قتل بالبطيء... أوامر حوثية بترويج شحنات لمبيدات محظورة

بينما تغصّ المستشفيات اليمنية بآلاف المصابين بأورام سرطانية، إلى جانب من يغادرون للعلاج في الخارج؛ تكشّفت المزيد من وقائع الفساد المرتبطة بدخول مبيدات محظورة وترويجها في البلاد، مع توجيه الاتهامات إلى قيادات حوثية بالتواطؤ مع تجار المواد ذات السميّة العالية مشبوهة المصدر.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر جمركية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» وجود صراع بين قيادات حوثية كبيرة حول مبيدات حشرية محتجزة في ميناء الحديدة منذ سنوات؛ وذلك بغرض تسويقها في عدد من المحافظات، وبالأخص محافظة صعدة، حيث تبرر القيادات الراغبة بدخول تلك المبيدات باحتياج مزارعي المحافظة لها.

وثيقة تكشف أوامر من أعلى هرم القيادة الحوثية للإفراج عن مبيدات محظورة محتجزة لدى الجمارك (إكس)

وذكرت المصادر أن قيادات حوثية عليا، لم تسمّها، يرجح وجود ارتباط بينها والقيادات المسيطرة على القطاع الزراعي، سعت إلى نقل تلك المبيدات إلى مخازن بعيدة عن ميناء الحديدة والساحل عموماً، متحججة باحتمالية إصابتها في قصف جوي على الميناء؛ ما يهدد البيئة البحرية بالتلوث، إلى جانب ما قد يحدث حال وقوع الانفجارات المتوقعة.

ونوهت المصادر إلى أن تلك المبيدات احتُجزت منذ 5 أعوام في ميناء الحديدة، وصدر قرار قضائي بإلزام مستورديها بإعادتها إلى بلد المنشأ، وفقاً للقانون المعمول به منذ ما قبل الانقلاب الحوثي، إلا أنه لم يجرِ تنفيذ القرار واكتُفي باحتجازها في الميناء، في حين يحاول مستوردوها بين حين وآخر الإفراج عنها وإدخالها إلى الأسواق.

وأكدت المصادر وجود إجراءات مشددة وسرية تخص تلك الحاويات ومكان احتجازها؛ ما يضع احتمالات بأنه يجري أو قد جرى التصرف في كميات منها خلال الأعوام الماضية دون انكشاف ذلك.

وكشفت وثيقة صادرة عن قطاع الجمارك الخاضع للجماعة الحوثية عن إخراج مقطورة محملة بمبيدات سامة محظورة من مقرّ جمارك صنعاء، وبتوجيهات قيادات عليا في الجماعة، واتهم الناشطون الذين كشفوا عن الوثيقة مُصدري التوجيهات بمخالفة القانون الذي يعطي وزارة الزراعة فقط صلاحية منح تراخيص دخول شحنات المبيدات الزراعية أو منعها.

إطلاق السموم

وتضمنت الوثيقة التي تعود إلى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أوامر لضابط أمن الجمارك بالسماح بخروج مقطورة، تتبع شركة «سبأ العالمية» المملوكة للتاجر الموالي للجماعة الحوثية عبد العظيم دغسان، محملة بمبيد «بروميد الميثيل» المحظور في اليمن، وبصورة سرية دون علم المسؤولين عن الجمارك؛ وهو ما رفضه الضابط الذي طلب الحصول على إذن من مدير عام الجمارك.

وثيقة تكشف ترخيص استيراد مبيد «المانكوزيب» المحظور في اليمن لصالح شركة طمس اسمها مسرّبو الوثيقة (فيسبوك)

وبحسب الوثيقة؛ فإن قائد كتيبة الخدمات التابعة للجماعة الحوثية، نبيل ضيف الله توعّد ضابط أمن الجمارك بإخراج المقطورة بالقوة، دون الحاجة إلى أي إذن من أي شخصية أخرى؛ كون هذه الأوامر صادرة من أعلى سلطة، ممثلة برئيس مجلس الحكم، ومن مدير عام القيادة والسيطرة، وليس باستطاعة أحد أن يرفضها.

وتم إرسال القياديين عبد الله الباردة ونبيل لطف الله، وهما من قيادة قوات النجدة، لتنفيذ الأوامر، واللذين طلبا من مدير عام مكتب ورقابة الجمارك إخراج المقطورة من دون أي خلافات، وبحسب الأوامر العليا، طلبا منه التواصل مع قائد النجدة أبو بدر المراني، والذي بيّنت الوثيقة أنه طلب من مدير الجمارك سرعة إخراج القاطرة تنفيذا للتوجيهات العليا.

إلا أن مدير الجمارك واصل رفضه، لكون المقطورة تحمل مبيد «بروميد الميثيل» شديد السمية والمحظور، مطالباً بموافقة وزارة الزراعة في حكومة الانقلاب، غير أن المراني هدده بالقدوم بنفسه لإخراجها، ليرسل قوة مسلحة على متن ثلاث سيارات لإجباره على تسليم المقطورة، بحضور مدير مكتب الأمن والمخابرات في الجمارك محمد محمد عبد الله عزيز.

ووفقاً لناشطين موالين للجماعة، تولوا مهام نشر قضايا الفساد التي تتهم بها قيادات وأجنحة حوثية، فإن اليمن استقبل خلال العام الماضي 15 مليون لتر من المبيدات المرخصة، بينما لا يزيد احتياجها السنوي على 3 ملايين لتر.

توجيهات حوثية من مجلس الحكم الانقلابي بالسماح بتسجيل مبيدات حشرية تابعة لتاجر موالٍ للجماعة (إكس)

وتناقل الناشطون الحوثيون مقاطع من خطابات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي يوجّه فيها بمنع دخول المبيدات الحشرية المحرمة دولياً لما لها من أضرار خطيرة، واتهموا القيادات التي تعمل على تسهيل دخول المبيدات بمخالفة توجيهاته.

إلا أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي سخروا من توجيهات زعيم الجماعة، وعدوا قيادته للجماعة سبباً في كل ما يقاسيه اليمنيون من مآسٍ خلال الأعوام الماضية.

سرطانات بالجملة

وتداول الناشطون اليمنيون أرقاماً متفاوتة حول أعداد المصابين بالأورام السرطانية في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، متهمين تجار المبيدات والقادة الفاسدين بالتسبب في مفاقمة هذه الأمراض، وزيادة أعداد المصابين بها، في حين أيّدهم الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين ذكروا أن مناطقهم وقراهم لم تعرف هذا الكم من الإصابات بالسرطانات إلا في زمن سيطرة الجماعة.

وأعلن طبيب مؤيد للجماعة عن تلقيه تهديدات بسبب ما ينشره على مواقع التواصل الاجتماعي حول المبيدات وتأثيراتها الصحية الخطيرة، واتهامه بالعمل ضمن «الطابور الخامس».

صورة نشرها أحد القيادات الحوثية في القطاع الزراعي حول استخدام المبيدات الحشرية بشكل مفرط (فيسبوك)

ونشر الطبيب وثائق تكشف عن صدور تراخيص بإدخال كميات تزيد على 27 ألف كيلوغرام من مبيد «المانكوزيب» المشمول بقرارات الحظر من طرف القطاع الزراعي، وهي المادة التي تأتي في الترتيب الـ59 ضمن قائمة الحظر الصادرة عن القطاع الزراعي.

وتحدث الطبيب عن تزايد حالات الإصابات بالأورام السرطانية، خصوصاً تلك التي تصيب الجهاز الهضمي، ومعاينته بنفسه عشرات الحالات القادمة من مناطق ريفية نائية، حيث لا توجد خدمات طبية كافية، أو وسائل وأجهزة كشف متقدمة، ويجري تشخيص آلام المصابين بتلك الأورام بأنها تسمم غذائي أو بكتيري، أو التهابات وقرح معدية.

