«الملاريا» يتفشى في الحديدة اليمنية قبل رحيل الشتاء

المنظومة الصحية منهارة... وجهود رسمية للمكافحة

تبذل الجهات الحكومية جنوب محافظة الحديدة بالتعاون مع «مركز الملك سلمان للإغاثة» جهوداً لمكافحة البعوض الناقل للملاريا (واس)
تبذل الجهات الحكومية جنوب محافظة الحديدة بالتعاون مع «مركز الملك سلمان للإغاثة» جهوداً لمكافحة البعوض الناقل للملاريا (واس)
TT

«الملاريا» يتفشى في الحديدة اليمنية قبل رحيل الشتاء

تبذل الجهات الحكومية جنوب محافظة الحديدة بالتعاون مع «مركز الملك سلمان للإغاثة» جهوداً لمكافحة البعوض الناقل للملاريا (واس)
تبذل الجهات الحكومية جنوب محافظة الحديدة بالتعاون مع «مركز الملك سلمان للإغاثة» جهوداً لمكافحة البعوض الناقل للملاريا (واس)

لا يشعر أهالي محافظة الحديدة اليمنية بالاطمئنان إلى عدم إصابتهم بالملاريا أو حمى الضنك إلا خلال أشهر قليلة في العام، ومع قرب نهاية الشتاء تبدأ مخاوفهم من انتشار هذين المرضين، في ظل انهيار المنظومة الصحية وتردي خدمات النظافة.

ويبدأ تفشي وباءي الملاريا وحمى الضنك عادةً خلال الأيام الأخيرة من الشتاء، إذ يعاود البعوض الناقل للمرض تكاثره ليهدد حياة الآلاف من سكان المحافظة الواقعة على الساحل الغربي للبلاد، ويشمل انتشاره عدداً من المحافظات المجاورة شمالاً وشرقاً وجنوباً، بينما تشهد المستشفيات والمرافق الصحية شحة في الإمكانات، بسبب آثار الحرب على جميع القطاعات.

وفي حين كشفت السلطات التابعة للحكومة اليمنية عن تسجيل 8457 حالة إصابة بالملاريا في المناطق المحررة من محافظة الحديدة، عزت هذا العدد الكبير من الحالات إلى المستنقعات والبؤر المائية، وفي المقابل تكتفي الجماعة الحوثية بالإعلان عن تنظيم فعاليات وخطط لمواجهة الملاريا وحمى الضنك، دون الإفصاح عن الوضع الصحي المرتبط بهذين الوباءين.

منذ عام ونصف أنشأت الأمم المتحدة مركزاً للحميات في الحديدة لكنه لا يكفي لعلاج آلاف الإصابات (الأمم المتحدة)

وأكد وليد القديمي، وكيل محافظة الحديدة، أنه جرى توجيه برنامج مكافحة الملاريا ومكتب الصحة برفع خطة مع برنامج المياه والصرف الصحي والنظافة العامة (WASH) التابع للأمم المتحدة، ويجري حالياً مكافحة البؤر المسببة للأمراض، ورفع خطة رش لمديريات الخوخة وحيس والتحيتا.

ودعا القديمي السكان إلى التعاون في دفن البؤر مع المتطوعين والمتطوعات وبرنامج مكافحة الملاريا ومكتب الصحة والبرنامج الأممي، للتخفيف من الأمراض المنتشرة، مشدداً على ضرورة البدء برش المديريات وتكثيف الرش في مواقع البؤر.

وطبقاً لجهات صحية كثيرة في محافظة الحديدة؛ فإن عدد الحالات المصابة بالملاريا، التي جرى تسجيلها خلال العام الماضي بلغت أكثر من 50 ألف حالة، نصفها حالات إيجابية، وهي أعلى من النسبة الحرجة كما يفيد المختصون.

جهود حكومية وتوعوية

يسهم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في تقديم المساعدات الطبية للوقاية من الملاريا وحمى الضنك وعلاج الحالات المصابة بهما في عدد من المحافظات اليمنية المحررة، خصوصاً محافظة الحديدة التي تعد إحدى أكثر المحافظات المنكوبة بالوباءين، ويستقبل المرفق الطبي التابع له يومياً مئات الحالات من سكان مديريات حيس والخوخة والنازحين ويقدم لهم خدمات طبية متنوعة.

