«جريمة مفزعة» تهز الرأي العام في مصر

رجل يقتل أماً وولديها بمادة سامة ويلقي بطفلها الثالث في مجرى مائي

أحد أفراد الشرطة المصرية (أرشيفية - أ.ف.ب)
أحد أفراد الشرطة المصرية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«جريمة مفزعة» تهز الرأي العام في مصر

أحد أفراد الشرطة المصرية (أرشيفية - أ.ف.ب)
أحد أفراد الشرطة المصرية (أرشيفية - أ.ف.ب)

فُجع الرأي العام المصري بجريمة قتل «مفزعة»، إذ أقدم شخص في محافظة الجيزة على قتل أم وأطفالها الثلاثة.

الواقعة بدأت، حسب ما أوردته وزارة الداخلية المصرية، في بيان رسمي، الاثنين، بتلقي قسم شرطة الأهرام في الجيزة بلاغاً من الأهالي بالعثور أمام مدخل عقار سكني على جثمان طفل (13 سنة) وطفلة (11 سنة) في حالة إعياء وتوفيا بعد ذلك.

وقال البيان إن أجهزة الأمن ضبطت مرتكب الجريمة، وهو مالك محل لبيع الأدوية البيطرية، اعترف بـ«سابقة وجود علاقة بينه وبين والدة الطفلين، وإقامتها وأنجالها الثلاثة برفقته بشقة مستأجرة، واكتشافه خلال تلك الفترة سوء سلوكها»، وأنه انتقاماً منها قام بوضع مادة سامة من متجره في كوب عصير وقدمه لها، ثم نقلها إلى أحد المستشفيات وتوفيت، وادعى أنها زوجته وقام بتسجيل بياناته باسم مستعار وتركها وانصرف.

ويوم الجمعة الماضي، قرر التخلص من أطفالها الثلاثة، فاصطحبهم للتنزه ووضع المادة السامة نفسها داخل عصائر قدمها لهم، إلا أن أصغرهم (6 سنوات) رفض شرب العصير، فتخلص منه بإلقائه في المجرى المائي بإحدى الترع، وعاد إلى مسكنه برفقة الطفلين اللذين كانا في حالة إعياء شديد فنقلهما بالاستعانة بعامل في متجره إلى مكان عثور الأهالي عليهما.

وواصلت النيابة العامة في الجيزة تحقيقاتها في الجريمة، وأمرت بتحليل عينة من دم المتهم لفحص المواد المخدرة، وتشريح جثامين الضحايا لبيان أسباب الوفاة بدقة. كما طلبت تحريات إضافية حول ملابسات الواقعة ودوافعها.

وحسب وسائل إعلام محلية، أكد والد الأطفال في التحقيقات أنّ زوجته غادرت منزل الزوجية، الشهر الماضي، واصطحبت معها الأطفال الثلاثة، إثر خلافات زوجية متكررة وشكوك لديه في سلوكها، حسب قوله، موضحاً أنّه حرر محضراً بالواقعة مطلع الشهر الحالي، بعدما تأكد من عدم توجه زوجته إلى منزل أسرتها كما ادّعت.

وأثارت الواقعة اهتماماً واسعاً في مصر، إذ تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو وثّقته كاميرات المراقبة للحظة إلقاء المتهم جثتي الطفلين في مدخل عمارة سكنية. كما اهتم آخرون بمتابعة التحقيقات بالواقعة للتعرف على ملابساتها بشكل كامل. كما تساءل قطاع آخر عن أسباب «تصاعد العنف المجتمعي»، معبرين عن شعورهم بالصدمة والقلق من تكرار هذه الجرائم أخيراً.

أستاذة علم النفس في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر الدكتورة سوسن فايد تُرجع هذه الجريمة إلى تشابك عوامل عدة، مُرجحة «وجود خلفية مرضية للجاني، مع وجود أفكار مسيطرة عليه، قد تكون ناتجة عن حالة انفصام أو أفكار وسواسية ضاغطة، دفعته إلى ارتكاب الجريمة».