وبسبب التأخر في الكشف عن هذه الأورام، ومع استمرار تناول المواد الغذائية، إلى جانب تعاطي نبتة «القات»، فإن الأورام تستفحل بشدة إلى درجة يصعب علاجها، وتؤدي في النهاية، وفي الغالب إلى وفاة المصابين بها، كما يذكر الطبيب.

ويستغرب الناشطون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي من استمرار دخول مبيدات حشرية مصنّفة بأنها إسرائيلية المصدر، في حين ترفع الجماعة الحوثية شعار مقاطعة البضائع الإسرائيلية منذ صعودها، وحظرت خلال الأشهر الأخيرة دخول المواد والسلع الغذائية القادمة من أوروبا والولايات المتحدة بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

تورط تشكيل أمني وقيادي حوثي في تهريب مبيدات محظورة

كشفت وثيقة صادرة عن جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة اليمنية المختطفة منذ نهاية 2014، عن تورط تشكيل أمني وقيادي بارز في الجماعة في تهريب مبيدات زراعية مجرم استخدامها؛ لخطورتها على المحاصيل الزراعية وصحة الإنسان.

وتؤكد الوثيقة إقراراً علنياً باستخدام قيادات ومشرفي الجماعة تهريب المبيدات بوصفها مصدراً من مصادر التمويل، رغم مخاطرها الكبيرة على الإنسان والنبات والتربة.

وثيقة تؤكد تورط الحوثيين في تهريب المبيدات المحظورة (إكس)

الرسالة الموجهة من إدارة الضبط الجمركية في مكتب جمارك ورقابة صنعاء التابعة للحوثيين، تنقل شكوى مدير الجمارك من قيام تشكيل أمني بإخراج شحنة من المبيدات المحظورة والتابعة لتاجر وقيادي بارز في الجماعة بالقوة، بعد أيام من التحفظ عليها.

وأكدت الرسالة التي حملت عنوان «بلاغ عاجل» إلى غرفة العمليات المشتركة في مصلحة الجمارك التابعة للحوثيين، أنه تم إخراج قاطرة تحمل «مبيدات محظورة وممنوعة» من قبل قوات النجدة بالقوة، حيث قام قائد كتيبة الخدمات بقوات النجدة نبيل لطف الله، ومعه الضابط عبد الله الباردة، باقتحام ساحة مكتب جمارك ورقابة صنعاء، مصطحبين معهم ثلاث عربات عسكرية مع الأفراد المنتمين لقوات النجدة.

توجيهات عليا

وفق ما جاء في الرسالة، فقد أبلغ المقتحمون ضابط أمن الجمرك بأن لديهم توجيهات من مدير عام القيادة والسيطرة في وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب غير المعترف بها، التي يقودها عبد الكريم الحوثي، عم زعيم الجماعة، بإخراج القاطرة المحملة بشحنة من المبيدات السامة نوع «بروميد الميثيل المحظور والممنوع».

وتتبع الشحنة شركة «سبأ العالمية» المملوكة للقيادي في جماعة الحوثي دغسان أحمد دغسان، وهو تاجر شهير، وأصبح عقب الانقلاب أحد قادة الجماعة، وينحدر من محافظة صعدة، معقلها الرئيسي.

رسالة مكتب الجمارك ذكرت أن قائد قوات النجدة الحوثية «أبو بدر المراني»، وهو من صعدة أيضاً، انضم إلى المجموعة الأولى وبصحبته مسلحون، وقاموا بإخراج القاطرة من ساحة الجمرك بالقوة، وأخبروا مديره العام بأن لديهم توجيهات عليا بذلك، «ولا يمكن لأحد منعهم» من تنفيذ تلك التوجيهات.

تنتشر في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين محالّ بيع المبيدات المحظور استعمالها (فيسبوك)

وبحسب الوثيقة، فإن الشحنة لم يتم استيفاء الرسوم الجمركية والعوائد الأخرى عليها، كما لا تمتلك تصاريح وموافقة من وزارة الزراعة والجهات المعنية؛ «كونها تحمل مبيدات محظورة».

وطالب مدير جمارك صنعاء من رئاسة المصلحة التابعة للحوثيين باتخاذ ما يلزم وتطبيق القانون تجاه ما حدث، لكنه ورغم مرور نحو شهر على الواقعة لم يتخذ أي إجراء، وفق مصادر عاملة في قطاع الزراعة في مناطق سيطرة الحوثيين.

انتهاك متكرر

المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، بشرط عدم الإفصاح عن هويتها خشية الانتقام، أكدت أن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها دغسان وغيره من التجار العاملين مع الحوثيين بإدخال شحنات من المبيدات الممنوعة إلى تلك المناطق.

وذكرت أن دغسان، وهو أحد القيادات البارزة في الجماعة منذ سيطرتها على العاصمة اليمنية، يرتبط بعلاقات وثيقة مع زعيمها شخصياً، كما أنه أصبح أحد التجار الذين يمولون أنشطتها ويستثمر أموالها، خاصة في قطاعي الزراعة واستيراد المشتقات النفطية.

ومنذ بداية التمرد على الحكومة اليمنية أقام الحوثيون - بحسب المصادر - علاقات تعاون وثيقة وغير معلنة مع تجار الأسلحة ومهربي المبيدات، خاصة في محافظة صعدة، وكان هؤلاء يوفرون للجماعة الأسلحة والدعم المالي في مقابل عدم التعرض لممتلكاتهم في المحافظة، وبعدها في صنعاء.

وتولى الحوثيون توفير الحماية لتحركات هؤلاء التجار في مناطق الشريط الحدودي في محافظتي صعدة وحجة، وزادت هذه العلاقات منذ عام 2011 مع ارتخاء سيطرة الحكومة المركزية على محافظات شمال صنعاء وغربها، وأصبح معظم هؤلاء أجزاء من البنية التنظيمية للجماعة وحتى اليوم.

المحامي اليمني عبد الرقيب الحيدري، عدَّ دخول المبيدات التابعة لنافذين خطورةً كبيرة على الصحة العامة للمجتمع، بما تحتويه من مواد مسرطنة، ومضرة بالأجهزة الحيوية للبشر والبيئة عموماً.

مبنى الجمارك والرقابة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

وذكر المحامي أنه قد انتشرت في الآونة الأخيرة الأورام والاعتلالات العضوية نتيجة هذه المواد الكيماوية التي تعد نفايات تضر بكل مكونات البيئة عموماً من بشر وشجر وغير ذلك، ووصف التاجر الذي ورد اسمه في بلاغ مكتب الجمارك بأنه «أحد أعمدة وبؤر التهريب دون عوائق، وبدعم وإسناد من جهات رسمية»، وطالب بالتصدي لهذا الخطر الذي وصفه بأنه «وجودي».

تهريب منظم

في مطلع يوليو (تموز) الماضي، كشفت وثيقة مسربة عن منح القيادي الحوثي ضيف الله شملان، المنتحل صفة وكيل وزارة الزراعة، ترخيصاً لإحدى الشركات التجارية باستيراد وتسويق كمية كبيرة من مبيد «دورسبان» الذي جرى تقييد استيراده واستخدامه في اليمن منذ عام 2006، إلا بواسطة إشراف وزارة الزراعة.

