ما رؤية مصر لـ«اليوم التالي» بعد «حرب غزة»؟

شكري أكد من واشنطن دعم القاهرة لعودة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع

شكري خلال حواره مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (الخارجية المصرية)
شكري خلال حواره مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (الخارجية المصرية)
TT

ما رؤية مصر لـ«اليوم التالي» بعد «حرب غزة»؟

شكري خلال حواره مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (الخارجية المصرية)
شكري خلال حواره مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (الخارجية المصرية)

فيما عدّه مراقبون أنه «أوضح موقف مصري مُعلن حتى الآن بشأن مصطلح (اليوم التالي) الذي بات رائجاً للإشارة إلى ترتيبات مستقبل قطاع غزة عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية التي دخلت شهرها الثالث»، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في واشنطن، مساء الخميس، إن القاهرة «تريد أن ترى السلطة الفلسطينية تحكم قطاع غزة، لكن من السابق لأوانه بحث تفاصيل ترتيبات مستقبل القطاع».

حديث شكري، جاء خلال لقاء خاص له في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة الأميركية ضمن زيارة بدأها، الثلاثاء، تضمنت التباحث مع أعضاء بالكونغرس ومسؤولين في الإدارة الأميركية لمناقشة عدد من القضايا الثنائية، كما ركزت النقاشات على الوضع الراهن في قطاع غزة، إضافة إلى المشاركة في أعمال الوفد الوزاري العربي - الإسلامي، الذي يلتقي عدداً من الساسة الأميركيين، من بينهم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن.

شكري شدد كذلك على أن «حكم غزة أمر بيد الشعب الفلسطيني»، و«السلطة الفلسطينية و(منظمة التحرير) الفلسطينية هما الممثلان الشرعيان للشعب الفلسطيني، وينبغي منحهما القدرة على حكم الضفة الغربية وغزة».

وأضاف أنه «من السابق لأوانه بحث التفاصيل المتعلقة بحكم غزة في المستقبل؛ لأن نتيجة الحملة العسكرية الإسرائيلية غير واضحة»، معرباً عن اعتقاده بأنه «ينبغي الانتظار ورؤية عواقب هذه العملية العسكرية والظروف في غزة، ثم المضي قدماً لتناول العلاقات السياسية».

وأكد شكري أن «مصر ستفعل ما بوسعها من أجل السعي لإقامة دولة فلسطينية وتطبيق (حل الدولتين)، كما أن مصر لم تقترح نزع سلاح الدولة الفلسطينية، وإنما أعادت تقديم المقترح الموافَق عليه من قبل السلطة كجزء من (حل الدولتين)».

لقاءات مكثفة لوزير الخارجية المصري في واشنطن (الخارجية المصرية)

ودعت مصر بشكل متكرر إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية تفضي إلى إعلان دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كما تبنت على مدى سنوات الدعوة إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، واستضافت في نهاية يوليو (تموز) الماضي، لقاء جمع أمناء عموم 11 من الفصائل الفلسطينية، برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

من جانبه، أكد الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، علي الحفني، أن هناك مجموعة من الثوابت التي تحكم الرؤية المصرية للقضية الفلسطينية، ومن بينها مستقبل قطاع غزة، مشيراً إلى أن «أول تلك الثوابت هو احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وبناء دولته». وأضاف الحفني لـ«الشرق الأوسط» أن مصر بحكم علاقتها التاريخية بالقضية الفلسطينية لديها رؤية عميقة لهذا الملف، وتدرك جيداً أن كل السيناريوهات المطروحة التي لا تفضي إلى بناء دولة فلسطينية مستقلة «لن توفر الأمن والاستقرار، بل ستمثل استمراراً في نهج الفرص الضائعة».

وأوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن الإشارة لأهمية استعادة دور السلطة الوطنية الفلسطينية في مستقبل قطاع غزة، «ترتبط أساساً برؤية مصر للتسوية الشاملة، وهو ما ينسجم مع مرتكزات الموقف الفلسطيني نفسه، ويعد تأكيداً لمواقف مصر الراسخة بشأن إنهاء الانقسام الفلسطيني وإيجاد البيئة المناسبة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة جنباً إلى جنب مع إسرائيل».

ويُبدي سفير فلسطين الأسبق في القاهرة، بركات الفرا، اتفاقاً مع أهمية أن تبلور القوى العربية رؤية مشتركة بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية في مواجهة المشروعات التي تطرحها الولايات المتحدة وإسرائيل لما يسمى بـ«اليوم التالي»، لافتاً إلى أن محاولة القفز الراهنة على الواقع المأساوي في قطاع غزة والحديث عن مستقبل القطاع في ظل المذابح التي ترتكبها إسرائيل، هي «محاولة أميركية للفت الأنظار عما ترتكبه إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين». وأكد الفرا لـ«الشرق الأوسط» أهمية الدور المصري في المرحلة الراهنة «عبر محاولة وقف إطلاق النار باعتباره الهدف الأهم حالياً، وبالتالي توفير الأجواء لمناقشة الأمور السياسية مستقبلاً»، لافتاً إلى أن القضية الفلسطينية تحظى بأولوية فائقة لدى القاهرة، وهناك تنسيقات تاريخية بين الجانبين الفلسطيني والمصري.

