تحذيرات من عودة تفشي «السل الرئوي» في اليمن

أبدت مصادر يمنية طبية مخاوفها من عودة تفشي مرض «السل الرئوي»، خصوصاً في صنعاء ومدن أخرى خاضعة للجماعة الحوثية، وذلك بالتوازي مع إعلان منظمة أممية عن رصد عشرات الآلاف من حالات الإصابة.

وتحدثت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، عن ظهور بلاغات وتقارير محلية عدة تشير إلى وجود مئات من حالات الإصابات الجديدة بـ«السل الرئوي» تم تسجيلها في الثلاثة الأشهر الماضية بقرى ومناطق متفرقة خاضعة للحوثيين.

عاملون صحيون يمنيون يقومون بحملات تطعيم ضد أمراض وأوبئة (الأمم المتحدة)

في غضون ذلك، أوضحت منظمة الصحة العالمية أن اليمن لا يزال يعاني من انتشار كبير لمرض «السل الرئوي»، كاشفةً عن أنها رصدت أزيد من 16 ألف حالة إصابة جديدة في عام 2022 لوحده.

ويزداد تفاقم داء «السل الرئوي» وانتشاره بين اليمنيين، بمن فيهم القاطنون في المناطق الريفية، نتيجة عوامل عدة، منها الفقر وسوء التغذية والاكتظاظ المعيشي، وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية، بفعل استمرار الصراع الدائرة منذ 9 سنوات.

وفي بيان حديث بمناسبة «اليوم العالمي للسل»، الذي يصادف 24 مارس (آذار) من كل عام، أكدت «الصحة العالمية» أن اليمن لا يزال يواجه تحديات كبيرة فيما يخص مكافحة مرض «السل».

10 آلاف حالة

وسط الانهيار المتسارع للقطاع الصحي اليمني جراء الإهمال والفساد، كان برنامج مكافحة السل والأمراض الصدرية الخاضع للحوثيين بصنعاء اعترف بتسجيل أكثر من 10 آلاف و411 حالة إصابة «سل رئوي»، ونحو 450 حالة إصابة أخرى بما يسمى «سل مٌقاوم» للأدوية المتعددة في 2022.

وتصدرت صنعاء العاصمة أعلى القائمة فيما يخص معدل الإصابات بمرض «السل» بتلك الفترة، تلتها حجة في الترتيب الثاني، ثم محافظة الحديدة ثالثاً، وإب في الترتيب الرابع.

وفي حين يعد هذا المرض إحدى المشكلات الصحية الكبيرة في مناطق سيطرة الحوثيين، يقدر البرنامج معدل الإصابة بنحو 48 حالة جديدة لكل 100 ألف من السكان، كاشفاً توقف 75 وحدة لمعالجة مرضى السل، بمديريات صعدة (معقل الجماعة)، وفي 5 محافظات أخرى منها حجة والبيضاء وتعز والجوف وغيرها.

أطفال يمنيون يتلقون اللقاحات على أيدي عاملين صحيين (الأمم المتحدة)

وبينما لفت تقرير البرنامج إلى «فقدان أجهزة طبية ومعدات خاصة ببرنامج مكافحة السل في مناطق عدة»، تحدثت مصادر طبية في صنعاء عن أن تلك الأجهزة والمعدات الطبية وغيرها تمت مصادرتها على يد مسلحي الجماعة الحوثية في أعقاب انقلابها واجتياحها العاصمة ومناطق أخرى.

وكشف تقرير برنامج مكافحة السل الخاضع للجماعة في صنعاء عن توقف العلاج لأزيد من 3 آلاف و600 مريض سل نتيجة نزوحهم من أماكن إقامتهم إلى مناطق أخرى، وحرمان 3 آلاف مصاب بالسل المقاوم للأدوية من التشخيص والعلاج بسبب حالة العجز التي وصل إليها البرنامج المعني بالمكافحة، الأمر الذي جعله غير قادر على تقديم خدماته للمرضى.

ويعد السل مرضاً معدياً يصيب الرئتين، ويسببه بكتيريا تنتقل عن طريق الهواء، ويمكن الشفاء منه والوقاية منه. وتهدف الأمم المتحدة إلى القضاء على وباء السل بحلول عام 2030 ضمن أهداف التنمية المستدامة.

