«المكالمات الاحتيالية» وسيلة حوثية للدعاية في مواجهة الغرب

مزاعم بالتهديد ومحاولات تجنيد جواسيس

اتخذت الجماعة الحوثية من الحرب على غزة فرصة للترويج لزيادة نفوذها وقوتها (أ.ف.ب)
اتخذت الجماعة الحوثية من الحرب على غزة فرصة للترويج لزيادة نفوذها وقوتها (أ.ف.ب)
TT

«المكالمات الاحتيالية» وسيلة حوثية للدعاية في مواجهة الغرب

اتخذت الجماعة الحوثية من الحرب على غزة فرصة للترويج لزيادة نفوذها وقوتها (أ.ف.ب)
اتخذت الجماعة الحوثية من الحرب على غزة فرصة للترويج لزيادة نفوذها وقوتها (أ.ف.ب)

مثلما تسعى الجماعة الحوثية لاستغلال مختلف الأحداث المحلية والإقليمية للترويج لأجندتها، تعمل على تفسير أي ظواهر أو أنشطة غريبة بما يخدم مشروعها أو للتغطية على ممارساتها.

زعمت الجماعة الموالية لإيران، عبر عدد من قادتها وناشطيها ومؤسساتها حديثاً، أن سكان العاصمة المختطفة، صنعاء، تلقوا اتصالات من أرقام غريبة من خارج اليمن بعد دقائق من آخر الضربات الأميركية على مواقع في المدينة ومحيطها، وأن الاتصالات جاءت للتهديد بالانتقام منهم على خلفية استهداف الملاحة البحرية وقوات تحالف «حارس الازدهار».

وفي حين اتهم القادة الحوثيون التحالف الذي تقوده واشنطن بمحاولة ترهيب أنصارهم وإثنائهم عن مواقفهم الداعمة للفلسطينيين في غزة من خلال هذه الاتصالات، ذهب بعضهم إلى تفسير هذه الاتصالات بأنها تهدف إلى رصد وتتبع أصحاب الهواتف التي استقبلت الاتصالات؛ لتحديد مواقع عسكرية تابعة للجماعة.

كما زعم قادة آخرون أن هذه الاتصالات تهدف إلى تشتيت أجهزة أمن الجماعة في تتبع مَن وصفوهم بـ«الجواسيس والمخبرين الذين ينقلون معلومات للتحالف»، مشددين على ضرورة الحذر منها، والتركيز على مَن ينقلون المعلومات وتكثيف المساعي للوصول إليهم.

وطالب أحد ناشطي الجماعة بتتبع مصادر هذه الاتصالات، ليرد عليه آخر بالتساؤل عن الفائدة من تتبعها، وهي تأتي من خارج البلاد، إلا أن الأول أكد قدرة أجهزة أمن الجماعة على التصدي لهذه الاتصالات وردع مَن يقف وراءها، فالمخابرات تستطيع التعامل مع هذه الأعمال بوسائلها، بحسب رأيه.

تحذيرات استخباراتية

استغل عددٌ من الناشطين، وبينهم النائب في برلمان الجماعة الحوثية، أحمد سيف حاشد، الأمر للسخرية من القيادي عبد السلام جحاف الذي رأوا أنه يقف خلف هذه الاتصالات لكونها أحد أساليبه في الترويج للجماعة والدعاية لأعمالها.

وكان جحاف نفسه يصف هذه الاتصالات بأنها تعبير عن «حالة عجز أميركية هي الأولى في تاريخها»، حيث فشلت استخباراتياً وعسكرياً وفي كل المجالات، ما يجعل الجماعة الحوثية هي الأقوى، كما جاء في كلامه، في وقت طالب فيه أحد أقاربه بعدم الرد على أي اتصال يأتي من الخارج، وعدم إتاحة الفرصة للمتصل لمعرفة أي تفاصيل.

وجحاف هو عضو ما يعرف بـ«لجنة الدفاع والأمن»، التابعة للجماعة الحوثية، واشتهر بادعاءاته الكثيرة حول تلقيه تهديدات خارجية عبر الهاتف ورسائل مواقع التواصل الاجتماعي باستهداف حياته؛ بسبب مواقفه وموقعه القيادي في الجماعة.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن جحاف تلقيه تهديداً بالاستهداف المباشر لحياته عبر اتصال من الولايات المتحدة، ومطالبته بإغلاق حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي.