وفي موازاة ذلك، كشفت وثيقة أخرى عن توجيه القيادي الحوثي يحيى الكحلاني، المنتحل صفة وكيل مساعد قطاع المطارات في هيئة الطيران، طلبا إلى مؤسسة الخدمات الزراعية بـ7 أطنان من المبيد نفسه لاستخدامه في مكافحة حشرات الأرضة والعناكب في مباني ومحيط المطار، وأشارت الوثيقة إلى أن المبيد المطلوب يعود للشركة نفسها التي أصدر أبو شملان ترخيصاً بالسماح لها باستيراد المبيد.

تشكل المبيدات المحظورة في اليمن خطراً على الزراعة والإنسان (أ.ف.ب)

وشككت مصادر زراعية في صنعاء، في حديث سابق لها مع «الشرق الأوسط»، باستخدام هذه الكمية من هذا المبيد في حماية أراضي ومباني مطار صنعاء من الحشرات، نظراً لضخامتها من جهة، ولعدم الحاجة إلى هذا النوع من المبيدات لحماية مبان وأراضٍ غير زراعية، فالحشرات التي تتكاثر في هذه الأماكن يمكن مواجهتها بكميات محدودة من المبيدات، وأنواع أقل سمّية وخطراً على البشر.

ورجحت المصادر أن يكون وراء طلب هذه الكمية من هذا المبيد شبهة فساد كبيرة، حيث يحتمل أن يتم نهبها من مخازن المطار وتسليمها إلى تجار المبيدات الحشرية والمستلزمات الزراعية، أو تسليمها إلى هؤلاء التجار مباشرة بسبب انعدام الرقابة والتفتيش، ولكون شبكات الفساد مرتبطة ببعضها البعض.

وسبق أن استحدثت جماعة الحوثي كياناً جديداً أطلقت عليه اسم «الإدارة العامة للمبيدات» يتبع شكلياً هيكل وزارة الزراعة والري التي تسيطر عليها منذ الانقلاب، لكنه مستقل عنها مالياً وإدارياً.

المبيدات الزراعية والتبغ جزء من تمويلات الانقلابين في اليمن

لم تترك الميليشيات الحوثية مجالاً تجارياً إلا واستخدمته في تمويل حربها على الحكومة اليمنية، وخلق طبقة تجارية من الموالين لها، وخصوصاً المنحدرين من محافظة صعدة، وشراء مساحات كبيرة من الأراضي والعقارات في صنعاء، بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية المذهبية للعاصمة اليمنية، فضلاً عن غسل الأموال التي نهبها قادتها، ودخلت تجارة المبيدات الزراعية والأسمدة والتبغ إلى جانب تجارة المشتقات النفطية والمقاولات ضمن مصادر تمويل هذه الحرب واستمرارها وفق ما أكدته لجنة اقتصادية يمنية معنية بمتابعة الإمبراطورية التجارية لميليشيات الحوثي واستعادة الأموال التي نهبتها من معارضيها أو من الممتلكات العامة.
المجموعة الاقتصادية المعروفة باسم «مبادرة استعادة» كشفت في تقرير جديد لها، عن معلومات إضافية حول مصادر التمويل والشركات الخاصة التابعة لجماعة الحوثيين، واستغلالها لاستيراد مواد خاصة بصناعة المتفجرات، إضافة إلى سيطرتها على أسواق مختلفة وتحويل الأموال والنفط، وشركات الاستيراد والتصدير كافة. ذلك أن السيطرة الحوثية على السوق اليمنية، ومختلف القطاعات الاقتصادية، نهج وسياسة تعمل به الميليشيات بهدف «إفقار اليمنيين من خلال نهب ممتلكاتهم وشركاتهم، وفقاً للاستراتيجية الحوثية، المستنسخة من إيران».
وحسب التقرير، فإن مجموعات «دغسان محمد دغسان»، التي تتضمن 11 شركة متعددة المهام، (نفطية، وتجارة الأدوية ومستلزمات طبية، وإنتاج التبغ وتحويلات أموال، وتجارية واستيرادية)، تأتي ضمن مجموعة الشركات «التي تستخدمها الميليشيا الحوثية، في بنيتها الاقتصادية. فهي مجموعة تجارية يقودها القيادي الحوثي دغسان أحمد دغسان، وتدر عليها أموالاً طائلة نظراً لسيطرتها على سوق المبيدات والأسمدة الزراعية والمستلزمات الزراعية، وخاصة تلك التي تحتوي على «مادة اليوريا» التي يعاد استخدامها في صناعة المتفجرات.
ووفقاً للتقرير، فإن دغسان يدير المجموعة تحت أسماء عدد من أفراد أسرته، وهي شركات تعمل في مجالات النفط والغاز والاستيراد والتصدير والمبيدات الزراعية والتهريب بمختلف أنواعه، وشركات التبغ والصرافة والأدوية.
وإضافة إلى ذلك، تضم المجموعة شركة عقارية جديدة للمقاولات العامة، تحمل نفس الاسم، ويديرها أحمد دغسان، وامتلكت مساحات كبيرة جداً في العاصمة صنعاء، خاصة منطقة جدر. مع أن نشاطها السابق طوال 3 عقود اقتصر على احتكار تجارة المبيدات الزراعية، وتهريب أنواع منها لا يسمح باستخدامها، وأخرى من النوع الذي يحرم استخدامه في بعض المزروعات.
ومنذ سيطرة الميليشيات على العاصمة اليمنية عمدت إلى مصادرة أموال وعقارات كل المعارضين لها، كما قام قادتها بتقاسم الاستيلاء على ممتلكات الدولة، والأوقاف واحتكار تجارة المشتقات النفطية، قبل أن يتوسع هذا النشاط ليشمل مختلف الأنشطة التجارية المدرة للربح السريع، وقامت بتبييض تلك الأموال عن طريق شراء مساحات كبيرة من الأراضي والعقارات وإنشاء المجمعات التجارية الضخمة ؛ حيث تظهر مؤشرات حركة الاستيراد الارتفاع الكبير في كمية استيراد مواد البناء وبمعدلات أعلى مما كان عما كان عليه الحال قبل الانقلاب.