انهيار صحي

تؤكد منظمة الطفولة الأممية «يونيسف» أن النظام الصحي في اليمن يواجه انهياراً بسبب نقص الأدوية والمعدات والموظفين واستمرار انقطاع الرواتب، مما يجعل الوضع كارثياً إذا لم يتم تقديم الدعم اللازم.

ويعاني اليمن منذ سنوات من أعلى معدلات سوء التغذية، كما يواجه نصف الأطفال دون سن الخامسة التقزم المتوسط إلى الشديد، بينما يحتاج أزيد من 20 مليون يمني إلى المساعدة الصحية، بما في ذلك 13 مليوناً من ذوي الاحتياجات الحادة.

يمني مصاب بفشل كلوي يخضع لغسل الكليتين في أحد المراكز الصحية بصنعاء (إ.ب.أ)

وتؤكد الأمم المتحدة، في أحدث تقاريرها، أن اليمن يواجه في الوقت الحاضر تدهوراً كبيراً في الصحة العامة وازدياد هجمات تفشي الأمراض، مثل الحصبة والكوليرا والملاريا وحمى الضنك، مبينة أنه لا يزال هناك 18.2 مليون شخص يمني بحاجة ماسة إلى دعم، ومن المتوقع أن يواجه 17.6 مليون شخص نقصاً حاداً في الأمن الغذائي في 2024.

وكان أطباء وعاملون في برنامج مكافحة السل بصنعاء أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن الحرب المستمرة، وغياب دور مراكز مكافحة السل نتيجة العبث والنهب المتكرر بحقها طوال الأعوام الماضية، ساعدا بشكل كبير في انتشار حالات الإصابة، كاشفين تسجيل البرنامج في ثلاث سنوات ماضية فقط، أكثر من 40 ألفاً و190 حالة في صنعاء و6 محافظات أخرى.

