فساد حوثي واسع في كبرى شركات الاتصالات اليمنية

اتهامات لقادة الجماعة بالاستيلاء على ملايين الدولارات

مبنى شركة «يمن موبايل» في العاصمة اليمنية صنعاء (تويتر)
مبنى شركة «يمن موبايل» في العاصمة اليمنية صنعاء (تويتر)
TT

فساد حوثي واسع في كبرى شركات الاتصالات اليمنية

مبنى شركة «يمن موبايل» في العاصمة اليمنية صنعاء (تويتر)
مبنى شركة «يمن موبايل» في العاصمة اليمنية صنعاء (تويتر)

كشفت مصادر يمنية عاملة بقطاع الاتصالات، في العاصمة صنعاء، عن فساد حوثي مهول في كبرى شركات الاتصالات (يمن موبايل)؛ حيث حولتها الجماعة إلى مصدر رئيس لإثراء قادتها، والاستيلاء على ملايين الدولارات، بالتوازي مع تدهور خدماتها واحتكار المناصب فيها للعناصر المنتمين إلى السلالة الحوثية.

وفي حين أبدى مشتركون في خدمات الشركة استياءهم من الحال التي وصلت إليها، في ظل تردي خدماتها وضعف شبكتها في المحافظات كافة، أكدت المصادر أن قادة الجماعة المعينين على رأس الشركة يتجاهلون تردي خدماتها، بما في ذلك ضعف التغطية.

واتهمت المصادر قادة الميليشيا الحوثية بأنهم يستولون على مليارات الريالات اليمنية من عائدات الشركة، بالتزامن مع استبعاد الموظفين من أصحاب الكفاءات والمتخصصين في كل الإدارات، وإحلال أشخاص كل مؤهلاتهم أنهم ينتمون للسلالة الحوثية، حتى وصل الأمر بموظفي الشركة أن أطلقوا عليها من باب السخرية شركة «الحوثي موبايل».

ومن خلال العناصر الذين أوكلت لهم الجماعة أهم المناصب الإدارية، تمكنت -حسب المصادر- من نهب عشرات الملايين من الريالات بشكل يومي، تحت مبررات ومزاعم كثيرة، ومن ذلك صرف المليارات لمصلحة جمعيات يديرها قادة من الصف الأول في الجماعة، إلى جانب الإنفاق على مشروعات ومشتريات وهمية.

يعاني اليمن من تدهور في كفاءة الاتصالات منذ الانقلاب الحوثي (تويتر)

المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» قالت إن مبالغ ضخمة من عائدات الشركة تذهب إلى جيوب قيادات في الجماعة، أمثال محمد علي الحوثي، عضو ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (مجلس حكم الانقلاب) وعبد الكريم الحوثي، المعين وزيراً للداخلية في حكومة الانقلاب، ومعهم أحمد حامد، مدير مكتب رئيس مجلس الحكم الانقلابي، والذي يحظى بنصيب الأسد من تلك المصروفات.

بقرة حلوب

تعد شركة «يمن موبايل» من أكبر الشركات في اليمن من حيث الدخل؛ حيث يقدر دخلها اليومي بما يقارب مليوني دولار، بخاصة بعد أن تجاوز مشتركوها 12 مليون مشترك.

وحسب المصادر، باتت الشركة التي تعد قطاعاً مختلطاً منذ تأسيسها بمثابة «البقرة الحلوب» بالنسبة لقيادات الصف الأول من الجماعة والأسر الحوثية؛ حيث أوكل للقيادي عصام الحملي المعين رئيساً لمجلس الإدارة، التحكم بكل مفاصل الشركة، وإرساء المناقصات على شركات تتبع قادة الجماعة، وإبرام عقود مع جهات يديرها عناصر حوثيون.

وكشفت المصادر عن أن الجماعة تقوم بتخصيص مليارات الريالات لمصلحة مؤسستي قتلى وجرحى الميليشيات، والتي يرأس مجلس إدارتهما أحمد حامد.

واتهمت المصادر قيادياً يدعى محمد الشهاري، بأنه يحظى بتوجيهات لعمليات شراء مباشرة تفوق قيمتها مليوني دولار سنوياً، بعيداً عن إدارة المشتريات، رغم أنه ليس من موظفي الشركة، وليس له أي صفة أو علاقة حتى يقوم بمهام إدارة المشتريات، باستثناء أنه صهر القيادي الحوثي عصام الحملي.

