سكان قابس التونسية يتظاهرون ضد «التلوث وظلم الحكومة»

طالبوا بتفكيك مصنع يصرّف نفاياته في البحر والهواء الطلق

سكان مدينة قابس يؤكدون أن مصنع معالجة الفوسفات يصرّف نفاياته في البحر والهواء الطلق (أ.ف.ب)
سكان مدينة قابس يؤكدون أن مصنع معالجة الفوسفات يصرّف نفاياته في البحر والهواء الطلق (أ.ف.ب)
TT

سكان قابس التونسية يتظاهرون ضد «التلوث وظلم الحكومة»

سكان مدينة قابس يؤكدون أن مصنع معالجة الفوسفات يصرّف نفاياته في البحر والهواء الطلق (أ.ف.ب)
سكان مدينة قابس يؤكدون أن مصنع معالجة الفوسفات يصرّف نفاياته في البحر والهواء الطلق (أ.ف.ب)

تظاهر مئات من سكان مدينة قابس، جنوب تونس، الجمعة، للمطالبة بتفكيك مصنع لمعالجة الفوسفات يصرّف نفاياته في البحر والهواء الطلق، وذلك عقب تزايد حالات الاختناق، وأكّدوا بحسب تصريحات لوسائل إعلام محلية أنهم سيواصلون التظاهر والاحتجاج، حتى تستجيب السلطات لمطالبهم «الملحة». وهتف المتظاهرون، الذين تجمعوا تلبية لدعوة منظمة «أوقفوا التلوث» غير الحكومية: «الشعب يريد تفكيك الشركة الكيميائية»، و«نريد أن نعيش»، و«قابس ضحية التلوث وظلم الحكومة».

ودعت الجمعية إلى التظاهر بعد أن عرضت وسائل إعلام محلية، الجمعة، مقاطع فيديو تُظهر تلاميذ يواجهون صعوبات في التنفس في مدرسة في شط السلام، بالقرب من مصنع ضخم للأسمدة. وظهر في المقاطع عناصر من الحماية المدنية وأولياء أمور قلقون.

في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، نُقل نحو 20 شخصاً إلى مستشفى في قابس، بسبب مشكلات اختناق ناجم عن أبخرة المصنع نفسه، بحسب إذاعة «جوهرة إف إم» المحلية.

وافتُتح مجمّع المجموعة الكيميائية التونسية (GCT)، وهي شركة حكومية لمعالجة الفوسفات، بالقرب من شاطئ شط السلام، عام 1972، وتُعدّ مناجم الفوسفات أهم ثروة طبيعية في البلاد.

وبعد سنوات من نزاعات ذات طابع اجتماعي، عطّلت استخراج الفوسفات ونقله، قرّر الرئيس قيس سعيد إحياء هذا القطاع، الذي تراجعت فيه تونس من المركز الخامس عالمياً عام 2010 إلى المركز العاشر اليوم.

وتعتزم الحكومة زيادة كميات الأسمدة المُنتجة 5 مرات بحلول عام 2030، من نحو 3 ملايين طن سنوياً إلى 14 مليون طن، للاستفادة من ارتفاع الأسعار العالمية.

لكن خبراء في علوم البيئة يؤكدون أن إنتاج الأسمدة يؤدي إلى انبعاث غازات شديدة السمية، مثل ثاني أكسيد الكبريت والأمونيا، بينما يُلوّث الجبس الفوسفوري (أحد المنتجات الثانوية لهذا الإنتاج) التربة والمياه الجوفية بمواد مسرطنة، مثل الرصاص والزرنيخ.

يحتج سكان قابس منذ سنوات على تدهور بيئتهم، ويبدون أسفهم لتراجع صيد الأسماك في هذه الواحة الساحلية، التي كانت تزخر بالثروة السمكية. وبحسب تقرير صادر عن مختبر العلوم الجيولوجية والبيئة في تولوز، نُشر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تُصدر محطة قابس «مستويات عالية جداً» من الملوثات، التي تؤدي إلى «تداعيات وخيمة»، بما في ذلك «تشوهات خلقية في القلب» وأنواع مختلفة من «السرطان».

وفي عام 2017، وعدت السلطات بتفكيك المجمّع واستبداله بمنشأة تتوافق مع المعايير الدولية، إلا أن هذه الخطة لم ترَ النور.