العسل اليمني تحت تهديد المبيدات المحرمة والألغام الحوثية

كشفت إحصائيات القطاع الزراعي في اليمن وتقرير دولي عن مخاطر كبيرة تهدد إنتاج العسل، جراء استخدام المبيدات الزراعية عالية السمية في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، إلى جانب انتشار القذائف والمتفجرات والألغام الأرضية، مضافاً إليها التغيرات المناخية، حيث تكبّدت 100 ألف أسرة تعمل في تربية النحل خسائر فادحة جراء ذلك.
ورصدت البيانات نفوق خمسة آلاف خلية نحل في محافظة ذمار وحدها بسبب المبيدات الحشرية عالية السمية، كما أن إغلاق الطرقات وانتشار القذائف والألغام حالت دون قدرة النحالين على التنقل بين المناطق بحثاً عن المراعي الخاصة بإنتاج الأنواع الجيدة من العسل.
ووفق بيانات الإدارة العامة لوقاية النباتات ومبادرة «حلم أخضر»، فقد تسبب استخدام المبيدات عالية السمية في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي في نفوق 15 ألف خلية نحل خلال العام الماضي في محافظة ذمار، منها 1800 خلية في وادي رماع بمديرية آنس، ونحو 13.200 خلية بمناطق: الجميحة، وصاب، وجبل الشرق، فيما خسر النحالون في محافظة عمران 100 خلية، كما نفقت 100 خلية نحل جراء رش المبيدات المحظورة في مديريات صوير، والعصيمات، والسوادية بمحافظة عمران شمال صنعاء وهي المناطق التي تنتج أجود وأغلى أنواع العسل في البلاد.
وفي محافظة حجة، تظهر البيانات نفوق 137 خلية في مناطق: الدرب، وكحلان، وعفار، وعزلة الدقيمي، نتيجة استخدام المبيدات المحظورة التي يتاجر بها قيادات وتجار يتبعون ميليشيات الحوثي، فيما تعرضت العديد من طوائف النحل في مديريات محافظة الحديدة للتسمم والنفوق جراء استخدام المبيدات عالية السمية في رش المزروعات التي يتغذى عليها النحل.
كما نفق المئات من طوائف النحل في منطقة حزيز بمحافظة صنعاء، للأسباب ذاتها وكذلك الحال في محافظة تعز، حيث تضرر مائة من النحالين في منطقة دبع الخارج بمديرية الشمايتين جراء تسمم خلايا النحل بالمبيدات، وكذلك الحال في مديرية ماوية، حيث نفق عدد من خلايا النحل جراء المبيدات.
وفي سياق متصل، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من نضوب العسل في اليمن، جراء الحرب وزراعة الألغام وعوامل التغير المناخي، وقالت إن قطاع إنتاج العسل تكبد خسائر فادحة بسبب الحرب، لأن المعارك منعت النحالين من التنقل في جميع أنحاء البلاد بحثاً عن المراعي، في حين قُتل العشرات منهم عند محاولتهم عبور جبهات القتال أثناء رعي نحلهم أو محاولة بيع منتجاتهم.
وبحسب اللجنة، فإن موجات نزوح السكان المتتالية فراراً من العنف وتأثير التلوث بالأسلحة في مناطق الإنتاج والآثار المتزايدة لتغير المناخ، دفعت بالآلاف من النحالين إلى حالة من عدم الاستقرار، حيث إن 100 ألف أسرة يمنية تعمل في تربية النحل وتعتمد عليها بوصفها المصدر الوحيد للدخل.
تقرير الصليب الأحمر ذكر أن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، ضاعفت من معاناة العاملين في قطاع إنتاج العسل، إذ يتعرض النحالون أثناء رعي النحل في أماكن قريبة من الخطوط الأمامية التي يدور فيها القتال للاستهداف، وهذا الوضع أجبر الآلاف على التخلي عن صناعة العسل، وممارسة مهن أخرى تتطلب تنقلاً أقل.
ووفق ما جاء في التقرير، فإن صناعة العسل في اليمن تأثرت بشكل أكبر أيضاً بالتغيرات المناخية، إذ أدى ارتفاع درجات الحرارة في السنوات الأخيرة، إلى جانب التغيرات الشديدة التي طرأت على البيئة، إلى اضطراب النظام الإيكولوجي للنحل الذي يؤثر في عملية التلقيح.
ومع انخفاض معدل سقوط الأمطار عن المعتاد خلال العام الحالي، ترافق ذلك مع انخفاض منسوب المياه الجوفية وزيادة التصحر، «لهذا لم تعد المناطق التي كانت بيئة للأنشطة الزراعية وتربية النحل في السابق تحافظ على سبل العيش».
وبحسب ما قاله مزارعون، فإن عدم هطول الأمطار منذ شهور أدى إلى انخفاض كمية الزهور التي يتغذى عليها النحل، وبسبب عدم كفاية المدخول من تربية النحل وبيع العسل لتلبية احتياجات أسرهم، اضطر الأطفال للانقطاع عن الدراسة والعمل في قطاعات أخرى لتوفير احتياجاتهم اليومية.
وتشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن دعمها خلال العام الماضي استفاد منه 3.700 من النحالين في أرجاء البلاد، وقالت إنها تخطط لتوسيع دعمها للنحالين خلال هذا العام من خلال توفير التدريب والدعم المالي.

مبيدات محظورة تثري الحوثيين وتدمر صحة اليمنيين

يدفع اليمنيون صحتهم ثمنا لفساد الانقلابيين الحوثيين في قطاع الزراعة ورغبتهم في الإثراء ومضاعفة الموارد، فبينما تنكشف ممارسات فساد أبطالها قادة حوثيون يعملون على إدخال وتهريب وتسويق أنواع محظورة من المبيدات، والتغاضي عن تزوير أسماء أنواع أخرى؛ تنتشر حالات صحية خطرة وحرجة جراء التعامل مع المبيدات الحشرية.

وكشفت وثيقة مسربة مؤخرا عن منح القيادي الحوثي ضيف الله شملان المنتحل صفة وكيل وزارة الزراعة؛ ترخيصا لإحدى الشركات التجارية باستيراد وتسويق كمية كبيرة من مبيد دورسبان، الذي جرى تقييد استيرداه واستخدامه في اليمن منذ عام 2006، إلا بواسطة إشراف وزارة الزراعة.

عناصر حوثيون يغلقون محلاً لبيع المستلزمات الزراعية بحجة المخالفة (فيسبوك)

وفي موازاة ذلك كشفت وثيقة أخرى عن توجيه القيادي الحوثي يحيى الكحلاني المنتحل صفة وكيل مساعد قطاع المطارات في هيئة الطيران؛ طلبا إلى مؤسسة الخدمات الزراعية بـ7 أطنان من المبيد نفسه لاستخدامه في مكافحة حشرات الأرضة والعناكب في مباني ومحيط المطار، وأشارت الوثيقة إلى أن المبيد المطلوب يعود للشركة نفسها التي أصدر أبو شملان ترخيصا بالسماح لها باستيراد المبيد.

وشككت مصادر زراعية في العاصمة صنعاء باستخدام هذه الكمية من هذا المبيد في حماية أراضي ومباني مطار صنعاء من الحشرات، نظراً لضخامتها من جهة، ولعدم الحاجة إلى هذا النوع من المبيدات لحماية مبان وأراضٍ غير زراعية، فالحشرات التي تتكاثر في هذه الأماكن يمكن مواجهتها بكميات محدودة من المبيدات وأنواع أقل سمية وخطرا على البشر.

وترجح المصادر أن يكون وراء طلب هذه الكمية من هذا المبيد شبهة فساد كبيرة، حيث يحتمل أن يتم نهبها من مخازن المطار وتسليمها إلى تجار المبيدات الحشرية والمستلزمات الزراعية، أو تسليمها إلى هؤلاء التجار مباشرة بسبب انعدام الرقابة والتفتيش، ولكون شبكات الفساد مرتبطة ببعضها البعض.

حساسية وسرطان

يعدّ تورسبان، واسمه العلمي كلوربيرنوس من أخطر المبيدات الحشرية على البيئة وصحة الإنسان، حيث يمكن أن يؤدي سوء استخدامه أو ملامسته للجلد إلى أضرار خطيرة، وترتفع تلك الأضرار إلى حد الإصابة بالشلل الفوري أو الوفاة السريعة بزيادة الكمية التي يتعرض لها الجلد وزيادة تركيزها.

ويكون المزارعون هم أكثر الفئات عرضة لمخاطر التعرض لهذا المبيد، وغيره من السموم، خصوصا مع غياب التوعية الكافية بكيفية استخدامها والوقاية منها وتوفير أدوات الحماية منها، إلى جانب عدم وجود ترجمة لطرق الاستخدام والتحذيرات على أغلفة العبوات، إلا أن المخاطر المؤجلة هي تلك التي تنتقل إلى مستهلكي الخضراوات والفواكه ومتعاطي نبتة القات.

قيادي حوثي يطلب 7 أطنان من مبيد خطر لمكافحة الحشرات في مباني ومحيط مطار صنعاء (تويتر)

واعترفت الميليشيات الحوثي بارتفاع الإصابة بأنواع من السرطان بنسبة تتراوح بين 200 إلى 300 في المائة بسبب الأسلحة المستخدمة في الحرب على اليمن، بعد أشهر من مطالبات أعضاء في البرلمان الواقع تحت سيطرتها بإعداد خريطة حول مرض السرطان، وعلاقته بالمبيدات المنتشرة في مناطق سيطرتها.

