الآثار اليمنية... نزيف مستمر عبر المزادات العالمية

خبير يتتبع عرض قطع جديدة للبيع خلال أسبوعين

قطعة أثرية نادرة هُربت وبيعت بمزاد علني خارج اليمن (فيسبوك)
قطعة أثرية نادرة هُربت وبيعت بمزاد علني خارج اليمن (فيسبوك)
TT

الآثار اليمنية... نزيف مستمر عبر المزادات العالمية

قطعة أثرية نادرة هُربت وبيعت بمزاد علني خارج اليمن (فيسبوك)
قطعة أثرية نادرة هُربت وبيعت بمزاد علني خارج اليمن (فيسبوك)

كشف خبير يمني متخصص في مجال الآثار عن عرض عدد من القطع الأثرية اليمنية في مزادات علنية بدول غربية، خلال أسبوعين، بعد أن جرى تهريبها عبر سماسرة وعصابات متخصصة في سرقة وتهريب الآثار إلى خارج البلاد.

ووفقاً للمتخصص اليمني في تتبع ورصد الآثار المهربة عبد الله محسن، فإن من ضمن الآثار التي عُرضت للبيع بمزادات عالمية في الفترة من 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وحتى 27 من الشهر نفسه، وَعْلاً برونزياً يعود للقرن الخامس قبل الميلاد، ومجسماً نسائياً نادراً مع نقش بخط المسند، و«شاهدة» نادرة يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقطعة «كيوبيد» نادرة، إضافة إلى مجموعة تحف وتماثيل وقطع أثرية يقدر عمر بعضها بنحو 5 آلاف عام.

عرض وعل برونزي يمني نادر للبيع بمزاد علني في لندن (فيسبوك)

الباحث اليمني عبد الله محسن كشف عن نقل «قبر أثري» قبل أيام من محافظة الجوف، شمال شرقي صنعاء، إلى مطار منشأة الغاز المسال في شبوة، ومنه جواً إلى فرنسا، مؤكداً أن ذلك يعد نموذجاً حقيقياً لمدى سهولة تهريب الآثار إلى خارج اليمن، كما يعزز أيضاً فرضية بيع الآثار من مواقع اكتشافها بالجملة وليس بالتجزئة.

متحف مفتوح للنهب

يتحدث الخبير اليمني عبر سلسلة منشورات في «فيسبوك» عن بيع «شاهدة نادرة» لقبر «أوس» من الحجر الجيري في تورونتو بكندا، في 17 نوفمبر الماضي، موضحاً أن تاريخ القطعة يعود إلى فترة ما قبل الميلاد، وهي من آثار اليمن من سبأ أو قتبان محفوراً بمنتصفها كلمة «أوس»، وهو من الأسماء الشائعة في حضارات اليمن القديم.

وعُرضت «الشاهدة النادرة» للبيع في المزاد بعد شرائها من معرض «دونالد إليس» بنيويورك في 15 مايو (أيار) 2008، بنحو 40 ألف دولار، بينما تجاوز ثمنها في المزاد الحالي بين 8 و12 ألف دولار، ما أثار الشك حول مصدرها.

يأتي ذلك في وقت تؤكد فيه مصادر يمنية استمرار أعمال النهب والتنقيب العشوائي بعدد من الأماكن والمواقع الأثرية المنتشرة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بحثاً عن آثار ونقوش قديمة من قبل عصابات ومافيا الآثار المدعومة من قبل كبار قادة الجماعة.

«شاهدة» نادرة عُرضت للبيع مؤخراً في مزاد علني في كندا (فيسبوك)

ويُعدّ اليمن متحفاً مفتوحاً، ولا يكاد يخلو موقع أو منطقة فيه من تاريخ محكي أو آثار مطمورة أو حضارة ازدهرت وبُنيت، في حين تعرض نحو 12 متحفاً من أصل 20، وفق مسؤول سابق في الهيئة العامة للآثار والمتاحف بصنعاء، للنهب والتدمير والخراب المنظم على يد الجماعة الحوثية.

قطع نادرة

ضمن عملية التتبع والرصد، كشف خبير الآثار اليمني عبد الله محسن عن استعدادات أجريت لعرض «وعل برونزي» يمني بأحد مزادات لندن في 30 نوفمبر الماضي.

كما يُعرض في مزاد «آرتيميشن» للجواهر القديمة والآثار تمثال برونزي من القرن الميلادي الأول من آثار اليمن. ويصف محسن ذلك التمثال بأنه يقف على أرجله الأربع مع ذيل قصير منتصب وعينين لوزيتين محفورتين بعمق وقرون عالية مقوسة مع أطراف ملتوية، وتستقر على الرأس.

وتضم معظم المتاحف العالمية والإقليمية كثيراً من تماثيل الوعول البرونزية والذهبية أغلبها سبق أن هُربت عبر عصابات من اليمن، حيث يعد أشهرها قلادة الوعل «الذهبي» بمتحف لندن، ووعل «مريمة» في دار الآثار الإسلامية في الكويت، ووعل مجموعة آل ثاني في فرنسا.

وسبق لدار «سوذبيز» للمزادات في لندن أن عرضت بمثل هذه الأيام من العام الماضي إحدى أشهر جداريات اليمن الأثرية والتي كانت من مقتنيات متحف «فيتزويليام كامبريدج» للبيع في مزاد علني.

مجسم نسائي نادر عُرض مؤخراً للبيع بمزاد خارج اليمن (فيسبوك)

ويكشف خبير الآثار ضمن عملية التتبع والرصد عن قيام 3 مزادات عالمية بمنتصف نوفمبر الماضي، بعرض قطع أثرية يمنية نادرة يقدر عمر بعضها بـ5 آلاف عام، وتوازى ذلك مع استمرار تصاعد وتيرة عمليات الحفر والتنقيب العشوائي على أيدي عصابات متخصصة في مناطق يمنية تخضع أغلبها تحت سيطرة الحوثيين.

واستهدفت الجماعة الحوثية منذ انقلابها على السلطة كل مواقع ومعالم اليمن الأثرية والتاريخية، تارةً بالنهب والتهريب والبيع خارج اليمن، وأخرى بالتفجير والقصف والتحويل لمخازن أسلحة وثكنات عسكرية.

ويحمّل المهتمون بالآثار والتراث اليمني قادة الجماعة مسؤولية ما يجري من أعمال عبث ونبش وسرقة وتهريب واتجار غير قانوني ومستمر بالآثار اليمنية، وسط مطالب رسمية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة (اليونيسكو) والمنظمات المهتمة بالتراث في أوروبا، وغيرها من أجل التدخل لمنع تداول الآثار اليمنية المهربة بالأسواق التجارية والمزادات العالمية، والعمل على إعادتها.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

العالم العربي جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

كثّفت الجماعة الحوثية من الاعتقالات في صعدة بالتوازي مع إطلاقها سراح عدد من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي»، مقابل ضمانات بعدم القيام بأي سلوك يناهض توجهات الجماعة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

مستودعات الأسلحة الحوثية تستقبل ثانية الضربات الأميركية في السنة الجديدة

أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة الحوثية تحت الأرض في ريف صنعاء الجنوبي وبمحافظة عمران المجاورة شمالاً.

علي ربيع (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

بعد غياب عن صنعاء لأكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إليها، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح المعتقلين الأمميين.

علي ربيع (عدن)

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.