«إعادة الإعمار» في ليبيا... تنافس سياسي يعمّق «الإقصاء والتهميش»

مدن تشتكي التجاهل رغم إطلاق الحكومتين مشاريع تنموية مهمة قبل 4 سنوات

عبد الحميد الدبيبة خلال تفقده تنفيذ مشروع إسكاني في مصراتة سبتمبر الماضي (الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة خلال تفقده تنفيذ مشروع إسكاني في مصراتة سبتمبر الماضي (الوحدة)
TT

«إعادة الإعمار» في ليبيا... تنافس سياسي يعمّق «الإقصاء والتهميش»

عبد الحميد الدبيبة خلال تفقده تنفيذ مشروع إسكاني في مصراتة سبتمبر الماضي (الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة خلال تفقده تنفيذ مشروع إسكاني في مصراتة سبتمبر الماضي (الوحدة)

بينما تتنافس سلطات شرق ليبيا وغربها على إطلاق مشاريع إعادة الإعمار في المدن المدمَّرة منذ عام 2011، تتصاعد أصوات غاضبة تشكو «التهميش والإقصاء»، في مشهد يراه برلمانيون ومسؤولون محلّيون انعكاساً لـ«الانقسام السياسي».

وتستمر شكاوى التهميش في غرب ليبيا، رغم إطلاق مشروع «عودة الحياة» قبل أربعة أعوام، وكان آخرها في بلدة الحرابة، حيث أصدر مجلسها البلدي بياناً شديد اللهجة طالب فيه بتدخّل حكومي عاجل، وسط احتجاجات على «غياب مشاريع التنمية وفرص العمل».

ووصلت أصواتُ التهميش والشكاوى من «هشاشة البنية التحتية وضعف التعليم والصحة» إلى الأمم المتحدة خلال لقاءات المبعوثة الأممية هانا تيتيه، ونائبتها ستيفاني خوري مع ممثلين عن مدن في الغرب الليبي، منها بني وليد وتينيناي ومردوم، في يوليو (تموز) الماضي، رأوا أن نقص التمويل لا يُعطّل الخدمات الأساسية فقط، بل يُضعف أيضاً ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية.

تهميش بسبب غياب العدالة

استناداً إلى خبرته في المنصب الذي غادره قبل أسابيع، أكد العميد السابق لبلدية زليتن، مفتاح حمادي لـ«الشرق الأوسط»، أن «عدداً من مدن الغرب الليبي، بينها زليتن، لا تزال تعاني التهميش نتيجة غياب العدالة في توزيع المخصّصات الحكومية»، لافتاً إلى أن «ميزانيات التنمية المحدودة وُجّهت بتفضيل بعض البلديات على غيرها».

مواطنون ينددون في وقفة احتجاجية بانقطاع الكهرباء في ربيانة بالجنوب الليبي (المجلس البلدي للمدينة)

ويُجري رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، لقاءات مع مسؤولين في تلك البلديات لبحث مشكلاتهم، إلا أن حمادي يقول إن الحكومة «كثيراً ما وعدت بإطلاق مشاريع، ووقّعت عقوداً لم تُنفذ بسبب غياب التمويل»، موضحاً أن «قرارات تنفيذ مشاريع في زليتن بقيت حبيسة الأدراج رغم طرح الملف مراراً أمام رئيس الحكومة دون استجابة فعلية».

أما في شرق ليبيا، فلا يعد الوضع أفضل حالاً؛ إذ تتكرّر شكاوى مدن عدّة، مثل مرادة والبريقة ورأس لانوف وشحات من «ضعف الإعمار وتدهور الخدمات»، وفق مصادر محلّية وشهادات مواطنين عبر صفحات التواصل الليبية. وفي هذا السياق، انتقد المكتب الإعلامي لقبيلة الدرسة «غياب البنية التحتية في ساحل الجبل الأخضر»، كما خرج شباب شحات محتجّين في سبتمبر (أيلول) الماضي على «أزمة الإسكان المزمنة والتهميش المتعمّد».

