أبعاد أمنية واقتصادية تعزز التعاون في الصناعات الدفاعية بين مصر وتركيا

خبراء عدّوه «تتويجاً لتقارب البلدين»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره التركي رجب طيب إردوغان بالقاهرة في فبراير 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره التركي رجب طيب إردوغان بالقاهرة في فبراير 2024 (الرئاسة المصرية)
TT

أبعاد أمنية واقتصادية تعزز التعاون في الصناعات الدفاعية بين مصر وتركيا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره التركي رجب طيب إردوغان بالقاهرة في فبراير 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره التركي رجب طيب إردوغان بالقاهرة في فبراير 2024 (الرئاسة المصرية)

في وقت تتسارع فيه وتيرة التعاون بين مصر وتركيا في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية، أكد خبراء أن «هناك أبعاداً لهذا التعاون تتعلق بتحقيق توازن في القوى بالمنطقة، ووقف التهديدات التي باتت وجودية على دول الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين». وأضافوا: «كما له أبعاد اقتصادية تتعلق بخفض تكلفة التسليح لقوات الدولتين، فضلاً عن السعي لتحقيق تقدم في تلك الصناعة ومنافسة الدول المتقدمة فيها».

وكانت شركة «أسيلسان التركية»، إحدى أبرز شركات الصناعات الدفاعية في العالم، أعلنت أخيراً افتتاح مكتب تمثيلي إقليمي لها في مصر تحت اسم «Aselsan Egypt» لـ«تعزيز التعاون المشترك مع مصر والشركاء»، بحسب ما قال المدير العام للشركة، أحمد أكيول، بعد مشاركة شركة الصناعات الدفاعية في معرض الدفاع المصري «إيديكس 2025» في القاهرة، الذي شارك فيه نحو 80 شركة تركية؛ إذ وصف الخطوة بأنها «فصل جديد» في خدمة الشركاء المصريين مباشرة، مع وجود فيزيائي دائم في البلاد.

ووفق أكيول، يهدف «المكتب» إلى «تسهيل تقديم الخدمات والدعم الفني للقوات المسلحة المصرية والعملاء المحليين، مع التركيز على تطوير وإنتاج أنظمة دفاعية مشتركة تستفيد من خبرات (أسيلسان) في الإلكترونيات العسكرية والقدرات التصنيعية المصرية المتقدمة». وأكد أكيول أن «التعاون يشمل توقيع اتفاقيات أولية مع ثلاث شركات مصرية، بهدف تحولها إلى إنتاج مشترك وأنشطة تعاونية طويلة الأمد، مع الإعلان الرسمي عن المنتجات الدفاعية المشتركة خلال النسخة المقبلة من معرض (إيديكس 2027)».

عضو «معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع»، اللواء السابق في الجيش المصري، ياسر هاشم، قال إن «مسألة تغيير موازين القوى لها معايير واعتبارات معقدة، وتحتاج لوقت، وترتبط أساساً بالتوجه والهدف الاستراتيجي للدولة، وكذا الجبهات والعدائيات المتوقعة والمفترضة. والسياسة المصرية بصفة عامة استقرت على تنويع الشراكات مع دول متعددة، سواء كانت في مجالات تصنيع السلاح أو الصفقات، مثل كوريا الجنوبية وفرنسا وألمانيا والصين وصربيا، وأخيراً تركيا. والهدف ليس سعياً للتأثير في موازين القوى فقط، بل هناك أيضاً بعد اقتصادي مهم سواء لخفض تكاليف التسليح أو لفتح أسواق، فضلاً عن تلبية احتياجات القوات المسلحة المصرية».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مسار التحديث الجاري في معظم اتجاهات الدفاع المصري، هو مسار ضروري لمواكبة التطور السريع الحادث في التسليح والصناعات الدفاعية بالمنطقة والعالم، كذلك تعميق صناعات الدفاع في مصر وتنويعها والاستفادة من وجود صناعات أساسية وصناعات تكميلية، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو المشترك، يمكن أن تدعم هذا الاتجاه».