وأعاد سفير فلسطين الأسبق في القاهرة التذكير بموقف الرئيس الفلسطيني، الذي أعلن أن السلطة الفلسطينية «لن تعود إلى غزة على الدبابة الإسرائيلية، وإنما يمكن لها أن تعود إلى القطاع في إطار تسوية شاملة للقضية». وأشار إلى أن هذا ما تدعمه مصر والقوى العربية والعديد من دول العالم المناصرة للحق الفلسطيني.

فلسطينيون يجلسون بجوار مبنى دمره القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في مخيم النصيرات للاجئين (أ.ب)

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتية، قال إن السلطة الفلسطينية «تعمل مع مسؤولين أميركيين على خطة لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب». وأوضح أشتية في مقابلة مع «بلومبرغ»، الخميس، أن النتيجة المفضلة للصراع هي أن تصبح حركة «حماس»، التي تدير القطاع حالياً، «شريكاً أصغر لـ(منظمة التحرير) الفلسطينية بما يساعد على تأسيس دولة مستقلة جديدة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية». وأضاف أنه سيكون هناك مجال للمحادثات إذا كانت «حماس» مستعدة للتوصل لاتفاق وقبول المنهج السياسي لـ«منظمة التحرير» الفلسطينية، مشيراً إلى أن «الفلسطينيين يجب ألا يكونوا منقسمين»، وأن هدف إسرائيل المتمثل في القضاء الكامل على «حماس» غير واقعي.

وتعهدت إسرائيل بالقضاء على «حماس» بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز نحو 240 وفقاً لإحصاءات إسرائيلية، وقتلت العمليات الإسرائيلية 17177 فلسطينياً وأصابت نحو 46 ألفاً في غزة، بحسب ما أعلنه الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، الخميس. وفي أكثر من مناسبة سابقة، كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رفضه تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية. وأشار إلى أن إسرائيل ستكون لها «أدوار أمنية في غزة بعد انتهاء الحرب»، وأشارت تقارير عدة لاحقاً إلى رفض الولايات المتحدة لذلك.


مقالات ذات صلة

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

شمال افريقيا منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

محمد محمود (القاهرة)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي مركبات للشرطة الإسرائيلية تعمل أثناء مداهمة في الضفة الغربية... 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

الشرطة الإسرائيلية: مقتل شخصين في هجوم شنه فلسطيني 

قالت السلطات الإسرائيلية ​اليوم الجمعة إن شخصين قتلا في هجوم نفذه فلسطيني بالطعن والدهس في ‌شمال ‌إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز) play-circle

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.


أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
TT

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لحكمين قضائيين صادرين عن محكمتي استئناف طرابلس وبنغازي، يقضيان بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى بلدية مصراتة.

ويأتي هذا الجدل بعد سبعة أعوام من توقيع اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى سنوات من الصراع والتهجير القسري، الذي تعرض له سكان تاورغاء عقب أحداث عام 2011.

وتضع هذه الشكاوى، حسب مراقبين، مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء الليبي محل تساؤلات، في بلد لا يزال يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مستمراً منذ أكثر من عقد. فقد شهدت ساحات القضاء في طرابلس وبنغازي على مدى شهرين صدور حكمين؛ أولهما عن محكمة استئناف طرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضى بوقف تنفيذ قرار حكومة «الوحدة» في الشق المستعجل من الدعوى، أعقبه حكم ثانٍ صادر مطلع الأسبوع الحالي عن محكمة استئناف بنغازي، قضى بإلغاء القرار نهائياً وقبول الطعن المقدم ضده.

في المقابل، التزمت حكومة الدبيبة الصمت إزاء هذه الأحكام، وباشرت عملياً إجراءات تُفسَّر على أنها تمهيد لتنفيذ قرار الضم، كان آخرها توجيه وزارة الصحة التابعة لحكومة الوحدة في 18 ديسمبر (كانون الأول) طلباً إلى إدارة الصحة في تاورغاء لتسليم مهامها إلى نظيرتها في مصراتة.

هذا السلوك، حسب رؤية عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، مثّل «تجاهلاً صريحاً لأحكام القضاء وتقويضاً لمبدأ الفصل بين السلطات»، محذراً من أنه يقود إلى ما وصفه بأنه «تعزيز للشعور بانزلاق الدولة نحو الفوضى». ورأى الشيباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أي إجراء لاحق لصدور هذين الحكمين يُعد مخالفة قانونية واضحة لأحكام القضاء».