كما تلفت إلى أن من الأسباب المؤدية إلى مثل هذه الجرائم «إدمان المواد المخدرة المخلّقة التي تسبب حالة من الهلوسة وعدم الوعي والإدراك، إلى جانب كثرة التعرض لمشاهد القتل والجرائم في وسائل الإعلام»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الجريمة حالة شاذة، فالقتل لم يكن من أحد الزوجين للآخر، بل بقيام العشيق بقتل العشيقة، بسبب تعدد علاقاتها، وهنا يظهر عامل آخر هو الرغبة في الانتقام الذي نتج عن وعود بالارتباط والزواج ثم اكتشاف أنها محض خداع، مما ولدّ شعوراً قوياً بالانتقام والتخلص من الطرف الآخر».

وزارة الداخلية المصرية أوضحت تفاصيل الجريمة في بيان رسمي (وزارة الداخلية المصرية)

وحسب «مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات»، التابع لمؤسسة أهلية، هناك أكثر من 1195 جريمة عنف معلنة ضد الفتيات والنساء في مصر في عام 2024، بينها 363 جريمة قتل، مقابل 950 جريمة عام 2023.

الخبيرة الأسرية والاجتماعية الدكتورة داليا الحزاوي قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «الواقعة المأساوية هزّت الرأي العام لكون الأطفال الضحايا فقدوا حياتهم نتيجة علاقة للأم التي كان من المفترض أن تكون مصدر الأمان والحماية لهم، لكنها هنا تحولت إلى مصدر خطر»، موضحة أن «الأطفال هم الضحايا الحقيقيون، وهم أول من يتأثر بهشاشة العلاقات الأسرية المفككة التي تنعكس سلباً على أمنهم واستقرارهم النفسي».

وأشارت الحزاوي إلى أن هذه الجريمة «تسلط الضوء على أزمة عميقة في العلاقات الأسرية، وتكشف عن خلل كبير في القيم»، مضيفة أن «هذه الجريمة تدفع إلى ضرورة تكثيف الجهود لتوعية الأسرة بأهمية احترام الروابط الأسرية، والتوعية بالمخاطر الناتجة عن انحراف القيم والأخلاق».


مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى «حلول دبلوماسية» للملف «النووي الإيراني»

شؤون إقليمية جانب من محطة «الضبعة النووية» في مصر نهاية الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

مصر تدعو إلى «حلول دبلوماسية» للملف «النووي الإيراني»

تواصل مصر اتصالاتها لخفض التصعيد وتعزيز الاستقرار في المنطقة. ودعت، السبت، إلى «حلول دبلوماسية» للملف «النووي الإيراني».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (د.ب.أ)

وزير الخارجية المصري يدعو إلى نشر قوة استقرار دولية في غزة «بأسرع وقت»

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اليوم (السبت) أنه ينبغي نشر قوة دولية لإرساء الاستقرار في غزة على طول «الخط الأصفر» للتحقق من وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (الدوحة - القاهرة)
المشرق العربي طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

رحبت مصر بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج معبر رفح الحدودي بين مصر والأراضي الفلسطينية (أرشيفية - رويترز)

قلق عربي - إسلامي لنية إسرائيل إخراج الغزيين باتجاه مصر

أعربت السعودية و7 دول عربية وإسلامية عن بالغ القلق إزاء تصريحات إسرائيل بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

أعرب بدر عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» مع روسيا، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
TT

اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)

بينما تشهد الأزمة بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي تصاعداً مستمراً منذ بداية 2024، يرجّح مراقبون أن تتفاقم الأحداث بعد اختيار المعارضة المالية، رجل الدين محمود ديكو اللاجئ في الجزائر، على رأس تحالف أطلق حملة لإطاحة الرئيس الانتقالي العقيد عاصيمي غويتا.

أطلقت تنظيمات «أزواد» الطرقية المالية، أمس الجمعة، تحالفاً سُمّي «ائتلاف القوى من أجل الجمهورية» بقيادة الشيخ محمود ديكو، الرئيس السابق لـ«المجلس الإسلامي الأعلى» في مالي، ودعت في بيان الماليِّين إلى «المقاومة والعصيان».

