الحوثيون... ربع قرن من تخريج المتطرفين عبر المخيمات الصيفية

شكلت أرضية خصبة لزرع الفكر الطائفي لدى المراهقين

أخو زعيم الجماعة الحوثية يشرف على تجنيد الأطفال في المخيمات الصيفية (إعلام حوثي)
أخو زعيم الجماعة الحوثية يشرف على تجنيد الأطفال في المخيمات الصيفية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون... ربع قرن من تخريج المتطرفين عبر المخيمات الصيفية

أخو زعيم الجماعة الحوثية يشرف على تجنيد الأطفال في المخيمات الصيفية (إعلام حوثي)
أخو زعيم الجماعة الحوثية يشرف على تجنيد الأطفال في المخيمات الصيفية (إعلام حوثي)

قبل ربع قرن تقريباً بدأت محافظة صعدة اليمنية احتضان المخيمات الصيفية المذهبية للمرة الأولى منذ الإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال اليمن، ومثلت هذه المخيمات البذرة التي نبتت منها حركة الحوثيين التي تحولت بعد 11 عاماً من ذلك التاريخ إلى حركة تمرد مسلحة ضد السلطة المركزية، وأدت أسباب داخلية وخارجية إلى تمكينها من الاستيلاء على العاصمة اليمنية صنعاء بعد 10 أعوام من بداية التمرد.

هذا التاريخ يفسر استماتة الحوثيين لإقامة المخيمات الصيفية حتى اليوم، وتمويل برامجها والعاملين فيها، وتوجيه كل إمكانات ومؤسسات الدولة في مناطق سيطرتهم لخدمتها، في حين أن المعلمين في مدارس التعليم مرغمون على العمل منذ 8 أعوام دون مرتبات، ويفرض على الطلبة دفع تكاليف الكادر الإداري الذي فرضه الحوثيون في المدارس للإشراف على إحداث تغيير مذهبي في تلك المناطق.

مراهقون من خريجي المخيمات الصيفية الحوثية في جبهات القتال (إعلام حوثي)

ففي عام 1991، وبينما كان الاستقطاب السياسي في قمته بين الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله وحزب «الإصلاح» حليفه الموثوق، ونائبه حينها علي سالم البيض والحزب الاشتراكي وحلفائه من جهة، سمح بإقامة ما سمي حينها «منتدى الشباب المؤمن»، وهي حركة هدفها الواضح هو إحياء المذهب الزيدي بما فيه من نصوص تحصر حق الحكم في السلالة التي ينتمي إليها الحوثي، وكانت تحكم شمال البلاد قبل الانقضاض عليها في ستينات القرن الماضي.

بداية التوسع

إلا أن محمد عزان وهد أحد مؤسسي «منتدى الشباب المؤمن» يحاول نفي العلاقة بين المنتدى وحركة الحوثي، قبل أن يعود ليقر في مضامين تصريحاته أن المخيمات الصيفية كانت الأرض الخصبة التي عمل الحوثيون داخلها ومن ثم تحويلها إلى حركة مسلحة بعد 10 أعوام من بداية هذه المخيمات.

ويبيّن عزّان أنه وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي عقب توحيد اليمن أتيحت للناس مساحة أوسع من حرية الحركة فنشأت مجموعة ما يعرف بـ«منتدى الشباب المؤمن» كحركة ثقافية تربوية تهتم بالشباب، وتسعى لتقديم رؤية معاصرة للموروث الديني بشكل عام والمذهب الزيدي بشكل خاص، ولم يكن لبدر الدين الحوثي والد زعيم الجماعة، ولا لابنه حسين مؤسس الجماعة علاقة بالمشروع، وكان كل ذلك قبل ذهابهما إلى إيران.

