تكثف مصر جهودها لتحركات محتملة بشأن التعامل مع تأثيرات «سد النهضة» الإثيوبي، لمواجهة أي مخاطر تنتج عما تصفه القاهرة بـ«الإدارة العشوائية غير المنضبطة» من جانب أديس أبابا، في حين أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي «وجود تصور واضح لدى بلاده للإجراءات الفنية حيال أي ضرر مفاجئ».
وتتخوف القاهرة من تأثيرات «سد النهضة»، التي تصاعدت حدتها في الآونة الأخيرة، فبعد أيام من تدشين «السد» رسمياً في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، غمرت مياه فيضان نهر النيل عدداً من المدن السودانية، كما شهدت قرى مصرية عدة – خصوصاً في محافظتَي البحيرة والمنوفية – ارتفاعاً غير مسبوق في منسوب مياه النهر، ما أدّى إلى غمر مساحات من أراضي طرح النهر والأراضي الزراعية، فضلاً عن تضرر عدد من المنازل.
واضطرت الحكومة المصرية إلى اتخاذ «إجراءات فنية» عدة للتعامل مع تأثيرات عدم انتظام تصريف المياه من «سد النهضة»، حيث تقوم بتصريف كميات محددة من المياه في أوقات زمنية مختلفة على مدار العام، لضمان تحقيق الأمن المائي والاقتصادي، والحفاظ على سلامة البنية التحتية للمنظومة المائية للبلاد.
وأكد مدبولي أن «حكومته جاهزة بالكامل للتعامل مع مختلف السيناريوهات المحتملة المرتبطة بسد النهضة، مع وجود متابعة يومية مع وزارة الموارد المائية والري، وتصور واضح للتحركات والإجراءات الفنية اللازمة».
وقال خلال تصريحات، مساء الخميس، إن «مصر تعمل وفق خطط استباقية تراعي كل الاحتمالات لضمان إدارة الموارد المائية بكفاءة، والتعامل مع أي تأثيرات قد تنتج عن تشغيل سد النهضة»، مشدداً على أن «هذه الخطط تستهدف منع أي ضرر مفاجئ يمكن أن تتعرض له مصر، سواء عبر حجز كميات من المياه أو تمرير كميات أكبر من المقرر».

ولجأت مصر الأسبوع الماضي إلى فتح «مفيض توشكى» لتصريف كميات المياه الزائدة خلف «السد العالي» بالجنوب، عقب شكواها من «إدارة غير منضبطة» لسد النهضة و«تصريفات عشوائية» لمياه النيل الأزرق، وفق وزارة الري المصرية، التي أكدت في بيان حينها أن «استمرار النهج العشوائي في إدارة (السد) يُعرض مجرى النيل لتقلبات غير مأمونة التأثير».
ومن بين الإجراءات الفنية العديدة التي لجأت إليها مصر لتجنب تأثيرات «سد النهضة» وتواصل العمل عليها، وفق «الري المصرية»، المتابعة اللحظية لإيراد نهر النيل، ومراقبة مخزون بحيرة ناصر خلف السد العالي بالأقمار الاصطناعية، وتطوير البنية التحتية لمنظومة إدارة المياه، عبر تطهير الترع والمصارف، وصيانة السدود والقناطر وصيانة مخرات السيول تحسباً لأي فيضانات محتملة. وأطلقت الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مشروعاً قومياً يهدف إلى «ضبط مياه النيل» يتضمن إنتاج خرائط رقمية لقعر النهر وجانبيه وفرعيه، ويهدف إلى تعزيز قدرته الاستيعابية، ومواجهة أي طوارئ، والتعامل مع حالات الفيضانات.
أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي يرى أن مصر اتخذت جميع الإجراءات للتعامل مع أي تأثيرات سلبية لـ«سد النهضة» سواء الفيضانات المحتملة أو نقص إيراد نهر النيل، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تطوير مفيض توشكى لزيادة قدرته التصريفية يهدف إلى التعامل مع أي فيضانات محتملة، كما تهدف مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي إلى مواجهة نقص الموارد المائية»، مضيفاً أن «السد العالي ما زال يحمي مصر من أي مخاطر سواء الفيضانات أو نقص المياه»، لكنه حذر من «استمرار سوء إدارة وتشغيل (سد النهضة) من الجانب الإثيوبي وما يمكن أن يسببه من ضرر لمصر والسودان، لذا تدرس مصر تحركات أخرى محتملة بشأن التعامل مع تأثيرات (السد)».

وشدد رئيس الوزراء المصري، مساء الخميس، على أن «بلاده تتحرك دائماً من منطلق التعاون الإقليمي، وليست ضد أي مشروعات تنموية في دول حوض النيل، لكنها تتمسك في الوقت نفسه بضرورة ألا تؤدي تلك المشروعات إلى الإضرار بدول المصب»، مشيراً إلى أن «مفيض توشكى يعد جزءاً أساسياً من خطة الدولة لاستيعاب كميات المياه الفائضة، وجهات الدولة نفذت أعمالاً مسبقة لزيادة القدرة الاستيعابية للمفيض بما يضمن التعامل بأمان وكفاءة مع أي كميات إضافية من المياه».
المستشار الأسبق لوزير الري المصري، خبير المياه، الدكتور ضياء الدين القوصي، أكد أن «مخاطر (سد النهضة) مستمرة طالما أن مصر لا تشارك في إدارته وتشغيله»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تتخذ إجراءات عدة للتعامل مع أي مخاطر نتيجة التشغيل العشوائي لسد النهضة، ومواجهة أي فيضانات محتملة وتوجيه المياه الزائدة إلى مصارف أخرى»، لكن «سيظل الخطر قائماً، ولا بديل عن توقيع اتفاق قانوني بين مصر والسودان وإثيوبيا يتضمن قواعد الملء والتشغيل».