وأعطى ناشطون وقادة آخرون تفسيرات مختلفة لتلك الاتصالات التي قالوا إنها أحد الأساليب الإسرائيلية المتبعة مع أهالي جنوب لبنان، لدفعهم للتخلي عن دعم «حزب الله»، وفق ادعاءاتهم، ومحاولة تجنيد جواسيس ومخبرين من بينهم؛ للحصول على معلومات حول مواقع وإحداثيات عسكرية لقصفها.

ودخل جهاز الأمن والمخابرات، التابع للجماعة، على الخط عبر إعلانه أن تلك الاتصالات تهدف إلى التجسس وتحديد المواقع العسكرية، فـ«العدو يعتمد على الحديث المتبادل على منصات التواصل الاجتماعي، وعبر الهواتف الشخصية بين المواطنين من أجل تكوين بنك أهداف»، كما جاء في منشورات لحسابات عدة تابعة للجهاز في مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلها عدد من القادة والناشطين.

حذر جهاز الأمن والمخابرات الحوثي من أن المكالمات الغريبة تهدف إلى كشف المواقع العسكرية (إعلام حوثي)

ووجّه الجهاز الحوثي السكان بقصر أحاديثهم عبر الهواتف على الاطمئنان على بعضهم بعضاً فقط، «وعدم الخوض في أي حديث قد يخدم العدو من حيث لا نشعر»، وتعميم هذه التعليمات بشكل واسع لتصل «إلى الجميع؛ بهدف التنبيه بضرورة التكتم على أي معلومات».

احتيال واختراق

ناقضت وزارة الاتصالات في حكومة الجماعة الحوثية التي لا يعترف بها أحد، كل تلك التفسيرات التي قدمها القادة والناشطون، وجهاز استخبارات الجماعة، حول الاتصالات الغريبة من خارج البلاد.

وحذّرت الوزارة السكانَ من الرد على المكالمات والرسائل المشبوهة أو فتح الروابط التي قد تصلهم من أرقام خارجية مجهولة، كون ذلك قد ينتج مخاطر تضر بهم، ويعرض بياناتهم للاختراق، وأنها تتخذ إجراءاتها للحد من ذلك.

وبينما كان القادة والناشطون الحوثيون يحاولون استثمار هذه الاتصالات للترويج للجماعة والإشادة بقدراتها العسكرية والاستخباراتية، سخر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من تلك المزاعم، وكشفوا عن مضامين الاتصالات التي تلقاها بعضهم.

يتهم ناشطون الجماعة الحوثية بافتعال ضجيج إعلامي لشغل الرأي العام عن جريمة تفجير المنازل في رداع (إكس)

وذكر عدد منهم أن هذه الاتصالات ترد إلى هواتفهم منذ أشهر وربما سنوات، وإن كانت قد ازدادت خلال الفترة الأخيرة، وأن المكالمات التي يتلقونها من دول عدة مثل الهند وبنغلاديش والسنغال وتايلاند والكاميرون يقف خلفها محتالون يحاولون الحصول على الأموال.

ويتلقى كثير من اليمنيين في مختلف المناطق والمحافظات اتصالات من خارج البلاد؛ للاحتيال عليهم، ودفعهم إلى التبرع بالأموال، بإغرائهم بالحصول على ثروات أو جوائز ثمينة مقابل دفع رسوم معينة، أو لإرشادهم إلى كنوز في مناطقهم إن قدموا لمرشديهم مبالغ نظير ذلك.

وعدّ ناشطون مناوئون للجماعة الحوثية هذه التفسيرات محاولات لطمس المجزرة التي شهدتها مدينة رداع منذ أيام، حيث أقدمت قوة أمنية تابعة للجماعة على تفجير منازل عدد من المواطنين بالعبوات الناسفة، موقعة عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.


مقالات ذات صلة

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

العالم العربي واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

بينما جدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق أقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون بسجون مخابرات الجماعة الحوثية أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق قيادات «المؤتمر الشعبي»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان كثيف إثر استهداف مدينة الحديدة بغارات إسرائيلية رداً على هجوم صاروخي حوثي (إكس)

سفينة تبلغ عن انفجارات في محيطها قبالة الحديدة باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على بعد 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت عن عدة انفجارات في محيطها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

يشهد اليمن زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في حين ينتظر النازحون، بسبب الحرب وتطرفات المناخ، شتاء قاسياً في ظل التردي الاقتصادي.