ومنذ أيام أعلن مركز طبي متخصص بأمراض الحساسية في العاصمة صنعاء عن استقباله حالات كثيرة لمصابين بحالات تحسس في الفم واللسان والمريء وانتفاخات في الحلق وصعوبات في التنفس والبلع، إلى درجة أن عدداً من المصابين بهذه الحالات يضطرون إلى الاستغناء عن الأكل واستبدال السوائل به حتى تنتهي الأعراض.

وطبقا لمصادر طبية في العاصمة صنعاء؛ فإن غالبية المصابين بهذه الحساسية هم من متعاطي نبتة القات التي تعدّ أكثر النباتات تعرضا للمبيدات الحشرية بسبب رواجها الشديد ورغبة المزارعين في تسريع نموها وتحقيق أكبر عدد من مرات قطف الأغصان الصالحة للاستهلاك، وبالتالي مضاعفة الأرباح.

وطبقاً للمصادر؛ فإن هناك أنواعا أخرى من الحساسية تنتج عن منتجات زراعية مختلفة مثل غالبية الخضراوات والفواكه كالطماطم والخيار والكراث والمانجو والفراولة والكيوي والموز، وفي غياب التحاليل التخصصية التي لا تتوفر إلا في المستشفيات العمومية أو المستشفيات الكبرى وجميعها تحت سيطرة أو إدارة الانقلابيين الحوثيين.

وتشير المصادر الطبية إلى ارتفاع تكاليف هذه التحاليل؛ فإن المصابين بأي مرض أو حساسية يضطرون إلى وصف الأعراض التي يعانون منها فقط، ولا يملك الأطباء سوى التعاطي مع تلك الأوصاف وتقديرها، ولا تتوفر إمكانية لإجراء تحاليل سوى لأقل من 30 من المواد الغذائية.

وبحسب المصادر؛ فإن كثيرا من ضحايا أمراض الحساسية هم من أطفال المزارعين الذين توكل إليهم مهام رش المزروعات بالمبيدات، خصوصا نبتة القات، ولا يتلقون تدريبات أو تعليمات بكيفية استخدام المبيدات، ولا يجري توفير وسائل الحماية لهم، ويصاب أغلبهم بحساسية في الجلد والعيون والجهاز التنفسي.

تزوير وجبايات

دائما ما تعلن ميليشيات الحوثي عن ضبط ومصادرة كميات من المبيدات الحشرية المخالفة، حسب زعمها، سواء في نقاط التفتيش والنقاط الجمركية التي استحدثتها في مداخل المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، إلا أنها لا تعلن عن مصير تلك المبيدات وكيفية التخلص منها.

يقول أحد تجار المستلزمات الزراعية مستنكراً: «تمتلئ الأسواق كل يوم بأنواع من المبيدات الرخيصة مجهولة المصدر والاسم، بينما يداهم المشرفون الحوثيون محلاتنا ويصادرون بضاعتنا المرخصة، ولا نجرؤ على الاعتراض».

ترخيص باستيراد أحد المبيدات الخطرة أصدرته قيادات حوثية تسيطر على قطاع الزراعة (تويتر)

وينوه رجل أعمال مقيم في العاصمة صنعاء إلى أنه، وبحسب معرفته وما يسمعه من زملاء له؛ فإن كثيرا من عمليات ضبط ومصادرة المبيدات التي تعلن عنها الميليشيات الحوثية تطال أنواعاً مصرحا بها وخطورتها محدودة، إلا أن عمليات المصادرة تأتي في إطار ابتزاز التجار وإجبارهم على دفع إتاوات وجبايات غير قانونية.

وبحسب ما أخبر به عدد من تجار المستلزمات الزراعية؛ فإنهم وجدوا كثيرا من أنواع المبيدات التي استوردوها إلى اليمن تباع في الأسواق، رغم أنهم وكلاء حصريون لها، ما يعني أن مصادرتها كانت لأجل نهبها وبيعها، وهو ما يلقي بالشكوك حول كل تلك الأنواع المحظورة التي يجري ضبطها ومصادرتها، وبينها ما يجري تهريبه فعلا.

ويوضح رجل الأعمال الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته أن القانون اليمني أقر إلزام التاجر الذي يستورد المبيدات الحشرية المحظورة بإعادتها إلى بلد المنشأ على نفقته، غير أن الميليشيات الحوثية تنقل ما تصادره إلى جهات غير معلومة، ولا تعلن لاحقا عن مصير تلك المبيدات.

أما في حالة التهريب؛ فإن القانون أقر عقوبات قاسية وإجراءات شديدة الدقة والحرص للتخلص من تلك المبيدات؛ إلا أن الميليشيات لا تكتفي بإعلانات الضبط والمصادرة، دون حتى الكشف عن شخصيات المهربين والمخالفين أو اتخاذ إجراءات قانونية بحقها، ما يلقي بمزيد من الشكوك حول هذه العملية.

ويفيد بوجود عشرات الأنواع مرتفعة الخطورة من المبيدات التي تباع في الأسواق اليمنية، إلا أنه يجري تزوير أسمائها ومواصفاتها بنزع الأوراق التعريفية (اللواصق) عن العبوات واستبدال أخرى مزورة بأسماء مبيدات أخرى أقل خطورة بها، لبيعها للمزارعين برضا وعلم الميليشيات الحوثية.

وبين أن هناك اعترافات غير رسمية من الميليشيات بوجود أكثر من 700 نوع من المبيدات المنتشرة في البلاد، رغم أنها تقر رسميا بوجود 167 نوعا فقط.

فساد الحوثيين يهدد البيئة الزراعية والأمن الغذائي

يدفع المزارعون اليمنيون ثمن الفساد في قطاع الزراعة والري الخاضع للميليشيات الحوثية والتنافس بين قادة الجماعة على تجارة وتهريب المبيدات الحشرية الخطرة والبذور الزراعية الملوثة، وكانت نتيجة ذلك تخريب أراضٍ زراعية في عدد من مديريات محافظة صنعاء بأمراض فطرية وحشائش خبيثة، مع انتشار المبيدات المهددة للصحة والبيئة.
مطلع الشهر الحالي، اشتكى مزارعون في مديرية همدان (شمال غربي العاصمة صنعاء) من تعرض أراضيهم الزراعية لأمراض فطرية تفسد التربة وتمنع نمو النباتات فيها، وانتشار حشائش غريبة تنتشر وتتغلغل في التربة، بما يجعل مهمة استئصالها صعبة حتى بأحدث المعدات، وهذه الحشائش تمنع بدورها نمو أي نبات أخرى جوارها.
حدث هذا بسبب بذور جزر تم استيرادها من شركة «جبرودر بيكر» الهولندية، كشفت وثيقة صادرة من الإدارة العامة للرقابة على مستلزمات الإنتاج الزراعي أن الإدارة العامة لوقاية النبات حرزت الشحنة المستوردة في مخازن الشركة المستوردة، وتم فحص عينات منها في مختبرات البذور، حيث أثبتت النتائج احتواءها على بذور غريبة، ووجود أمراض فطرية فيها.
ووفقاً لمصادر في قطاع الزراعة الخاضع للحوثيين؛ فإنه، ورغم صدور توجيهات بإعادة الشحنة إلى بلد المنشأ، فإن الشركات المستوردة طلبت إعادة الفحص الذي أكد نتائج الفحص السابق، بينما أصرّ مدير الرقابة على جودة المستلزمات الزراعية على إعادة الشحنة إلى بلد المنشأ بالتنسيق مع الجمارك، إلا أن الإجراء الذي حدث هو إقالته بأوامر من قادة نافذين، ومنحت لاحقاً التصاريح ببيع البذور.
وتؤكد المصادر أن قيادة الميليشيات تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات بخصوص شكوى المزارعين، ولم يتم التحقيق في الإجراءات المتخذة، التي سمحت ببيع البذور، وتجاهل نتائج الفحوصات، وهو ما يشي، بحسب المصادر، بتبادل منافع من هذه الإجراءات بين القيادات العليا للميليشيات وملاك الشركات المستوردة، وهي «مؤسسة الحظا للتجارة والتوكيلات»، وشركة «أجروجلوبال لاستيراد المدخلات الزراعية»، وشركة «المجد للزراعة والتجارة».

