دعوة إنسانية لضم قضية النازحين في اليمن إلى محادثات السلام

الحكومة أكدت عودة مليون شخص إلى ديارهم

غالبية سكان المخيمات في اليمن من النساء والأطفال (إعلام حكومي)
غالبية سكان المخيمات في اليمن من النساء والأطفال (إعلام حكومي)
TT

دعوة إنسانية لضم قضية النازحين في اليمن إلى محادثات السلام

غالبية سكان المخيمات في اليمن من النساء والأطفال (إعلام حكومي)
غالبية سكان المخيمات في اليمن من النساء والأطفال (إعلام حكومي)

دعت واحدة من أكبر المنظمات الدولية المعنية باللاجئين إلى ضم قضية أكثر من 3 ملايين نازح في اليمن إلى ملف محادثات السلام المقبلة وإيجاد حلول دائمة لهذه الأعداد.

ونبّه المجلس النرويجي للاجئين إلى أنه لا يزال أمام اليمن وشركاء العمل الإنساني طريق طويلة لإيجاد بدائل حقيقية ودائمة لهؤلاء الذين أجبروا على الفرار، وذلك بعد أيام من تأكيد الحكومة عودة أكثر من مليون نازح إلى ديارهم.

يواجه النازحون في اليمن ظروفاً إنسانية بالغة التعقيد (إكس)

وذكر المجلس أن انخفاض مستوى العنف في اليمن بفعل الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة منذ أبريل (نيسان) عام 2022 أدى إلى خلق نافذة من الفرص للدبلوماسية. غير أنه شدد على وجوب إيجاد فرص لتأمين حلول دائمة للنازحين الذين بلغ عددهم 4.5 مليون شخص.

المجلس النرويجي أكد أن تراجع حدة القتال أدى إلى تراجع عدد الضحايا المدنيين، وأن هناك دعماً دولياً متزايداً للمفاوضات السياسية من أجل السلام، إلا أنه عاد وقال إن الطريق لا يزال طويلة أمام إيجاد بدائل حقيقية ودائمة لملايين الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من مناطقهم الأصلية.

وأشار إلى أنه رغم تزايد الآمال في حقبة جديدة من الهدوء، فإن فوائد السلام ليست متوازنة دائماً إذ غالباً ما تترك المجتمعات الأكثر تضرراً من النزاع خلف الركب، وأنه في اليمن لا تزال الظروف قاتمة بهذا الخصوص.

الحاجة إلى دعم متزامن

طالب المجلس النرويجي للاجئين المجتمع الإنساني بذل المزيد لتجنيب النازحين الشعور الزائف بالأمان. وقال إن أولئك الذين يحاولون العودة ما زالوا أقلية ضمن المجموع الكلي للنازحين، وأكد أن هناك اهتماماً متزايداً بعودة هؤلاء إلى مناطقهم الأصلية منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ، مشيراً إلى وجود حاجة إلى تطوير إطار العمل على مستوى اليمن لتتبع الأشخاص الذين يحاولون العودة، وتطهير المناطق من الألغام ودعم إعادة بناء المنازل التي هدمت، وهي متطلبات تسلط الضوء بوضوح على الحاجة إلى دعم إنساني متزامن ومنسق ومساعدة إنمائية طويلة الأجل ومساعدة في بناء السلام.

وبحسب تقرير المجلس، لا يوجد لدى اليمن إطار منهجي لتتبع محاولات الأشخاص العودة إلى مناطقهم الأصلية، كما لا يوجد إطار سياسي على مستوى البلاد لدعم النازحين داخلياً ودمج قضيتهم في القنوات الدبلوماسية أو توحيدها عبر البرامج الإنسانية والتنموية. وذكر أنه لهذه الأسباب، فإن التجارب والحقائق الحياتية للنازحين هي التي يجب أن تشكل أساس المحادثات حول الحلول الدائمة.

تفتقر مخيمات النزوح في اليمن لمتطلبات الحياة الأساسية، والعودة الآمنة غير ممكنة الآن (إعلام حكومي)

المجلس النرويجي للاجئين قال إن على الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي تقديم الدعم لوكالات الإغاثة حتى تتمكن من الوصول الكامل إلى النازحين والمجتمعات المضيفة والمناطق الأصلية التي يعود الناس إليها، والتأكد من أن استراتيجيات الحلول الدائمة تستند إلى التعبير عن احتياجات ونوايا المجتمعات التي خصصت لها المساعدات.