وأقرّ عضو مجلس النواب فهمي التواتي بـ«مشروعية شكاوى تلك المدن»، مبرزاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تدنّي مستوى الخدمات، واتساع الرقعة الجغرافية، وعدم إدراك عديد المسؤولين لمفهوم التخطيط ومؤشرات القياس والقيم التقديرية لميزانيات التنمية وأهدافها، يهدّد بتشوّه الخدمات وتفاوتها»، لكنه أشار إلى «تنفيذ مشاريع طرق بين البريقة وأجدابيا، وأخرى تربط مرادة بالطريق الساحلي».

أما في الجنوب الليبي، فتبرز معاناة القطرون وأم الأرانب ووادي الأجال ومدن الواحات التي تعاني التهميش، وفق مصادر محلّية. وكان النموذج الأكثر وضوحاً في ربيانة، التي تُعدّ مثالاً للعزلة وضعف الخدمات، حيث تفتقر إلى طريق مرصوف، وتعاني أزمة كهرباء مزمنة.

وحتى في مدن جنوبية طالها الإعمار مثل أوجلة، فإنها «تفتقر إلى مشاريع تنموية مقارنة بمدنٍ كبرى مثل أجدابيا»، بحسب شهادة المواطن سالم عوض.

في المقابل، أطلق نائب القائد العام لـ«الجيش الوطني» صدام حفتر، هذا الأسبوع، خلال زيارته سبها، وعوداً بـ«تحويل المنطقة إلى مركز إنتاج لا معبرٍ للمعاناة والتهميش».

موجة إعمار

منذ أربع سنوات، تشهد ليبيا موجة إعمار متفرّقة وسط انقسام سياسي واضح؛ إذ تتولى حكومة «الوحدة» في الغرب جزءاً منها، بينما يدير «صندوق إعادة الإعمار في الشرق»، برئاسة بالقاسم نجل القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر، مشروعات أخرى في الشرق والجنوب.

فصل دراسي يفتقر للتجهيزات الضرورية في بلدة قصر الأخيار في غرب ليبيا (بلدية قصر الأخيار)

تاريخياً، يبدو أن «التهميش في ليبيا ظاهرة متجذّرة منذ تأسيس الدولة عام 1951، لكنها تفاقمت أكثر بعد 2011»، وفق ما ذكر أشرف بلها، رئيس تجمع «تكنوقراط ليبيا»، الذي أوضح أن «حقبة معمر القذافي (الرئيس الليبي الراحل) شهدت عقوبات اقتصادية طويلة أعاقت تنفيذ المشاريع الوطنية بسبب سياسات النظام الخارجية»، واصفاً البنية التحتية في ليبيا بأنها «متخلّفة حتى في المدن الكبرى، التي تفتقر إلى شبكات نقلٍ ومياه وكهرباء متكاملة».

أما السبب الأبرز لتهميش بعض البلديات، بحسب عضو «ملتقى الحوار السياسي الليبي» عبد الله عثمان، فهو «الانقسام السياسي، وتفكّك مؤسسات الدولة»، موضحاً أن «غياب حكومة وطنية واحدة، تضع خطة تنموية وتتابع تنفيذها عبر وزارات تخطيط ومالية واقتصاد موحّدة، واستبدالها بصناديق وهيئات مستقلة في الشرق والغرب - بعضها لا يخضع للرقابة - فاقم حالة الارتباك وغياب العدالة في توزيع المشاريع، وأثار شبهات فساد في التعاقد عليها».

غياب رؤية واضحة للأولويات

حذّر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024 من أن «غياب التوافق السياسي والميزانية الوطنية حدّا من تمويل التنمية»، فيما أظهر استطلاعٌ أن «64 في المائة من الليبيين يشكّكون في قدرة البنية التحتية على مواجهة تغيّر المناخ والأزمات البيئية».

