تفاصيل خطة الأمم المتحدة لإنقاذ «صافر»

إجراءات فنية وأمنية... والتكلفة نحو 150 مليون دولار

السفينة اليمنية المتهالكة «صافر» (رويترز)
السفينة اليمنية المتهالكة «صافر» (رويترز)
TT

تفاصيل خطة الأمم المتحدة لإنقاذ «صافر»

السفينة اليمنية المتهالكة «صافر» (رويترز)
السفينة اليمنية المتهالكة «صافر» (رويترز)

مع وصول السفينة البديلة للناقلة اليمنية المتهالكة «صافر»، من المتوقَّع أن تبدأ عملية لإفراغ حمولة الناقلة المتهالكة التي تحمل 1.1 مليون برميل من النفط الخام خلال الأيام المتبقية من شهر مايو (آيار) الحالي، وفق خطة أعدتها الأمم المتحدة، وسلَّمت نسخة منها إلى الحكومة اليمنية والحوثيين.

عملية الإنقاذ الأممية تُقدَّر التكلفة الإجمالية لها تحديداً بـ148 مليون دولار، بينما تبلغ تكلفة المرحلة الأولى من العملية 129 مليون دولار، وتستمر في مرحلتها الأولى ثلاثة أشهر وتمتد إلى ثمانية أشهر.

الخطة التي أعدتها الأمم المتحدة تضم تفاصيل عملية نقل كمية النفط الخام من السفينة المتهالكة (صافر) إلى سفينة جديدة تم شراؤها لهذا الغرض، كما تتضمن الخطة الترتيبات الإدارية والأمنية، وإجراءات تنقل الفرق التي ستعمل على ذلك، والميزانية المطلوبة إلى جانب المخاطر والمحاذير التي قد تواجه هذه الخطة التي كان من المفترض أن تُنفَّذ قبل نهاية العام الماضي لكنها تأجلت بسبب حلول موسم الرياح والتأخر في شراء ناقلة بديلة للناقلة المتهالكة.

وبحسب الخطة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، فإن المرحلة الأولى سوف تستغرق 9 أسابيع، وسيتم خلالها إجراء التخطيط التفصيلي من قبل شركة «سميت سالفدج» والتحضير للعمليات والحصول على التصاريح وحشد الأصول والمعدات والموظفين، والتحقق من الإجراءات الأمنية والطبية في موقع مرابطة السفينة «صافر».

وتذكر الخطة أنه، ومع بدء التقدم نحو ناقلة «صافر» المرابطة بالقرب من الخطوط الملاحية الدولية، ستتم عملية  التقييم والمعاينة على ظهرها، وخلق بيئة عمل آمنة للأفراد والأصول، والاستعدادات للنقل منها إلى السفينة البديلة والعمليات اللاحقة لذلك.

وتنبه إلى أن عملية بهذا الحجم إلى جانب اعتبارات عديدة، فإن التخطيط سوف يتطلب التحديد الدقيق للوضع بعد المعاينة وأثناء العملية، ومن بعدها سيتم ضخ الغاز الخامل في صهاريج الحمولة قبل وصول الناقلة الجديدة.

كمية النفط غير معروفة

المرحلة الثانية التي سوف تستغرق 7 أسابيع، سيتم خلالها ربط الناقلة البديلة بعوامة الرسو، وإجراء النقل من سفينة إلى سفينة، وغسل الناقلة، وصهاريج الحمولة في الناقلة «صافر»، وتقشير صهاريج الحمولة وفحص مياه الاتزان لتعويض وزن الحمولة المزالة، والتخلص من مياه الغسل إلى ناقلة مستقبلة، والقيام بإزالة الشحوم من صهاريج الحمولة والتخلص الآمن من الرواسب، وتطهير وتهوية صهاريج الحمولة.

ونظراً لأن الناقلة «صافر» ستظل في مكانها في البداية انتظاراً للاتفاق على حل طويل الأجل، فإن الملكية ليست مشكلة تحتاج إلى حل قبل بدء العملية الطارئة. وبسبب ملكية شحنة النفط في الناقلة (وهي من النفط الخفيف) لعدد من الكيانات المختلفة، ولم يكن هناك تحديث للبيانات منذ عام 2015، فإن الكمية الدقيقة للنفط التي سيتم رفعها غير معروفة على وجه اليقين.

«الشحنة من النفط الخفيف ومملوكة لعدد من الكيانات المختلفة... وستظل في موقعها بالسفينة الجديدة حتى الاتفاق على بيعها»

الأمم المتحدة

ومع ذلك، تقول الخطة إنه، ونظراً لأن الحمولة ستبقى (على الأقل في البداية) في موضعها بالسفينة الجديدة، فإنه لا توجد ضرورة لتحديد ما إذا كان الملاك سيوافقون على التنازل عن حقوقهم حتى يمكن بيع الكمية، إلا أنه نتيجة اتفاق  الطرفين من حيث المبدأ على أنه إذا تم بيع النفط، كلياً أو جزئياً، في تاريخ ما في المستقبل، فإنه يمكن استخدام العائدات لدفع رواتب الموظفين الحكوميين. ولهذا فإنه يمكن تحديد قيمة البيع في مرحلة لاحقة، نظراً لعدم معرفة كمية النفط وحالته، ولأن قيمته غير واضحة حالياً.