تزايد مرضى السل بشكل غير مسبوق في مناطق سيطرة الحوثيين

بالتزامن مع استمرار تفشي الأوبئة والأمراض بمناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، أفادت مصادر يمنية طبية بأن مرض «السل الرئوي» انتشر بشكل غير مسبوق جراء فساد قادة الجماعة وإهمالهم وسيطرتهم على الموارد ونهبهم للمساعدات وسط انهيار شبه كلي في الخدمات الطبية.
وفي تقرير حديث له، أبدى برنامج مكافحة السل والأمراض الصدرية في صنعاء اعترافه بتسجيل مناطق عدة خاضعة للجماعة أكثر من 10 آلاف و411 حالة إصابة «سل رئوي» في العام الماضي، إلى جانب تسجيل 450 حالة إصابة أخرى بما يسمى «السل المقاوم» للأدوية المتعددة في العام نفسه.
وتوقعت مصادر طبية في صنعاء خلال حديثها مع «الشرق الأوسط»، أن تكون الأرقام الفعلية لحالات الإصابة بـ«السل» بمختلف أنواعه أكثر من الحالات التي أعلن عنها المركز الخاضع للجماعة الحوثية التي لا تزال تحكم كامل قبضتها على جميع مقدرات وإمكانات الصحة اليمنية في صنعاء.
وأوضح تقرير المركز أن العاصمة المختطفة صنعاء تصدرت المرتبة الأولى في معدل الإصابات بمرض «السل الرئوي» بتلك الفترة، تلتها محافظة حجة في المرتبة الثانية، ثم الحديدة في المرتبة الثالثة، ومحافظة إب في الترتيب الرابع، لافتاً إلى أن المرض لا يزال يمثل إحدى المشكلات الصحية الكبيرة في مناطق سيطرة الانقلابيين، وقدر معدل الإصابة بنحو 48 حالة جديدة لكل 100 ألف من السكان.
ويشير ذات التقرير الصادر عن البرنامج إلى توقف 75 وحدة لمعالجة مرضى السل، بمديريات صعدة (معقل الميليشيات) وفي 5 محافظات أخرى منها حجة والبيضاء وتعز والجوف وغيرها، إضافة إلى تعرض 55 مرفقاً صحياً أغلبها خاصة بمكافحة المرض لأضرار متفاوتة، وإغلاق 21 مرفقاً آخر.
وفي حين لفت التقرير إلى «فقدان أجهزة طبية ومعدات خاصة ببرنامج مكافحة السل في مناطق عدة»، تحدثت مصادر طبية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن أن تلك الأجهزة والمعدات الطبية وغيرها تمت مصادرتها على يد مسلحي الجماعة في أعقاب انقلابها واجتياحها العاصمة ومناطق أخرى.
وكشف التقرير عن توقف العلاج لأزيد من 3 آلاف و600 مريض سل نتيجة نزوحهم من أماكن إقامتهم إلى مناطق أخرى، وحرمان 3 آلاف مصاب بالسل المقاوم للأدوية من التشخيص والعلاج بسبب حالة العجز التي وصل إليها برنامج مكافحة السل في صنعاء، الأمر الذي جعله غير قادر على تقديم خدماته للمرضى.
في سياق ذلك، أكد أطباء وعاملون في برنامج مكافحة مرض السل الخاضع للجماعة في العاصمة لـ«الشرق الأوسط»، أن الحرب التي أشعلت فتيلها الجماعة وغياب دور مراكز مكافحة السل نتيجة العبث والنهب الحوثي المتكرر بحقها طيلة الأعوام الماضية ساعد بشكل كبير في انتشار حالات الإصابة.
وأرجعوا أسباب انتشار المرض بين آلاف اليمنيين إلى أنه ناتج عن عمليات النهب المنظمة التي طالت عقب الانقلاب واجتياح صنعاء والمدن عشرات المرافق والمؤسسات والمراكز الصحية المتنوعة بينها تلك المتعلقة بمكافحة الأوبئة المعدية. ووسط فساد قادة الجماعة الحوثية واستمرارهم في استهداف وتدمير القطاعات الحيوية، بما فيها القطاع الصحي الذي ارتبط ارتباطاً مباشراً بصحة وحياة اليمنيين، وذلك من خلال أعمال الدهْم والإغلاق والابتزاز والنهب وفرض الجبايات، أكدت المصادر الطبية أن جرائم السرقة الحوثية المتعمدة لمخصصات 4 برامج وصناديق خاصة بمكافحة الأمراض والأوبئة بينها برنامج مكافحة السل الرئوي في صنعاء أدت بشكل كبير إلى تراجعه عن تقديم الرعاية الطبية للمرضى، كما أسهم ذلك في الحد من برامج التثقيف والتوعية بمخاطر هذا المرض.
وكان عاملون في برنامج مكافحة السل بصنعاء كشفوا، في منتصف عام 2021، لـ«الشرق الأوسط»، عن تسجيل البرنامج خلال ثلاث سنوات ما يزيد على 40 ألفاً و190 حالة في صنعاء العاصمة ومحافظات: إب، وذمار، وصعدة، وحجة، وعمران، والمحويت.
وتحدثت تقارير محلية وأخرى دولية في أوقات سابقة عن أن فساد الميليشيات الحوثية وعبثها على مدى سنوات الانقلاب الماضية قادا إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية في المناطق تحت سيطرتها، لجهة قيام عناصرها المعينين في مفاصل القطاع الطبي بنهب المساعدات الإنسانية الصحية والسطو على عائدات الخدمات، فضلاً عن تخصيص أغلب الموارد لمصلحة المجهود الحربي.

إهمال الحوثيين يهدد صنعاء بتفشي الأوبئة

شكا سكان في العاصمة اليمنية صنعاء من تراكم مخلفات الأضاحي وأكوام القمامة منذ أول أيام عيد الأضحى في أحياء وشوارع متفرقة بصنعاء، وسط تحذيرات من مخاطر صحية وبيئية، واتهامات للميليشيات الحوثية بتعمد الإهمال، وانشغال قادتها بتقاسم الجبايات وجمع التبرعات لعناصرها في الجبهات.

ويقول سكان تحدثوا مع «الشرق الأوسط» إن غالبية مديريات العاصمة وأحيائها تشهد تكدساً لمخلفات الأضاحي وأكوام القمامة، في ظل تجاهل سلطات الميليشيات للكارثة، وعدم تحركها لاحتوائها أو تقليل مخاطرها الصحية.

وتجولت كاميرا «الشرق الأوسط» في بعض أحياء العاصمة اليمنية المحتلة ووثقت بعضاً من مشاهد تراكم نفايات الأضاحي التي اختلطت بأكوام القمامة وأفسدت - وفق كثير من السكان - فرحتهم وأطفالهم بهذه المناسبة الدينية.

