معهد القضاء في صنعاء بلا نساء لأول مرة منذ عقدين

الجماعة أقصت مئات الطلبة بناء على تقييم استخباراتها

سجلت المرأة اليمنية حضورا فاعلا في العمل القضائي (منتدى القاضيات اليمنيات)
سجلت المرأة اليمنية حضورا فاعلا في العمل القضائي (منتدى القاضيات اليمنيات)
TT

معهد القضاء في صنعاء بلا نساء لأول مرة منذ عقدين

سجلت المرأة اليمنية حضورا فاعلا في العمل القضائي (منتدى القاضيات اليمنيات)
سجلت المرأة اليمنية حضورا فاعلا في العمل القضائي (منتدى القاضيات اليمنيات)

فيما عيّنت الحكومة اليمنية ثماني قاضيات في عضوية المحكمة العليا للدولة للمرة الأولى في تاريخ البلاد، استبعد الحوثيون كافة النساء اللائي تقدمن للالتحاق بمعهد القضاء العالي في صنعاء للمرة الأولى منذ ما يزيد عن 17 عاما من بدء التحاق النساء به.

تزامن ذلك مع استبعاد الحوثيين نحو 600 متقدم للمعهد لأنهم لم يحصلوا على تزكية من مندوب جهاز المخابرات في محافظاتهم، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة في صنعاء.

عضوة المجلس الأعلى للقضاء في اليمن صباح العلواني أثناء تأدية اليمين القانونية (سبأ)

فبعد نحو شهرين من الترحيب المحلي والإقليمي والدولي بالخطوة التي اتخذها مجلس القيادة الرئاسي اليمني بتعيين ثماني قاضيات في عضوية المحكمة العليا في البلاد، فوجئ قضاة وناشطون بإعلان الحوثيين قوائم المقبولين للدراسة في المعهد العالي للقضاء في مناطق سيطرتهم خالية من أي امرأة حيث بلغ عدد المستبعدين من الجنسين نحو 600 متقدم، استكملوا كافة الوثائق المطلوبة للالتحاق بالمعهد الذي يتولى إعداد العاملين في سلك القضاء.

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في مجال القضاء في مناطق الحوثيين لـ«الشرق الأوسط» فإن ما يسمى مجلس القضاء الذي عينه الحوثيون يهيمن على عضويته عناصر متشددون يعارضون عمل المرأة بشكل عام والقضاء بشكل خاص.

هذه العناصر الحوثية إلى جانب جهاز المخابرات والأمن الذي أوكلت إليه مهمة تزكية المتقدمين يقفون - بحسب المصادر - وراء هذه العملية التي جعلت النساء خارج المعهد وأقصت المئات من الذكور لأسباب ترتبط بعدم الولاء أو تفضيل زملائهم المتقدمين الذين ينتمون لنفس سلالة الحوثي.

تنديد واستغراب

منتدى قاضيات اليمن أصدر بيانا قال فيه إنه وقف «مذهولا» مما اطلع عليه من قوائم القبول الأولى للمتقدمين للمعهد العالي للقضاء لهذا العام بعدد 250 لقضاة المحاكم و403 لقضاة النيابة العامة، وخلو الدفعتين المشار إليهما من العنصر النسائي رغم أن المتقدمات للامتحان كان عددهن 52 طالبة لقضاء المحاكم و70 طالبة لقضاء النيابات.

بيان منتدى قاضيات اليمن بشأن استبعاد الحوثيين للنساء من المعهد العالي للقضاء في صنعاء (فيسبوك)

المنتدى عبر عن أسفه واستغرابه لإسقاط كل المتقدمات للامتحان في تصرف «ينم بوضوح عن انتهاج تمييز عنصري ضد المرأة وتجاوز للمعايير الموضوعية التي دأب عليها المعهد العالي للقضاء منذ فتح أبوابه للمرأة اليمنية، حيث كانت الكفاءة العلمية معياراً للمفاضلة بين المتقدمين ذكوراً وإناثاً».

وأكد المنتدى أن مثل هذا التصرف يعد مخالفاً للدستور والقوانين النافذة التي كفلت تكافؤ الفرص لكل المواطنين دون تمييز بين الذكر والأنثى، كما يعتبر تراجعاً إلى الوراء عما قطعته اليمن في مجال تجسيد المواطنة المتساوية ومنح المرأة حقوقها التي كفلها الدستور والقانون وكانت من أوائل الدول العربية التي منحت المرأة حق الولوج في السلك القضائي.