وطالب المجلس الأمم المتحدة بوضع إطار عمل لتتبع عمليات ومحاولات العودة، وفهم واضح، ليس لنوايا النازحين فقط، ولكن التأكد أيضاً مما إذا كانت تلك النوايا استندت على تجارب واقعية من حيث الاندماج مع المجتمعات المضيفة، أو العودة إلى مناطقهم الأصلية.

وفي حين دعا المجلس مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن إلى فعل المزيد من أجل أن ترتكز محادثات السلام على التجارب الحياتية للمجتمعات المتأثرة بالصراع، وخصوصاً النازحين، نبّه إلى أن اتفاق السلام عن طريق التفاوض أو الهدنة لفترة طويلة قد تكون لها عواقب سلبية غير مقصودة على النازحين. وقال إنه ينبغي التخفيف من تلك العواقب ومناقشتها مع أطراف النزاع، وإشراك وكالات التنمية في السعي لإيجاد حلول دائمة.

توفير التمويل الكافي

طالب المجلس النرويجي للاجئين المنظمات الدولية العاملة بالعمل على إيجاد حلول دائمة لقضايا النازحين، وشدد على ضرورة التأكد من أن التمويل يمكن المنظمات الإغاثية من مواصلة تقديم الدعم للمجتمعات المتضررة من النزوح، وأنها تتمتع بالمرونة الكافية للاستجابة لنوايا النازحين. وقال إنه ينبغي أن يشمل ذلك تدفقات تمويل مرنة ومتعددة السنوات تدعم ذلك النهج.

تسببت الحرب التي أشعلها الحوثيون في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام حكومي)

وأشار إلى أن العاملين في المجال الإنساني يواجهون حواجز أمام فهم المكان الذي سيعود إليه النازحون وخصوصاً عودة العائلات النازحة إلى مناطقها الأصلية والظروف في تلك المناطق.

وأعاد المجلس أسباب ذلك جزئياً إلى عدم وجود إطار منظم لتتبع محاولات العودة، ونقص الوصول إلى المناطق الأصلية، والتمويل المحدود، لأنه يقيد قدرة الوكالات على مساعدة النازحين الذين حاولوا العودة، وقال إن هذا يوضح أن كثيراً من النازحين قد يصلون إلى مناطق لا يستطيع العاملون في المجال الإنساني الوصول إليها.

ووفق ما أورده المجلس، فإنه دون إمكانية الوصول، لا تستطيع وكالات الإغاثة جمع البيانات أو التعامل مع المجتمعات، وهذا يعني أنهم لا يستطيعون التوصل إلى ردود فعل خاضعة للمساءلة ومناسبة، ناهيك عن تقديم ردود دائمة ستؤدي إلى حلول دائمة.

وأكد المجلس النرويجي للاجئين أن الناس تعرب بوضوح عن اهتمامهم المتزايد بالعودة نتيجة الهدنة غير المسبوقة، ووصفها بأنها «خطوة كبيرة للغاية» في عملية السلام في اليمن.


مقالات ذات صلة

سائقو الشاحنات في اليمن يشكون تهالك الطرق ويهددون بالإضراب

العالم العربي شاحنة نقل ثقيل تعرضت للانقلاب في خط الحديدة - إب (الشرق الأوسط)

سائقو الشاحنات في اليمن يشكون تهالك الطرق ويهددون بالإضراب

هدد العشرات من العاملين اليمنيين في قطاع النقل الثقيل في المناطق الخاضعة لجماعة الحوثيين بتنفيذ إضراب شامل احتجاجاً على التدهور الحاد في الطرق وغياب الصيانة

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي نازحة يمنية مع أطفالها في رحلة كفاح مريرة من أجل العيش (الأمم المتحدة)

قصص مؤلمة للنازحين إلى الساحل الغربي في اليمن

يحكي النازحون اليمنيون إلى الساحل الغربي هرباً من جحيم الحرب التي فجَّرها الحوثيون قصصاً مؤلمة، وسط تصاعد احتياجاتهم الإنسانية المختلفة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بعد عام من إعلان زعيم الحوثيين التغييرات الجذرية بدأت إجراءات لتغيير الهيكل الإداري للدولة اليمنية (غيتي)