مقالات ذات صلة

مصر تدعو المستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي إلى ضخ مزيد من الاستثمارات

الاقتصاد رئيس مجلس الوزراء المصري يجلس بجانب وزراء من الدول العربية خلال فعاليات منتدى التجارة والاستثمار المصري - الخليجي بالقاهرة (مجلس الوزراء المصري)

مصر تدعو المستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي إلى ضخ مزيد من الاستثمارات

قال رئيس مجلس الوزراء المصري إن دول مجلس التعاون الخليجي من أهم شركاء مصر على الصعيدين التجاري والاستثماري داعياً إلى زيادة الاستثمارات العربية

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حقوقيون أمام سجن بلي المدني في جنوب شرقي تونس للمطالبة بالإفراج عن الناشط المعتقل جوهر بن مبارك (أ.ف.ب)

تونس: معارضون يضربون عن الطعام تضامناً مع سياسي معتقل

أعلن معارضون تونسيون بارزون، بينهم رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي، الإضراب عن الطعام، تضامناً مع سياسي مسجون.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس الموريتاني خلال حديثه أمام سكان ولاية الحوض الشرقي (الرئاسة الموريتانية)

الرئيس الموريتاني يدعو لمشاركة أوسع في «الحوار الوطني» لترسيخ الوحدة الوطنية

عبر الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، عن أمله في مشاركة أكبر عدد ممكن من الأطراف السياسية في الحوار الوطني المرتقب للتوصل إلى إجماع حول القضايا.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا مظاهرة سابقة نظّمها صحافيون وسط العاصمة التونسية للتنديد بما عدُّوه «تضييقاً على الحريات» (رويترز)

تونس تعلّق أنشطة «المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب»

أعلن مكتب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس أنه تلقّى، الأربعاء، إشعاراً من السلطات التونسية بتعليق أنشطته لمدة 30 يوماً.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا عدد من المهاجرين الأفارقة يقصدون تونس للانطلاق منها نحو سواحل أوروبا (أ.ف.ب)

«العفو الدولية» تندد بـ«انتهاكات واسعة» لحقوق المهاجرين في تونس

نددت منظمة العفو الدولية، في تقرير أصدرته، اليوم الخميس، «بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان» في حق مهاجرين غير نظاميين بتونس.

«الشرق الأوسط» (باريس)

النيابة العامة الليبية تتعقب المزيد من «قضايا الفساد»

النائب العام الليبي الصديق الصور في اجتماع سابق مع مساعديه (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي الصديق الصور في اجتماع سابق مع مساعديه (مكتب النائب العام)
TT

النيابة العامة الليبية تتعقب المزيد من «قضايا الفساد»

النائب العام الليبي الصديق الصور في اجتماع سابق مع مساعديه (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي الصديق الصور في اجتماع سابق مع مساعديه (مكتب النائب العام)

تكثّف النيابة العامة الليبية من جهودها لتعقّب «قضايا الفساد» في إطار مساعيها لـ«تعزيز الشفافية في المؤسسات المالية والإدارية»، وذلك بعد حبس وزراء ومسؤولين على ذمة قضايا من هذا النوع.

تأتي هذه التحركات بعد حبس علي العابد، وزير التربية والتعليم المكلّف بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة ومدير مركز المناهج، بتهم «إساءة في عقود طباعة الكتب المدرسية للعام الحالي»، ليرتفع بذلك عدد الوزراء المحبوسين في الحكومة إلى أربعة على الأقل منذ تشكيلها عام 2021.

رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة مستقبلاً وزير التربية والتعليم علي العابد في مارس الماضي (حكومة «الوحدة» الليبية)

وتزداد في ليبيا وتيرة الفساد في ظل إعلان النائب العام الصديق الصور عن ضبط واعتقال موظفين ومسؤولين حاليين بحكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وسابقين بتهم فساد، بينما يتشكك جل الليبيين في إمكانية التصدّي لذلك.

وقال مكتب النائب العام، الاثنين، إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضد أحد موظفي فرع الجمهورية - القادسية لاتهامه بالاستيلاء على 8 ملايين و200 ألف دينار من أموال المودعين (الدولار يساوي 5.45 دينار ليبي). واختصمت النيابة متهماً آخر «تآمر مع مرتكب فعل الاستيلاء على تزوير أوراق عرفية»، وكذلك أربعة موظفين «أهملوا واجبهم الوظيفي بشكل مكّن غيرهم من الاستيلاء على الأموال».