وشهد التعاون العسكري بين مصر وتركيا تطوراً ملحوظاً منذ 2023 مع عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتبادل الزيارات الرئاسية، مما انعكس على مجال الصناعات الدفاعية. ويأتي افتتاح «مكتب أسيلسان» في مصر ضمن مشاركة تركية قوية في معرض الدفاع المصري «إيديكس 2025». وبحسب بيان للشركة أخيراً، فإن «(أسيلسان) تسعى للانتقال من التصدير إلى الإنتاج المشترك، مستفيدة من القدرات التصنيعية المصرية المتقدمة في (الهيئة العربية للتصنيع) وغيرها».

الأكاديمي والباحث المصري في العلاقات الدولية، بشير عبد الفتاح، يرى أن «هذا التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، هو تتويج لعملية التقارب الكبيرة والملحوظة التي حدثت بين مصر وتركيا خلال العامين الماضيين، وهناك مشروعات مشتركة لإنتاج منظومات دفاعية متنوعة وصلت لمستوى التعاون من أجل إنتاج طائرة مقاتلة، إلى جانب منظومات دفاع جوي مسيّرات مما يعزز التقارب على المستوى الاستراتيجي».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «من شأن ذلك أن يحدث تأثيراً مهماً في موازين القوى الإقليمية؛ إذ يمكن للبلدين التحول إلى مركز للتصنيع العسكري المشترك والتسليح والتسويق لذلك عربياً وأفريقياً، كما أنه سيزيد الاستقلال الاستراتيجي في مجال إنتاج الأسلحة المتطورة، مما يزيد من قوة واستقلال القرار الاستراتيجي للبلدين بشأن القضايا المثارة على الساحة، ويقلص الفجوة العسكرية والتسليحية بينهما وبين إسرائيل».

وشدد عبد الفتاح على أن «هذا التعاون الدفاعي والعسكري بين القاهرة وأنقرة لا أعتقد أنه يقلق الولايات المتحدة ولا الدول الأوروبية؛ لأنه لا يزال في بداياته، ولا يشكل تهديداً أو خللاً عميقاً في موازين القوى في الوقت الراهن، فهذا التعاون ما زال في مهده، ويتطور بشكل تدريجي وبطيء ومحسوب أيضاً، وبالتالي لا غضاضة فيه بالنسبة للدول الغربية؛ لأن تركيا أيضاً عضو في حلف (الناتو)، كما أن الأمر لا يشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل حتى الآن».

العلاقات المصرية - التركية شهدت تطوراً كبيراً خلال العامين الماضيين (الرئاسة المصرية)

وقبل أيام حذر إعلام عبري من «التعاون العسكري بين مصر وتركيا في مجال تصنيع الطائرة الشبحية (KAAN)»، ما يهدد «التفوق الجوي الإسرائيلي مستقبلاً»، بحسب وصف صحيفة «معاريف» الإسرائيلية.

المستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، جهاد توز، قال إنه «لا شك أن مصر وتركيا قوتان مهمتان في المنطقة بالنظر لحجمهما ومقوماتهما وتأثيرهما في محيطهما، وبالنظر أيضاً لموقعيهما وقوتيهما العسكريتين، وغيرها من المقومات الاقتصادية والسياسية، كما أن بين الدولتين تاريخاً مشتركاً لفترة طويلة، وأي قضية أو ملف متعلق بمصر أو تركيا يؤثر سلباً أو إيجاباً على المنطقة». وأوضح: «لا شك أن هناك تغييرات جذرية حدثت الفترة الماضية على مستوى العالم وعلى مستوى الإقليم، وتحديداً بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023»، فالتأثير ليس محدوداً ولا يتعلق فقط بقضية فلسطين أو غزة. لكن حسب تصريحات صُناع القرار في إسرائيل، فقد تحدثوا كثيراً بعد هذا التاريخ عن «تغيير الجغرافيا وتغيير حدود الدول في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يشكل تهديداً للأمن القومي في المنطقة ككل».

