ما دامت الظروف، كما قيل له من قبل شخصيات لبنانية، ليست ناضجة حتى الساعة لتسهيل انتخاب الرئيس، وأن يترك لموفده الرئاسي إعادة تحريك الملف الرئاسي قبل حلول شهر يوليو (تموز) المقبل، لقطع الطريق على تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتحويل صيف لبنان إلى ساخن.

ولفت المصدر إلى أن مهمة لودريان، وإن كانت تأتي في ظل ارتفاع منسوب الخلاف بين الكتل النيابية الذي يعطل انتخاب الرئيس، وعدم توافر الظروف المواتية لترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث الذي بات يشكّل قناعة لدى سفراء «الخماسية»، فإنها تتجاوز التزام باريس باستقرار لبنان وإعادة تكوين السلطة فيه، إلى إطلاق ما يشبه الإنذار الأخير لحث النواب للتفاهم على رئيس توافقي.

ورأى المصدر نفسه أن باريس ترغب بإعادة تحريك الملف الرئاسي من زاوية أن مخاوفها على الوضع في لبنان إلى ارتفاع، وأن عدم اقتناص الفرصة المواتية لانتخاب الرئيس قد يأخذ البلد إلى المجهول، وسيؤدي حكماً إلى ترحيل انتخابه إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، ما يعني أن الشغور الرئاسي سيتمدد تلقائياً لفترة طويلة، لا يمكن التكهن بما يترتب عليها من تداعيات تأخذ لبنان إلى مزيد من الانهيار.

مخاوف حقيقية

وعدّ المصدر نفسه أن لودريان، وإن كان يود تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن باريس لن تترك لبنان الذي يعني لها الكثير، وهي تتصرف على أنها شريكة في إنقاذه، فإنه في المقابل ليس في وارد «تهبيط الحيطان» على النواب، بمقدار ما أنه ينطلق من مخاوف حقيقية على مستقبل البلد في ضوء الضغوط الأوروبية والأميركية على نتنياهو لمنعه من توسعة الحرب، برغم أن واشنطن وباريس لم تتمكنا حتى الساعة من الحصول على ضمانات تدعوهما للاطمئنان إلى أن الجبهة الجنوبية ستبقى تحت السيطرة.

وقال المصدر إن لودريان سيجري مروحة واسعة من الاتصالات واللقاءات بغطاء من سفراء «الخماسية»، حاملاً في جعبته رسالة واحدة يدعو فيها الكتل النيابية للتلاقي في منتصف الطريق لإخراج انتخاب الرئيس من المراوحة. وأكد أن كتلة «الاعتدال» حاولت الوصول مع «الخماسية» إلى قواسم مشتركة تؤسس للتشاور والحوار، لكنها اصطدمت بتبادل الشروط بين محور الممانعة والمعارضة. وحذّر من هدر الوقت وتفويت الفرصة الأخيرة، أقله في المدى المنظور، لانتخاب الرئيس.

ولم يستبعد المصدر الدبلوماسي أن يحمل لودريان معه ورقة سياسية بالتنسيق بين الدول الأعضاء في «الخماسية»، تتزامن مع القمة المرتقبة بين الرئيسين الفرنسي ماكرون والأميركي جو بايدن في 6 يونيو (حزيران) المقبل في باريس، لأن الملف اللبناني سيكون حاضراً بامتياز على طاولة المحادثات لإخراجه من التأزُّم، وهذا ما يكمن وراء التوقيت الفرنسي الذي اختاره الرئيس الفرنسي لإيفاد ممثله في مهمة خاصة واستثنائية إلى لبنان، كونه على اطلاع بمواقف الكتل النيابية من الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي لم يعد الوقت يسمح لها بتكرارها.

دعوة للتلاقي في منتصف الطريق

ولفت إلى أن لودريان سيسعى جاهداً لإحداث خرق يؤسَّس عليه لتحقيق بداية تقدّم نحو حث الكتل النيابية على ضرورة التلاقي في منتصف الطريق، بتقديمها التسهيلات المطلوبة لوضع انتخاب الرئيس على سكة الانفراج، وقال إن كتلة «الاعتدال» قامت بدور مشكور للتقريب بين هذه الكتل، لكن تبين أن المشكلة لا تكمن في الخلاف حول مَنْ يدعو للحوار ويتولى رعايته، وإنما في مدى استعدادها لخفض سقف شروطها بما يسمح بانتخاب الرئيس اليوم قبل الغد.

ومع أن المصدر نفسه لم يقلل من مضي «حزب الله» في مساندته لحركة «حماس» في غزة، وربط التهدئة في الجنوب بوقف الحرب على الجبهة الغزاوية، وبالتالي لن يلتفت إلى تطبيق القرار 1701 والانخراط في انتخاب الرئيس، وإن كان يتمسك وحليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بترشيحهما فرنجية لرئاسة الجمهورية، فإن المعارضة لا تمانع بترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث.