استحداث كيان لإدارة المبيدات
كان القيادي الحوثي، هلال الجشاري، المعين من الميليشيات مديراً لإدارة وقاية النباتات قدم استقالته من منصبه، متحججاً بوجود فساد في قطاع الزراعة والري، وعدم قدرته على مواجهة ذلك الفساد، لوجود دعم وتواطؤ من قيادات عليا للفاسدين، كما أشار في نص استقالته، منتصف مايو (أيار) الماضي.
كان الجشاري انتقد تجاهل الجهات المعنية، ويقصد بها القيادات العليا للميليشيات، لشكاواه، وعدم تجاوبها معه، والتعاون في إيقاف تمرير المخالفات التي ترتكبها عناصر الميليشيات و«تجار الموت»، بحسب وصفه، ما أدى إلى بهم إلى النجاح في تنفيذ «مؤامرة شيطانية» باستحداث إدارة عامة للمبيدات، وخلط الأوراق، ومخالفة القوانين.
واستحدثت الميليشيات الحوثية كياناً جديداً أطلقت عليها اسم «الإدارة العامة للمبيدات» يتبع شكلياً هيكل وزارة الزراعة والري التي تسيطر عليها منذ الانقلاب، لكنه مستقل عنها مالياً وإدارياً.
واعترض الجشاري على إنشاء الإدارة الجديدة للمبيدات، وتنصيب قيادي من خارج الوزارة على رأسها، وعلى إلغاء صلاحياته المالية والإدارية ومنحها للقيادي المعين على رأس الإدارة المستحدثة.
كما اتهم تجار ومهربي المبيدات بإدارة الكيان المستحدث للمبيدات، وأنهم يزاولون أعمالاً وإجراءات مخالفة للقانون، مثل تسجيل المبيدات ومنح التصاريح والإفراجات وإجراء التجارب والفحوصات، وأن القيادات الحوثية المهيمنة على رأس قطاع الزراعة هي التي تشرع كل هذا الفساد وتسمح به دون وجود مبررات، رغم حساسية الأمر، نظراً لارتباطه بأرواح الناس والأمن الغذائي، كما جاء في نص استقالته.
ولمح الجشاري إلى أنه سيتجه إلى العمل الميداني مع المزارعين مؤيداً لقيادة الميليشيات ومنصاعاً لتوجيهاتها، وهو ما لجأ إليه بالفعل في الفترة التالية لاستقالته، حيث عمل على تحريض المزارعين على رفض التعامل مع تجار المبيدات والتوقف عن استخدامها، والتحذير من خطورة المبيدات والأسمدة التي يتاجر بها قادة في الميليشيات وتجار موالون لها.
ابتزاز واسترضاء
سعى الجشاري إلى استرضاء قيادة الميليشيات من خلال كتاباته في مواقع التواصل الاجتماعي عن التبرع للجبهات، واستخدام مصطلح «الجبهة الزراعية»، في محاولته حث المزارعين على التبرع للمجهود الحربي للميليشيات من جهة، ودفعهم للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من أجل الاستغناء عن الواردات التي يقول إنها «تضعف الجبهة الداخلية وتدعم الأعداء».
وتمت مراضاة الجشاري لاحقاً بتعيينه منسقاً للجنة الزراعية في محافظة الجوف، مقابل التوقف عن ابتزاز خصومه في قطاع الزراعة والري والإدارة الجديدة المستحدثة وتجار المبيدات، والتوقف عن التحريض ضدهم، طبقاً لما قالته المصادر.
المصادر نفت أن يكون الجشاري ساهم في فضح الفساد والفاسدين، وأن الأمر لا يتعدى التنافس بينه وقادة في الميليشيات؛ فطوال فترة عمله في إدارة وقاية النباتات لم يقدم شيئاً لكشف الفساد في الاتجار بالمبيدات، وأن صوته لم يرتفع إلا بعد سلب صلاحياته، وبعد استقالته لم يقم بشيء سوى التلميح والتهديد فقط.
وفي حين كشفت معلومات وتقارير محلية عديدة عن مصادرة ميليشيات الحوثي مبيدات زراعية محظورة عبر المنافذ الجمركية التي نصبتها في مداخل مناطق سيطرتها بحجة إتلافها، أفادت بأن الميليشيات تقوم ببيعها وتسويقها عبر شركات تابعة لها وتجار من أنصارها للتربح من أسعارها.
وتحدث تقرير أمام البرلمان غير الشرعي الذي تديره الميليشيات في صنعاء، منتصف العام الماضي، عن تورّط قادة حوثيين في نشر السموم والأمراض السرطانية في اليمن، من خلال شركات نشطة تعمل في تجارة المبيدات الزراعية، وأورد التقرير أسماء، مثل القيادي الحوثي دغسان أحمد دغسان وصالح عجلان.