وتوز، وهو مستشار سابق أيضاً في «الخارجية التركية»، أضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تحديداً دولة جارة للأراضي المحتلة من طرف الكيان الإسرائيلي، وهذا الكيان من المعروف والمعلن أن له أجندات خاصة تجاه مصر، ويبذل قصارى جهده لتنفيذ هذه الأجندات، ويحاول جاهداً إثارة القلاقل ودفع الأزمات نحو الأراضي المصرية، فضلاً عن قصفه لدول المنطقة من لبنان وسوريا... ومن ثم تبحث دول المنطقة، ومن بينها مصر وتركيا، عن عمل شراكات وكيانات مشتركة لمواجهة هذه التهديدات، وفي مقابل ذلك تغاضت الدولتان عما كان بينهما من توترات سابقة؛ لأن التهديد أصبح وجودياً، وانتقل الأمر من (تطبيع العلاقات) بين القاهرة وأنقرة إلى (تطوير العلاقات)، وأصبحت هناك مشروعات مشتركة بين الجانبين، خاصة في الجانب الدفاعي والعسكري الذي قطعت فيه تركيا شوطاً كبيراً، كما أن مصر لها ثقلها العسكري، وبإمكان الطرفين إحداث طفرة في هذا الملف، فضلاً عن التعاون التجاري والاستثماري، مما يؤثر إيجاباً على المنطقة، ويضع حداً للتهديدات».


مقالات ذات صلة

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

تحليل إخباري محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية) play-circle

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

أصدرت الرئاسة المصرية عقب زيارة البرهان للقاهرة بياناً تضمن خطوطاً حمراء للحرب في السودان، تنطلق من وحدة السودان ومؤسساته، ولوّحت بالدفاع المشترك لدعمه.

وجدان طلحة (بورتسودان)
تحليل إخباري الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري ترمب يعطي إشارة تعزز فرص زيارة السيسي للولايات المتحدة

رحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستقبال نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في الولايات المتحدة

محمد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)

توافق مصري - روسي على «توسيع التنسيق السياسي» في القضايا الإقليمية والدولية

لافروف أعرب عن تقدير بلاده لاستضافة مصر لـ«المنتدى الوزاري الثاني للشراكة الأفريقية - الروسية».

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية) play-circle

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

رسمت مصر «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، وحذرت من تجاوزها باعتبارها «تمس الأمن القومي المصري».

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون أمام مركز اقتراع في محافظة الغربية (تنسيقية شباب الأحزاب)

شكاوى مستمرة من «خروقات» مع تواصل انتخابات «النواب» المصري

تواصلت الشكاوى من «خروقات» خلال جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، الخميس، فيما أعلنت وزارة الداخلية المصرية «توقيف عشرات الأشخاص».

علاء حموده (القاهرة )

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

بلغة واضحة لا تخلو من حدة، وعقب زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى القاهرة، أصدرت الرئاسة المصرية بياناً حول الحرب السودانية، تضمن 3 نقاط وصفتها بالخطوط الحمراء، وقالت إنها لن تسمح بتجاوزها أو التهاون بشأنها، لأنها تمس الأمن القومي المصري المرتبط بالأمن القومي السوداني مباشرةً. وجاءت الإشارة إلى تفعيل «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين تلويحاً بإمكانية إلقاء مصر بثقلها العسكري والسياسي والدبلوماسي لصالح الجيش السوداني.

اتفاقية الدفاع المشترك

في مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976 في عهد حكم الرئيسين السوداني جعفر نميري، والمصري أنور السادات، ونصت المادتان الأولى والثانية على أن أي اعتداء على طرف يعد اعتداء على الآخر، وعلى التشاور الفوري الذي يتضمن استخدام القوة المسلحة لرد العدوان، وعلى التزام الطرفين بتنسيق سياساتهما الدفاعية والعسكرية في المسائل المتعلقة بأمن البلدين القومي.

النميري ضابطاً في القاهرة قبل توليه الرئاسة بـ15 عاماً (أ.ف.ب)

وبعد سقوط نظام جعفر النميري بالثورة الشعبية في 1985، أبلغ رئيس الوزراء وقتها الصادق المهدي القيادة المصرية رغبته في إلغاء «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، وبدلاً عنها تم توقيع ما عُرف بـ«ميثاق الإخاء» في 1987، لم ينص صراحة على إلغاء اتفاقية 1976، لكن لم يتم الحديث عنها أو تحريك «آلياتها» منذ ذلك الوقت.