الحوثيون يشكلون هياكل إدارية جديدة لتعزيز قبضتهم الانقلابية

تحت مسمى «التغييرات الجذرية»، تسعى الجماعة الحوثية لاستكمال السيطرة المطلقة على الجهاز الإداري للدولة اليمنية في مناطق سيطرتها وإحلال عناصرها والموالين لها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي ناقلة النفط «بلو لاجون 1» تعرضت لهجوم حوثي في البحر الأحمر (رويترز)

هجمات حوثية تصيب سفينتين في البحر الأحمر دون خسائر بشرية

تعرضت ناقلة نفط وسفينة تجارية في جنوب البحر الأحمر لهجمات يعتقد مسؤولية الحوثيين عنها دون تسجيل خسائر بشرية، فيما انتقد وزير يمني التساهل الدولي مع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي فاقمت السيول والأمطار معاناة آلاف الأسر اليمنية (أ.ف.ب)

تقرير أممي: عائلات يمنية بأكملها تواجه الجوع يومياً

كشفت بيانات حديثة وزعتها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أسراً بأكملها باليمن تواجه الجوع يومياً، وأن ملايين النازحين داخلياً يواجهون ظروفاً متدهورة

محمد ناصر (تعز)

قصص مؤلمة للنازحين إلى الساحل الغربي في اليمن

أحد النازحين يشعر بامتنان لأنه تمكن من الفرار من مناطق الصراع في الساحل الغربي لليمن (الأمم المتحدة)
أحد النازحين يشعر بامتنان لأنه تمكن من الفرار من مناطق الصراع في الساحل الغربي لليمن (الأمم المتحدة)
TT

قصص مؤلمة للنازحين إلى الساحل الغربي في اليمن

أحد النازحين يشعر بامتنان لأنه تمكن من الفرار من مناطق الصراع في الساحل الغربي لليمن (الأمم المتحدة)
أحد النازحين يشعر بامتنان لأنه تمكن من الفرار من مناطق الصراع في الساحل الغربي لليمن (الأمم المتحدة)

في نقطة الاستجابة المجتمعية على الساحل الغربي لليمن، تنقل «لطيفة» قصصاً مؤلمة عن معاناة النازحين الذين فروا من القتال في محافظة الحديدة إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، كما تكشف جانباً من مآسي الحرب التي فجَّرها الحوثيون.

بدأت هذه الشابة (لطيفة) العمل مترجمة؛ لكنها منذ سنوات تكرِّس جهدها لخدمة المجموعات الضعيفة في صفوف النازحين، فهي تستمع بتعاطف إلى «سحر» البالغة من العمر 60 عاماً، وهي إحدى النازحات اللائي عشن تجربة مروعة.

معاناة النازحين في الساحل الغربي لليمن جرفت «لطيفة» من الترجمة إلى رعايتهم (الأمم المتحدة)

كانت «سحر» على مدى الأشهر الثمانية الماضية، تنتظر أخباراً عن ابنها الذي اختفى في البحر مع 7 صيادين آخرين بعد الإبحار في طقس خطير؛ لكن زوجته فارقت الحياة، وأصبحت منذ بضعة أشهر الراعي الوحيد لأبنائه الأربعة.

تعتقد «لطيفة» أن الشعور بالمسؤولية والتعاطف مع الذين تساعدهم تجذَّر في نفسها منذ التحاقها بالعمل في المجال الإنساني؛ حيث بدأت مترجمة، ثم كرَّست كل جهدها وبشكل متزايد للمجموعات الضعيفة التي واجهتها أثناء الزيارات الميدانية.

وتقول إنها في البداية رأت الأمر فرصة مهنية، ولكن عندما شاهدت التأثير الذي أحدثه عملها على حياة الآخرين: «قررت الاستمرار في العمل بهذا المجال»، ولأنها مسؤولة عن أسرة أيضاً وتعمل في هذا الجانب منذ 18 سنة، فإنها تشعر بالامتنان لوالدتها وأختها اللتين ساعدتاها في رعاية أطفالها الأربعة على مر السنين، مما سمح لها بالموازنة بين حياتها المهنية والأمومة.

وبالإضافة إلى ذلك، تؤكد أن زوجها لعب دوراً حاسماً في مساعدتها؛ إذ كان يتولى متابعة الأبناء في مدرستهم بشكل منتظم، ورعايتهم عندما يمرضون. وتقول إنه «كان أكبر داعم لي، ومصدر قوتي وتفانيّ في عملي».