دماء من مخلفات الأضاحي مختلطة بمياه الصرف الصحي بشارع في صنعاء (الشرق الأوسط)

ونظراً لإغلاق عشرات المسالخ أبوابها في صنعاء قبيل العيد بفعل الجباية الحوثية وتوقف حملات النظافة خلال أيام العيد، يخشى السكان أن يؤدي ذلك إلى تفشي الأمراض والأوبئة.

ويؤكد أحمد، وهو من سكان منطقة حزيز في جنوب العاصمة، أن سلطة الانقلابيين تجاهلت النداءات لحل تلك المشكلة البيئية الخطرة، مشيراً إلى تراكم تلك المخلفات واختلاطها مع طفح مياه الصرف الصحي في أكثر من منطقة دون التدخل من قبل الجماعة، الأمر الذي بات يوفر بيئة خصبة لتفشي الكوليرا والملاريا، وغيرها.

ورغم الأموال الضخمة التي تقوم الميليشيات الحوثية بجبايتها تباعاً في صنعاء وغيرها، إضافة إلى ما تتحصل عليه من دعم دولي من قبل المنظمات الإنسانية والوكالات الأممية، فإن العاصمة الخاضعة للجماعة تكاد حالياً تغرق في القمامة ومخلفات الأضاحي، إلى جانب طفح مياه الصرف الصحي المتكرر، بحسب ما أفاد سكان المدينة.

وحمل السكان في صنعاء سلطات الانقلاب تبعات المخاطر البيئية والصحية التي قد تصيبهم جراء استمرار تراكم نفايات الأضاحي في أحياء وشوارع العاصمة وعدم اتخاذ أي تدابير لإزالتها والتخلص منها.

ومنذ بدء أيام العيد تفرغ قادة الجماعة الحوثية إلى زيارة عناصرهم في الجبهات والنزول الميداني من أجل جمع التبرعات العينية والنقدية للمقاتلين وتسييرها في قوافل إلى الجبهات.

طفلة يمنية في حي بالعاصمة اليمنية صنعاء تبحث عن طعام وسط المخلفات (الشرق الأوسط)

جاء ذلك في وقت تجري فيه الميليشيات استعدادات عبر مكتب الأشغال الخاضع لها لشن حملة تستهدف بائعي الأرصفة في مناطق متفرقة من العاصمة صنعاء تحت مبرر إزالة المخالفات والقضاء على العشوائية.

وأعلنت الميليشيات عبر وسائل إعلامها أن حملتها المرتقبة هدفها رفع بائعي الأرصفة وتنظيم حركة السير، حيث تبدأ من ميدان التحرير وشارع جمال وعلي عبد المغني مروراً بمنطقة باب اليمن، وصنعاء القديمة وأسواق الزمر وشعوب وشارع هايل بمديرية معين، وشوارع الجمهوري والحصبة بمديرية الثورة وصولاً إلى أسواق الصافية والوحدة والسبعين وبني الحارث وآزال.

وذكر الإعلام الحوثي أن الحملة سيشارك بها أكثر من 3 آلاف عامل، موزعين ما بين عمّال ومشرفين ومراقبين وسائقين ونحو 307 معدات وآليات تعمل بجميع الشوارع والأسواق بمختلف مديريات العاصمة، ومنها معدات تابعة لمكتب الأشغال.