رسائل إقليمية ودولية

اعتبر الكاتب الصحافي السوداني، رئيس تحرير صحيفة «التيار»، عثمان ميرغني، التصريحات المصرية، رسائل إقليمية ودولية في سياق التطورات الأخيرة المرتبطة بمهددات أمنية خطيرة على السودان، مشيراً إلى «تمدد (قوات الدعم السريع) في إقليمي دارفور وكردفان بصورة تهدد الأمن القومي السوداني المصري المشترك، مع وجود مخاطر انقسام جغرافي يهدد وحدة السودان».

ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر لأول مرة تستخدم لغةً مباشرةً وخشنةً، وتلوح بإمكانية تدخلها وفق القانون الدولي في أحداث السودان، وأضاف: «هذا يعبر عن مستوى القلق المصري من الوضع في السودان». وأشار ميرغني إلى إمكانية «التدخل المباشر» تحت ذريعة القانون الدولي وفقاً لما جاء في بيان الرئاسة المصرية، وقال إن «الخطوط الحمراء رسالة موجهة للجميع، فاللاعبون المؤثرون في المشهد السوداني كثر».

الخطوط الحمراء

أول الخطوط الحمراء التي ذكرتها القاهرة، هي الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان، وجددت رفضها القاطع إنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.

وشددت مصر وفقاً للبيان على الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بها، مؤكدةً على حقها الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي، من بينها تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين الشقيقين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها.

وزير الخارجية السوداني السابق على يوسف أشار إلى توقيت زيارة البرهان إلى القاهرة، وقال إنه جاءت عقب زيارته الاثنين الماضي إلى المملكة العربية السعودية، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، وتأتي في إطار جهود إنهاء الحرب في السودان عبر الآلية الرباعية التي تضم السعودية والإمارات ومصر وأميركا، وأوضح يوسف لـ«الشرق الأوسط»، أن البرهان أطلع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على مخرجات زيارته إلى السعودية، وآخر التطورات في السودان.

وقال إن الزيارة لا تشبه مراسم الزيارات العادية، وجاءت نتيجةً لتطورات الحرب السودانية، لأن أمن مصر مرتبطٌ ارتباطاً عضوياً بأمن السودان، ونبه إلى أن مصر جزءٌ من الآلية الرباعية التي تسعي لإنهاء الحرب التي اقتربت من عامها الثالث.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

الخبير العسكري السوداني، المعتصم عبد القادر، قال إن تفعيل الاتفاقية المشتركة بين السودان ومصر يعني أن يكون هناك تدخل مصري، بأشكال مختلفة، يمكن أن يشمل توفير الأسلحة والذخائر أو التدخل المباشر، وحسب بنود الاتفاقية التي تنص على أن على جيشي الدولتين الدفاع عن الأخرى، وأضاف: «الخطوط التي جاءت في بيان الرئاسة المصرية خطوة متقدمة، وتعني الكثير للدولة السودانية». ووصف عبد القادر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، حماية البلدين لبعضها البعض، بأنها «مسألة تاريخية ممتدة منذ الحروب التي حدثت في مصر في القرن الماضي، وشاركت فيها القوات المسلحة السودانية».

رأي «الدعم السريع»

قال مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، في تصريحات على صفحته بمنصة «إكس»، إن موقف مصر الوارد في البيان «يُعد تدخلاً سافراً، وانحيازاً لطرف معين، وتعاملاً استعمارياً، ينظر إلى السودان بوصفه حديقة خلفية لها». مصدر آخر موال لـ«الدعم السريع» قال إن الاتهامات لمصر بدعم الجيش لم تتوقف يوماً منذ بدايات الحرب، وأشار إلى وجود قوات مصرية في قاعدة مروي الجوية بشمال البلاد في بدايات الحرب، حين تم أسر بعض الجنود والضباط المصريين، ثم تسليمهم إلى القاهرة لاحقاً.

وأشار المصدر أيضاً إلى اتهام قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، الجيش المصري، بـ«شن ضربات جوية على قواته»، وإمداد الجيش السوداني بطائرات مسيرة وتدريبه. وأن حميدتي جدد اتهاماته في يونيو (حزيران) الماضي بدعم القاهرة للجيش السوداني وتزويده بطائرات يقودها طيارون مصريون قصفت مناطق سيطرة قواته، وتزويد الجيش بأسلحة ووقود طائرات، معتبراً ذلك «عدواناً سافراً على الشعب السوداني». ويقول المصدر، الذي طلب حجب هويته، إن مصر تتدخل في الحرب في السودان من الأساس، وتفعيل اتفاقية «الدفاع المشترك» ما هو إلا تحصيل حاصل.