لذلك، فإن ما يؤخر انتخاب الرئيس يتوقف على مدى استعداد الثنائي الشيعي لملاقاة المعارضة للمجيء بمرشح توافقي لا يشكل استفزازاً لأحد، ويكون على مسافة واحدة من الجميع.

والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة: كيف سيتعاطى الحزب مع هذا الأمر؟ وهل يبدي انفتاحاً ومرونة؟ أم أنه يمسك بالورقة الرئاسية ولا يريد التفريط بها لسببين: الأول اضطراره للتريث للوقوف على ما سيؤول إليه الوضع على الجبهة الغزاوية، بينما الثاني يأتي في سياق رغبته بوضعها بتصرف القيادة الإيرانية الجديدة التي تشكلت بعد تحطم المروحية التي أدت إلى مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان؟ إلا إذا أبدت طهران انفتاحاً يمكن البناء عليه، ويشجع الحزب على مراجعة حساباته بتسهيل انتخاب الرئيس، خصوصاً أنه مأزوم، أسوة بالقوى السياسية الأخرى، أكانت منتمية للمعارضة أو لمحور الممانعة التي لم تقرر حتى الساعة النزول من أعلى الشجرة للعمل من أجل إنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.


مقالات ذات صلة

المواجهات في جنوب لبنان تتحرك على وقع «المبادرات الإسرائيلية»

المشرق العربي اعتراض صواريخ أطلقت من لبنان على إسرائيل عبر الحدود (رويترز)

المواجهات في جنوب لبنان تتحرك على وقع «المبادرات الإسرائيلية»

عادت المواجهات لتتصاعد حينا وتتراجع أحيانا في الجنوب وفق مستوى العمليات الإسرائيلية، في حين جدّد «حزب الله» تأكيد قدرته على استهداف العمق الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المفتي دريان مجتمعاً مع السفير بخاري في مقر دار الفتوى ببيروت (دار الفتوى)

بخاري: مساعي «الخماسية» لم تتوقف لانتخاب رئيس للبنان

أكد سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري أن مساعي «اللجنة الخماسية» لم تتوقف عند مساعدة اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون متحدثة بمناسبة الذكرى الـ248 لعيد الاستقلال الأميركي (السفارة الأميركية)

سفارات تجدّد تحذير رعاياها من السفر إلى لبنان خوفاً من تصعيد المواجهات

جدّدت عدد من السفارات، أبرزها أميركا، تحذيرها لمواطنيها من عدم السفر إلى لبنان في وقت تتصاعد فيه التهديدات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أكياس من تبن القمح تركها مزارعون لبنانيون في الحقول وفروا هرباً من القصف الإسرائيلي على بلدة الخيام الحدودية (إ.ب.أ)

عودة التصعيد إلى جبهة جنوب لبنان: غارات على النبطية والبقاع الغربي

عاد التصعيد الى جبهة الجنوب التي كانت قد شهدت تراجعاً في المواجهات خلال الأيام الأخيرة عبر استهداف مناطق للمرة الأولى في عمق الجنوب والبقاع الغربي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري مبنى مدمّر في بلدة الخيام عند الحدود الجنوبية، نتيجة القصف الاسرائيلي (إ ب أ)

تحليل إخباري الجنوب اللبناني أسير الحل الدبلوماسي الأميركي فهل يرى النور؟

يقف الوضع في جنوب لبنان حالياً في منتصف الطريق بين تدحرجه نحو توسعة الحرب والسيطرة عليه، وصولاً إلى وقف المواجهة المشتعلة الدائرة على امتداد الجبهة الشمالية.

محمد شقير (بيروت)

انقلابيو اليمن يختطفون 70 مدنياً من 5 محافظات 

الجماعة الحوثية تعتمد سياسة البطش والتنكيل بالسكان لإخضاعهم (إكس)
الجماعة الحوثية تعتمد سياسة البطش والتنكيل بالسكان لإخضاعهم (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يختطفون 70 مدنياً من 5 محافظات 

الجماعة الحوثية تعتمد سياسة البطش والتنكيل بالسكان لإخضاعهم (إكس)
الجماعة الحوثية تعتمد سياسة البطش والتنكيل بالسكان لإخضاعهم (إكس)

أفادت مصادر حقوقية يمنية بأن الجماعة الحوثية اعتقلت أكثر من 70 مدنياً خلال أسبوعين وأودعتهم في سجون محافظات الحديدة وعمران وحجة وإب وذمار، بناء على تُهم ملفقة، في ظل تواصل النداءات للأمم المتحدة والمجتمع الدولي من أجل وضع حد لانتهاكات الجماعة.