إهمال الحوثيين وفساد قادتهم يتسببان في انهيار القطاع الصحي

وسط تصاعد الانهيار في القطاع الصحي اليمني الخاضع للميليشيات الحوثية جراء الإهمال وفساد قادة الجماعة الانقلابية، أقرّت الميليشيات بوفاة 80 طفلاً من حديثي الولادة يومياً في مناطق سيطرتها، بالتزامن مع اتساع رقعة تفشي الأوبئة والأمراض.
ويتهم عاملون في القطاع الصحي الخاضع للحوثيين عناصر الميليشيات وقادتها بالاستيلاء على موارد هذا القطاع، والسطو على المساعدات الإنسانية الدولية وتسخيرها للموالين، وتخصيص أغلب المستشفيات الحكومية لمصلحة جرحى الميليشيات.
وفي هذا السياق، كشفت إحصائية صادرة عن القطاع الصحي الذي تديره الجماعة في صنعاء، عن تسجيل وفاة 80 طفلاً من حديثي الولادة يومياً في المناطق تحت سيطرتها، منهم 2200 مولود توفوا في مستشفى السبعين للأمومة والطفولة خلال السنوات الماضية.
وفي حين لم تفصح الميليشيات الحوثية عن الأسباب التي تقف وراء ذلك، عزت مصادر طبية في صنعاء في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، ذلك إلى أنه ذلك ناجم عن استمرار فساد قادة الجماعة وإمعانهم في استهداف القطاع الصحي بالدهم والإغلاق والعبث والابتزاز وفرض الإتاوات غير القانونية على ما بقي من المنشآت والمراكز الصحية التي ارتبطت ارتباطاً مباشراً بصحة وحياة ملايين اليمنيين.
جاء ذلك في وقت ذكرت فيه منظمة الصحية العالمية أخيراً، أنها تدعم المرافق التي تقدم الرعاية والخدمات الصحية للنساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة من خلال توفيرها تباعاً مستلزمات الصحة، ومنها «أسرّة الولادة، وحاضنات الرضع وأجهزة قياس الهيموغلوبين وقياس الوزن»، وغيرها.
وأكدت المنظمة، عبر سلسلة تغريدات حديثة على حسابها في «تويتر»، أنها تدعم بالتعاون مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أكثر من 100 ألف امرأة، من بينهن 26 ألف امرأة حامل، بالأدوية والإمدادات والمعدات الأساسية المنقذة للحياة. معتبرة أن تلك الإمدادات ستساعد على تنفيذ الولادات الطبيعية والإجراءات الجراحية القيصرية.
وكشفت المنظمة عن تزويدها مطلع الشهر الحالي بالشراكة مع مركز الملك سلمان نحو 42 مرفقاً صحياً في 9 محافظات يمنية بالأدوية والإمدادات المنقذة للحياة للنساء الحوامل ومواليدهن.
وعلى مدى الأسبوع ونصف الأسبوع الماضيين عقد قادة الميليشيات، التي لا تزال تحكم كامل قبضتها على مقدرات وإمكانات الصحة اليمنية كافة، ثلاثة مؤتمرات صحافية في صنعاء، أقرّوا من خلالها بتردٍ كبير للأوضاع الصحية وتفشي عدد من الأوبئة والأمراض بالمناطق تحت سيطرتها، من أبرزها «الكوليرا وحمى الضنك والمكرفس، والدفتيريا، وشلل الأطفال، والملاريا، والحصبة»، وغيرها.
وأبدى المنتحل صفة المتحدث باسم الصحة اليمنية، المدعو نجيب القباطي اعترافه بوفاة 686 شخصاً بأمراض وبائية، من بين 4.5 مليون مصاب، خلال العام 2022، في ظل تفشي مزيد من الأمراض والأوبئة الفتاكة في أوساط السكان من مختلف الأعمار بعموم مناطق سيطرة الميليشيات.