ترف الوقت

السفير السوداني الصادق المقلي قال إن مصر تعمل مع السعودية والمجموعة الرباعية الدولية، بإيعاز وتنسيق مع الولايات المتحدة، لإعطاء دفعة قوية لموضوع السودان، وأضاف: «أميركا تستخدم الآن القوة الناعمة بدلاً عن العصا، التي هي خيار مؤجل لحين استنفاد المساعي المكوكية التي يقوم بها كبير مستشاري الرئيس الأميركي مسعد بولس في المنطقة».

وأوضح المقلي في إفادته لـ«الشرق الأوسط»، أن واشنطن تعلم تماماً تأثير كل من السعودية ومصر، وقدرتهما على إقناع وتليين موقف الحكومة السودانية الرافض للمبادرة الأميركية الأخيرة.

وقال إن البرهان لا يملك في الوقت الحالي «ترف الوقت»، فما يجري في السودان هو أسوأ كارثة إنسانية بحسب وصف المجتمع الدولي لها، وأضاف: «الملاحظ أن مصر في شخص وزير خارجيتها بدر عبد العاطي شبه تفرغ لإنجاح (الرباعية)، باعتبار أن استمرار الوضع الراهن في السودان يهدد أمنها القومي».

ووصف السفير المقلي زيارتي البرهان لكل من الرياض والقاهرة بـ«الأمتار القصيرة» التي على البرهان قطعها للاقتناع بمبادرة «الرباعية»، وتابع: «زيارة السعودية أحدثت نقلة نوعية في الموقف الرسمي للحكومة السودانية، وأعربت بعدها الخارجية عن حرص بورتسودان على التعاون مع الرئيس دونالد ترمب ووزير خارجيته ومستشاره بولس، وجهودهم لتحقيق السلام في السودان»، وتوقع مستجدات وشيكة لحل الأزمة السودانية قد تحدث اختراقاً كبيراً.


ترمب يعطي إشارة تعزز فرص زيارة السيسي للولايات المتحدة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
TT

ترمب يعطي إشارة تعزز فرص زيارة السيسي للولايات المتحدة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

رحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستقبال نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في الولايات المتحدة، وسط تسريبات إسرائيلية - أميركية عن «زيارة محتملة قد تأتي بالتزامن مع أخرى مماثلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لواشنطن».

ذلك الترحيب يعد تمهيداً لزيارة مرتقبة للرئيس المصري لواشنطن، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «أمر إعلان التوقيت من عدمه يخص الرئاسة المصرية»، وشددوا على أن «العلاقات المصرية - الأميركية استراتيجية، وأي زيارة ستعزز اتفاق غزة، وستكون على أولويات لقاء للرئيسين المنتظر بواشنطن».

وقال ترمب، الخميس، إن السيسي «صديق لي، وسأكون سعيداً بلقائه أيضاً»، وذلك رداً على سؤال عما إذا كان الرئيس المصري يعتزم زيارة الولايات المتحدة. وجاءت تصريحات ترمب بالتزامن مع حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارة محتملة للرئيس المصري إلى واشنطن، الشهر الحالي؛ لإجراء محادثات مع نظيره الأميركي تتضمّن مجموعة من القضايا الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك العلاقات بين مصر وإسرائيل في أعقاب الحرب على غزة، وقضية «سد النهضة» الإثيوبي، بينما لم تعلق الرئاسة المصرية بعد على تساؤلات من «الشرق الأوسط» بشأن تلك الأنباء.

رئيس «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، يرى أن إعلان الزيارة المرتقبة أمر يخص الرئاسة المصرية، لكن يبقى حديث الرئيس الأميركي دليلاً على تقدير لمصر ورئيسها وتأثيرها في المنطقة.