اتهامات لقيادات حوثية بالتورط في تهريب مبيدات زراعية ممنوعة

كشف عاملون تحت سلطة الميليشيات الحوثية في صنعاء عن تورط قيادات في الجماعة وفي حكومتها الانقلابية غير المعترف بها في تهريب وإدخال أنواع من المبيدات الزراعية المحرم استخدامها وهو ما تسبب في تداعيات خطيرة على صحة السكان وسلامة القطاع الزراعي بما فيه تربية النحل.
وبحسب المصادر أفضى الصراع المتنامي بين المسؤول عن إصدار تراخيص تداول المبيدات الزراعية والوزير الانقلابي المسؤول عنه ومن خلفه من التجار والمهربين عن الإطاحة بالرجل من موقعه كمسؤول عن الإدارة العامة لوقاية النبات بعد أن أقدم على منع إدخال شحنات من المبيدات الزراعية المهربة، وهي من أكبر مصادر انتشار أمراض السرطان وتلوث الخضار وأغلب المنتجات الزراعية، فضلاً عن قيامه بإغلاق أكثر من 300 مكتب تجاري تعمل في هذا المجال.
ووفق ما ذكره عاملون في الوزارة الانقلابية لـ«الشرق الأوسط» فإن مدير الإدارة العامة لوقاية النبات هلال الجشاري قدم استقالته من منصبه، وأعاد أسباب ذلك إلى أن الإجراءات التي اتخذها «أغاظت لوبي الفساد والتجار ومهربي المبيدات الزراعية» وأنهم بعد أن فشلوا في إعاقته أقدموا على استحداث إدارة عامة للمبيدات خلافاً لهيكل الوزارة، وقاموا بتعيين أحد المتعاقدين على رأسها خلافاً لقانون المبيدات الصادر في عام 1999.
وأوضح الجشاري أن هذه الإدارة المستحدثة يديرها مهربو المبيدات الزراعية المحرمة، حيث يقومون بتسجيل أنواع من المبيدات ومنح تراخيص إدخالها وتداولها بما تمثله من مخاطر على حياة الناس وانعكاساتها على الأراضي الزراعية وتربية النحل.
من جهته قال أحد الموظفين الخاضعين للجماعة الحوثية إن تجار تهريب المبيدات الممنوعة، أصبحوا يهيمنون على القرار في سلطات الانقلاب؛ ولهذا اضطر مدير إدارة وقاية النبات لتقديم استقالته بعد أن منع إدخال شحنات مهربة من المبيدات، موضحاً أن التجار الذين يهربون المبيدات معروفون، وهناك قائمة سوداء بأسمائهم، لكنهم في ظل السلطة الفاسدة ينتصرون دائماً، وفق تعبيره.
في السياق نفسه أكد موظف آخر لـ«الشرق الأوسط» صحة ما قاله مدير إدارة وقاية النباتات في استقالته عن سيطرة المنتفعين وتجار المبيدات على وزارة الزراعة الانقلابية وقال: «من لا يعجبهم يستطيعون بسهولة إبعاده من موقعه ولو كان أنقى من الذهب وهذا أمر معروف وشائع».
وأضاف: «إدارة وقاية النبات ليست وحدها من تدار من قبل التجار أو المستفيدين والمنتفعين لكن هناك إدارات عامة أخرى في جهات انقلابية أخرى تدار من قبل هؤلاء مثل الإدارة العامة للتسويق الزراعي على مستوى المركزي والإدارات الفرعية في المحافظات التي فيها نشاط زراعي وتسويقي».
وبحسب المصادر فإن القرارات التي اتخذتها إدارة وقاية النباتات أغضبت لوبي تجار المبيدات إذ تم تفعيل حماية النحل من تأثيرات المبيدات السامة، نتيجة لما حدث في الفترة الماضية من تسمم ونفوق أعداد كبيرة من خلايا النحل، حيث تم منع استيراد المبيدات شديدة السمية وبالذات مادة مبيد «الفبرونيل» الذي يستخدم مع الري وبنسبة لا تزيد على 20 في المائة، كما تم منع استيراد خلطة «الفبرونيل» التي أثبت أنها السبب الرئيسي في نفوق النحل لسميته العالية والمباشرة.
وكانت إدارة وقاية النبات قد فرضت غرامات كبيرة على التجار المخالفين لقانون المبيدات حيث بلغت الغرامات أكثر 100 مليون ريال (الدولار نحو 600 ريال)، وتم تشكيل لجنة فنية لمراجعة ملفات الشركات والمبيدات المسجلة والتي يتم الاستيراد منها ووقف الاستيراد من المكاتب وإيقاف 300 مكتب تجاري وتحديد الاستيراد من شركات مضمونة مصنعة معترف بها عالمياً.
كما أدخلت اللجنة المبيدات عالية السمية بقائمة المبيدات المقيدة بشدة والممنوعة ومنها مبيد «الفبرونيل» والمبيدات الخليط المكون من مواد سميتها عالية مثل «الفبرونيل»، و«الأميداكلوبرايد» ومواد خليطة أخرى وإلغاء تسجيلها، بعد أن أظهرت نتائج التحليل ظهور 57 شحنة غير مطابقة، وتم إشعار التجار بضرورة إعادتها لبلد المنشأ حسب القانون، وإغلاق 300 مكتب تجاري كان يتم استيراد المبيدات عبرهم وإلزام التجار بالاستيراد مباشرة عبر الشركات المصنعة وفق القانون.
وما أغضب تحالف التجار وقيادات الميليشيات الحوثية - بحسب المصادر - هو إنشاء أرشيف لملفات تسجيل المبيدات وانتشالها من الأماكن الذي كانت مكدسة فيها على بعضها حيث كان من الصعب التعامل معها أو فحصها وكذلك كانت عرضة للضياع والمغالطة والتبديل والتزوير، إضافة إلى تشكيل لجنة لفحص الملفات باستمرار وحصر المبيدات المضبوطة والمخالفة في المنافذ، ومراجعة ما هو موجود في مخازن الجراد والغابات.

المبيدات الزراعية والتبغ جزء من تمويلات الانقلابين في اليمن

لم تترك الميليشيات الحوثية مجالاً تجارياً إلا واستخدمته في تمويل حربها على الحكومة اليمنية، وخلق طبقة تجارية من الموالين لها، وخصوصاً المنحدرين من محافظة صعدة، وشراء مساحات كبيرة من الأراضي والعقارات في صنعاء، بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية المذهبية للعاصمة اليمنية، فضلاً عن غسل الأموال التي نهبها قادتها، ودخلت تجارة المبيدات الزراعية والأسمدة والتبغ إلى جانب تجارة المشتقات النفطية والمقاولات ضمن مصادر تمويل هذه الحرب واستمرارها وفق ما أكدته لجنة اقتصادية يمنية معنية بمتابعة الإمبراطورية التجارية لميليشيات الحوثي واستعادة الأموال التي نهبتها من معارضيها أو من الممتلكات العامة.
المجموعة الاقتصادية المعروفة باسم «مبادرة استعادة» كشفت في تقرير جديد لها، عن معلومات إضافية حول مصادر التمويل والشركات الخاصة التابعة لجماعة الحوثيين، واستغلالها لاستيراد مواد خاصة بصناعة المتفجرات، إضافة إلى سيطرتها على أسواق مختلفة وتحويل الأموال والنفط، وشركات الاستيراد والتصدير كافة. ذلك أن السيطرة الحوثية على السوق اليمنية، ومختلف القطاعات الاقتصادية، نهج وسياسة تعمل به الميليشيات بهدف «إفقار اليمنيين من خلال نهب ممتلكاتهم وشركاتهم، وفقاً للاستراتيجية الحوثية، المستنسخة من إيران».
وحسب التقرير، فإن مجموعات «دغسان محمد دغسان»، التي تتضمن 11 شركة متعددة المهام، (نفطية، وتجارة الأدوية ومستلزمات طبية، وإنتاج التبغ وتحويلات أموال، وتجارية واستيرادية)، تأتي ضمن مجموعة الشركات «التي تستخدمها الميليشيا الحوثية، في بنيتها الاقتصادية. فهي مجموعة تجارية يقودها القيادي الحوثي دغسان أحمد دغسان، وتدر عليها أموالاً طائلة نظراً لسيطرتها على سوق المبيدات والأسمدة الزراعية والمستلزمات الزراعية، وخاصة تلك التي تحتوي على «مادة اليوريا» التي يعاد استخدامها في صناعة المتفجرات.
ووفقاً للتقرير، فإن دغسان يدير المجموعة تحت أسماء عدد من أفراد أسرته، وهي شركات تعمل في مجالات النفط والغاز والاستيراد والتصدير والمبيدات الزراعية والتهريب بمختلف أنواعه، وشركات التبغ والصرافة والأدوية.
وإضافة إلى ذلك، تضم المجموعة شركة عقارية جديدة للمقاولات العامة، تحمل نفس الاسم، ويديرها أحمد دغسان، وامتلكت مساحات كبيرة جداً في العاصمة صنعاء، خاصة منطقة جدر. مع أن نشاطها السابق طوال 3 عقود اقتصر على احتكار تجارة المبيدات الزراعية، وتهريب أنواع منها لا يسمح باستخدامها، وأخرى من النوع الذي يحرم استخدامه في بعض المزروعات.
ومنذ سيطرة الميليشيات على العاصمة اليمنية عمدت إلى مصادرة أموال وعقارات كل المعارضين لها، كما قام قادتها بتقاسم الاستيلاء على ممتلكات الدولة، والأوقاف واحتكار تجارة المشتقات النفطية، قبل أن يتوسع هذا النشاط ليشمل مختلف الأنشطة التجارية المدرة للربح السريع، وقامت بتبييض تلك الأموال عن طريق شراء مساحات كبيرة من الأراضي والعقارات وإنشاء المجمعات التجارية الضخمة ؛ حيث تظهر مؤشرات حركة الاستيراد الارتفاع الكبير في كمية استيراد مواد البناء وبمعدلات أعلى مما كان عما كان عليه الحال قبل الانقلاب.