وفي آخر مؤتمر صحافي عقده قادة الميليشيات أقرّ القيادي الحوثي المدعو علي جحاف، بأن أكثر من 5 آلاف مريض بالفشل الكلوي في مناطق سيطرتهم باتوا مهددين اليوم بالوفاة في حال توقفت جلسات الغسيل الكلوي، إضافة إلى توقف أكثر من 17 مركز غسيل كلوي على مستوى مناطق سيطرتهم، تحت مزاعم نفاد مخزون أدوية ومحاليل الغسيل الكلوي من مخازن الصحة الخاضعة للميليشيات.
وجاءت اعترافات وتبريرات الميليشيات الأخيرة متزامنة مع اتهام مصادر طبية في صنعاء لقيادات بارزة في الجماعة بمواصلة التلاعب بالمستلزمات والأدوية الطبية التي تقدمها تباعاً منظمات دولية للمرضى اليمنيين، بهدف المتاجرة وبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة لجني أرباح خيالية.
وشككت المصادر بمسألة إطلاق الميليشيات الحوثية لما يسمى نداء استغاثة عاجلة بحجة إنقاذ مرضى الفشل الكلوي، وتقديم مبرر نفاد المحاليل والدواء من مخازنها.
ففي حين تقرّ الميليشيات الانقلابية بأن مناطق سيطرتها تقف على ما أسمته أعتاب كارثة تهدد حياة مرضى الفشل الكلوي مع نفاد مخزون الأدوية والمحاليل، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أنها تواصل شراكتها مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، لتزويد المرافق الصحية بمعدات غسيل الكلى والإمدادات والدعم المالي اللازم لاستمرار غسيل الكلى لنحو 3500 مريض في جميع أنحاء اليمن.
وذكرت المنظمة في بيان حديث، أنها تدعم نحو 27 مركزاً لغسيل الكلى في جميع أنحاء اليمن حالياً بعلاجات أسبوعية مدعومة بنسبة تصل من 60 في المائة إلى 100 في المائة، بالشراكة مع مركز الملك سلمان للإغاثة.
وأوضحت، أنه «يتم حالياً تقديم ما معدله 37300 جلسة غسيل كلى للمرضى اليمنيين كل شهر، بتكلفة مالية قليلة أو معدومة لهم؛ وذلك بفضل شراكة منظمة الصحة العالمية مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
وأشارت إلى أن التكلفة العالية جداً لغسيل الكلى (نحو 50 دولاراً أميركياً لكل جلسة)، وأن المرضى والوفيات المرتبطة بالفشل الكلوي، تعني أن الاحتياجات الحالية لعلاجات غسيل الكلى أعلى بنحو خمس مرات مما يمكن أن يغطيها هذا الدعم الكبير جداً.
وذكر بيان المنظمة، أن هذه التدخلات من قِبل منظمة الصحة العالمية، «تعمل على تخفيف الضغط على مرافق الرعاية الصحية في اليمن، حيث لا يستطيع العديد من المرضى المصابين بأمراض مزمنة الحصول على العلاجات المنقذة للحياة». ومع توالي التحذيرات الدولية من استمرار حالة الانهيار المتسارع للقطاع الصحي اليمني، وخروج أكثر من نصف مرافقه عن الخدمة، كان عاملون في القطاع الصحي بصنعاء اتهموا في وقت سابق الميليشيات بارتكاب سلسلة انتهاكات جديدة، طالت عديداً من المنشآت الطبية بمناطق واقعة تحت سيطرة الجماعة.
وأفاد بعضهم لـ«الشرق الأوسط»، بأن موجة الانتهاكات الحوثية تنوعت بين جرائم عبث وفساد وحملات دهم وإغلاق ومصادرة، وفرض جبايات مالية تحت أسماء مختلفة؛ الأمر الذي جعل رسوم الخدمات في هذا القطاع تقفز في مناطق سيطرة الجماعة إلى أرقام غير مسبوقة.

