دعوات للبعثات الدبلوماسية إلى النظر في «سياسة تجويع موظفي الإقليم»

حذّرت بغداد وأربيل من تأخير صرف الرواتب

مسيرة في مدينة دهوك شماليّ العراق مطلع سبتمبر احتجاجاً على عدم دفع رواتب (أ.ف.ب)
مسيرة في مدينة دهوك شماليّ العراق مطلع سبتمبر احتجاجاً على عدم دفع رواتب (أ.ف.ب)
TT

دعوات للبعثات الدبلوماسية إلى النظر في «سياسة تجويع موظفي الإقليم»

مسيرة في مدينة دهوك شماليّ العراق مطلع سبتمبر احتجاجاً على عدم دفع رواتب (أ.ف.ب)
مسيرة في مدينة دهوك شماليّ العراق مطلع سبتمبر احتجاجاً على عدم دفع رواتب (أ.ف.ب)

حذّرت مجموعة من منظمات المجتمع المدني (شبكة) في محافظة السليمانية بإقليم كردستان، الخميس، الحكومة المركزية وحكومة الإقليم من تداعيات تأخير صرف رواتب الموظفين، كما دعت البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق إلى اتخاذ موقف مما وصفتها بـ«سياسية تجويع موظفي الإقليم».

جاء تحذير ودعوات شبكة المنظمات المدنية خلال مؤتمر صحافي عقدته في السليمانية، بالتزامن مع زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني التي يُتوقع أن يتمحور معظمها حول مشكلة المرتبات وتمويل بغداد المالي لحكومة الإقليم.

وقال رئيس شبكة المنظمات المدنية في السليمانية برهم قرداغي، في المؤتمر الصحافي، إنه «يتعين على حكومة إقليم كردستان الالتزام بتعهداتها وصرف رواتب الموظفين كل ثلاثين يوماً دون تأخير، كما ينبغي على الحكومة الاتحادية عدم زج رواتب الموظفين في الخلافات السياسية والصراعات وعدم معاقبة مواطني الإقليم».

وطالب قرداغي، ممثلي البعثات الدبلوماسية بـ«بيان موقفهم من تجويع موظفي إقليم كردستان». كما طالب المحكمة الاتحادية العراقية ومجلس النواب العراقي بـ«إنهاء طرق تجويع المواطنين الكرد».

وحذّر من عدم «حل مشكلة الرواتب بأسرع وقت». لافتاً إلى «أن المستأجرين يعانون من عدم دفع إيجارات منازلهم لأكثر من ثلاثة أشهر وهذا سبَّب مشكلات كبيرة لهم، وبعضهم ربما سيحاول بيع (كليته) لدفع الديون المترتبة بذمته».

ومنذ أيام خرجت أعداد كبيرة من الموظفين في مختلف الدوائر الحكومية في محافظة أربيل بمظاهرات احتجاجاً على تأخر تسلم مرتباتهم، وأعلن، يوم الخميس، عدد من دوائر الصحة والتعليم إضراباً عن العمل بسبب تأخر الرواتب، وتفيد الأنباء الواردة من هناك إلى إمكانية استمرار الإضراب وامتداده إلى معظم المؤسسات الحكومية في حال استمر التأخير في تسلم المرتبات.

وأكد كبار المسؤولين في بغداد وفي مقدمهم رئيس الوزراء محمد السوداني، أهمية وصول مرتبات المواطنين الكرد بانتظام بوصفهم مواطنين عراقيين، وقال أول من أمس، إن «الحكومة الاتحادية ملتزمة تجاه مواطنيها في الإقليم كاستحقاق وطني وأخلاقي» غير أن التعقيد المرتبط بهذا الملف متواصل منذ سنوات، بحيث تتجاوز فترة الشهرين والثلاثة في بعض الأحيان قبل أن يحصل الموظفين في الإقليم على مرتباتهم الشهرية.

وفي هذا الاتجاه، يقول الصحافي الكردي المقيم في السليمانية دياري محمد، إن «موظفي الإقليم لم يتسلموا رواتبهم منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، مما تسبب في معاناة شديدة لهم ولأسرهم، وفي ظل هكذا أوضاع يضطر كثير منهم إلى الاقتراض للإيفاء بالتزاماته المعيشية والعائلية، للأسف ظروف المواطنين المعيشة سيئة للغاية».

ويضيف محمد أن «حركة التبضع والحركة الاقتصادية بشكل عام تشهد تراجعاً كبيراً نتيجة تأخر صرف المرتبات، وقد انعكس ذلك سلباً على مجمع الأنشطة الاقتصادية في الإقليم خصوصاً في مجال انحسار حركة البيع والشراء في قطاعي العقارات والسيارات التي تراجعت أسعارها كثيراً».

ويأمل محمد أن «تسهم زيارة وفد الإقليم إلى بغداد، اليوم (الخميس)، في التوصل إلى صيغة حل نهائية تُنهي أزمة المرتبات المتواصلة منذ سنوات». ويقترح أن «يبادر رئيس الوزراء الاتحادي إلى إرسال ممثلين عنه لمعرفة مدى الصعوبة التي يواجهها المواطنون في كردستان ولا يكتفي باللقاءات والمفاوضات مع المسؤولين الحكوميين في الإقليم فقط».

وخلص إلى القول إن «الموظفين الكرد، شأن نظرائهم في بقية المحافظات العراقية لا يمكن أن يستمروا في العيش من دون مرتبات، وهم في المحصلة الأخيرة غير معنيين بالخلافات والصراعات السياسية القائمة بين الحكومة الاتحادية والإقليم».


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوة عسكرية مشتركة بين «البيشمركة» والجيش العراقي (موقع باس الكردي)

تفجير يودي بضباط وجنود من الجيش العراقي و«قوات البيشمركة» الكردية

أعلنت وزارة «البيشمركة» في حكومة إقليم كردستان، مقتل عدد من الضباط وجرح جنود، جراء انفجار أكثر من عبوة مزروعة في المكان نفسه، محدثة انفجاراً سُمع لمسافات بعيدة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي بارزاني خلال مراسم حفل التخرج (الشرق الأوسط)

نيجرفان بارزاني: «البيشمركة» جزء رئيسي من منظومة الدفاع العراقية

جدد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، السبت، دعواته المتكررة لتوحيد صفوف قوات الأمن الكردية (البيشمركة) وعدها جزءاً مهماً من منظومة الدفاع العراقية.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مركب سياحي في البصرة (أ.ف.ب)

بغداد ترفض طلباً كردياً بتأجيل التعداد السكاني في المناطق «المتنازع عليها»

رفضت الحكومة المركزية في بغداد طلباً لحكومة إقليم كردستان بتأجيل إجراء التعداد السكاني في المناطق «المتنازع عليها» إلى موعد لاحق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (إكس)

بارزاني يحدد 4 مبادئ لتشكيل حكومة كردستان

شدد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، على أربعة مبادئ أساسية لتشكيل حكومة إقليم كردستان، أبرزها توحيد الإدارات وقوات «البيشمركة».

فاضل النشمي (بغداد)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.