في هذا السياق، يرى عثمان أن «غياب رؤية واضحة للأولويات يجعل بعض المشاريع غير ذات أهمية تتقدّم، بينما تتأخر مشاريع حيوية كالصحة والتعليم»، مشيراً إلى أن «المدن الصغيرة، أو البعيدة عن مراكز النفوذ مثل غات وغدامس والكفرة وأوباري ومرزق ونالوت وشحات، لا تحصل على نصيبها من الإعمار مقارنة بالمدن الكبرى».

وقفة احتجاجية في مدينة شحات شرق ليبيا للمطالبة بحل مشكلة الإسكان (الصورة من فيديو)

وحذّر عثمان من أن «منظومة الفساد الراسخة، وافتقار المشاريع للشفافية، خاصة مع إسنادها المباشر دون مناقصات علنية، يضعان كثيراً من هذه المبادرات في دائرة الغموض»، لافتاً إلى أن «استمرار هذا النهج يجعل الشعور بالتهميش لدى الليبيين قائماً، ويحوّل مشاريع الإعمار إلى أدوات للدعاية السياسية أكثر منها استجابةً فعلية لاحتياجات تنموية ملحّة».

أكد النائب فهمي التواتي أن الإعمار في ليبيا «يحتاج إلى خطط تنموية مدروسة بميزانيات محدّدة» (أ.ف.ب)

ولا توجد تقديرات موحّدة لميزانيات الإعمار في ليبيا؛ إذ أقرّ البرلمان موازنة بنحو 69 مليار دينار لصندوق التنمية، فيما خصّصت حكومة الوحدة 8.8 مليار دينار لمشروعات البنية التحتية في الغرب.

ومع ذلك، يشير النائب فهمي التواتي إلى أن الإعمار في ليبيا «يحتاج إلى خطط تنموية مدروسة بميزانيات محدّدة وتدفقات منتظمة»، مشبّهاً ما يجري في شرق وجنوب ليبيا راهناً بـ«خطة إنقاذ»، ومؤكداً أن «التنمية المتأخّرة لا يمكن تحقيقها سريعاً في جميع المدن».


مقالات ذات صلة

مثول ليبي أمام «الجنائية الدولية» يقلب الطاولة على رئيس «الوحدة»

شمال افريقيا الهيشري القيادي في «جهاز الردع» الليبية خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية الأربعاء (المحكمة)

مثول ليبي أمام «الجنائية الدولية» يقلب الطاولة على رئيس «الوحدة»

عدّ المجلس الاجتماعي «لسوق الجمعة - النواحي الأربع» في العاصمة الليبية، القبض على الهيشري، «اعتداءً سافراً على سيادة الدولة الليبية وتصفية للقضاء الوطني».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

النيابة العامة تحقق في قضية تزوير «أوراق وطنية»

قال مكتب النائب العام الليبي إن التحقيقات انتهت من فحص تسعة قيود عائلية وتبين للمحقق تآمر موظف بمكتب السجل المدني مع تسعة أشخاص غير ليبيين

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً المبعوثة الأممية في مكتبه بطرابلس الأربعاء (مكتب الدبيبة)

محادثات أممية - كندية حول سبل تنفيذ «خريطة الطريق» الليبية

ناقشت المبعوثة الأممية إلى ليبيا مع الدبيبة آليات تطبيق «خريطة الطريق»، بما في ذلك إطلاق «الحوار المهيكل» وقضايا أخرى تتعلق بتطورات العملية السياسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا على الرغم من قبول البعض بمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية فإنهم أبدوا مخاوفهم من عقبات كبيرة تعترض المسار الذي اقترحته المفوضية (مفوضية الانتخابات)

كيف يرى الليبيون إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل؟

رفض مجلس حكماء وأعيان طرابلس إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وجود دستور، وذهب إلى ضرورة تجديد الشرعية التشريعية أولاً عبر الانتخابات البرلمانية.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا محادثات صدام حفتر وقائد «أفريكوم» (الجيش الوطني)

«الجيش الوطني» الليبي يناشد واشنطن رفع «حظر التسليح»

دعا الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الولايات المتحدة عبر قيادتها العسكرية في أفريقيا «أفريكوم» لرفع حظر التسليح المفروض دولياً منذ 2011

خالد محمود (القاهرة )

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».


عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
TT

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

تلاحق عشرات الطعون القضائية نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، لتضاف إلى سلسلة الطعون التي رافقت المرحلة الأولى، وأدت إلى إعادة الانتخابات في عدة دوائر، وسط جدل سياسي حول إجراءات الاستحقاق البرلماني.

وصوت المصريون، الخميس، في اليوم الثاني (الأخير) للانتخابات في الدوائر الـ19 الملغاة، بالإضافة إلى دائرة إعادة بالفيوم، ضمن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.

وجرت عمليات التصويت في 1775 لجنة فرعية على مستوى الـ20 دائرة في 7 محافظات، والتي يتنافس فيها 455 مرشحاً على 43 مقعداً.

وتوالت الطعون على المحكمة الإدارية العليا ضد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتائج الجولة الأولى للمرحلة الثانية، حيث بلغ عددها حتى منتصف اليوم 200 طعن من مختلف المحافظات المشمولة بالمرحلة، وفق وسائل إعلام محلية.

وتحفظت الهيئة الوطنية للانتخابات عن التعليق على هذا العدد من الطعون، فيما قال المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهيئة ما زالت تنتظر نهاية يوم الخميس، وهو آخر موعد قانوني لتقديم الطعون، وفق الجدول الزمني المعتمد».

وأوضح مصدر قضائي مصري أن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا ستبدأ فحص ملفات الطعون، وحددت الجلسة الأولى لنظرها في 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. كما يحق للمرشحين غير الفائزين التقدم بطعونهم خلال 48 ساعة من إعلان النتيجة.

لقطة من أمام إحدى اللجان الانتخابية بمحافظة الجيزة (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

ونظراً لتزايُد الطعون المرتبطة بالمرحلة الثانية للانتخابات، يرجح أستاذ القانون الدستوري عبد الله المغازي احتمال إعادة الانتخابات في عدد من دوائر المرحلة الثانية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الاحتمال «يتوقف على طبيعة الأسباب التي يستند إليها المرشحون في طعونهم، ومدى اقتناع المحكمة بصلابة الحجج القانونية المقدَّمة».

وشدّد المغازي على أن المحكمة تعتمد معياراً رئيسياً يتمثل في التحقق من سلامة العملية الانتخابية، وضمان الالتزام الصارم بالأطر القانونية المنظمة لها قبل إصدار أي قرار بإعادة الاقتراع.

وتوزعت الطعون على المرحلة الثانية للانتخابات على 10 محافظات هي: القاهرة، والدقهلية، والقليوبية، والشرقية، وكفر الشيخ، والغربية، وشمال سيناء، والمنوفية، والإسماعيلية، ودمياط، بحسب وسائل إعلام محلية.

يأتي هذا وسط حالة من الجدل السياسي والقانوني، عقب سلسلة المخالفات التي رافقت التصويت في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، ودفعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بمراجعة التجاوزات.

وبعد إلغاء نتائج 19 دائرة في سبع محافظات دفعة واحدة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارات أبطلت فيها نتائج 30 دائرة أخرى؛ لتقفز نسبة الدوائر الملغاة في النظام الفردي إلى ما يتجاوز 60 في المائة.

وتؤكد الهيئة الوطنية للانتخابات أن الإجراءات المتخذة لتصحيح المسار «تعكس قوة مجلس النواب المقبل»، وفقاً للمستشار بنداري الذي قال في تصريحات متلفزة إن كل الإجراءات القانونية والرقابة القضائية اتُّخذت لضمان أن يكون المجلس منتخباً بإرادة الناخبين.

لكن الكاتب الصحافي عبد الله السناوي يرى أن حجم الدوائر الملغاة والأحكام القضائية التي انتقدت امتناع الجهة المشرفة عن تقديم محاضر الفرز في المرحلة الأولى، «لا يمكن اعتبارهما مجرد خلل إجرائي عابر».

وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الطعون المتزايدة وإعادة الانتخابات في هذا العدد الكبير من الدوائر «ليستا دليلاً على تصحيح المسار، بل هما مؤشر على اضطراب أعمق في البيئة القانونية والتنظيمية»، مشدداً على أن أنصاف الحلول «لا تبني شرعية مستقرة للبرلمان»، ودعا إلى «إصلاح عميق للبنية القانونية للانتخابات، وفتح المجال العام، وإطلاق الحريات السياسية؛ كخطوة أولى لإصلاح هذا المشهد».

ومن المقرر إعادة التصويت في الدوائر الثلاثين الملغاة بحكم «الإدارية العليا» للمرحلة الأولى، بحيث تُجرى الجولة الأولى يومي 8 و9 ديسمبر الحالي للمصريين بالخارج، ويومي 10 و11 ديسمبر للداخل، على أن تعلن النتيجة يوم 18 من الشهر.

وفي حالة الإعادة، تُجرى الانتخابات في الخارج يومي 31 ديسمبر و1 يناير (كانون الثاني)، وفي الداخل يومي 3 و4 يناير، وتُعلن النتيجة النهائية يوم 10 يناير.


تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة»، متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «الحقبة الاستعمارية»، وعرقلة المفاوضات بين البلدين، وهو ما عدَّه خبراء ومحللون «لغة تصعيدية» قد تضاعف الخلافات القائمة.

وفي بيان صدر، الأربعاء، قالت الخارجية الإثيوبية إن المسؤولين المصريين «يدَّعون احتكار مياه النيل تحت ذريعة معاهدات تم إبرامها خلال الحقبة الاستعمارية». وأثار البيان حفيظة المصريين.

ورغم استمرار المفاوضات بين البلدين بمشاركة السودان لأكثر من 12 عاماً بحثاً عن التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن بناء «سد النهضة» وتشغيله، اتهم البيان الإثيوبي مصر بـ«عرقلة المفاوضات»، ودعت أديس أبابا الجهات المعنية إلى إدانة ما وصفته بـ«السلوك غير المسؤول من جانب مصر بالتظاهر بالانخراط في التفاوض والحوار دون جدوى».

وصدر البيان بعد ساعات من تحذير وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من «الممارسات الإثيوبية غير المسؤولة» على حوض نهر النيل الشرقي، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي في برلين مع وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الثلاثاء، أنها «تُشكل خطراً داهماً على مصالح مصر المائية وأمنها القومي».

مؤتمر صحافي بين وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي والألماني يوهان فاديفول الثلاثاء تحدث فيه عن موقف مصر من سد النهضة (الخارجية المصرية)

وكانت إثيوبيا قد افتتحت سد النهضة رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد 14 عاماً من بدء أعمال البناء، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

واتفق خبراء مصريون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن بيان إثيوبيا «حمل لغة تصعيدية» قد تضاعف من خلافات البلدين فيما يتعلق بالتعامل مع الملف المائي، ويفتح الباب أمام إقدام القاهرة على اتخاذ إجراءات قانونية إزاء ما تراه عدم التزام بالقوانين المنظمة لاستخدامات المياه في الأنهار الدولية، دون استبعاد أي حلول حال تعرض مصالحها للضرر.

وأبدت إثيوبيا من خلال البيان تمسكها بما تعده حقها في «استخدام مواردها المائية»، مؤكدة أنها «غير ملتزمة مطلقاً بأن تطلب الإذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها».

والنيل الأزرق الذي بنت عليه إثيوبيا «سد النهضة» هو المنبع الرئيسي لنهر النيل في مصر.

القانون الدولي

وقال رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، شريف الجبلي، إن البيان «تجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويزيد صعوبة العودة إلى الحوار البناء بين إثيوبيا ومصر والسودان».