وأوضح النائب الليبي أن بلدية تاورغاء «كيان إداري قائم بذاته منذ عقود»، ومعترف بها منذ عهد النظام السابق، قبل أن تُلغى بقرار إداري في المرحلة الانتقالية، التي أعقبت فبراير (شباط) 2011، ثم أعيد الاعتراف بها عام 2015 عبر مجلس تسييري، رغم ظروف التهجير القاسية التي عاشها سكانها، وفق تعبيره.

مبنى مهجور في مدينة تاورغاء غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان اتفاق المصالحة التاريخي بين مصراتة وتاورغاء، الذي أُبرم برعاية دولية منتصف عام 2018، ونجح في طي عداء استمر قرابة ثماني سنوات، ومهّد لعودة النازحين إلى مدينتهم الواقعة على بُعد نحو 240 كيلومتراً شرق طرابلس.

غير أن قرار ضم تاورغاء إلى مصراتة، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أعاد إشعال التوتر، بعدما نص على تحويل تاورغاء إلى فرع بلدي تابع لمصراتة، وهو ما قوبل برفض واسع من الأهالي، الذين عدوا الخطوة انتقاصاً من استقلاليتهم الإدارية، وتهديداً لحقوقهم القانونية المكتسبة، ودفعهم للجوء للقضاء.

ويستند الطاعنون في قرار حكومة «الوحدة» إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات كانت قد اعتمدت تاورغاء بلديةً مستقلة، بموجب قرارات تنظيم الانتخابات البلدية التي انطلقت عام 2014، في حين صدر قرار ضمها إلى بلدية مصراتة في يوم إجراء الانتخابات نفسها، وفق ما يوضحه لـ«الشرق الأوسط» المحامي زياد أبو بكر هيركة، أحد مقدمي الطعن أمام محكمة استئناف طرابلس، الذي عبّر عن استغرابه من عدم امتثال السلطة التنفيذية للأحكام القضائية.

كما أوضح الشيباني أن إدراج تاورغاء ضمن البلديات المشمولة بانتخابات المجالس البلدية يمثل «اعترافاً رسمياً بتوافر مقومات البلدية من حيث السكان والجغرافيا والبنية الاجتماعية والاقتصادية»، لافتاً إلى أن عدد سكانها يتجاوز 50 ألف نسمة.

من جهته، يرى الناشط الليبي عياد عبد الجليل أن الإشكال «ليس مع مدينة مصراتة، التي تم تجاوز الخلاف معها عبر المصالحة، بل مع الحكومة التي تتجاهل المطالب المشروعة لأهالي تاورغاء، بالحفاظ على بلديتهم المستقلة»، عاداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تجاهل الأحكام القضائية «يعكس استمرار ممارسات تُقوّض استقلالية المؤسسات القضائية».

وفي انتظار ما ستسفر عنه التطورات القضائية، يترقب أهالي تاورغاء حكماً جديداً من محكمة في طرابلس بشأن موضوع الطعن، للفصل النهائي في مصير قرار الضم.

ويقول النائب الشيباني إنهم «ينتظرون صدور الحكم لإحالته إلى رئاسة مجلس النواب، من أجل مخاطبة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء الاقتراع البلدي في تاورغاء»، محذراً من أن «أي تدخل أمني لمنع هذا الاستحقاق سيقابل بمواقف واضحة».

في المقابل، يلوّح المحامي هيركة بما وصفه أنه «مسار قانوني مواز»، مشيراً إلى أن «إصرار الحكومة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية قد يدفع إلى تحريك دعوى جنحة مباشرة ضد رئيس الحكومة بشخصه، لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ».

ورغم هذا المشهد المتوتر، ترى نادية الراشد، العضوة السابقة في المؤتمر الوطني العام، بارقة أمل في صدور الحكمين المتطابقين من بنغازي وطرابلس، عادّةً أن ذلك «يعكس وحدة الموقف القانوني، ويؤكد اختصاص القضاء بعيداً عن العبث السياسي»، مضيفة أن هذه الأحكام «تثبت أن القانون، متى أُتيح له المجال، قادر على تصحيح المسار وحماية استقلالية القضاء».


مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

قال المهندس بدر باسلمة، مستشار الرئيس اليمني، إن المشهد اليمني يمرّ بمحاولة جادة لـ«هندسة عكسية» تستعيد من خلالها الدولة زمام المبادرة، بدعم إقليمي وثيق، وبما يرسّخ منطق القانون والمؤسسات.