بشأن المسؤوليات المتعلقة بعملية الإنقاذ وتخزين الحمولة في المستقبل يجري تقديم المشورة القانونية في هذا الشأن من جانب الشركة، ومن جانب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشكل مستقل، وسيحتاج هذا الأمر إلى توضيح المسؤولية في حالة حدوث تسرب أثناء نقل النفط إلى السفينة البديلة. وعادة ما تتم تغطية ذلك من خلال التأمين، ولكن على نحو ما تم ذكره سابقاً، فإنه لا يوجد تأمين على الناقلة «صافر»، ولا يمكن الحصول عليه لسفينة غير مصنفة بشأن التأمين أثناء النقل والتخزين من سفينة إلى سفينة.

عملية معقدة

بخصوص الترتيبات الأمنية للعملية ونقل حمولة الناقلة «صافر»، تصفها الخطة بأنها عملية معقدة تنطوي على العديد من المخاطر المصاحبة، ولهذا قامت شركة «سميت سالفدج / بوسکالیس»  بإجراء تحليل للتهديدات وتقييم للمخاطر الأمنية. كما قامت الأمم المتحدة بدراسة جميع التوصيات للتخفيف من المخاطر بعناية، وسيتم تنفيذها.

وبحسب الخطة، فإن تحول خط المواجهة العسكرية إلى جنوب محافظة الحديدة، أي في شمال منطقة الحيمة تقريباً بالقرب من الساحل المحاذي لمديرية حيس، نحو 90 كيلومتراً من ميناء الحديدة، فقد أصبحت البيئة المباشرة أقل تقلباً مما كانت عليه في السابق، حيث تتموضع ناقلة النفط «صـافر» في شمال ميناء الحديدة.

وبخصوص السفر والإقامة والمرافق الطبية الطارئة سيكون السفر في سيارات مدرعة، وسيخضع للإجراءات الأمنية النظامية للأمم المتحدة. وسوف يسافر ضابط أمن تابع للأمم المتحدة مع فريق «سميت سالفدج» عبر الطريق بين صنعاء والحديدة، وهو مستخدم بشكل جيد ويسافر عليه بانتظام موظفو الأمم المتحدة. وبالمثل، سيتم استخدام الطريق المؤدي إلى ميناء رأس عيسى وميناء الصليف بانتظام من قبل بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة للقيام بدوريات في كلا الميناءين.

صورة من على متن السفينة المتهالكة (رويترز)

 وتنص خطة العمل على أنه سيتم إبرام الاتفاقات بشأن أي تحركات للفرق الفنية مع سلطات الأمر الواقع، بحيث تكون جميع نقاط التفتيش على علم بالعملية والتحركات الضرورية. مع وجوب مراعاة البروتوكولات المتفَق عليها، على أن تكون إقامة الفرق في دور ضيافة تابعة للأمم المتحدة وستخضع لنفس الإجراءات التي يخضع لها موظفو الأمم المتحدة. على أن تدير كل من الخدمات المشتركة للأمم المتحدة وبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة عيادات أساسية، وتعمل مع مزود الخدمات الطبية التابع لشركة «سميت سالفدج»، للنظر في سبل رفع كفاءة المرافق. 

التعامل مع المخاطر

أيضاً  تذكر الخطة أن سيارات إسعاف مدرعة سوف تُستخدم، كما يوجد ترتيب  للنقل جواً إلى نيروبي. كما أن لدى بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة أيضاً طائرة هليكوبتر متمركزة في جيبوتي، ويمكن استخدامها للإجلاء الطبي، حيث تم الاتفاق مسبقاً على موقع هبوط مناسب، وعلى إجراءات الموافقة على تصاريح الطيران، كما سيتعين أيضاً النظر في نقل المصابين من السفينة إلى نقطة وصول آمنة.

ووفق ما جاء في خطة العمل، فإن التعامل مع المخاطر المصاحبة للسفينة وعملية الإنقاذ سيكون مسؤولية «سميت سالفدج»، كجزء من طرق عملها الاعتيادي، ولأن السفينة قديمة، ذات هيكل واحد ولم تتم صيانته لفترة طويلة، وعلى وجه الخصوص، لم يتم ضخ أي غازات خاملة في صهاريج التخزين الخاصة بها، منذ نفـاد الوقود من الغلايات في عام 2017، سيتم التخفيف من المخاطر المرتبطة بالعمل في هذه السفينة باستخدام مقاول ذي خبرة عالية قام بهذا النوع من العمليات في السابق.

صورة مع على متن السفينة تبين حالة التآكل التي تعرضت لها (رويترز)

 وسيتم  إجراء عملية النقل من سفينة إلى سفينة استناداً إلى الإرشادات الصادرة عن غرفة الشحن الدولية المبينة في دليل النفط والمواد الكيميائية والغاز المسال، على أن تقوم شركة  «سميت سالفدج» بتهيئة بيئة عمل آمنة على ظهر ناقلة النفط «صافر».

وقبل بدء العمليات، تشير الخطة الأممية إلى أنه سيتم بشكل مستقل نقل أنظمة مناولة وسلامة حمولة ناقلات النفط العائمة باستخدام معدات الإنقاذ المتنقلة المتخصصة، وغسل الصهاريج والتطهير وتحرير الغاز وإزالة الشحوم، وعند الانتهاء من ضخ الغاز الخامل سيقلل ذلك من مخاطر الانفجار، وستغطي خطة الطوارئ أي حالات تسرب أثناء العملية والمخاطر البحرية، وفي حين أن المخاطر البحرية موجودة، كما هو متوقع في بيئة النزاع، فإن تقييم الأمم المتحدة يشير إلى أنه يمكن التخفيف منها.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.