وبرأي عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية، السفير محمد حجازي، فإن حديث ترمب «يعبر عن تقديره للرئيس السيسي وجهوده لاحتواء التصعيد في المنطقة، وطرح الرؤى البناءة بعد استضافة شرم الشيخ المصرية واحدة من أهم قمم السلام في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي»، مرجحاً إتمام زيارة مرتقبة للرئيس السيسي إلى الولايات المتحدة لكن ليس في ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة في شرم الشيخ المصرية أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

وتزامن حديث ترمب أيضاً، مع إعلان مصدر إسرائيلي لشبكة «سي إن إن»، الخميس، أن إعلان بنيامين نتنياهو بشأن صفقة الغاز «جزء من جهود تمهيدية لعقد اجتماع محتمل بالولايات المتحدة بين نتنياهو والسيسي».

بينما رد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، مساء الخميس، على ما يثار بشأن احتمال عقد قمة بين الرئيس السيسي ونتنياهو، قائلاً: «هذا شيء وهذا شيء، ما يتردد ليس هناك شيء رسمي بشأنه، والرئيس السيسي سيكون حريصاً على اتخاذ ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة».

ويأتي الحديث الأخير عن زيارة محتملة للسيسي إلى واشنطن بعد شهرين من التوصُّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بغزة في 13 أكتوبر الماضي، بموجب اتفاق توسَّطت فيه مصر، واستضافت القائمين عليه في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر. وبدأت العلاقات المصرية - الأميركية مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في صيف 2014، تأخذ منحى إيجابياً لم يخلُ أيضاً من تباينات، وذلك في 4 فترات رئاسية شملت باراك أوباما، ثم الفترة الأولى لدونالد ترمب، ثم جو بايدن، وأخيراً الفترة الثانية من ترمب.

وأُثيرت أنباء في فبراير (شباط) 2025 عن زيارة للسيسي للقاء ترمب، قبل أن يتم الحديث بوسائل إعلام آنذاك، عن تأجيل الزيارة لأجل غير مسمى على خلفية تباينات مصرية أميركية بشأن ملف تهجير الفلسطينيين لمصر والأردن الذي طرحه الرئيس الأميركي آنذاك. قبل أن تعود العلاقات المصرية - الأميركية بقوة وتقود واشنطن والقاهرة مؤتمر شرم الشيخ للسلام الذي انتهي باعتماد خطة ترمب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

ويرى العرابي أن العلاقات المصرية - الأميركية استراتيجية، وأن هناك تعويلاً مصرياً على دور ترمب بشأن قضايا المنطقة لا سيما في غزة بوصفه حاسماً، متوقعاً أن تسهم جهود مصر مع واشنطن في أن يتم الدفع باتفاق غزة حتى تنفيذه كاملاً. وأكد حجازي أن الرئيس السيسي في أي زيارة مرتقبة للولايات المتحدة سيكون تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن واستقرار غزة أبرز الملفات.


توافق مصري - روسي على «توسيع التنسيق السياسي» في القضايا الإقليمية والدولية

وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)
TT

توافق مصري - روسي على «توسيع التنسيق السياسي» في القضايا الإقليمية والدولية

وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال استقبال نظيره الروسي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)

توافقت مصر وروسيا على «توسيع التنسيق السياسي» بين البلدين في مختلف القضايا الإقليمية والدولية. وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عقب استقباله نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في القاهرة، الجمعة، إن «المحادثات تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».

وأكد وزير الخارجية المصري، في مؤتمر صحافي مشترك عقب اللقاء، على «العلاقات الراسخة وأطر الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع بين مصر وروسيا»، مشيراً إلى ترأسه ونظيره الروسي «أعمال المنتدى الوزاري الثاني للشراكة الروسية - الأفريقية»، الذي تستضيفه القاهرة في إطار «تعزيز أطر الشراكة والتعاون الثلاثي بين مصر وروسيا والقارة الأفريقية».

وقد أعرب لافروف عن تقدير بلاده لاستضافة مصر لـ«المنتدى الوزاري الثاني للشراكة الأفريقية - الروسية»، مشيراً إلى أنه ناقش مع عبد العاطي «تنمية العلاقات بين موسكو وجامعة الدول العربية باعتبار أن القاهرة تستضيف مقر الجامعة العربية». وقال لافروف إن «المحادثات تناولت القضايا الدولية والإقليمية، وتم الاتفاق على توسيع التنسيق السياسي بين مصر وروسيا في المحافل الدولية وفي إطار الحوارات بين روسيا والدول العربية».