مخاطر بيئية وصحية تهدد سكان 35 حياً سكنياً في صنعاء

حذرت مصادر بيئية وصحية في العاصمة اليمنية المحتلة من مخاطر حقيقية باتت تهدد سكان 35 حياً سكنياً في المدينة جراء طفح مياه الصرف الصحي، وفساد قادة الميليشيات الحوثية، واستيلائهم على مخصصات الصيانة ومساعدات المنظمات الدولية.
ويتهم سكان العاصمة صنعاء قادة الميليشيات بالإهمال المتعمد للأوضاع البيئية والصحية، حيث ينشغلون بتكوين ثروات مالية من ريع مؤسسات الدولة الخاضعة لهم، ومن الجبايات والإتاوات وما تقدمه المنظمات الإنسانية والوكالات الأممية من دعم لصالح تنفيذ مشاريع إنقاذ عاجلة في مختلف القطاعات.
وأكدت مصادر محلية صحية، وأخرى بيئية في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أن نحو 35 حياً سكنياً من أصل 90 في العاصمة باتت تواجه كارثة بيئية وصحية، بسبب طفح مياه الصرف الصحي، الأمر الذي يفاقم التفشي المتسارع للعديد من الأوبئة والأمراض القاتلة.
وقال سكان في الحي السياسي ومنطقة السنينة إنهم يواجهون معاناة كبيرة، منذ أيام، نتيجة استمرار طفح مياه الصرف الصحي التي أغرقت أجزاء من الشوارع والحارات، وفرضت عليهم حصاراً خانقاً داخل منازلهم.
ومن شأن استمرار تغاضي الميليشيات الحوثية عن القيام بأي صيانة دورية لشبكات الصرف أن يزيد من تفاقم حجم المشكلة، التي باتت حالياً مهددة بإغلاق عديد من المنازل والشوارع نتيجة توسعها يوماً بعد آخر، وفق تأكيدات السكان.
وتتهم المصادر «مؤسسة المياه والصرف الصحي» الخاضعة للجماعة الحوثية، بتقاعسها عن القيام بواجباتها في إزالة التراكمات والأتربة وفتح الانسدادات الحاصلة في شبكات الصرف الصحي، وشفط المياه الراكدة على مقربة من منازلهم.
وتحدث «ج. ص»، وهو أحد سكان حي السنينة بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن معاناته وأسرته جراء طفح مياه المجاري منذ أيام، وعن مدى التدهور الكارثي للوضع البيئي والصحي، الذي يجعل السكان في الحي أكثر عرضة للإصابة بالأمراض القاتلة.
وقال إن «السكان ناشدوا عناصر الميليشيات الحوثية بالتدخل لوضع معالجات للمشكلة، لكنهم لم يقوموا بأي استجابة». وأضاف: «للأسف، ما زلنا كعادتنا مستسلمين لهذا للواقع السيئ الذي نعيشه نستقبل الروائح المقززة، ونتحمل نتائج تكاثر البعوض الناقل للأمراض والناتج عن طفح المجاري بأحيائنا، واستمرارها لأيام وأشهر، دون القيام بأي خطوات مجتمعية وشعبية حيال ذلك».
من جهته، شكا مالك مطعم في الحي السياسي بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من معاناة وخسائر مادية تعرض لها في اليومين الماضيين، نتيجة هروب الزبائن بسبب الروائح الكريهة المنبعثة عن تسرب المجاري، وسط شارعين محاذيين لمطعمه.
وقال إنه وملّاك المطاعم والمحال التجارية في المنطقة حاولوا مراراً التواصل مع سلطات الميليشيات للحضور لعمل إصلاحات، ولو على نفقتهم الخاصة، لكن ذلك قوبل بوعود لم تتحقق.
وقال مالك المطعم، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بسلامته، إنه من المستحيل أن يكون همّ الميليشيات وضع السكان وصحتهم ومعاناتهم، كونه لا يهمها فقط سوى الإمعان في استهدافهم بمختلف الوسائل والطرق وانشغالها بنهب الإيرادات، وزيادة حجم الإتاوات، وفق مسميات متعددة.
وعلى وقع استمرار غرق العاصمة اليمنية المختطفة بأطنان القمامة وطفح المجاري وانعدام أغلب الخدمات، جددت مصادر صحية في صنعاء التحذير من مغبة استمرار طفح المجاري وتكدس القمامة التي عانتها، ولا تزال، معظم مديريات ومناطق العاصمة.
وقالت المصادر إن ذلك قد يساعد في انتشار سريع للعديد من الأمراض والأوبئة الفتاكة، كالإسهالات والكوليرا والملاريا والدفتيريا والتيفوئيد، وغيرها.
وكان أطباء مختصون في صنعاء حذروا في وقت سابق من أن مياه الصرف الصحي تتسبب بأكثر من 15 مرضاً خطراً ومميتاً، نتيجة احتوائها على أنواع متعددة من الكائنات الحية الدقيقة، كالبكتيريا والفيروسات والطفيليات، والمواد السامة المستخدمة في الغسل، التي تزيد خطورتها عند اختلاطها بالمياه الخارجة من المستشفيات بمحتواها من الدماء والمواد الكيماوية والعضوية الضارة.
وأرجع المختصون لـ«الشرق الأوسط» أسباب تردي الأوضاع الصحية وانتشار الأوبئة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الميليشيات إلى حالة الإهمال واللامبالاة التي تمارسها الميليشيات، حيث أدى إهمال قادتها وفسادهم إلى التدمير شبه الكلي لشبكات الصرف الصحي في مناطق قبضتها.
وكانت تقارير محلية وأخرى دولية تحدثت، في أوقات سابقة، عن دخول سكان صنعاء، عقب اجتياح الانقلابيين لها، في معاناة كبيرة، تمثل أبرزها، ونتيجة للقصور والتسيب الحوثي، في تهالك شبكات مياه الصرف الصحي، التي تنفجر بين الحين والآخر، في أحياء العاصمة المكتظة بالسكان، وتتسرب مياهها الكريهة مسببة لهم كثيراً من الأمراض.
وأكدت «المنظمة الدولية للهجرة»، في تقرير حديث لها، أن أكثر من 21 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة للحصول على الرعاية الصحية. في حين قال «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن»، قبل أيام، إن نحو 19 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي.