اليمن: تسجيل 15 ألف إصابة بداء «الليشمانيا» خلال عام واحد

تصاعد عدد الحالات المرضية بسبب تدهور المعيشة

مخيم طبي أقيم قبل عدة سنوات في حجة اليمنية لمكافحة «الليشمانيا» (فيسبوك)
مخيم طبي أقيم قبل عدة سنوات في حجة اليمنية لمكافحة «الليشمانيا» (فيسبوك)
TT

اليمن: تسجيل 15 ألف إصابة بداء «الليشمانيا» خلال عام واحد

مخيم طبي أقيم قبل عدة سنوات في حجة اليمنية لمكافحة «الليشمانيا» (فيسبوك)
مخيم طبي أقيم قبل عدة سنوات في حجة اليمنية لمكافحة «الليشمانيا» (فيسبوك)

بالتوازي مع تحذير حديث لمنظمات محلية وأخرى دولية من تفشي موجة جديدة من الأوبئة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء ومناطق أخرى تحت الحوثيين، كشفت مصادر طبية عن تزايد حالات الإصابة بداء «الليشمانيا»، وهو مرض طفيلي جلدي ومُعدٍ يصيب أشد المجموعات فقراً في اليمن، ويرتبط بعدة أسباب أبرزها سوء التغذية والنزوح والظروف السكنية الرديئة وضعف الجهاز المناعي.

المصادر أرجعت أسباب التزايد بحالات الإصابة إلى استمرار تدهور القطاع الصحي ونهب الدعم المحلي والمساعدات المخصصة من جهات دولية للمركز الإقليمي في صنعاء، وهو المركز الوحيد المعني بمكافحة داء «الليشمانيا» في عموم مناطق اليمن.

طفلة يمنية تتلقى جرعة من اللقاح المقدم من قبل «يونيسيف» (الأمم المتحدة)

وتحدثت المصادر عن وجود سلسلة بلاغات جديدة منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى أواخر يناير (كانون الثاني) المنصرم، من قرى ريفية ونائية تتبع محافظات عدة، منها صنعاء وذمار وإبّ والحديدة وحجة والبيضاء والضالع، تفيد بظهور إصابات جديدة وحالات وفاة نتيجة الإصابة بمرض «الليشمانيا».

وأدى الإهمال والتدمير الذي طال القطاع الصحي إلى تراجع كبير في الخدمات التي يقدمها المركز الإقليمي لمكافحة «الليشمانيا» في اليمن.

تراجع الخدمات

بحسب تأكيد مصادر عاملة في المركز الإقليمي لمكافحة «الليشمانيا» لـ«الشرق الأوسط»، تراجعت أغلب الخدمات التي كان يقدمها المركز لليمنيين في مختلف المناطق في سنوات ما قبل الانقلاب والحرب.

وأوضحت المصادر أن المركز كان قبل الحرب والاستهداف المنظم الذي طاله ينفذ مئات البرامج والاستراتيجيات التي تشمل التعليم ورفع التوعية بالمرض ومساعدة المرضى وجلهم من الأطفال والنساء المنتمين لأشد الطبقات فقراً من خلال الفحص والتشخيص وتقديم المنح الدوائية المجانية، ومكافحة عوامل انتشار المرض وبرامج الإحصاء والبحث العلمي.

وكانت جميع جهود المركز تنفذ في معظم قرى ومناطق اليمن بالشراكة مع الأكاديميات الأميركية والأوروبية والجمعية الدولية للأمراض الجلدية وبمباركة محلية واسعة.

وحمّلت المصادر ومعها أسر مرضى «الليشمانيا» في صنعاء ومناطق أخرى، الجماعة مسؤولية تزايد حالات الإصابة، وكذا تفاقم الحالة الصحية التي وصل إليها مئات المرضى جراء استمرار سياسات العبث ضد القطاع الصحي.