مساعدة النازحين

في عملها، تربط «لطيفة» النازحين حديثاً بالخدمات التي تقدمها المنظمات الإغاثية، بما في ذلك الرعاية الصحية وإدارة وتنسيق المخيمات، والشركاء الآخرين.

وتوزع مع زملائها المبالغ النقدية على الحالات المعرضة للخطر، وتنظم جلسات التوعية والإحالات للحصول على الدعم النفسي والاجتماعي.

وتساعد «لطيفة» بانتظام أشخاصاً مثل «علي» الذي وصل مؤخراً من ضواحي مديرية حيس، هرباً من الصراع المتصاعد. وعلى الرغم من ترحيب أقاربه به، فإن منزلهم كان مكتظاً بخمس عائلات، بمن في ذلك 12 طفلاً، ومولود جديد. ولهذا بينما الرجل ينتظر حلاً أفضل، أقام «علي» مأوى مؤقتاً خارج المنزل، للبقاء بالقرب من عائلته.

الأطفال في المخيمات عنوان للمأساة التي يعيشها النازحون في اليمن (الأمم المتحدة)

ويشعر الرجل بالامتنان؛ لأن جرح الرصاصة التي أصيب بها في إصبعه أثناء الهروب لم يكن أكثر شدة. وفي داخل المنزل الذي لا يمتلك سقفاً، تنشغل ابنة أخته «شيماء» برعاية مولودها الجديد؛ إذ أطلقت على المسكن اسم المنزل على مدى السنوات الثلاث الماضية؛ لكن هطول الأمطار الغزيرة مؤخراً أدى إلى تدفق المياه مباشرة إلى الغرفة، ومنذ ذلك الحين، تلقت نقوداً من المنظمة الدولية للهجرة لتحسين المنزل.

تقديم الدعم

لا تتوقف «لطيفة» في مكان؛ لكنها تحرص على زيارة منتظمة للأشخاص الذين يتلقون الدعم، مثل «كاتبة» البالغة من العمر 30 عاماً، والتي توفي زوجها قبل عامين، وكانت حاملاً في شهرها الثامن بابنتها، وقد أصيبت بالصدمة؛ حيث قُتل زوجها -وهو سائق دراجة نارية- في انفجار لغم من مخلفات الحوثيين، بالقرب من خطوط المواجهة.

وحذَّرت «كاتبة» زوجها من المخاطر؛ لكن إصابة ابنتهما بالربو تتطلب أدوية مستمرة، لذلك كان عليه أن يعمل لإعالة الأسرة. ومع بدء تعافيها من الصدمة تصاعد الصراع من حولها مرة أخرى. وخوفاً على سلامة أطفالها لم يكن عليها أن تفكر كثيراً؛ خصوصاً أن منزلها تعرض في إحدى الليالي للهجوم، فهربت مع أطفالها تاركة كل شيء وراءها.

نازحة يمنية مع أطفالها في رحلة كفاح مريرة من أجل العيش (الأمم المتحدة)

لجأت «كاتبة» مع أطفالها الستة إلى شقيقها في ميناء المخا، ولكنها شعرت بالذنب لأنها اعتمدت عليه؛ لأنه كان يعول أسرته أيضاً. ولعدة أشهر، كانت تعيش على وجبة واحدة فقط في اليوم. وتقول: «لم أكن أرغب قط في أن أكون في موقف أضطر فيه إلى التسول للحصول على الطعام».

وبعد أن سمعَتْ عن الدعم الذي تقدمه المنظمات للأشخاص الضعفاء، تواصلَتْ مع «لطيفة» التي ساعدتها في الحصول على مواد غير غذائية لمطبخها؛ حيث كانت تستخدم أواني الطهي المستعارة. وتتذكر: «لم يكن لدي حتى سكين، كنت أعتمد على أي مواد يقرضني الناس إياها».

وتذكُر أنها بفضل الدعم المالي الذي حصلت عليه من منظمة الهجرة الدولية، فتحت متجراً صغيراً على قطعة من الأرض تعود ملكيتها لأخيها. ومع مزيد من المال، تأمل «كاتبة» أن تتمكن من توسيع المتجر؛ لكنها في الوقت الحالي راضية عما تمكنت من إنجازه.