المراهقون اليمنيون يتلقون تعبئة متطرفة وتدريباً حوثياً على استخدام الأسلحة (إعلام حوثي)

ويذكر عزان أنهم في عام 1991 أقاموا دورة صيفية لعدد محدود من الملتحقين، تبعتها في الأعوام التالية دورة صيفية ثانية فاقتها من ناحية الإعداد والتجهيز وعدد الملتحقين، ثم توالت الدورات الصيفية، وكان كل عام يشهد تطوراً ملحوظاً عن الذي سبقه، حيث ترتب عن ازدياد حجم الملتحقين عن طاقة الاستيعاب فتح فروع في عدد من مناطق محافظة صعدة كمرحلة أولى، ثم المحافظات المجاورة كمرحلة تالية.

انتماء سلالي

ويؤكد مسؤول سابق في المخابرات اليمنية لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية المشاركين في الدورات الصيفية كانوا من أبناء الأسر التي تشترك مع الحوثيين في الانتماء السلالي، وتؤمن بحصر الحكم في هذه السلالة، ويقول إن هذا تبين بعد ذلك حينما حاول بعض قادة «منتدى الشباب المؤمن» الاستحواذ على المنتدى، وعدم الالتزام بأحقية الجماعة في الحكم، حيث تمكن حسين الحوثي من السيطرة على المنتدى وإدارته.

ويضيف المسؤول أن عزان ومعه عبد الكريم جدبان (اغتيل عقب اقتحام الحوثيين صنعاء) يقولان للسلطات إنهما يريدان تقديم فهم جديد للمذهب الزيدي بعيداً عن أحقية سلالة معينة بالحكم.

لكن الواضح - وفق المسؤول - أن أغلب المشاركين في المخيمات هم من هذه السلالة، وكانوا يرسلون أبناءهم من المحافظات الأخرى وحتى من خارج البلاد، إلى المخيمات أو من سكان مناطق محافظتي صعدة وحجة الذين كانوا لا يزالون تحت سيطرة الفكر الإمامي، وعليه كان من السهل على حسين الحوثي في 2001 السيطرة على المنتدى.

في حين يقطع الحوثيون رواتب المعلمين منذ 8 سنوات يسخرون كل الإمكانات للمخيمات الصيفية (إعلام حوثي)

ووفق ما ذكره المسؤول فإن رجال أعمال من صعدة ومن سلالة الحوثي كانوا يتحملون نفقات هذه المخيمات، ذلك أن أغلب التجار في صعدة كانوا يعملون في تجارة الأسلحة أو المبيدات، وأن هؤلاء تحولوا فيما بعد إلى مزودين للجماعة بالأسلحة، حيث ظلت محافظة صعدة تحتفظ بسوق شهيرة لبيع الأسلحة علناً بمختلف أنواعها، وأن حكم الرئيس صالح دعم لاحقاً هذه المخيمات، لكن عزان يقول إن المبلغ كان متواضعاً.

وعن أسباب الاهتمام الكبير من الحوثيين بهذه المخيمات حالياً يقول اثنان من المسؤولين في قطاع التعليم في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن الحوثيين ورغم تغيير المناهج الدراسية وفرض رؤيتهم المذهبية في تلك المناهج لكنهم يدركون أن طاقم المعلمين في المدارس العامة والأهلية يبينون لطلابهم زيف ما هو موجود في المقررات الدراسية.

ولهذا تركز الجماعة على المخيمات الصيفية؛ لأن المعلمين من عناصرها العقائديين، وهم من يضعون ما يدرس في تلك المخيمات، كما أن الملتحقين فيها هم من المراهقين من طلاب التعليم الأساسي الذين يمكن التأثير فيهم.

الحوثيون متهمون بتجنيد آلاف الأطفال في اليمن (رويترز)

ويبين المسؤولان أن هناك عزوفاً كبيراً عن الالتحاق بهذه الدورات رغم محاولة الحوثيين ووسائل إعلامهم تضخيم الأعداد، ويشيران إلى أن غالبية المنتظمين في هذه الدورات التي تشمل جانباً نظرياً وآخر عسكرياً هم من الأسر التي تنتمي لسلالة الحوثيين، وهذه الأسر تجبر أطفالها على الالتحاق وتشجعهم.