ملايين اليمنيين يعانون سوء التغذية (الأمم المتحدة)

وعلى وقع هذا التردي في القطاع الصحي وتفشي مزيد من الأوبئة، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن رصدها نحو 15 ألف حالة إصابة بداء «الليشمانيا» الجلدي في اليمن خلال عام 2023، لافتة إلى أن المرض مستمر في الانتشار.

وداء «الليشمانيا» له 3 أنواع (الجلدي والمخاطي والحشوي)، وهو مرض طفيلي ينتقل عبر حشرة صغيرة تسمى «أنثى ذبابة الرمل» من الحيوان إلى الإنسان أو من الإنسان إلى الإنسان، ويكاد يكون غائباً عن برنامج عمل الصحة الدولية، وكذلك عن بال الأفراد.

ووفقاً للمنظمة الأممية، يصيب مرض «الليشمانيا» أشد المجموعات فقراً، ويرتبط بعدة أسباب أبرزها: سوء التغذية، والنزوح، والظروف السكنية الرديئة، وضعف الجهاز المناعي، ونقص الموارد المالية، وغيرها.

وأوصت المنظمة باتقاء إصابة الأصحاء من الناس بالعدوى من خلال استخدام «الناموسيات» المعالجة بمبيدات الحشرات، وضمان الكشف الفاعل للحالات، مما يسمح بالتشخيص المبكر وبالمعالجة الفورية، خاصة الحالات التي تنجم عن «الليشمانيا» المدارية.

وشددت على أهمية تأسيس نظام ترصُّد أو تقويته من أجل تقييم اتجاهات هذه الأمراض، وإنشاء آلية تنسيق متعددة القطاعات، لا سيَّما في المناطق الموطونة بـ«الليشمانيات» الكبيرة.

تفشٍّ مخيف

كانت دراسة يمنية دقت ناقوس الخطر بعد تفشي داء «الليشمانيا» قبل سنوات في أوساط قاطني الأرياف، وأكدت الدراسة التي أعدها الدكتور محمد الكامل رئيس المركز الإقليمي لمكافحة «الليشمانيا» في اليمن، أن نسبة الوباء وصلت في حينها إلى 94 في المائة من إجمالي عدد السكان في تسع محافظات يمنية هي: صنعاء، وحجة، وريمة، وعمران، والمحويت، وذمار، والبيضاء، والضالع، وإبّ.

يواجه اليمن حالياً تدهوراً في الصحة العامة وتفشي الحصبة (الأمم المتحدة)

وبحسب الدراسة، يصيب الوباء الآلاف من القرويين خصوصاً الأطفال بنسبة 57.2 في المائة، ما يسبب الكثير من التشوهات والإعاقات وأحياناً الوفاة، كما في حالات «الليشمانيا» الحشوية الداخلية.

وفي تقرير حديث لها، قالت الأمم المتحدة إن اليمن يعاني من بعض أعلى معدلات سوء التغذية المسجلة على الإطلاق؛ إذ يعاني ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة من التقزم المعتدل إلى الشديد.

وأكد مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن الوضع مستمر في التدهور، على الرغم من أن معدلات وفيات الأطفال تحسنت بشكل طفيف في 2023.

ودعت الأمم المتحدة و219 من شركائها في المجال الإنساني إلى تقديم دعم عاجل لأكثر من 18.2 مليون امرأة وفتاة وفتى ورجل في اليمن.


مقالات ذات صلة

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

العالم العربي واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

بينما جدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق أقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون بسجون مخابرات الجماعة الحوثية أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق قيادات «المؤتمر الشعبي»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان كثيف إثر استهداف مدينة الحديدة بغارات إسرائيلية رداً على هجوم صاروخي حوثي (إكس)

سفينة تبلغ عن انفجارات في محيطها قبالة الحديدة باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على بعد 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت عن عدة انفجارات في محيطها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

يشهد اليمن زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في حين ينتظر النازحون، بسبب الحرب وتطرفات المناخ، شتاء قاسياً في ظل التردي الاقتصادي.

وضاح الجليل (عدن)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».