فساد الحوثيين يهدد البيئة الزراعية والأمن الغذائي

يدفع المزارعون اليمنيون ثمن الفساد في قطاع الزراعة والري الخاضع للميليشيات الحوثية والتنافس بين قادة الجماعة على تجارة وتهريب المبيدات الحشرية الخطرة والبذور الزراعية الملوثة، وكانت نتيجة ذلك تخريب أراضٍ زراعية في عدد من مديريات محافظة صنعاء بأمراض فطرية وحشائش خبيثة، مع انتشار المبيدات المهددة للصحة والبيئة.
مطلع الشهر الحالي، اشتكى مزارعون في مديرية همدان (شمال غربي العاصمة صنعاء) من تعرض أراضيهم الزراعية لأمراض فطرية تفسد التربة وتمنع نمو النباتات فيها، وانتشار حشائش غريبة تنتشر وتتغلغل في التربة، بما يجعل مهمة استئصالها صعبة حتى بأحدث المعدات، وهذه الحشائش تمنع بدورها نمو أي نبات أخرى جوارها.
حدث هذا بسبب بذور جزر تم استيرادها من شركة «جبرودر بيكر» الهولندية، كشفت وثيقة صادرة من الإدارة العامة للرقابة على مستلزمات الإنتاج الزراعي أن الإدارة العامة لوقاية النبات حرزت الشحنة المستوردة في مخازن الشركة المستوردة، وتم فحص عينات منها في مختبرات البذور، حيث أثبتت النتائج احتواءها على بذور غريبة، ووجود أمراض فطرية فيها.
ووفقاً لمصادر في قطاع الزراعة الخاضع للحوثيين؛ فإنه، ورغم صدور توجيهات بإعادة الشحنة إلى بلد المنشأ، فإن الشركات المستوردة طلبت إعادة الفحص الذي أكد نتائج الفحص السابق، بينما أصرّ مدير الرقابة على جودة المستلزمات الزراعية على إعادة الشحنة إلى بلد المنشأ بالتنسيق مع الجمارك، إلا أن الإجراء الذي حدث هو إقالته بأوامر من قادة نافذين، ومنحت لاحقاً التصاريح ببيع البذور.
وتؤكد المصادر أن قيادة الميليشيات تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات بخصوص شكوى المزارعين، ولم يتم التحقيق في الإجراءات المتخذة، التي سمحت ببيع البذور، وتجاهل نتائج الفحوصات، وهو ما يشي، بحسب المصادر، بتبادل منافع من هذه الإجراءات بين القيادات العليا للميليشيات وملاك الشركات المستوردة، وهي «مؤسسة الحظا للتجارة والتوكيلات»، وشركة «أجروجلوبال لاستيراد المدخلات الزراعية»، وشركة «المجد للزراعة والتجارة».

استحداث كيان لإدارة المبيدات
كان القيادي الحوثي، هلال الجشاري، المعين من الميليشيات مديراً لإدارة وقاية النباتات قدم استقالته من منصبه، متحججاً بوجود فساد في قطاع الزراعة والري، وعدم قدرته على مواجهة ذلك الفساد، لوجود دعم وتواطؤ من قيادات عليا للفاسدين، كما أشار في نص استقالته، منتصف مايو (أيار) الماضي.
كان الجشاري انتقد تجاهل الجهات المعنية، ويقصد بها القيادات العليا للميليشيات، لشكاواه، وعدم تجاوبها معه، والتعاون في إيقاف تمرير المخالفات التي ترتكبها عناصر الميليشيات و«تجار الموت»، بحسب وصفه، ما أدى إلى بهم إلى النجاح في تنفيذ «مؤامرة شيطانية» باستحداث إدارة عامة للمبيدات، وخلط الأوراق، ومخالفة القوانين.
واستحدثت الميليشيات الحوثية كياناً جديداً أطلقت عليها اسم «الإدارة العامة للمبيدات» يتبع شكلياً هيكل وزارة الزراعة والري التي تسيطر عليها منذ الانقلاب، لكنه مستقل عنها مالياً وإدارياً.
واعترض الجشاري على إنشاء الإدارة الجديدة للمبيدات، وتنصيب قيادي من خارج الوزارة على رأسها، وعلى إلغاء صلاحياته المالية والإدارية ومنحها للقيادي المعين على رأس الإدارة المستحدثة.
كما اتهم تجار ومهربي المبيدات بإدارة الكيان المستحدث للمبيدات، وأنهم يزاولون أعمالاً وإجراءات مخالفة للقانون، مثل تسجيل المبيدات ومنح التصاريح والإفراجات وإجراء التجارب والفحوصات، وأن القيادات الحوثية المهيمنة على رأس قطاع الزراعة هي التي تشرع كل هذا الفساد وتسمح به دون وجود مبررات، رغم حساسية الأمر، نظراً لارتباطه بأرواح الناس والأمن الغذائي، كما جاء في نص استقالته.
ولمح الجشاري إلى أنه سيتجه إلى العمل الميداني مع المزارعين مؤيداً لقيادة الميليشيات ومنصاعاً لتوجيهاتها، وهو ما لجأ إليه بالفعل في الفترة التالية لاستقالته، حيث عمل على تحريض المزارعين على رفض التعامل مع تجار المبيدات والتوقف عن استخدامها، والتحذير من خطورة المبيدات والأسمدة التي يتاجر بها قادة في الميليشيات وتجار موالون لها.
ابتزاز واسترضاء
سعى الجشاري إلى استرضاء قيادة الميليشيات من خلال كتاباته في مواقع التواصل الاجتماعي عن التبرع للجبهات، واستخدام مصطلح «الجبهة الزراعية»، في محاولته حث المزارعين على التبرع للمجهود الحربي للميليشيات من جهة، ودفعهم للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من أجل الاستغناء عن الواردات التي يقول إنها «تضعف الجبهة الداخلية وتدعم الأعداء».
وتمت مراضاة الجشاري لاحقاً بتعيينه منسقاً للجنة الزراعية في محافظة الجوف، مقابل التوقف عن ابتزاز خصومه في قطاع الزراعة والري والإدارة الجديدة المستحدثة وتجار المبيدات، والتوقف عن التحريض ضدهم، طبقاً لما قالته المصادر.
المصادر نفت أن يكون الجشاري ساهم في فضح الفساد والفاسدين، وأن الأمر لا يتعدى التنافس بينه وقادة في الميليشيات؛ فطوال فترة عمله في إدارة وقاية النباتات لم يقدم شيئاً لكشف الفساد في الاتجار بالمبيدات، وأن صوته لم يرتفع إلا بعد سلب صلاحياته، وبعد استقالته لم يقم بشيء سوى التلميح والتهديد فقط.
وفي حين كشفت معلومات وتقارير محلية عديدة عن مصادرة ميليشيات الحوثي مبيدات زراعية محظورة عبر المنافذ الجمركية التي نصبتها في مداخل مناطق سيطرتها بحجة إتلافها، أفادت بأن الميليشيات تقوم ببيعها وتسويقها عبر شركات تابعة لها وتجار من أنصارها للتربح من أسعارها.
وتحدث تقرير أمام البرلمان غير الشرعي الذي تديره الميليشيات في صنعاء، منتصف العام الماضي، عن تورّط قادة حوثيين في نشر السموم والأمراض السرطانية في اليمن، من خلال شركات نشطة تعمل في تجارة المبيدات الزراعية، وأورد التقرير أسماء، مثل القيادي الحوثي دغسان أحمد دغسان وصالح عجلان.