ونبه المسؤولان إلى أن ذلك يشكل خطراً على المدى البعيد؛ لأنه سيؤدي إلى وجود تشكيلات سلالية متطرفة معبأة فكرياً ومدربة عسكرياً.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يتبنّون أول هجوم مميت باتجاه إسرائيل منذ نوفمبر 2023

العالم العربي صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

الحوثيون يتبنّون أول هجوم مميت باتجاه إسرائيل منذ نوفمبر 2023

تبنّت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، الجمعة، أول هجوم مميت ضد إسرائيل بطائرة مسيّرة استهدفت تل أبيب وأدت إلى مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مناهج دراسية تباع على الأرصفة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (الشرق الأوسط)

انقلابيو اليمن متهمون ببيع الكتب المدرسية في السوق السوداء

يقوم قادة الجماعة الحوثية في قطاع التربية والتعليم ببيع الكتب الدراسية المجانية في السوق السوداء لجني الأموال والإنفاق على برامج التطييف والمجهود الحربي

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

اليمن ينتقد تقصير الأمم المتحدة في حماية موظفيها من بطش الحوثيين

انتقدت الحكومة اليمنية تقصير الأمم المتحدة في حماية الموظفين في وكالاتها من بطش الحوثيين، ودعت إلى اتخاذ تدابير ضاغطة لإجبار الجماعة على إطلاق المعتقلين.

علي ربيع (عدن)
الخليج هيئة بحرية: سفينة تتعرض لمقذوفات مجهولة قبالة عدن

هيئة بحرية: سفينة تتعرض لمقذوفات مجهولة قبالة عدن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية وشركة أمبري البريطانية للأمن البحري إن سفينة أصيبت بمقذوفات مجهولة على بُعد 83 ميلاً بحرياً جنوب شرقي مدينة عدن

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري في الآونة الأخيرة لجأ الحوثيون إلى استخدام الزوارق المسيّرة المفخخة في مهاجمة السفن (أ.ف.ب)

تحليل إخباري بعد 8 أشهر من التصعيد... لماذا لم يردع التدخل الأميركي هجمات الحوثيين؟

أجمع باحثون يمنيون أن إدارة بايدن ليست عاجزة عن وقف هجمات الحوثيين وإنهاء تهديد الملاحة، ولكنها لا تريد ذلك لأسباب تتعلّق باستراتيجيتها الخارجية والداخلية.

علي ربيع (عدن)

انقلابيو اليمن متهمون ببيع الكتب المدرسية في السوق السوداء

عناصر حوثيون يزورون مطابع الكتاب المدرسي الخاضعة لهم في صنعاء (فيسبوك)
عناصر حوثيون يزورون مطابع الكتاب المدرسي الخاضعة لهم في صنعاء (فيسبوك)
TT

انقلابيو اليمن متهمون ببيع الكتب المدرسية في السوق السوداء

عناصر حوثيون يزورون مطابع الكتاب المدرسي الخاضعة لهم في صنعاء (فيسبوك)
عناصر حوثيون يزورون مطابع الكتاب المدرسي الخاضعة لهم في صنعاء (فيسبوك)

انقضى الأسبوع الأول منذ بدء العام الدراسي في مناطق سيطرة الحوثيين، من دون حصول عشرات الآلاف من التلاميذ على كتب المنهج الدراسي، بسبب قيام قادة الجماعة في قطاع التربية والتعليم ببيع الكتب في السوق السوداء لجني الأموال والإنفاق على برامج التطييف والمجهود الحربي.

وأفادت مصادر تربوية في صنعاء بأن قادة الحوثيين المسؤولين عن قطاع التعليم حولوا أرصفة الشوارع في العاصمة المختطفة ومدن أخرى إلى سوق سوداء لبيع المناهج في وقت يشكو فيه أولياء الأمور من عدم حصول أبنائهم على الكتب المقررة.