استغل قادة الجماعة الحوثية شركات الاتصالات للإثراء وتمويل المجهود الحربي (إعلام حوثي)

وأكدت المصادر أن القيادي الحملي يقوم بتسهيلات لكبار قادة الجماعة، لنهب أكبر متاح من أموال إيرادات الشركة، في حين تذهب المشروعات الخيرية التي تتبناها الشركة إلى محافظة صعدة؛ حيث المعقل الرئيسي للميليشيات.

عجز عن المحاسبة

المصادر في قطاع الاتصالات ذكرت أن المساهمين في الشركة باتوا عاجزين عن إيقاف ومحاسبة القيادات الحوثية المهيمنة على الشركة؛ بل أصبحوا ملزمين بالتصديق والموافقة والتوقيع على الحساب الختامي الذي تقدمه إدارة الشركة بداية كل عام، من أجل إغلاق أي باب للمساءلة والمحاسبة، بينما يقوم الحملي بين فترة وأخرى بإطاحة الكفاءات المشهود لهم منذ تأسيس الشركة، مستغلاً مكانته ومنصبه، لا سيما هؤلاء الذين لا يوافقون رغبات المنتمين إلى السلالة الحوثية.

المصادر نفسها أفادت بأن القيادي الحملي شرع أخيراً في شراء العقارات والأراضي كجزء من استثمارات الشركة، عبر أشخاص مقربين منه، وبأسعار تفوق السعر الحقيقي.

وأوضحت المصادر أن الحملي أمر أخيراً بشراء فلَّتين بمبلغ مليونين وثلاثمائة ألف دولار، رغم أنهما كانتا معروضتين بما لا يزيد عن مليون وسبعمائة ألف دولار؛ حيث ذهب الفارق إلى جيوب قادة الجماعة.

في غضون ذلك، شكا موظفون في الشركة من تدني رواتبهم؛ حيث لا تتناسب مع وضعهم المعيشي، ولا مع حالة الغلاء التي تعيشها البلاد منذ انقلاب جماعة الحوثي؛ حيث رفض قادة الجماعة المقترحات التي قُدمت لمساواة موظفي الشركة بموظفي الشركات المنافسة الأخرى في قطاع الاتصالات.

يتحكم الحوثيون مركزياً من صنعاء في قطاع الاتصالات اليمني (إنترنت)

يشار إلى أن قطاع الاتصالات في اليمن يعد واحداً من أبرز القطاعات التي تستغلها الجماعة الحوثية منذ انقلابها، لتمويل مجهودها الحربي؛ حيث تتحكم الميليشيات بالمركز الرئيس للاتصالات في صنعاء، وسط إخفاق الحكومة الشرعية في سحب البساط من تحت أقدام الجماعة.

وتمثل حصة الحكومة في شركة «يمن موبايل» 50 في المائة، بالإضافة إلى 15 في المائة هي حصة صناديق التقاعد الحكومية، وهذه الحصص جميعها تستولي عليها حكومة الميليشيات الحوثية.


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
شؤون إقليمية ناقلة نفط في البحر الأحمر (رويترز)

أنقرة تدين هجوم الحوثيين على سفينة شحن تركية

أدانت وزارة الخارجية التركية، اليوم (الأربعاء)، الهجوم الصاروخي الذي شنّه الحوثيون المتحالفون مع إيران على سفينة الشحن ذات الملكية التركية «أناضولو إس».

«الشرق الأوسط» (أنقرة )
العالم العربي خسائر بشرية بصفوف الحوثيين جراء استمرار خروقهم الميدانية (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يشيّدون مقابر جديدة لقتلاهم ويوسّعون أخرى

خصصت الجماعة الحوثية مزيداً من الأموال لاستحداث مقابر جديدة لقتلاها، بالتزامن مع توسيعها لأخرى بعد امتلائها في عدد من مناطق العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مسلحون حوثيون يشاركون في تظاهرة باليمن (د.ب.أ)

«الحوثيون» يعلنون مهاجمة سفينة في البحر الأحمر

أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن، الثلاثاء، استهداف سفينة شحن في البحر الأحمر، غداة تقرير من «مركز المعلومات البحرية المشترك» عن انفجارين منفصلين.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.