يشكو التجار والمستهلكون في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من إجراءات تزيد من تردي الأوضاع المعيشية؛ بينما تتوقع تقارير وجهات دولية تدهوراً حاداً في الأمن الغذائي في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة إلى أقصى المستويات بسبب الهجمات في البحر الأحمر والرد العسكري الغربي عليها.
وذكرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أن مناطق سيطرة الجماعة الحوثية ستشهد انحداراً إلى مستوى حالة الطوارئ في الأمن الغذائي الحاد، خلال الأشهر الأربعة المقبلة، بينما تشير بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، إلى أن هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن أدت إلى انخفاض واردات القمح إلى اليمن.
وبحسب الوكالة، فإن محافظات عمران وحجة والحديدة والجوف والمحويت وصعدة وريمة وتعز، الواقعة تحت سيطرة الجماعة، ستعاني انحداراً في مستوى حالة الطوارئ أو مستويات أسوأ، وهي المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي المعروفة بـ«IPC 4» وذلك خلال الفترة ما بين فبراير (شباط) الحالي، ومايو (أيار) المقبل.
ووفقاً للوكالة، تواجه أسرة واحدة على الأقل من بين كل 5 أسر فجوات شديدة في استهلاك الغذاء تؤدي إلى سوء تغذية حاد وشديد أو زيادة في الوفيات، أو تواجه خسارة كبيرة في أصول سبل العيش التي من المحتمل أن تؤدي إلى فجوات في استهلاك الغذاء.
وبيّنت الوكالة أن سبب هذا التدهور يعود إلى استمرار الظروف الاقتصادية المتدهورة الناجمة عن أكثر من 9 أعوام من الصراع، وتفاقمت بسبب إيقاف برنامج الغذاء العالمي مساعداته الغذائية لنحو 9.5 مليون شخص في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ابتداءً من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما سيؤدي إلى «اتساع فجوات استهلاك الغذاء».
وأوضح التقرير أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر والضربات الجوية المشتركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا على أهداف للجماعة في شمال البلاد، دفعت شركاء الوكالة الأميركية للتنمية إلى تعزيز أنشطة التخطيط للطوارئ في منتصف وأواخر الشهر الماضي لضمان استمرار تقديم المساعدات الإنسانية في المحافظات التي تشهد زيادة في عدد الأسر التي تواجه مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
إجراءات لا تمنع الغلاء
ترتفع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وتزداد أعداد العاجزين عن شرائها، بينما تهيمن الجماعة على المساعدات الإغاثية، الداخلية والخارجية، الموجهة إلى المتضررين.
ورغم إعلان الجماعة عن إجراءات لضبط أسعار السلع الأساسية، ونزول فرق ميدانية لإلزام التجار بتخفيض الأسعار؛ اشتكى المستهلكون من زيادات كبيرة في أسعار المواد الأساسية والغذائية، مثل الدقيق والقمح والأرز والزيوت والألبان ومنتجاتها والبقوليات والخضراوات والفواكه، إلى جانب تفاوت الزيادات بين المحال التجارية والمدن والأرياف.
واشتكى عدد من التجار لوسائل إعلام محلية من حدوث تمييز في حملات التفتيش التي تنفذها فرق الجماعة الحوثية؛ حيث يُجبرون على خفض الأسعار والبيع بحسب القائمة السعرية المعلنة، بينما يُعفى نظراؤهم من كبار التجار والموالين للجماعة من الالتزام بتلك القائمة، ما يلحق بهم خسائر كبيرة، ويدفعهم نحو الإفلاس.
وأعلنت الجماعة، خلال الأشهر الماضية، إغلاق عشرات المحال التجارية بحجة مخالفة القائمة السعرية؛ إلا أن المستهلكين أبدوا استغرابهم مما وصفوه بمزاعم الجماعة حول ضبط الأسعار وتحديدها؛ حيث لم يلمسوا انخفاضات حقيقية ولم يلمسوا استجابة للشكاوى التي يتقدمون بها حول زيادات الأسعار.
ويفيد سمير المعمري، وهو معلم تحول إلى العمل في البناء بسبب توقف الرواتب، بأنه كلما لمس انخفاضاً طفيفاً في أسعار المواد الغذائية يسارع إلى طلب سلفة من أجر عمله من أجل شرائها قبل معاودتها الارتفاع مجدداً، وغالباً لا ينجح في ذلك لأن الانخفاض يعقبه ارتفاع سريع وأعلى من السابق.
ويضيف المعمري لـ«الشرق الأوسط» أنه غير مقتنع بجدوى الشكاوى التي أعلنت الجماعة استقبالها للإبلاغ عن مخالفة القوائم السعرية، وأنه كغيره من المستهلكين لا يلقون باللوم على التجار كثيراً، لأن الغلاء غالباً ما يكون خارجاً عن إرادتهم، إضافة إلى عدم جدية سلطات الجماعة في ضبط الأسعار وتحديدها.
مصادرة المساعدات
ينقل صحافي متخصص في الشأن الاقتصادي بعض الفوارق بين أسعار السلع الغذائية، حسب إعلان الجماعة الحوثية والأسعار التي تباع بها في الأسواق.
وتجاوز سعر كيس القمح البالغ وزنه 50 كيلوغراماً 15 ألف ريال يمني، رغم تحديد سعره بـ12.700، ووصل سعر كيس الدقيق بالوزن نفسه إلى 16 ألف ريال رغم تحديد سعره بـ13.700 ريال؛ حيث يبلغ سعر الدولار في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية 530 ريالاً.
ويكشف الصحافي، الذي طلب من «الشرق الأوسط» حجب بياناته، عن أن إعلانات خفض الأسعار تتسبب باختفاء الكثير من السلع الغذائية من محال صغار التجار الذين يخشون إلزامهم بالبيع بتلك الأسعار التي قد تسبب خسائر لهم، بعد أن وصلت إليهم بتكلفة تقارب القوائم السعرية أو تتجاوزها.
ولسوء حظ المستهلك، فإن تلك المواد تباع من طرف هؤلاء التجار إلى تجار آخرين لديهم القدرة على التهرب من إجراءات الجماعة الحوثية أو يوالونها، ما يعني أن تباع بفوارق كبيرة، بحسب الصحافي نفسه.
ويشكو السكان من استمرار سيطرة الجماعة الحوثية على جميع أعمال الإغاثة ومبادرات المساعدات والمعونات المقدمة إلى المتضررين من المأساة الإنسانية والأوضاع المعيشية المتدهورة؛ خصوصاً بعد انسحاب برنامج الغذاء العالمي وإيقاف أنشطته في مناطق سيطرتها.
ومنذ أيام أوقفت عناصر تابعة للجماعة الحوثية توزيع مساعدات مالية مقدمة من مجموعة شركات هائل سعيد أنعم التجارية في مدينة الراهدة (260 كيلومتراً جنوب العاصمة صنعاء)، واختطفت الموظفين المكلفين بتوزيعها مع معداتهم.
وبحسب شهود عيان، كان المئات من المستفيدين من تلك المساعدات، وغالبيتهم من العجزة والأرامل والأيتام، يقفون في طوابير طويلة داخل فناء مدرسة الكويت في المدينة، عندما وصلت العناصر الحوثية على متن عربات عسكرية وفرقت الطوابير وأغلقت المدرسة، واقتادت الموظفين رفقة أوراقهم ومعداتهم الإلكترونية والمبالغ النقدية التي بحوزتهم إلى أحد المقار الخاصة بالجماعة في المدينة.