يعجز كثير من الآباء اليمنيين عن توفير الكتب الدراسية من السوق السوداء (الشرق الأوسط)

واتهمت المصادر قيادات انقلابية يتصدرهم يحيى الحوثي شقيق زعيم الجماعة الحوثية والمعين وزيراً للتربية والتعليم في الحكومة غير المعترف بها، بالضلوع في عملية المتاجرة العلنية بالعملية التعليمية وبالكتاب المدرسي ومستقبل الطلبة في اليمن.

وأجرت «الشرق الأوسط» جولة في بعض شوارع صنعاء ووثقت بعضا من مظاهر انتشار بيع الكتاب المدرسي، سواء عبر باعة أرصفة أو في نقاط بيع رسمية تابعة للانقلابيين.

تعليم بلا منهج

يؤكد عبد الله، وهو عامل في محل تجاري في صنعاء، أنه اضطر بعد انتظار دام أسبوعاً كاملاً دون أن يحصل ثلاثة من أبنائه على مناهج التعليم، إلى الخروج لأحد الشوارع القريبة من منزله بحي مذبح شمال صنعاء لشراء الكتب لأطفاله.

وعبر عبد الله في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن شعوره بالصدمة أثناء معرفته أن سعر الكتاب الواحد يصل في السوق السوداء إلى 1000 ريال يمني (نحو دولارين)، ما يعني أنه بحاجة إلى مبلغ كبير حتى يتمكن من توفير جميع الكتب لأبنائه الذي يدرسون في الصفوف، الثالث والخامس والسادس الابتدائي.

مناهج دراسية تباع على الأرصفة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (الشرق الأوسط)

وأوضح أن أطفاله لا يزالون يواصلون تعليمهم في مدرسة حكومية بالحي دون كُتب، بعد أن عجز عن توفيرها لهم من السوق السوداء، نظراً لأسعارها المرتفعة، معبراً عن شكواه من استمرار المماطلات من قبل إدارة المدارس الخاضعة للجماعة فيما يخص تأمين الكتب المدرسية للطلبة.

وأثار الإفراغ الحوثي المتعمد لمخازن مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء ومدن أخرى من مناهج التعليم وبيعها في السوق السوداء موجة غضب واسعة في أوساط الناشطين الحقوقيين والمغردين اليمنيين.

وتداول ناشطون يمنيون على منصات التواصل الاجتماعي صوراً تظهر انتشار كميات من الكتب المدرسية على أرصفة كثير من الشوارع في المحتلة صنعاء.

جريمة أخلاقية

اتهم ياسر، وهو اسم مستعار لناشط تربوي في صنعاء، الجماعة الحوثية بتعمد عدم توزيع الكتاب المدرسي على الطلبة في المدارس، في مقابل قيامها بشكل يومي بالتوزيع المجاني لملازم مؤسس الجماعة حسين الحوثي، حيث تجبر الطلبة على قراءتها سعيا لتفخيخ عقولهم.

وطالب ياسر كافة المنظمات الدولية المعنية بدعم التعليم بوقف الدعم المقدم للجماعة الحوثية ووضع حد لعبثها وانتهاكاتها المتكررة بحق العملية التعليمية واستغلالها للكتاب المدرسي وبيعه في الأسواق السوداء.

وفي تعليق له، قال الناشط الإعلامي الموالي للحوثيين مجدي عقبة إن اتخاذ الجماعة من الكتاب المدرسي سلعة تباع على الأرصفة وفي نقاط بيع تم تخصيصها للغرض «جريمة وفضيحة أخلاقية بامتياز». لافتاً إلى إصرار الجماعة على تحويل مؤسسات الدولة الخدمية إلى شركات ربحية.

ومنذ الانقلاب والاستيلاء على مؤسسات الدولة، سعت الجماعة الحوثية جاهدة إلى تحويل كافة المؤسسات في قطاع التربية والتعليم من مؤسسات خدمية مجانية وفقاً للدستور والقوانين النافذة، إلى مؤسسات استثمارية ربحية تصب إيراداتها في جيوب وأرصدة قياداتها، بدءاً من تأجير أسطح وأسوار المدارس، وليس انتهاءً ببيع الكتاب المدرسي في السوق السوداء.