وتمثلت آخر هذه الانتهاكات في قيام نجل قيادي حوثي بخطف 4 من وجهاء وأعيان مدينة الحديدة الساحلية (غرب) وإيداعهم السجن في مسعى لتمرير جريمة نهب أراضٍ واسعة.

وذكرت مصادر محلية يمنية أن نجل القيادي الحوثي محمد عياش المعين محافظاً للحديدة، ويدعى إبراهيم، اختطف الوجهاء من مناطق «الربصة» و«الدريهمي» في الحديدة، وهم: محرم إبراهيم صغير المشقني، وحسن أحمد جعبلي، وإبراهيم أبو الحسن، ومحمد صغير سالم، وأودعهم السجن، نتيجة خلاف على نهب أراضٍ هو طرف رئيسي فيها.

وعادة ما يَستغل نجل القيادي في الجماعة الحوثية منصب والده غير الشرعي، إلى جانب التحاقه مؤخراً بما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» التابع للجماعة، في ممارسة أعمال التنكيل والبطش ضد سكان الحديدة.

وفي محافظة عمران (شمال صنعاء) هاجم عناصر حوثيون زعيماً قبلياً يدعى حميد قاسم عويدين الغولي، وهو أحد مشايخ منطقة «الغولة» بمديرية ريدة، قبل أن يتم الاشتباك معه وإصابته، بسبب قيامه بصفع مشرف حوثي رداً على جرائمه بحقه وضد أبناء منطقته.

وتحدثت مصادر قبلية في عمران عن أن الجماعة الحوثية اختطفت الزعيم القبلي، وترفض حتى اللحظة الكشف عن مصيره أو مكان احتجازه أو السماح لأسرته بزيارته.

حملة حوثية طالت بالتعسف والخطف سكاناً في محافظة ذمار (إكس)

وجاءت هذه الواقعة بالتوازي مع قيام مسلحين تابعين لما تسمى «شرطة الأخلاق» التابعة لجماعة الحوثيين بخطف أزيد من 20 فناناً ومنشداً ومهندساً صوتياً ومالك صالة أفراح، من مناطق متفرقة في محافظة عمران، ضمن توجه الجماعة نحو تقييد الحريات ومنع الغناء، وفرض تعليمات متشددة على خطى التنظيمات الإرهابية المتطرفة.

وكانت الجماعة الحوثية قد نفذت مطلع مايو (أيار) الماضي حملة أغلقت فيها نحو 8 صالات أعراس، واعتقلت مُلاك بعضها، كما اختطفت 4 فنانين، وأودعتهم سجونها، بتهمة محاربة الغناء في الأفراح.

رفض التجنيد و«الصرخة»

على خلفية رفض التجنيد وحضور فعاليات ذات طابع الطائفي، اختطفت حملة مسلحة حوثية عدداً من أهالي قرية «الحازة» في مديرية خيران التابعة لمحافظة حجة (شمال غرب)، وأودعتهم معتقلاتها الخاصة بمركز المحافظة.

وأفادت مصادر حقوقية بأن الحملة بقيادة فهد هادي روعت النساء والأطفال والشيوخ، واختطفت نحو 7 مدنيين من أسرة الطيب في المنطقة ذاتها، بعد رفضهم الانضمام للجبهات ومقاطعتهم فعاليات ما يسمى «يوم الولاية».

جانب من حملة حوثية استهدفت مدنيين في إحدى قرى محافظة حجة (إكس)

ورداً على ذلك، استنكرت منظمة «تقصي» لحقوق الإنسان تلك الجريمة، موضحة أنها تُعد ضمن الأعمال الإجرامية المستهدفة لاستقرار وسلامة المجتمع والمهددة لكل المساعي الأممية الرامية إلى تحقيق السلام الدائم في اليمن.

ووصفت المنظمة، في بيان لها، ما تعرض له المدنيون في حجة بـ«العمل الإرهابي» الذي يتعارض مع قانون حقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي كفلت حماية المدنيين، مطالبة بضرورة الضغط على الانقلابيين لوقف حملات الخطف.

في غضون ذلك، استهدف مسلحو الجماعة الحوثية بحملة مماثلة سكان قرية «الرونة» في مديرية السياني بمحافظة إب (جنوب صنعاء)، وأسفرت الحملة، بحسب مصادر محلية، عن اختطاف أكثر من 22 شخصاً بسبب رفضهم ترديد «الصرخة الخمينية» وعدم الالتحاق بالتشكيلات العسكرية الحوثية.

وبالانتقال إلى محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء) التي لا تزال تشهد توتراً أمنياً بين الانقلابيين وأهالي منطقتين من قبيلة الحدا، أفادت مصادر محلية مطلعة بأن الجماعة تواصل فرض الحصار على أهالي قرى «بيت أبو عاطف» و«بني جلعة» بعد خطفها 15 شخصاً وإيداعهم المعتقلات.