تحولت حالة النشاط التي اعتاد الخطاط الأربعيني، محمود هديب، أن يعيشها بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية في مصر إلى «ركود» جعله لا يستفيد بالأساس من الانتخابات، مع توقف المرشحين عن الاستعانة به لكتابة «لافتات دعائية بالقماش»، أو رسم صور للمرشحين وشعاراتهم الانتخابية على الجدران.
وتقاوم وسائل دعاية «عتيقة» ارتبطت بالانتخابات في مصر الاندثار، في مواجهة استحواذ للدعاية الحديثة، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو البانرات الضخمة في الشوارع، بالتزامن مع ذروة فترة الدعاية الانتخابية لانتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) المقرر إجراؤها الشهر الجاري.
هديب، وهو من محافظة بني سويف (صعيد مصر)، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإقبال على طباعة اللافتات الدعائية من القماش بالشكل التقليدي تراجع بشكل كبير، وبات نادراً مع تفضيل المرشحين (البانرات) المطبوعة».
وعادة ما كانت تشهد الانتخابات البرلمانية لافتات ترويجية ضخمة من القماش، بالإضافة إلى أوراق مطبوعة تحمل أسماء المرشحين، وصورهم، بجانب سيارات نصف نقل تجوب المناطق السكنية بمكبرات الصوت، من أجل الحشد للمرشحين، والتعريف بهم، وهي مظاهر رصد مراقبون عدة تراجعها في الانتخابات الجارية.
وتجرى الانتخابات وفق نظامي «القائمة المطلقة»، الذي يعني فوز القائمة الحاصلة على أعلى نسبة من الأصوات بجميع مقاعد دائرتها، إلى جانب «النظام الفردي». ويخصص لكل من النظامين 284 مقعداً.
وتخوض انتخابات مجلس النواب «القائمة الوطنية من أجل مصر» التي تضم 12 حزباً؛ على رأسها «مستقبل وطن» (صاحب الأغلبية بمجلس النواب الحالي)، إلى جانب أحزاب (الجبهة الوطنية، وحماة الوطن، والحزب الجمهوري، والوفد، والتجمع، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والعدل، والإصلاح والتنمية، وإرادة الجيل، والحرية المصري، وحزب المؤتمر)، و«تنسيقية شباب الأحزاب»، ويشترط القانون حصولها على 5 في المائة من أصوات الناخبين بالقطاعات الأربعة للفوز في الانتخابات.

الخطاط محمود ربيع، من محافظة أسيوط (صعيد مصر)، شكا أيضاً من انحسار أعداد اللافتات المكتوبة يدوياً في مقابل «البانرات» التي يقوم بطباعتها من خلال شركته، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «التراجع شمل أيضاً كميات الأوراق التي تتم طباعتها، وتحمل صور وأسماء المرشحين».
عودة إلى هديب الذي قال إن الفارق في التكلفة بين «القماش» و«البانر» ليس كبيراً، فالأول يصل سعر المتر لنحو 40 جنيهاً (الدولار يساوي 47 جنيها في البنوك)، بينما «البانر» يزيد قليلاً لنحو 60 جنيهاً بالمتوسط، لكنه أسرع، وأكثر قوة، وتفضيلاً من المرشحين.
قبل أكثر من عقدين كان الشاب الثلاثيني، أحمد إبراهيم، وهو من مدينة أشمون التابعة لمحافظة المنوفية بدلتا مصر، يجوب مع والده بسيارتهم النصف نقل المركز، وعدداً من القرى خلال الانتخابات، حاملين مكبرات صوت للترويج للمرشحين في الدعاية الانتخابية، لكن (اليوم) انتقلت السيارة للابن محمود، وحتى الآن لم يقم بجولة انتخابية واحدة.
أحمد قال لـ«الشرق الأوسط» إن «والده طوال فترة الدعاية، وأيام الانتخابات لم يكن يتوقف عن العمل بالسيارة؛ لكن اليوم تعمل سيارته في النقل بشكل اعتيادي دون أن يطلب منه أي من المرشحين التحرك بها»، لافتاً إلى أن «مرشحاً واحداً اتفق معه زميل له على استئجار سيارته يومي التصويت».

العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، ليلى عبد المجيد، ترى أن «وسائل الدعاية التقليدية المرتبطة بالمطبوعات الورقية والسيارات التي تجوب للتعريف بالمرشحين تقاوم الاندثار؛ لكنها لن تختفي في ظل اعتبارها أحد أنواع التواصل مع المواطنين، ويمكن رؤيتها في القرى، والمناطق الريفية».
وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن مواقع التواصل الاجتماعي والدعاية «الديجتال» عبر طرق عدة أصبحت الوجهة الأولى للمرشحين، لافتة إلى أن «الوسائل المطبوعة التي كانت تشكل أساساً في الثمانينات والتسعينات تراجعت بشدة في الوقت الحالي، وهو أمر يمكن لمسه -على سبيل المثال- بمعدلات نشر الإعلانات للمرشحين في الصحف المطبوعة».
وبموجب القانون، يصل سقف الإنفاق الدعائي إلى 500 ألف جنيه للمرشح على المقاعد الفردية، وإلى 2.5 مليون جنيه لـ(القائمة الواحدة)، مع حظر تلقي المرشحين تبرعات من جهات أجنبية.
الخطاط ربيع قال إن حرصه على مواكبة التغيرات التي طرأت بالفعل على سوق الدعاية والإعلان جعله قادراً اليوم على الاستفادة من الحملات الدعائية للمرشحين، وطباعة بانرات خاصة بهم، مشيراً إلى أن إدخال الغرافيك في التصميمات بات الأكثر طلباً من العملاء، وليس التميز في الكتابة اليدوية عبر الأقمشة.
خبير النظم الانتخابية، عبد الناصر قنديل، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ترشح رجال الأعمال على المقاعد البرلمانية بأعداد أكبر جعل التوجه أكثر نحو الوسائل المتطورة في ظل قدرتهم على تحمل الميزانيات التي تتطلبها».