وأوضح مكتب النائب العام أن محكمة استئناف طرابلس قضت بمعاقبة الأول بالسجن مدة سبع سنوات، وإلزامه برد المبلغ الذي استولى عليه وغرّمته نحو 16 مليوناً و500 ألف دينار مع حرمانه من الحقوق المدنية مدة تنفيذ العقوبة وسنة عقب تنفيذها.

وتضمن الحكم القضائي أيضاً معاقبة الموظف الآخر الذي ساعد في واقعة التزوير بالحبس سنة، وقضى بمعاقبة المتهمين الأربعة الآخرين عن واقعة الإهمال، بالحبس سنة واحدة، وأمرت بوقف نفاذها مدة خمس سنوات.

وقال مصدر بمكتب النائب العام لـ«الشرق الأوسط» إن النيابة تواصل التحقيق في «كل الوقائع التي وردت بالتقرير الأخير لديوان المحاسبة، وغيرها من وقائع استُحدثت»، مشيراً إلى أن لديها «كثيراً من الملفات قيد البحث والتحري قبل استدعاء المتورطين فيها».

وفي مطلع أغسطس (آب) 2024 قضت محكمة استئناف طرابلس بسجن موسى المقريف، وزير التربية والتعليم بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، 3 سنوات و6 أشهر، وحرمانه من حقوقه المدنية مدة العقوبة وسنة بعدها، وتغريمه ألف دينار، وذلك بتهمة «الفساد».

وكان رئيس حكومة «الوحدة» قد أطلق في 16 يوليو (تموز) «استراتيجية وطنية» للرقابة على الأداء ومكافحة الفساد (2025 - 2030). كما سبق وكشف ديوان المحاسبة في تقريره الأخير «تجاوزاً وتبديداً» للمال العام من قبل أطراف كثيرة بالبلاد، من بينها حكومة «الوحدة»، وسط مطالب بضرورة إخضاع المتورطين لـ«المحاكمة».

خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة بغرب ليبيا (المكتب الإعلامي للجهاز)

وأصدر ديوان المحاسبة، الذي يعد أكبر جهة رقابية في البلاد، تقريراً تضمن «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية، والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء السيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وكلّف رئيس حكومة «الوحدة» الوزير العابد في مايو (أيار) الماضي بمهام وزير التربية والتعليم، بالإضافة إلى مهامه وزيراً للعمل، وذلك بعد صدور حكم قضائي بالسجن بحق المقريف على خلفية «ملفات فساد» تتعلق بطباعة الكتاب المدرسي أيضاً.

كان ديوان المحاسبة أعلن رصد مخالفات في طباعة وتوريد الكتاب المدرسي والتقني، مما أدى إلى تأخير توريده، ومن ثم عدم وصوله إلى الطلاب. وفي 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال إنه أصدر قراراً يقضي بإخضاع كل المعاملات المالية المتعلقة بطباعة وتوريد الكتابين المدرسي والتقني للعام الدراسي 2025 - 2026 لأعمال الرقابة المصاحبة.

وانتهى ديوان المحاسبة إلى أن «هذه التدابير تأتي في إطار قيامه بمهامه الرقابية الرامية إلى حماية المال العام وضمان سلامة الإجراءات التعاقدية».

وشهدت الحكومة، التي تضم نحو 35 وزيراً ووزيرة منذ تشكيلها في 2021، حبس أو إدانة أربعة وزراء على الأقل، مع تركيز على قطاعي التربية والصحة بوصفهما أبرز المتضررين، بالإضافة إلى اعتقال مبروكة توكي، وزيرة الثقافة، نهاية 2021 بتهم «فساد مالي وإداري»، قبل أن يتم الإفراج عنها بتدخل من الدبيبة وعودتها إلى منصبها لاحقاً.


تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)
قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)
TT

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)
قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)

أثارت التصريحات التي أدلى بها مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، التي شدد فيها على التمسك بالحل العسكري لإنهاء الحرب في البلاد، ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية؛ فبينما فسرها البعض بأنها «لا تتناقض مع الموقف الرسمي للحكومة»، رأى آخرون أنها تبرز «حالة من الصراع داخل قيادة الجيش»؛ إذ يسعى تيار فيها لإفشال الهدنة الإنسانية المطروحة من قبل «الرباعية الدولية» الساعية لوقف الحرب في البلاد.

