تكررت أزمة السجائر في مصر، بعد زيادة الأسعار نحو ثلاث مرات خلال العام الحالي، وعلى الرغم من تعهدات الحركات الحكومية بضبط السوق، ودخول مستثمرين جدد في هذه الصناعة، لا تزال الزيادات تمثل عاملاً يمس «مزاج المصريين» ويؤثر فيه سلباً، حسب مراقبين.
الزيادة الأخيرة أقرها مجلس النواب المصري نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، بالموافقة على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016 لزيادة ضرائب السجائر والتبغ، ونُفّذت الأربعاء الماضي، وقُسّمت أسعار السجائر إلى 3 شرائح، حسب إبراهيم إمبابي، رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات المصري، الذي قال في تصريحات تلفزيونية إن سعر السجائر في الشريحة الأولى سيكون بحد أقصى 31 جنيهاً بزيادة 7 جنيهات عن السعر السابق (الدولار يساوي 30.9 جنيه) وهي سجائر كليوباترا ونظيرتها.
وقال إن سعر السجائر في الشريحة الثانية (LM ونظيرتها) سيكون بحد أقصى 45 جنيهاً، وأن الشريحة العليا ستبدأ من 45 إلى 65 جنيهاً.
ووصف رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية الدكتور خالد الشافعي الزيادة التي تمت وفقاً للقيمة المضافة بأنها «صورية فقط»، موضحاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «السعر الحقيقي لسجائر الكليوباترا وصل في بعض المناطق إلى 70 جنيهاً واستقر حالياً عند 50 جنيهاً» مشيراً إلى أنه «لا يوجد ضبط في الأسواق»، وأكد أن ارتفاع الأسعار «يؤثر بالسلب على المزاج العام وعلى تكلفة العمالة التي تدخن»، منبهاً إلى ضرورة «ضبط الأسواق وتشديد الرقابة عليها وتغليظ العقوبات على من يتلاعب بالأسعار».
وعدّ رئيس قسم الاقتصاد في أكاديمية السادات، الدكتور إيهاب الدسوقي، السجائر سلعة أساسية بالنسبة للمدخنين، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن زيادة الأسعار أكثر من مرة في الفترة الأخيرة «تشكل ضغطاً على المدخنين وتؤثر في دخلهم»، وأضاف أنّ المدخن في هذه الحالة إذا كان تاجراً أو منتجاً «يضطر هو الآخر إلى رفع سعر سلعته لتعويض الارتفاع في سعر السجائر»، لافتاً إلى أنه «حين ترتفع سلعة مهمة تجرّ معها سلعاً أخرى للارتفاع».
وذكرت وزارة الصحة والسكان في مصر في تقرير أعدته في أكتوبر 2022، أنّ المدخنين في مصر نحو 18 مليون نسمة، ونصحت الوزارة بالتوقف عن التدخين للحماية من آثاره الضارة.
وعدّ رئيس جمعية «مواطنين ضد الغلاء»، محمود العسقلاني، السجائر سلعة قائدة، حين يرتفع سعرها ترتفع معها الكثير من السلع الأخرى. موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: أن «الارتفاع الذي طرأ على سلع تؤثر على مزاج المصريين لا يتوقف على السجائر فقط، لكن أيضاً الشاي والسكر». وقال: إن «أسعار بعض السلع وصلت لمراحل كبيرة من الغلاء».
ووفق تقرير سابق للشركة الشرقية للدخان (إيسترن كومباني)، فإن «المصريين استهلكوا نحو 70 مليار سيجارة خلال السنة المالية 2021-2022». وأعلنت الشركة أن حجم أرباحها في الفترة المنتهية 30 يونيو (حزيران) 2023 هو 8 مليارات و251 مليون جنيه، حسب الصفحة الرسمية للشركة.
وعن دخول مستثمرين جدد في هذه الصناعة ومدى مساهمتهم في معالجة الزيادات الأخيرة، أوضح الشافعي «أن الدولة أدخلت مستثمرين في حصتها بشركة (إيسترن كومباني) لحاجتها لدولارات لزيادة الاحتياطي، لكن المستثمر جاء والشركة تحقق أرباحاً وعوائد إيجابية»، مؤكداً أنها من «كبرى الشركات العاملة في التبغ على مستوى العالم»، ولفت إلى أن «ليس للشركة مشاكل، بل المشكلة في انعكاسات زيادة الأسعار على الأسواق».
وتصدرت مصر والأردن والسعودية قائمة الدول العربية الأكثر استهلاكاً للتبغ، حسب تقرير أعدته مؤسسة «فيتش سليوشنز»، ونشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، موضحاً أن متوسط الإنفاق السنوي على التبغ في مصر هو الأعلى بقيمة 9.7 مليار دولار سنوياً، فيما بلغ المتوسط في السعودية 2.5 مليار دولار، وفي الأردن 1.3 مليار دولار.
وأشار الدكتور إيهاب الدسوقي إلى جانب آخر لتلك الزيادات، وقال: «يمكن أن يكون لها أثر إيجابي، وتجعل بعض المدخنين يقلعون عن التدخين».
في حين عدّ العسقلاني أن تلك الزيادات «ستكون لها انعكاسات خطيرة على السوق لأن المعيشة نفسها سعرها يرتفع».