الشيخ محمود ديكو (موقع مالي ويب)

وكتب أعضاء «الائتلاف» في بيان: «تمرّ مالي اليوم بإحدى أخطر الأزمات في تاريخها المعاصر. دولتنا ضعيفة، وشعبنا يتألم، ومؤسّساتنا منحرفة، وسيادتنا مُهانة من طرف أشخاص يجمعون بين النهب الاقتصادي، والعسكرة القائمة على الفساد واستغلال الخوف».

ويرى محرّرو البيان أنه «في ظلّ الانهيار الأمني، وانهيار السلطة العامة، ومجازر المدنيين والعسكريين، والرقابة الشاملة، والاعتقالات التعسفية، وإغلاق الحياة السياسية بالكامل، لم تعد المقاومة خياراً أخلاقياً فحسب، بل أصبحت واجباً وطنياً»، وفق ما نشرته مواقع إخبارية مالية، اليوم (السبت).

ويصف هذا الائتلاف نفسه بأنه «حركة مقاومة جمهورية، سلمية وشاملة، أنشأتها القوى الحية في مالي، تهدف إلى جعل العودة إلى النظام الدستوري ممكنة، وحماية السكان، واستعادة الحريات، والتحضير لحوار وطني شامل مع جميع الفاعلين الماليين، بما في ذلك الجماعات المسلحة الوطنية، وفقاً لمخرجات كل الندوات ومؤتمرات السلام منذ 2017».

عنصر «مزعج» في المنطقة

يؤكد أصحاب البيان أنهم «يقاومون لأن مالي تختفي أمام أعيننا... لأن الدولة تقتل جنودها؛ بسبب عدم الكفاءة أو الإهمال أو الكذب، لأن مئات المدنيين يُقتلون في صمت مفروض بالخوف». ويتهمون السلطة العسكرية بأنها «حوّلت السيادة إلى مجرد شعار، وعرّضت أمن بلادنا للمرتزقة»، في إشارة إلى وجود «الفيلق الأفريقي» الروسي في البلاد، الذي يوفر الدعم اللوجيستي لنظام الحكم ضد المعارضة، التي تتحصن بمواقعها في الشمال الحدودي مع الجزائر.

الشيخ محمود ديكو مع عميد جامع الجزائر الشيخ مأمون القاسيمي (الجامع)

ودعا البيان أفراد الجيش إلى «العصيان الأخلاقي عندما يُؤمَرون بالموت في عمليات عبثية بلا وسائل، ولا استراتيجية، ولخدمة طموحات شخصية»، وإلى «وقف مجازر المدنيين والعسكريين عبر فتح حوار وطني مع الفاعلين المسلحين الماليين».

كما دعا القضاة إلى «المقاومة القضائية»، والعمال إلى «العصيان المدني المنظم، السلمي، والمنهجي»، وأيضاً أفراد الجالية في الخارج إلى «التعبئة الدبلوماسية والمالية واللوجيستية». وبحسب البيان نفسه: «لن يُنقذ مالي لا السلاح الأجنبي ولا أكاذيب الدولة ولا الخوف. سينقذها شعبها. ندعو كل مالية وكل مالي إلى الانضمام إلى (ائتلاف القوى من أجل الجمهورية)، ورفض الاستسلام للقدر».

ومن بين أبرز قياديي «الائتلاف»، إتيان فاكابا سيسوكو، وهو أستاذ جامعي يعيش في المنفى وكان مسجوناً في مالي. أما الشيخ محمود ديكو رئيس تكتل المعارضة الجديد، فقد غادر مالي إلى الجزائر نهاية 2021 «بحثاً عن الأمن والعلاج»، بحسب ما أعلن عنه يومها، ومنذ ذلك الحين لم يعد إلى بلاده.

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)

لكن تبيَّن لاحقاً أنه قرَّر البقاء في الجزائر «خوفاً من الاعتقال، أو ربما القتل لو عاد إلى مالي»، وفق ما أكده مقربون منه في الجزائر لـ«الشرق الأوسط». وبكلام آخر، تُعدّ الجزائر «أفضل مكان له في الوقت الحالي»، بحسب ما نقل هؤلاء المقربون، الذين أشاروا إلى أن السلطة في مالي «تخشى تأثيره وقدرته على حشد السخط، ما يجعله قوة احتجاجية قد تهدد سلطة المرحلة الانتقالية، وربما تقوضها».