ومن المقرر أن يلتقي لافروف والوزراء الأفارقة المشاركين في الاجتماع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة السبت، حسب عبد العاطي.

وتناولت المشاورات المصرية - الروسية، الجمعة، التطورات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها المستجدات الأخيرة في قطاع غزة، والسودان، وليبيا، وإيران، والأزمة الأوكرانية، وقال عبد العاطي إن «التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم تؤكد أن تحقيق الأمن والاستقرار لن يتم دون تنسيق جاد مع الشركاء الدوليين»، معرباً عن «ترحيبه بالتعاون مع موسكو في دعم السلام وتسوية الأزمات بالحلول السياسية وبروح من المسؤولية والتوازن».

بدر عبد العاطي وسيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في القاهرة الجمعة (الخارجية المصرية)

وأشار وزير الخارجية المصري إلى أنه ناقش مع نظيره الروسي الجهود الحثيثة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وضمان نفاذ المساعدات بالتعاون مع الضامنين والشركاء الدوليين. وقال: «توافقنا على خطورة السياسات الحالية التي تقوض مساعي التهدئة وتؤدي إلى مزيد من التصعيد وعدم الاستقرار، وأكدنا ضرورة ممارسة الضغوط الحقيقية والفعالة لوقف الانتهاكات، وإدخال المساعدات إلى غزة دون قيد أو شرط».

من جانبه، أكد لافروف أن «روسيا تؤيد حل القضية الفلسطينية على أساس المرجعيات الدولية وحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة». واستعرض الوزيران تطورات الأوضاع في السودان، حيث أعرب عبد العاطي عن «قلق مصر البالغ من استمرار حالة التصعيد في السودان»، مشيراً إلى أن «هناك خطوطاً حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها باعتبار أن ذلك يمس الأمن القومي المصري مباشرة». وتوافق الوزيران على «ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى الإسراع بإنهاء هذه الأزمة ووقف معاناة الشعب السوداني والتأكيد على وحدة الأراضي السودانية وصون المؤسسات الوطنية».

وبشأن الوضع في ليبيا، أكد الوزيران على «أهمية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتزامن مع ما يفضي إلى تشكيل قيادة ليبية موحدة قادرة على إنهاء حالة الانقسام ووضع حد للأزمة الممتدة منذ عام 2011».

وشهدت المشاورات تبادل وجهات النظر حول تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي على «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد وبناء الثقة وتهيئة الظروف بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

عبد العاطي أكد على العلاقات الراسخة وأطر الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع بين مصر وروسيا (الخارجية المصرية)

وعلى صعيد الأزمة الأوكرانية، أكد عبد العاطي «موقف مصر الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار»، معرباً عن استعداد القاهرة للمساهمة في أي جهد لتسوية هذه الأزمة.

بدوره قال لافروف إن «بلاده مستعدة للتوصل لحل عادل للأزمة الأوكرانية»، وأشار إلى «أهمية نتائج المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية في هذا الشأن».

وتناولت المحادثات العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث أكد الوزيران على «الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو»، وشددا على أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية في الضبعة، والمنطقة الصناعية الروسية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري والتعاون في مجالات السياحة والنقل. وأعرب عبد العاطي عن تطلعه لـ«تسريع وتيرة العمل في المنطقة الصناعية الروسية». وعدّ محطة الضبعة النووية «لحظة تاريخيّة تؤكد عمق العلاقات بين مصر وروسيا، التي اتخذت منحنى تصاعدياً ملموساً على جميع المستويات». كما أوضح لافروف أن حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا وصل العام الماضي إلى 9.3 مليار دولار بزيادة 31 في المائة بالمقارنة بعام 2023. وقال إن «السد العالي كان رمزاً للشراكة بين البلدين والآن محطة الضبعة تعد رمزاً جديداً لتقوية العلاقات».

وعقد عبد العاطي، الجمعة، لقاءات ثنائية مع نظرائه الأفارقة على هامش أعمال «الاجتماع الوزاري الروسي - الأفريقي» الذي تستضيفه القاهرة على مدار يومين.