وضاح الجليل (عدن)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

كشف مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عن جهود عربية - أميركية جديدة لدفع جهود التهدئة في السودان. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة، على التنسيق على أمل حلحلة الأزمة السودانية».

وأفاد المصدر المصري بأن «اجتماعاً ضم مسؤولين من الدول الأربع، استضافته السعودية نهاية الأسبوع الماضي، ناقش دفع الجهود المشتركة؛ لتحقيق انفراجة بالأزمة».

وسبق أن شاركت الدول الأربع في اجتماعات «جنيف»، التي دعت لها واشنطن لإنهاء الحرب بالسودان، منتصف أغسطس (آب) الماضي، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، غير أنها لم تحقق تقدماً، في ظل مقاطعة الحكومة السودانية المحادثات.

غير أن المصدر المصري، قال إن «اجتماع السعودية، الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين (ليس امتداداً لمبادرة جنيف)، وإن الآلية الرباعية الحالية هي للدول صاحبة التأثير في المشهد السوداني، وتستهدف دفع الحلول السلمية للأزمة». ورجح المصدر «انعقاد اجتماعات أخرى؛ لدفع جهود الدول الأربع، نحو وقف الحرب، وإيصال المساعدات الإغاثية للمتضررين منها».

صورة جماعية بختام اجتماعات جنيف حول السودان في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «ما يفوق 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وعقب اندلاع الحرب، استضافت مدينة جدة العام الماضي، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع «إعلان جدة الإنساني»، الذي نصّ على حماية المدنيين، والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية. وتتمسك الحكومة السودانية بتنفيذ مخرجات «اتفاق جدة»، قبل الانخراط في أي مفاوضات مباشرة مع «قوات الدعم السريع».

توحيد الجهود

وترى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن «توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، سيسهم في تحريك حلول وقف إطلاق النار»، موضحة: «أدى تضارب الرؤى والمسارات الدولية، بسبب كثرة المبادرات والتدخلات التي خرجت من دول أفريقية وإقليمية ودولية، إلى إضعاف أي تحركات لوقف الحرب السودانية».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الرباعي بين مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، سيسهم في دفع جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب على الأقل بصورة أكثر فاعلية»، مشيرة إلى أن «هناك مناطق مثل الفاشر في دارفور وولاية الجزيرة، تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية».

ودعت إلى ضرورة تركيز تحرك الرباعي الدولي على «جهود وقف إطلاق النار، وأعمال الإغاثة، وصياغة خريطة طريق سياسية، تنهي الأزمة السودانية».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أقيم بمدينة أدري التشادية المحاذية للحدود مع السودان أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ويواجه السودان «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية حالياً»، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأشار مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، إلى أن «أكثر من نصف سكان السودان، يواجه خطر المجاعة والكوارث الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الأوبئة»، وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، شدّد على أن «الأزمة الإنسانية بالسودان، لا تجد اهتماماً كافياً دولياً».

دول مؤثرة

وباعتقاد الباحث السياسي السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، فإن «تشكيل رباعية من الدول صاحبة التأثير في الساحة السودانية، قد يحرك مسار الحلول السلمية، وتفعيل مسار جدة»، مشيراً إلى أن «توحيد جهود هذه الأطراف، سيسهم في تغيير مسار الأزمة السودانية»، منوهاً بأن «الدول الأربع تؤيد العودة لمسار جدة».

ورجح خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مشاركة الحكومة السودانية في مسار مفاوضات «الآلية الرباعية حال العودة إلى مسار جدة، ولن تقاطعه كما فعلت في مبادرة جنيف».

وأشار إلى أن «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، قد يغير من معادلة التأثير الدولي في الحرب داخل السودان».

وكان السفير السوداني في القاهرة عماد الدين عدوي، شدّد على «تمسك بلاده بمسار جدة، بوصفه آلية للتفاوض لوقف الحرب»، وقال في ندوة استضافتها نقابة الصحافيين المصرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده ترفض المشاركة في أي مبادرة أفريقية، إلا بعد عودة عضوية السودان للاتحاد الأفريقي».