ضغط «جماعة النصرة»

حسب مراقبين لتطورات الأزمة بين الجزائر وباماكو، قد تحمل قيادة ديكو مسعى التغيير في البلاد، الذي تم إطلاقه الجمعة، مزيداً من التوترات، وفي أفضل الحالات يبعد انفراجة محتملة بين البلدين، خصوصاً أن وجوده في الجزائر يعني أن اجتماعات مرتقبة لـ«الائتلاف» المعارض ستكون على أرضها، وهو ما سيُعدّ بحسب مراقبين عملاً موجهاً بشكل مباشر ضد العقيد غويتا وقياديي المجلس الانتقالي العسكري، الذي يواجه منذ أكثر من شهر، ضربات متتالية من طرف «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، المُصنَّفة «جماعةً إرهابيةً»، بقيادة الطرقي إياد آغ غالي.

اجتماع لوزير خارجية الجزائر السابق مع ممثلي المعارضة المالية في سبتمبر 2022 (الخارجية الجزائرية)

وتفيد مصادر جزائرية بأن الإمام ديكو لا يخضع لأي مذكرة توقيف أو حكم قضائي، في حين تشير بعض التسريبات إلى أن «ذنبه» الوحيد ربما كان إقامته الطويلة في الجزائر، حيث يُشاع أنه التقى خلالها أشخاصاً على خلاف مع السلطة في مالي، بمَن فيهم المتمردون الذين تصفهم بـ«الإرهابيين»، وحتى بعض المسؤولين الجزائريين.

أخذت العلاقات بين الجزائر ومالي ضربةً قويةً مطلع 2024، عندما أعلن العقيد غويتا انسحابه من «اتفاق السلم والمصالحة»، الذي وقَّعته السلطة مع المعارضة في الجزائر 2015. وانبثقت من الاتفاق «لجنة دولية لمتابعة تنفيذه» ترأَّستها الجزائر، لكنها لم تحقق أي تقدم؛ نتيجة انعدام الثقة بين طرفَي الصراع.

الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

وبرَّر غويتا انسحابه من الاتفاق بـ«تدخل الجزائر في شؤون مالي الداخلية»، مشدداً على أنها «توفر الرعاية للإرهابيين». وعلى أثر ذلك عدّت الجزائر أن مبررات الانسحاب «غير صحيحة، ولا تمتّ للحقيقة بصلة»، محذِّرة من أن هذا القرار «قد يُهدِّد وحدة مالي واستقرار المنطقة برمتها، ويحمل بذور حرب أهلية».

بعد ذلك دخلت العلاقات في حالة احتقان شديد، فجَّرتها حادثة تحطيم سلاح الجو الجزائري طائرةً مسيّرةً مالية على الحدود، ليلة 31 مارس (آذار) إلى 1 أبريل (نيسان) 2025. وأكدت الجزائر أن الطائرة اخترقت مجالها الجوي لمسافة كيلومترين في «مناورة عدائية»، وبرَّرت تحطيمها بـ«تكرار انتهاكات حدودها من طرف الطائرة، التي كانت في منحى عدائي».

بقايا الطائرة المسيّرة المالية بعد تحطيمها من طرف سلاح الجو الجزائري (المعارضة المالية المسلحة)

في المقابل، نفت مالي أن تكون الطائرة قد اخترقت الحدود، وزعمت أنها تحطَّمت في الأراضي المالية؛ بسبب «عطل تقني»، وعدّت إسقاطها «عملاً عدائياً». وانضمت النيجر وبوركينا فاسو إلى باماكو في إدانة الحادث، في إطار «تحالف دول الساحل» الذي يجمع الدول الثلاث، مما زاد من حدة التوتر.


هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
TT

هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)

أعاد وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عماد الطرابلسي، الحديث عن أزمات ملف المهاجرين غير النظاميين في بلاده، بعدما قدّر عددهم بثلاثة ملايين، مما أثار مخاوف تتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي.