وطالب المنتدى في بيانه الحوثيين بسرعة التراجع عن أي قرارات تمثل إقصاء للمرأة اليمنية وتمييزاً ضدها واحترام حقوقها المكفولة لها في الدستور والقانون، وإعادة النظر في معايير قبول الدفعتين المشار إليهما وفقاً للمعايير الموضوعية المنصوص عليها قانوناً على نحو يسمح للمرأة بالمنافسة المتكافئة ويضمن الاختيار على أساس الكفاءة العلمية والشروط القانونية.

خطوة رجعية

رغم أن الحكومة الشرعية لا تعترف بالمعهد العالي للقضاء في صنعاء بعد أن قامت بنقله إلى عدن، فإن خطوة الحوثيين أثارت القضاة في مناطق سيطرتهم، إذ يرى القاضي عرفات جعفر أن إقصاء الكادر النسائي من دخول المعهد إجراء خارج إطار الدستور والقانون و خطوة رجعية.

وأضاف أنه من خلال قوائم المقبولين تأكدت الأنباء التي تم تداولها عن وجود توجه لإقصاء الكادر النسائي من دخول المعهد، كانعكاس لخلفية ثقافية معينة ترى عدم أهلية المرأة للقضاء، وطلب من عمادة المعهد توضيح سبب عدم قبول حتى طالبة واحدة ضمن الدفعة الجديدة.

وجهة النظر هذه تؤيدها القاضية روضة العريفي التي توكّد أن اليمن من أوائل الدول التي انتصرت لحقوق المرأة بقبولها في السلك القضائي منذ العام ١٩٧١، وأن هذا التاريخ المشرق المحسوب لليمن يتوافق مع الشريعة الإسلامية والدستور والقوانين النافذة.

ورأت أن استبعاد جميع الطالبات المتقدمات للدراسة في المعهد العالي للقضاء «أمر مقلق للجميع» ووصفته بـ«الانتكاسة» وقالت إن هذه السياسة تعد تمييزا عنصريا تجاه المرأة ومخالفة للدستور والقوانين.

ووفق القاضية العريفي فقد تم في المرحلة الأولية قبول نحو 400 طالب للنيابة و200 طالب للقضاء، وأن الجميع بمن فيهم قيادة السلطة القضائية تعلم ما حققته القاضية اليمنية من نجاح متميز، وطالبت بالتراجع عن أي قرار إقصائي تجاه المرأة.

لأول مرة تدخل النساء اليمنيات في عضوية المحكمة العليا بهذا العدد من القاضيات (إعلام حكومي)

ومنذ العام 2006 فتح المعهد العالي للقضاء في صنعاء أبوابه للنساء واستمر وجودهن على المقاعد الدراسية إلى جانب الذكور في كل الدفعات وأصبحت منهن قاضيات على مستوى عالٍ من التأهيل والتدريب والأداء المتميز وتفوقن في كثير من الأحيان على زملائهن القضاة من الرجال قبل أن يقدم الحوثيون على هذه الخطوة، والتي تأتي بعد جملة من القيود على عمل وانتقال النساء بين المحافظات أو السفر خارج البلاد.

أسباب غير معلومة

أحد المتقدمين للمعهد العالي للقضاء في صنعاء، ويدعى حاتم، أكد أنه تم حرمان طلاب لأسباب غير معلومة، حيث تم إسقاط أسماء المئات منهم في حين أن معدلاتهم في التسعينيات.

ويؤكد أنه تم رفضهم قبل إجراء أي مرحلة من مراحل القبول أو الفحوص أو الاختبارات التحريرية أو الشفوية أو المقابلة الشخصية، وذكر أن ما حدث هو أن الطلاب سجلوا، فتم فرزهم قبل تطبيق أي شرط من شروط القبول.

ووصف ذلك بأنه «مهزلة» لم تحدث في أي مكان، ولا تحدث حتى في الكليات العسكرية والمعاهد اللوجيستية والاستخباراتية الضيقة. وقال إن هذه الخطوة «وصمة عار» في جبين من طبقها، ومن صمت أمامها وله سلطة فيها.

تمتلك القاضيات في اليمن رصيدا كبيرا من الكفاءة في مختلف المواقع (منتدى القاضيات اليمنيات)

يشار إلى أن مسودة الدستور اليمني التي أقرت في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان الحوثيون طرفا فيه تضمن نصوصا أكثر وضوحاً وصراحة في مكافحة التمييز العنصري ضد المرأة، فنص المادة 75 منه «المواطنون متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو الأصل أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي أو الإعاقة أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو الوظيفة أو المولد أو أي اعتبارات أخرى».

وزاد على ذلك وفي إطار ترسيخه لمبدأ المواطنة المتساوية أنه نص في المادة 76 منه على مسؤولية الدولة عن سن التشريعات واتخاذ الإجراءات التي تكفل وصول المرأة اليمنية بما لا يقل عن 30 في المائة في مختلف السلطات والهيئات.


مقالات ذات صلة

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.