وقال العطا في تسجيل مصور نُشر في وقت متأخر من ليل الأحد/الاثنين: «إذا أحصينا عدد حروف (بل بس)، تصبح (رباعية)»، مضيفاً: «هذه هي رباعيتنا»، وكرر مقولة «بل بس» أكثر من مرة. وتابع: «قاتلنا كثيراً، ونحب السلام».

نازحون من الفاشر يتجمعون في ضواحي مدينة طويلة بغرب دارفور (أ.ف.ب)

وكان حاكم إقليم دارفور «رئيس حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، قدم العطا في حفل التخريج على أنه «زعيم البلابسة»، وهي اختصار لجملة «بل بس»؛ الشعار الأشهر الذي يردده مؤيدو معسكر الجيش الداعم لاستمرار الحرب.

وعُرف العطا، الذي يُوصف بالجنرال المتشدد، بمواقفه المتصلبة ضد «قوات الدعم السريع»، والدعوة إلى الحسم العسكري، لتثبيت نفوذه الميداني والسياسي في الجيش.

وفي وقت سابق أعلن «مجلس الأمن والدفاع»، وهو أعلى هيئة سياسية وعسكرية في البلاد، ترحيبه بالمبادرات المقدمة من بعض «الدول الصديقة» لإنهاء معاناة السودانيين، من ضمنها الجهود التي يقوم بها مستشار الرئيس الأميركي، مسعد بولس، للوصول إلى هدنة إنسانية من أجل وقف الحرب.

وقال المتحدث الرسمي باسم «حركة العدل والمساواة»، محمد زكريا، لـ«الشرق الأوسط»، إن لدى الحكومة السودانية ملاحظات على هيكل «الرباعية الدولية» التي تضم أميركا والسعودية والإمارات ومصر، مضيفاً أنه «لتجاوز هذه التعقيدات باشرت واشنطن حواراً استراتيجياً مع الحكومة السودانية حول جملة من القضايا، كان من ضمنها حل الأزمة في البلاد».

جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية)

وأوضح أن «مسودة مقترح الهدنة الإنسانية الذي تقدمت به الإدارة الأميركية، جاءت في هذا الإطار، إلى جانب المبادرات الدولية الساعية لوقف الحرب في السودان».

وذكر أن الموقف الرسمي «أعلنه وزير الدفاع، حسن كبرون، عقب الاجتماع الطارئ والمهم الذي عقده مجلس الأمن والدفاع، الأسبوع الماضي، وأوضح فيه أن مقترح الهدنة لا يجد القبول من الحكومة السودانية لأسباب عديدة، من بينها المساواة بين الجيش و(قوات الدعم السريع)، ومحاولة إعادة إنتاج الأخيرة في المشهد السياسي، بالإضافة إلى عدم وضوح آليات وقف إطلاق النار».

وقال زكريا إن طرح الهدنة الإنسانية «جاء في وقت مريب؛ ففي الوقت الذي كانت الحكومة السودانية منفتحة على أي مبادرة لتهدئة القتال، تلكأت القوى الدولية في تقديم المبادرة إلى ما بعد سقوط مدينة الفاشر» في يد «ميليشيا الدعم السريع».

وفي هذا الصدد، أشار إلى أن تصريحات مساعد قائد الجيش ياسر العطا «تأتي اتساقاً مع الموقف الرسمي للحكومة، بأن أي هدنة إنسانية يجب أن تؤسس على اتفاق مبادئ (منبر جدة) الذي قضى بخروج (قوات الدعم السريع) من الأعيان المدنية، ومن ثم يمكن بحث تنفيذ ومراقبة الهدنة الإنسانية المطروحة من (الآلية الرباعية)».

البرهان يحيي ضباط الجيش بـ«قاعدة جبيت» العسكرية (أ.ف.ب)

وقال زكريا إن تصريحات العطا «جاءت في حفل تخريج لحشد من القوات التي تتبع (القوة المشتركة)، لرفع معنويات الجنود في جبهات القتال، وبالتالي لا يمكن عزلها عن السياق الزماني والمكاني للحدث، كما أنها في الوقت نفسه تتسق مع الموقف الرسمي الذي يعبر عن كل أطراف الحكومة السودانية، وهو التمسك بتفكيك (قوات الدعم السريع) عبر أي اتفاق سياسي، أو عبر الحسم العسكري».