وبينما تكتفي الجماعة الحوثية بتنفيذ فعاليات للتوعية والإعلان عن خطط لمواجهة الوباء في مناطق سيطرتها، تعمل السلطات الصحية التابعة للحكومة اليمنية في المديريات المحررة من محافظة الحديدة على تنفيذ حملة موسعة لمكافحة البعوض الناقل للملاريا والحميات الفيروسية في مديرية حيس جنوب المحافظة، حسب وكالة الأنباء الرسمية «سبأ».

يواجه القطاع الصحي في اليمن انهياراً وتردياً في الخدمات بسبب الحرب (الأمم المتحدة)

ووفقاً للوكالة؛ استكملت السلطات الصحية في المحافظة ترتيباتها لتنفيذ حملة مكافحة البعوض الناقل للملاريا والحميات الفيروسية في مديرية حيس، وتزويد جميع المرافق الصحية في المديرية بأدوية الملاريا والفحوصات السريعة لخفض نسب الإصابة بمرض الملاريا في أوساط المجتمع.

وتفيد مصادر طبية في مدينة الحديدة التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية بأن «الملاريا» بدأ بالانتشار في عدد من الأحياء، وأن المستشفيات استقبلت خلال الأيام الماضية أعداداً متصاعدة من المصابين، بعد تراجع شهدته المدينة وأرياف المحافظة خلال الأشهر الماضية، مع توقعات بزيادة أعداد الإصابات بالمرض خلال الأسابيع المقبلة، خصوصاً عند ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار.

ونوهت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الفعاليات التي يجري تنظيمها للتوعية بمخاطر الحميات، وفي مقدمتها الملاريا وحمى الضنك، غير مجدية، إذ تشارك فيها أعداد محدودة من المختصين والشخصيات الاجتماعية، وتنفق عليها الجماعة مبالغ مالية كبيرة، بينما لا تصل تلك التوعية إلى السكان المعوزين، الذين بدورهم لا يملكون وسائل الوقاية من المرض.

تبرير الإهمال

ويطالب سكان الحديدة بتوفير الأدوية والإمكانات الطبية اللازمة لمواجهة الحميات المختلفة التي يتسبب بها البعوض وتنتشر خلال مواسم ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة، كما يناشدون بإزالة أكوام النفايات المتراكمة في الشوارع والأحياء السكنية، وتنفيذ أعمال الرش لمكافحة البعوض، وردم الحفر القريبة من الأحياء السكنية، التي تتكون عليها المستنقعات.

يشكو أهالي مدينة الحديدة من فيضان مياه الصرف الصحي وانتشار أكوام النفايات (إعلام محلي)

ورغم أنه لم تُسجَّل حالات وفاة بسبب الملاريا منذ معاودة المرض انتشاره أخيراً؛ فإن الأوساط الطبية في المحافظة تُبدي قلقها من ازدياد أعداد المصابين، وتكرار سيناريو المواسم الماضية التي شهدت آلاف الإصابات وعشرات الوفيات.

وكشفت منظمة «أطباء بلا حدود» عن تقديمها خدمات علاجية لـ320 مصاباً بحمى الضنك، و308 مرضى بالملاريا، و4 حالات ملاريا، ضمن الدعم الذي قدمته لـ«مستشفى الضحي» في مدينة الحديدة خلال العام الماضي.

ويشير طبيب في مستشفى عمومي في محافظة الحديدة إلى أن حملات الرش توقفت خلال الأسابيع الماضية بحجة دخول الشتاء وتراجع أعداد البعوض الناقل للأمراض، رغم أن الشتاء في المحافظة الساحلية لا يكون بارداً أو جافاً، ويستمر البعوض فيه بالتكاثر مثل باقي فصول السنة.

ويقول الطبيب لـ«الشرق الأوسط» إن المسؤولين عن القطاع الطبي الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية أوقفوا حملات الرش، مبررين ذلك بتوفير مواد الرش والمبالغ المالية التي سيجري إنفاقها على ذلك إلى موسم تكاثر البعوض، متحججين بأن منظمتي «الصحة العالمية» و«أطباء بلا حدود» وغيرهما من المنظمات الدولية خفضت من تمويلها النقدي والعيني الداعم للقطاع الصحي.