ووصف باسلمة القرارات الرئاسية الأخيرة، المتعلقة بالأوضاع في المحافظات الشرقية، بأنها «خطوة مفصلية» تنطوي على دلالات سياسية عميقة تمسّ جوهر بقاء الدولة، على حدّ تعبيره.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأوضح بدر باسلمة، في تصريح خاص، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه القرارات تمثل انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة الرئاسي من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل» والمبادرة، بما يفضي إلى تحصين مركزية القرار السيادي ومنع تفتت الدولة.

وشدّد على أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يشكّل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، مشيراً إلى أن هذا الدعم لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى «ضبط إيقاع» المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول.

ويرى باسلمة أن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، تمرّ بمخاض سياسي دقيق قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة، ويؤسس لنموذج «الدولة الاتحادية» المقبلة.

من «إدارة التوازنات» إلى «سيادة المؤسسات»

ووفقاً للمهندس بدر باسلمة، فإنه «لا يمكن قراءة القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في سياقها الإداري الروتيني فحسب، بل تمثل خطوة مفصلية تنطوي على دلالات سياسية عميقة تتصل بجوهر بقاء الدولة».

وأضاف أن أهمية هذه القرارات تكمن في كونها تُجسّد انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل والمبادرة»، وعَدَّ ذلك «رسالة سياسية بليغة إلى الداخل والخارج مفادها أن الدولة، بمفهومها الدستوري والشرعي، هي صاحبة الكلمة الفصل في إدارة مؤسساتها السيادية، وأنها يجب أن تظل مظلة وطنية جامعة، لا ساحة لتقاسمها أو توظيفها خارج إطار المشروع الوطني الجامع».

ولفت باسلمة إلى أن هذه الخطوة تمثل «بمعناها الأعمق، عملية تحصين لمركزية القرار السيادي، ومنع انزلاق الدولة نحو التفكك أو تحولها إلى جُزر إدارية وأمنية معزولة».

الدور السعودي حجر الزاوية

وأكد بدر باسلمة أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يمثل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، موضحاً أن هذا الدعم «لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى ضبط إيقاع المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول».

وأضاف أن أهمية هذا الدور تتجلى في ترسيخ «قاعدة ذهبية مفادها أن الشراكة لا تعني الاستحواذ»، مشيراً إلى أن الدعم الموجَّه لمجلس القيادة الرئاسي يستهدف خفض التصعيد ومنع فرض سياسات «الأمر الواقع» بقوة السلاح، ولا سيما في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية مثل حضرموت والمهرة.

وتابع أن المملكة، من خلال هذا النهج، «تعيد رسم الخطوط الحمراء التي تضمن بقاء جميع الأطراف تحت مظلة الدولة»، وتدفع القوى السياسية نحو طاولة الحوار بوصفه الخيار الوحيد، بدلاً من «مغامرات غير محسوبة قد تُهدد الأمن الإقليمي والنسيج الاجتماعي اليمني».

المحافظات الشرقية... ملامح الدولة المقبلة

ويقول بدر باسلمة إن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، باتت، اليوم، تمثّل «الرقم الصعب» في المعادلة اليمنية، وتعيش مخاضاً سياسياً قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة.

وأضاف باسلمة أن «القراءة المتفحصة للمشهد تشير إلى تنامي الوعي المجتمعي والسياسي في هذه المحافظات، باتجاه رفض التبعية المطلقة أو الاستقطاب الحاد»، موضحاً أن ما يجري في حضرموت «لا يندرج في إطار حراك مناطقي عابر، بل يندرج في سياق تأسيس لنموذج الدولة الاتحادية المقبلة».

وأشار إلى أن هذه المحافظات تسعى لانتزاع حقوقها في إدارة شؤونها وتأمين أراضيها، «من خلال تشكيلات وطنية، مثل قوات درع الوطن، وذلك تحت مظلة الشرعية الدستورية»، لافتاً إلى أن المؤشرات الراهنة توحي بأن خيار «الضم والإلحاق القسري» تراجع لصالح مسار يتجه نحو صيغة توافقية تضمن للأقاليم خصوصيتها الإدارية والأمنية ضمن يمن موحد واتحادي.

مسلَّح من أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» (أ.ف.ب)

وختم باسلمة حديثه بالقول إن «اليمن يشهد، اليوم، محاولة جادة لـ(هندسة عكسية) للمشهد، فبدلاً من أن تفرض الفصائل واقعها على الدولة، تسعى الدولة، بدعم إقليمي وثيق، إلى استعادة زمام المبادرة وفرض منطق القانون والمؤسسات».

وأضاف أن هذه العملية «تمثل معركة نفَس طويل تتطلب قدراً عالياً من الحكمة السياسية»، مؤكداً أن «الرابح فيها هو مَن ينحاز لمنطق الدولة ومصالح المواطنين»، مستنداً في ذلك إلى «الشرعية الدولية والغطاء العربي الداعم».