بدوره، قال المتحدث باسم «التحالف الديمقراطي المدني لقوى الثورة» (صمود)، جعفر حسن، إن حديث الجنرال ياسر العطا «يبرز وجود مراكز متعددة ومتناقضة داخل سلطة الأمر الواقع في بورتسودان في الموقف من وقف الحرب»، وعدّ ذلك «مؤشراً خطيراً يعقّد المشهد».

وأضاف أن «مخاطبة (الرباعية) بهذه الطريقة موقف غير مسؤول تجاه دول في المنطقة ظلت تبذل جهوداً كبيرة لمساعدة السودانيين في وقف الحرب»، لافتاً النظر إلى التصريحات الإيجابية التي صدرت سابقاً من قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، ووزارة الخارجية، في التعاطي بانفتاح مع جهود «الآلية الرباعية». لكن مصادر سياسية أخرى، فضّلت عدم كشف هوياتها، رأت في حديث العطا «بوادر صراع خفي داخل المكون العسكري بشأن الهدنة الإنسانية، تغذي ذلك الصراع جماعة الإخوان المسلمين، وقوى أخرى ترفض وقف الحرب».

وقالت المصادر ذاتها إن هذه التيارات «ترفض بشدة مبادرة (الرباعية)، وتعمل على عرقلة قيادة الجيش التي وافقت مبدئياً على المضي في الهدنة الإنسانية».

عناصر من «الدعم السريع» في الفاشر (أ.ف.ب)

من جهته، قال المستشار في «الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية» اللواء معتصم عبد القادر الحسن، إن «موقف القيادة العسكرية للجيش السوداني واضح، ولا يوجد أي اختلاف ما بين ما صدر عن مجلس الأمن والدفاع، وما صرح به الفريق ياسر العطا».

وأضاف أن «العطا ذكر الجانب المتعلق بأن العمل العسكري ضد الميليشيا مستمر ولن يتوقف، وهذا لا يعني أن الجيش يرفض التفاوض على أي هدنة إنسانية، وإنما يتمسك بما تم الاتفاق عليه من بنود في (منبر جدة)، بأن تلتزم (قوات الدعم السريع) بإخلاء المدن، وتجميع قواتها في معسكرات تم تحديدها من قبل».

عائلات منكوبة ونازحة من الفاشر (أ.ف.ب)

ولفت عبد القادر إلى أن حديث مساعد قائد الجيش «لا يحمل جديداً، والتركيز على العمل العسكري هو موقف الجيش، وفي حال استمرار (قوات الدعم السريع) في عدم الاستجابة لشروط الهدنة الإنسانية، سيمضي في طريق التحشيد وتنظيم صفوفه لحسم المعركة عسكرياً».


محادثات مصرية - روسية تناقش تعزيز العلاقات وتحقيق «استقرار إقليمي»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة سيرغي شويغو يوم الاثنين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة سيرغي شويغو يوم الاثنين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)
TT

محادثات مصرية - روسية تناقش تعزيز العلاقات وتحقيق «استقرار إقليمي»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة سيرغي شويغو يوم الاثنين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة سيرغي شويغو يوم الاثنين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تقدير بلاده لعلاقتها «الوثيقة» مع روسيا وما تشهده من تطور وزخم، تم تتويجه بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، مؤكداً خلال استقباله وفداً رفيع المستوى برئاسة سيرغي شويغو، أمين مجلس الأمن لروسيا الاتحادية، على ضرورة مواصلة بذل الجهود لتحقيق الاستقرار في دول منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على وحدتها وسيادتها ومقدرات شعوبها، وفق بيان لرئاسة الجمهورية المصرية، الاثنين.

وبحسب المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، السفير محمد الشناوي، تناول اللقاء سُبل تعزيز العلاقات الثنائية، واستعراض فرص تطويرها في مختلف المجالات، لا سيما السياسية والتجارية والاستثمارية. كما تم التأكيد على أهمية البناء على ما سبق الاتفاق عليه خلال قمة جمعت الرئيس المصري بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أثناء زيارة السيسي لموسكو للمشاركة في احتفالات عيد النصر في مايو (أيار) الماضي.