مهاجرون سريون جرى توقيفهم في طرابلس بعد حملة تفتيش أمنية (متداولة)

وكان الطرابلسي قد حمَّل المهاجرين الموجودين في ليبيا مسؤولية «ارتفاع معدلات الجريمة». كما حذَّر من «منافستهم الليبيين في سوق العمل، وإضرارهم بالاقتصاد الوطني من خلال تحويل أموال بالعملة الأجنبية لبلادهم بقيمة تتجاوز 600 مليون دولار شهرياً». (الدولار يساوي 5.44 دينار).

إلقاء اللوم على المهاجرين

رغم اتفاق كثير من الليبيين على أن الملف يمثل تحدياً كبيراً لليبيا، ويتجاوز قدراتها، خاصة في ظل الانقسام السياسي والمؤسسي، رأى سياسيون وحقوقيون أن تصريحات الطرابلسي اتسمت بـ«المبالغة»، واقتربت من تحميل المهاجرين مسؤولية أزمات صنعتها الحكومات، التي تعاقبت على إدارة البلاد، بما فيها حكومته.

ووصف عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد بوبريق، تصريحات الطرابلسي بأنها «بهرجة إعلامية»، وقال إنها «تفتقر إلى الإحصائيات وغياب أي تصور للمعالجة»، معتبراً أن «تكرار الحديث عن تعداد المهاجرين يعزز الشكوك حول أن الهدف هو البحث عن تمويل خارجي».

مهاجرون تم توقيفهم على الحدود الليبية (متداولة)

وأكد بوبريق لـ«الشرق الأوسط» أن «معظم المهاجرين يعتبرون ليبيا نقطة عبور إلى أوروبا، لكن فشل محاولاتهم يدفع بعضهم للاستقرار والعمل داخل البلاد». ورأى أن هذا الوضع يفرض على السلطات «تعزيز تأمين الحدود والسواحل، والبدء بحصر شامل للمهاجرين، عبر تسجيل منظم وتحديد جنسياتهم، تمهيداً لترحيلهم، بالتنسيق مع دولهم الأصلية والدول الغربية، التي استفادت تاريخياً من القارة السمراء». ونوه «بإمكانية الاستفادة من خبرات بعض المهاجرين التي تفتقدها السوق الليبية، بعد التأكد من أوضاعهم الأمنية والصحية».

وخلال مؤتمر صحافي حضره بعض سفراء الاتحاد الأوروبي، استعرض الطرابلسي نتائج برنامج وزارته لترحيل المهاجرين لبلادهم، داعياً الأوروبيين لدعمه «إذا أرادوا حماية سواحلهم»، ومؤكداً رفضه «إعادة المهاجرين من البحر إلى ليبيا في ظل رفض شعبي للتوطين».

وانتقد بوبريق «تحميل المهاجرين كامل المسؤولية عن الأزمات، سواء ارتفاع الجريمة أو نقص السيولة»، معتبراً ذلك «هروباً من المسؤولية، وتشويشاً على غياب معالجة علمية». وشدد على أن «جذور هذه الأزمات تعود لازدواج السلطة، وما نتج عنه من ضعف الرقابة وازدهار جرائم التهريب» متسائلاً عمّا إذا كانت داخلية «الوحدة» تملك إحصائيات تثبت تورط المهاجرين في الجرائم، وسبب عدم إعلانها.

وتشهد ليبيا ازدواجية في السلطة بين حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة في غرب البلاد مقراً لها، وحكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

إحصائيات مشكوك في صحتها

شكك رئيس مركز بنغازي لدراسات الهجرة واللجوء، طارق لملوم، في «دقة أرقام الطرابلسي»، خصوصاً أن الوزير أقر بعدم امتلاك إحصائيات رسمية لعدد المهاجرين.

واعتبر لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تقديرات الوزير حول التحويلات المالية غير دقيقة»، وقال إنه «جمع العناصر الأجنبية كافة من مهاجرين وعمالة وافدة، ولاجئين من الصراعات في بلدانهم في حزمة واحدة».

وأضاف موضحاً: «لقد افترض الطرابلسي أن الجميع يعملون في السوق الليبية، مقدراً متوسط تحويل كل فرد 200 دولار، مما يجعل الحصيلة نحو 600 مليون دولار شهرياً، أي 7 مليارات سنوياً».