تكتفي الجماعة الحوثية بتنظيم فعاليات حول مواجهة الملاريا دون أنشطة ميدانية (إعلام حوثي)

ومنذ يومين أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» افتتاح جناح للأطفال في مستشفى الأم والطفل في مديرية القناوص لتقديم خدمات رعاية للأطفال الذين يواجهون عدة أمراض بينها الملاريا.

وانتقد الطبيب تلك المبررات التي كانت سبباً في بدء انتشار الملاريا مبكراً قبل مواعيد ارتفاع درجات الحرارة ابتداءً من أشهر الربيع، خصوصاً أن مدن محافظة الحديدة والمحافظات الأخرى القريبة تشهد فيضانات كبيرة لمياه الصرف الصحي إلى جانب انتشار النفايات بشكل كبير، بسبب ما تعرضت له البنية التحتية للمحافظة من إهمال خلال سنوات الحرب.

وبينما لا تتوافر إحصائيات طبية حول تفشي الملاريا في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية؛ يَقصر إعلام الجماعة اهتمامه على تغطية فعاليات التوعية والخطط المزعومة دون الإشارة إلى تفشي الوباء.


مقالات ذات صلة

​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

العالم العربي انقلاب الحوثيين أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء (إعلام محلي)

​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

يحتفل العالم في الخامس من أكتوبر باليوم العالمي للمعلم فيما يعاني المعلمون في اليمن من ويلات الحرب التي أشعلها الحوثيون وتوقف الرواتب والاعتقالات.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي غارات أميركية استهدفت معسكراً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

الجيش الأميركي يتبنى قصف 15 هدفاً حوثياً

غداة سلسلة من الغارات التي ضربت 4 محافظات يمنية خاضعة للجماعة الحوثية المدعومة من إيران، أعلن الجيش الأميركي تبني هذه الضربات التي قال إنها طالت 15 هدفاً.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي)

جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)

المدارس الأهلية في صنعاء تحت وطأة الاستقطاب والتجنيد

كثف الحوثيون من استهداف قطاع التعليم الأهلي في صنعاء من خلال إجبار الطلبة والمعلمين في عدد من المدارس على المشاركة في دورات قتالية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي ضربات غربية استهدفت معسكر الصيانة الخاضع للحوثيين في صنعاء (رويترز)

اتهامات حوثية لواشنطن ولندن بضربات جوية طالت 4 محافظات يمنية

استهدفت ضربات جوية غربية مواقع للجماعة الحوثية شملت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء وثلاث محافظات أخرى ضمن مساعي واشنطن لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مواقع غير رسمية مليئة بالنفايات الخطرة في اليمن تسبب التلوث (إعلام محلي)

النفايات ترفع معدل الاحتباس الحراري والتلوث في اليمن

كشف مرصد مختص بالبيئة عن استخدام الأقمار الاصطناعية في الكشف عن تأثير مواقع النفايات غير الرسمية في اليمن على البيئة والصحة وزيادة معدل الاحتباس الحراري.

محمد ناصر (تعز)

غارة جوية إسرائيلية تستهدف 3 سيارات محملة بمواد طبية وإغاثية في حمص

من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)
من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)
TT

غارة جوية إسرائيلية تستهدف 3 سيارات محملة بمواد طبية وإغاثية في حمص

من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)
من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)

ذكرت «الوكالة العربية السورية للأنباء»، اليوم (الأحد)، أن غارة جوية إسرائيلية استهدفت 3 سيارات محملة بمواد طبية وإغاثية داخل المدينة الصناعية في حمص؛ مما أسفر عن أضرار مادية.

في حين قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «الطيران الحربي الإسرائيلي شنّ غارات جوية بـ3 صواريخ استهدفت معملاً للسيارات الإيرانية داخل منطقة حسياء الصناعية في ريف حمص الجنوبي».

ولفت «المرصد» إلى تصاعد الدخان من المكان المستهدف، مشيراً إلى حدوث أضرار مادية، خصوصاً أن المعمل المستهدَف فارغ تماماً.

وتشنّ إسرائيل هجمات على أهداف مرتبطة بإيران في سوريا منذ سنوات، لكنها كثفت هذه الضربات منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، الذي شنّته «حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)» على إسرائيل.