منظمة دولية: ربع سكان اليمن يعانون الاضطرابات النفسية

في غياب الرعاية الصحية وتفاقم الأوضاع المعيشية

تسببت صدمات الحرب التي شنها الحوثيون في إصابة ملايين اليمنيين باضطرابات نفسية (إ.ب.أ)
تسببت صدمات الحرب التي شنها الحوثيون في إصابة ملايين اليمنيين باضطرابات نفسية (إ.ب.أ)
TT

منظمة دولية: ربع سكان اليمن يعانون الاضطرابات النفسية

تسببت صدمات الحرب التي شنها الحوثيون في إصابة ملايين اليمنيين باضطرابات نفسية (إ.ب.أ)
تسببت صدمات الحرب التي شنها الحوثيون في إصابة ملايين اليمنيين باضطرابات نفسية (إ.ب.أ)

لا يزال محمد سلام، وهو اسم مستعار لصحافي يمني، يعاني من نوبات اكتئاب حادة تدفعه إلى التفكير بالانتحار، رغم حرصه على اتباع تعليمات الأطباء وتناول الأدوية في أوقاتها، ومراقبة عائلته لحالته باستمرار، وإبلاغ الطبيب الأقرب لها بأي تطورات.

وعانى سلام من اضطرابات نفسية عديدة، وصلت به إلى حد الهلاوس السمعية والشكوك بمن حوله، وذلك بعد تعرضه للاختطاف والتعذيب لدى الجماعة الحوثية أثناء محاولته تغطية الحرب لصحيفة دولية في محافظة البيضاء منذ أعوام عدة، وكان قد اختار هذه المحافظة لاعتقاده أنه سيكون فيها بعيداً عن أنظار الجماعة.

تقدر إحصائيات دولية أعداد المصابين باضطرابات نفسية في اليمن بما يقارب ربع السكان (أ.ف.ب)

وبعد الإفراج عنه، عاد سلام إلى قريته الواقعة على خطوط المواجهات في محافظة لحج، حيث أدى تعرض منزله للقصف إلى مفاقمة حالته النفسية، ما أجبر عائلته على بيع بعض ممتلكاتها لنقله إلى الخارج للعلاج، لكنه عاد ليواجه البطالة ويحمل نفسه المسؤولية عن سوء الأوضاع المعيشية لعائلته التي زادت فقراً بسبب علاجه، بحسب شهادة شقيقه لـ«الشرق الأوسط».

وسلام هو أحد اليمنيين الذين قالت منظمة دولية إن ربعهم يعانون من اضطرابات نفسية ناتجة عن الضغوط والصدمات المتتابعة بفعل الصراع المستمر في البلاد منذ ما يقارب العقد.

وذكرت منظمة العمل ضد الجوع (AAH)، في تقرير حديث لها، أن ما أكثر من 8 ملايين يمني، يواجهون اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة والفصام.

وبحسب الدراسات الاستقصائية التي أجرتها المنظمة والبيانات التي جمعتها، فإن استمرار الصراع والنزوح القسري وتدهور الوضع الاقتصادي والفقر ونقص الغذاء يؤدي إلى تفاقم الاضطرابات النفسية، التي تؤثر على جميع المجتمعات والفئات الاجتماعية في البلاد.

أزمة رعاية صحية

أشارت المنظمة إلى أن ضعف الرعاية الصحية في البلاد يعد أحد عوامل مضاعفة هذه الاضطرابات، خصوصاً في جانب الرعاية النفسية، فإلى جانب حجم أزمة الصحة العامة؛ لا يوجد برنامج وطني للصحة النفسية في اليمن، و10 في المائة من مرافق الرعاية الصحية الأولية في البلاد فقط تمتلك كوادر مؤهلة لتحديد الاضطرابات النفسية أو علاجها.

وطبقاً للتقرير، فإن خوف العائلات على سمعتها من وصم أفرادها المصابين باضطرابات نفسية بالجنون، يتسبب في إعاقة وتأخير علاجهم في الوقت المناسب قبل تفاقم حالاتهم، إضافة إلى عدم الاهتمام بالصحة النفسية أو الثقة بالمهن ذات الصلة بقضايا الصحة العقلية، وهو ما يقلل من رغبة الطلاب في دراسة الطب النفسي والعقلي.