قارب مهاجرين سريين جرى اعتراضه من قبل خفر السواحل الليبية (الوحدة)

وأشار لملوم إلى أن «الطرابلسي تعمّد ربط ملف المهاجرين بأزمة نقص السيولة، وارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية، في ظل وطأتهم على الأسر الليبية»، واتهمه بـ«السعي للسيطرة على ملف الهجرة عبر برنامج الترحيل، لتحقيق مكاسب من ورائه، من خلال عقود إعاشة المهاجرين ونقلهم بالطائرات». كما توقع عدم استجابة الأوروبيين لمطالب الطرابلسي بدعمه، نظراً لوجود برنامج العودة الطوعية منذ سنوات بدعم المنظمة الدولية للهجرة، موضحاً في هذا السياق أن سيطرة حكومة «الوحدة» تقتصر على الغرب الليبي فقط، فضلاً عن عدم إعلان الوزير عن أعداد من تم ترحيلهم وفق برنامج وزارته.

تعزيز الحدود

قدَّرت المنظمة الدولية للهجرة بداية العام الحالي أعداد المهاجرين في ليبيا بـ«867 ألفاً من 44 جنسية».

ورغم تزايد أعداد المهاجرين، فإن الناشط المدني محمد عبيد رأى أن الحل يكمن في «تعزيز تأمين الحدود وتنظيم وجودهم، لا في إثارة فزع المواطنين بالأرقام». واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم سوق العمل ودمج العمالة الوافدة قانونياً يحد من الوجود غير المشروع».

وشهدت ليبيا حملات احتجاجية ومظاهرات ضد ارتفاع أعداد المهاجرين، مع التحذير من المخاطر الصحية لتجمعاتهم العشوائية، وملاحظة البعض لانتشار السلاح بين صفوفهم.

قوات الأمن الليبي خلال اعتقال مهربين للبشر جنوب ليبيا (مديرية الأمن)

من جانبه، يعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية، موسى تيهوساي أن «أعداد المهاجرين تفوق ما أعلنه الطرابلسي، نظراً لدخول أعداد كبيرة يومياً من الحدود الجنوبية الوعرة، إضافة إلى من تتم إعادتهم من البحر تحت ضغط أوروبي». ويرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «شبكات التهريب تنسج علاقات مع متنفذين في الأجهزة الأمنية شرق ليبيا وغربها»، مقللاً من جدوى «العودة الطوعية» للمهاجرين، معتبراً أنها لا تتجاوز 1 في المائة من العدد الإجمالي للمهاجرين.

ورهن معالجة الملف «بتوحيد السلطة التنفيذية والمؤسسات الأمنية والعسكرية»، مؤكداً أنه «لا يمكن وضع استراتيجية موحدة في ظل وجود حكومتين متنازعتين». واعتبر أن «بعض الأطراف توظف الهجرة وتدفقاتها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية».


وزير الخارجية المصري يدعو إلى نشر قوة استقرار دولية في غزة «بأسرع وقت»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (د.ب.أ)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (د.ب.أ)
TT

وزير الخارجية المصري يدعو إلى نشر قوة استقرار دولية في غزة «بأسرع وقت»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (د.ب.أ)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (د.ب.أ)

دعا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اليوم (السبت) إلى الإسراع في نشر قوة استقرار دولية نصت عليها المرحلة الثانية من اتفاق السلام في قطاع غزة، لمراقبة وقف إطلاق النار.

وقال عبد العاطي خلال منتدى الدوحة: «فيما يتعلق بقوة الاستقرار الدولية، فإننا بحاجة إلى نشر هذه القوة بأسرع وقت ممكن على الأرض؛ لأن أحد الأطراف -وهو إسرائيل- ينتهك وقف إطلاق النار يومياً... لذا نحن بحاجة إلى مراقبين».

وأضاف أن معبر رفح البري بين مصر وغزة «لن يكون بوابة للتهجير؛ بل لإمداد غزة بالمساعدات الإنسانية والطبية فقط».

وحسب مشروع قرار بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واقترحته واشنطن، ستستخدم القوة الدولية «جميع التدابير اللازمة» لنزع سلاح غزة، وحماية المدنيين، وإيصال المساعدات، وتأمين حدود القطاع، ودعم قوة شرطة فلسطينية مدربة.