وتطرّق اللقاء إلى مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومشروع محطة الضبعة النووية، إلى جانب ملفات أخرى؛ حيث شدّد السيسي على أهمية تكثيف التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، والعمل على زيادة حجم التبادل التجاري، وتعزيز التعاون في قطاع السياحة، وفق بيان الرئاسة المصرية.

من جانبه، أكد شويغو حرص روسيا على مواصلة تطوير العلاقات الثنائية مع مصر والارتقاء بها، إلى جانب استمرار التشاور السياسي حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، مبدياً تقدير بلاده للدور المصري في منطقة الشرق الأوسط، مضيفاً أن «التاريخ سوف يتذكر الدور الجوهري الذي يقوم به الرئيس المصري لتحقيق الاستقرار الإقليمي»، وشدّد على حرص روسيا على مُواصلة التنسيق مع مصر في هذا الإطار.

وشدّد الرئيس المصري خلال اللقاء على أهمية التنفيذ الكامل لاتفاق شرم الشيخ لوقف الحرب في قطاع غزة بكل مراحله، وتثبيت وقف إطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بكميات كافية إلى القطاع دون قيود. كما تم التشديد على أن تطبيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لمرجعيات الشرعية الدولية هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم والاستقرار في المنطقة.

وأشار السيسي أيضاً إلى دعم مصر كل الجهود الرامية إلى تسوية الأزمة الروسية الأوكرانية والتوصل إلى سلام شامل.

لقاء مصري - روسي تناول تطورات الأوضاع في المنطقة والعلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين (المتحدث باسم رئاسة الجمهورية)

وقال السفير عزت سعد، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية والسفير المصري الأسبق لدى روسيا الاتحادية، إن زيارة الوفد الروسي للقاهرة «تأتي في سياق العلاقات المتطورة والمتعددة الأبعاد بين مصر وروسيا، التي توصف رسمياً بأنها علاقة ذات طبيعة استراتيجية شاملة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تشاور وتبادل رؤى منتظم بين مصر وروسيا، كون مصر هي الشريك الأكبر لروسيا في القارة الأفريقية على المستوى الاقتصادي والتجاري، وهناك حرص متبادل بين الجانبين على التعاون وتوسيع علاقات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي سواء على المستوى الثنائي أو في إطار عضوية البلدين لمجموعة (البريكس)».

أُسست مجموعة «البريكس» عام 2009 من خمس دول هي: روسيا، والبرازيل، والصين، والهند، وجنوب أفريقيا بوصفها اقتصادات سريعة النمو. وانضمت مصر للمجموعة لاحقاً، وأصبحت «بدعم صيني وروسي دولة كاملة العضوية في (البريكس) منذ يناير (كانون الثاني) 2024»، وفق سعد الذي لفت إلى أن مشاركة السيسي في الذكرى الثمانين للانتصار الروسي على النازية في الحرب العالمية الثانية، وانعقاد اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني بين البلدين، تؤكد على «قوة العلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة».

شارك في اللقاء الذي عقده الرئيس المصري مع الوفد الروسي كل من وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج بدر عبد العاطي، ورئيس المخابرات العامة اللواء حسن رشاد، ومستشارة رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي فايزة أبو النجا.

ومن الجانب الروسي حضر نائب أمين مجلس الأمن لروسيا الاتحادية ألكساندر فينيديكتوف، وسفير روسيا في القاهرة جيورجي بوريسينكو، ونائب مدير جهاز المخابرات الخارجية سيرغي ميخييف، إلى جانب أندريه ييفسييف المسؤول بمجلس الأمن لروسيا الاتحادية، وماريا بانيفا المسؤولة بإدارة الرئيس الروسي للسياسة الخارجية.

وعن اللقاء قال السفير سعد: «تطورات الأوضاع في المنطقة ضمن الموضوعات التي تتشارك فيها مصر دائماً مع روسيا، والقضية الفلسطينية محل تشاور دائم بين البلدين كون روسيا من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وتعترف بفلسطين بصفتها دولة مستقلة ذات سيادة على حدود 1967»، مشيراً إلى أهمية الدور المصري بالنسبة لروسيا، «ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بل وبالصراعات والمشاكل في الشرق الأوسط، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للروس ويهمهم الحفاظ على الاستقرار فيها».