وأضاف: «البيان لا يعترف بالاتفاقيات المعمول بها سابقاً بشأن الحقوق المائية التاريخية لدولتي المصب، ويتجاوز قوانين إدارة الأنهار الدولية التي تنص على الاستخدام العادل والمعقول للمياه».

وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن البيان «يتجاهل مسألة عدم الإضرار بالدول الأخرى، وهو ما يشير إلى إصرار إثيوبيا على اتخاذ موقف أحادي بشأن استخدامات مياه النهر، ما يفتح الباب أمام إقدام مصر على اتخاذ إجراءات قانونية لمواجهة انتهاكات القانون الدولي».

وتابع قائلاً: «لدى مصر حقوق تاريخية وقانونية لا يمكن تجاهلها»، مشيراً إلى أن البيان الإثيوبي «يهدد الأمن المائي، ويتطلب خططاً استراتيجية تعمل على مواجهة أي تصعيد غير محسوب في قضية المياه قد يضر بالأمن في منطقة القرن الأفريقي».

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لدى افتتاحه سد النهضة (الخارجية الإثيوبية)

وتتمسَّك القاهرة بما تعده «الحق التاريخي» لها في مياه النيل وفقاً لاتفاقيات دولية تضمن لها حصة تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه.

وأكد الجبلي أهمية استمرار المطالبات المصرية بتطبيق القانون الدولي والتوصل إلى اتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» بإشراف جميع الأطراف الدولية بما فيها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، «لضمان إدارة الموارد المائية بشفافية واستحداث آلية مراقبة مشتركة تتضمن الرقابة التقنية الدقيقة لتتبع تدفقات مياه النيل ومنع الإجراءات الأحادية».

الخيارات المتاحة

مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان السابق، حسام عيسى، قال إن البيان الإثيوبي جاء رداً على النشاط الدبلوماسي المصري الرافض لتصرفات أديس أبابا «الأحادية» بشأن تشغيل السد، «التي أدت إلى فيضانات في السودان وصلت تأثيراتها إلى مصر».

وقبل أيام فندت وزارة الري المصرية إجراءات إثيوبيا التي أدت إلى «عدم انتظام تصريف المياه»، ما دفعها إلى إعلان إجراءات حمائية لاستيعاب المياه الزائدة.

وقال عيسى لـ«الشرق الأوسط»: «مصر تضع الآن جميع أوراقها على الطاولة، ولديها الوسائل المتاحة كافة لحماية مصالحها وأمنها المائي، ولن تقبل بنقص قطرة مياه واحدة، وسعيها إلى تجنب المشاكل والصراعات لا يعني عدم سلكها الطرق كافة التي تضمن أمنها».

وأضاف: «الخلاف المصري مع إثيوبيا يتركز في نهجها القائم على عدم وضع اعتبار للأضرار التي قد يتعرض لها جيرانها، سواء كان ذلك بشأن سد النهضة أو سعيها إلى الوصول لمنفذ بحري على البحر الأحمر».

ويرى الخبير في الشأن الأفريقي، رامي زهدي، أن مصر يمكنها التحرك لحفظ الحقوق المائية عبر استخدام «الوسائل الدبلوماسية، أو اللجوء إلى المحاكم الدولية، أو استخدام وسائل خشنة حالة الضرورة».

وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن حالات الضرورة تتمثل في «وجود مهددات لاستقرار الدولة المصرية، أو التأثير سلباً على الأمن في منطقة البحر الأحمر، أو الاستمرار في إجراءات تهديد الأمن المائي عبر تصريف كميات هائلة من المياه بما يشكل خطراً داهماً أو شح المياه».

وسبق أن أعلنت مصر انتهاء مسار التفاوض بشأن السد، متهمة إثيوبيا بالتعنت وإفشال المفاوضات، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها في الحفاظ على مصالحها الوجودية وفقاً للقانون الدولي، على أساس أن نهر النيل شريان الحياة في البلاد ومصدرها الوحيد للمياه.