ودعت المنظمة إلى العمل من أجل أن يتمتع اليمنيون بحق الصحة النفسية بوصفها حقاً إنسانياً عالمياً، خصوصاً مع زيادة عدد الأشخاص المحتاجين ومحدودية الخدمات المقدمة في هذا الجانب.

مرضى نفسيون في فناء إحدى منشآت الطب النفسي في مدينة تعز جنوب غرب اليمن (أ.ف.ب)

يقول موظف محلي في إحدى هيئات الأمم المتحدة العاملة في اليمن لـ«الشرق الأوسط»، إن الاضطرابات النفسية التي تصاعدت في اليمن خلال الأعوام الأخيرة لم تنجُ أي محافظة منها، حتى تلك البعيدة عن المعارك والاضطرابات، إلا أن مناطق المواجهات كانت الأكثر من حيث أعداد المصابين بالاضطرابات ونوعيتها.

فهناك - طبقاً للموظف الذي اشترط إخفاء بياناته نظراً لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام - من يعانون فقط من القلق والاكتئاب والنزوع إلى العزلة وبعض الاضطرابات السلوكية، غير أن مناطق المواجهات العسكرية أو الواقعة تحت سلطات تمارس الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان تشهد تصاعداً في حالات الاكتئاب الحاد والاضطراب ثنائي القطب وحالات انتحار متزايدة.

الضغوط المعيشية

قدر صندوق الأمم المتحدة للسكان، خلال العام الماضي، أن 120 ألفاً فقط من بين 7 ملايين يمني، من إجمالي المصابين بالأمراض النفسية بحسب الإحصائيات الأممية، يستطيعون الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية النفسية.

وتوضح الطبيبة النفسية آمال الريامي أن الأوضاع المعيشية الصعبة والقلق على الحياة الشخصية وحياة ومصير من يهتم المرء لهم، تجعله في حالة استنزاف سريعة لقدراته الذهنية وطاقته النفسية، ما يؤدي إلى دخوله في مرحلة الاضطراب النفسي، التي تتفاقم بسبب عدم معالجتها منذ بدايتها، أو غياب الرعاية والاهتمام والتقدير من المحيط الاجتماعي.

تواجه الصحة النفسية لليمنيين انهياراً تاماً في الخدمات والمنشآت ومحدودية الكوادر الطبية (الأمم المتحدة)

وتتابع الريامي، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن المخاوف المتعلقة بالأمن الاجتماعي والاقتصادي وحتى السلامة الجسدية، وهي المخاوف التي يواجهها غالبية اليمنيين؛ تدفع أي فرد يحمل مسؤوليات، سواء تجاه نفسه فقط، أو تجاه آخرين إلى الإضرار بنفسه من خلال الهواجس والوساوس القهرية، التي تتطور إلى الخوف من الآخرين والقلق من كل ما يحيط به، وقد تصل إلى الهلاوس السمعية وحتى البصرية.

وكانت وزارة الصحة في الحكومة اليمنية أعلنت قبل أربعة أعوام أن عدد الأطباء النفسيين العاملين في القطاع الرسمي بلغ 59 طبيباً، أي بمعدل طبيب واحد لكل نصف مليون فرد، في حين لا يزيد عدد العاملين الصحيين المتخصّصين على 300 عامل، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود سرير نفسي واحد لكل 200 ألف فرد.

وخصص صندوق الأمم المتحدة للسكان جزءاً من التمويل الذي حصل عليه من الوكالة الأميركية للتنمية لصالح أنشطته في اليمن، والمقدر بـ23 مليون دولار، لتوفير خدمات الدعم النفسي الاجتماعي في 14 مستشفى و4 عيادات متنقلة، إضافة إلى دعم 20 مساحة آمنة للنساء والفتيات لتقديم الرعاية النفسية.


مقالات ذات صلة

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي خسائر بشرية بصفوف الحوثيين جراء استمرار خروقهم الميدانية (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يشيّدون مقابر جديدة لقتلاهم ويوسّعون أخرى

خصصت الجماعة الحوثية مزيداً من الأموال لاستحداث مقابر جديدة لقتلاها، بالتزامن مع توسيعها لأخرى بعد امتلائها في عدد من مناطق العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.