أدّت وساطة من شيوخ عشائر وأعضاء في البرلمان الصومالي إلى تأجيل مظاهرات حاشدة دعت إليها المعارضة، رفضاً لسياسات حكومية، في أول استعراض بالشارع منذ الخلافات المتصاعدة مع رئيس البلاد حسن شيخ محمود منذ شهور، على خلفية الانتخابات المباشرة المقررة في عام 2026.
تلك الوساطة، يراها خبير في الشؤون الأفريقية «ستكون مؤقتة مرتبطة بمنع حدوث صدام بين الحكومة الرافضة للمظاهرات ومنتدى الإنقاذ المعارض الذي يقوده الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، الداعي لتلك الفعاليات»، متوقعاً «عدم قدرتها على منع أي صدام مستقبلي، خاصة مع توجه الطرفين للتصعيد، سواء في المضي في الانتخابات المباشرة، أو تمسك المعارضة بالنزول للشارع وحدوث مواجهات».
ويشتد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة في البلاد عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1969، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية، في ولايات البلاد الخمس، التي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية».
وبخلاف التباينات بشأن الانتخابات بين الحكومة والمعارضة، زادت وتيرة التوتر بينهما إثر أحداث شهدها مقر شرطي بالعاصمة مقديشو، الأربعاء، قبل أن «تندلع اشتباكات بعد وصول قادة (منتدى إنقاذ الصومال المعارض) بمن فيهم شريف شيخ أحمد إلى سوق سيناء بالعاصمة مقديشو، الذي تقول المعارضة إنه وقع فيه اعتداء من قبل القوات الحكومية على المدنيين، قبل أن يتوجهوا لمركز الشرطة للمطالبة بالإفراج عن أحدهم».
وعقب ذلك، دعا شريف شيخ أحمد إلى مظاهرات، السبت، بالعاصمة بمقديشو، للتعبير عن التضامن مع المواطنين «الذين تظلمهم الحكومة»، وفق ما ذكره الموقع الإخباري «الصومال الجديد».
قبل أن «تنجح وساطة قام بها بعض زعماء العشائر والنواب حيث تمكنوا من إقناع المعارضة بتأجيل المظاهرات التي تزامنت مع حالة من التوتر في العاصمة بعد اشتباكات بين الشرطة الصومالية وعناصر المعارضة عند مركز الشرطة في مديرية ورتبانبدا». جاءت الوساطة إثر «مخاوف من اندلاع أعمال العنف من جديد، بعد أن أكدت الحكومة الصومالية أنها لن تسمح بإقامة المظاهرات التي دعت إليها المعارضة».
ونقل الإعلام الصومالي عن الوسطاء أنه «تم الاتفاق على عقد المظاهرات خلال 9 أيام بشكل سلمي وتحت حماية الحكومة الصومالية».
وكانت المعارضة دعت إلى تنظيم مظاهرة سلمية في العاصمة مقديشو، تهدف إلى التعبير عن رفضها لما وصفته بالاستيلاء غير المشروع على الأراضي من قبل الحكومة، والتهجير القسري للفقراء والعاجزين عن تأمين مساكن بديلة، وقد جاءت هذه الدعوة عقب فشل عدة جولات من الحوار بين المعارضة والحكومة، إضافة إلى انقسام المعارضة نفسها، بعد أن التحق عدد من أعضائها البارزين بصفّ الحكومة.
بينما ردّت الحكومة بأنها ضمن خطط تأهيل العاصمة وتعزيز الأمن العام، بحسب تصريحات، الأسبوع الماضي، لعمدة مقديشو ومحافظ إقليم بنادر، السيد مَنجاب.

الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أن تلك الوساطة ستكون مؤقتة، ولن تستطيع كبح جماح المعارضة أو تصعيد الحكومة. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «إنهاء تصعيد الحكومة والمعارضة يعتمد على التنازلات بين الطرفين، فالمعارضة تريد أن يتنازل رئيس الصومال كلياً بشأن الانتخابات، وتستخدم كل شيء يعزز موقفها». ويتوقع حدوث «تصعيد خلال الأسبوع المقبل في ظلّ عدم أي إشارات تدل على تنازل الرئيس حسن شيخ محمود عن توجهه بإقامة الانتخابات المباشرة».
واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة، بعد تأسيس حسن شيخ محمود في 13 مايو (أيار) الماضي حزب «العدالة والتضامن»، وتسميته مرشحاً له في الانتخابات المباشرة المقبلة، وتلاها إصدار 15 شخصية سياسية بارزة في الصومال بياناً، دعوا فيه إلى عقد مشاورات عاجلة لإنقاذ البلاد.
ولم يستجب منتدى «الإنقاذ» لدعوات حوار مع حسن شيخ محمود، نادى بها في الأشهر الماضية، قبل أن يفقد المنتدى أبرز مؤسسيه بالانشقاق عنه وخوض الانتخابات بنظام الاقتراع المباشر في عام 2026 عقب عقد اتفاق مع الحكومة.
وأواخر أغسطس (آب) الماضي، أعلن رئيس الوزراء الصومالي السابق، عمر عبد الرشيد، ورئيسا البرلمان السابقان؛ شريف حسن شيخ آدم، ومحمد مرسل شيخ عبد الرحمن (نائب رئيس منتدى الإنقاذ)، ووزير الإعلام السابق، (المتحدث باسم المنتدى) طاهر محمود جيلي، انسحابهم من «منتدى إنقاذ الصومال»، الذي كانوا من أعضائه المؤسِّسين؛ بهدف «تأسيس أحزاب سياسية استعداداً للمشاركة في الانتخابات المقبلة».
ويعتقد عبد الله أحمد إبراهيم أن «الخلافات ستتسع، وربما ستصل لصدام قد يكون مسلحاً، بين الحكومة والمعارضة، بهدف تعطيل الوصول للانتخابات»، مضيفاً أن «الحلّ الوحيد ضغط من المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وتركيا، لأن لهم دوراً قوياً في الصومال، لبحث تهدئة، والوصول لتفاهمات عاجلة حتى لا يستفيد عناصر (حركة الشباب) من هذا النزاع في العاصمة، وتزداد عملياتهم الإرهابية».




