شددت الحكومة الجزائرية على ضرورة تفعيل إجراءات تُلزم ملاك قوارب النزهة والصيد بتشديد الحراسة عليها، مع فرض عقوبات رادعة؛ وذلك لتفادي تكرار «حادثة هجرة 7 قُصَّر» إلى السواحل الإسبانية مطلع الشهر الحالي، وهي حادثة أربكت السلطات وأحرجت المسؤولين في البلاد.
وأفادت مصادر مطلعة بأن مؤسسات تسيير الموانئ الحكومية تلقت مذكرة رسمية تعلم مسيّريها بإجراء غير جديد، يطبَّق على جميع أنواع قوارب الصيد والنزهة الراسية فيها، حيث أصبح من الإلزامي على أصحابها توظيف حارس دائم على متنها، ويُشترط أن يكون لكل قارب حارسه الخاص.
ووجهت وحدات من«شركة تسيير موانئ الصيد والنزهة»، التابعة للمجمع العمومي المكلف ضبط أنشطة كل موانئ البلاد التجارية وغير التجارية، بلاغاً إلى أصحاب القوارب يذكرهم بمراجعة إجراء يتضمنه مرسوم تنفيذي يعود إلى سنة 2022 خاص بالموانئ وإدارتها وكيفية استغلالها.
وبادرت المحطة البحرية في جيجل، وهي من أهم المرافئ بشرق البلاد، بمطالبة مالكي القوارب الراسية في المنشآت الخاضعة لها، بالالتزام بهذا الإجراء الذي يندرج، كما جاء في مذكرة لها، «في إطار الحفاظ على سلامة الأشخاص والممتلكات».
وأصدرت محطة ولاية الطارف الحدودية مع تونس المذكرة ذاتها ووجهتها إلى موانئ الصيد والنزهة بالمنطقة.

وترتبط الصرامة التي تميز هذه التعليمات الإدارية بشكل وثيق بـ«حادثة هروب 7 أطفال قُصَّر»، كما أُطلِق عليها في منصات الإعلام الاجتماعي، خلال مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي، حين وصلوا إلى إيبيزا في أرخبيل جزر البليار الإسباني. واكتشفت عائلاتهم والجزائريون عامة هذه المغامرة المثيرة عندما نشر المعنيون فيديوهات توثّق الرحلة التي كانت محفوفة بالموت في كل لحظة، والتي انطلقت من ميناء مدينة تمنتفوست الصغيرة في الضاحية الشرقية للعاصمة.
وشوركت الفيديوهات وأعيدَ نشرها على نطاق واسع، وانتشرت القصة في جميع أنحاء البلاد خلال ساعات قليلة.
وفي الصور المنشورة على حساباتهم بمنصتَي «إنستغرام» و«تيك توك»، ظهر الشبان السبعة وهم يمرحون ويرتدون قمصاناً خفيفة وسراويل سباحة وصنادل، في وسط البحر الأبيض المتوسط. وكان أحدهم، وهو ممدّد في مقدمة القارب، يبدو أكثر إنهاكاً من البقية.
ورغم أن القارب غير مخصص لقطع مسافة 300 كيلومتر في عرض البحر نحو جزر البليار، فإنه بدا أصلب من القوارب الصغيرة التي يستخدمها المهاجرون عادة للوصول إلى أوروبا، وفق مختصين في متابعة ظاهرة الهجرة غير النظامية.
وكان المراهقون، الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة، قد استأجروا القارب لساعات، مدّعين أنهم ذاهبون في نزهة بحرية، ثم زوده بالوقود وخزنوا المؤن قبل مغادرتهم الميناء.

تطبيق هاتفي بسيط
وفي بث مباشر على «تيك توك»، أوضح أحد القُصّر أن القارب تعرض لأعطال مرات عدة خلال الرحلة التي استغرقت 9 ساعات. وأضاف أنهم تمكنوا من الوصول إلى جزيرة إيبيزا باستخدام تطبيق مخصص للملاحة البحرية. وقال أحدهم مبدياً افتخاراً بما عدّه إنجازاً غير مسبوق: «عبرنا البحر نحو إيبيزا دون قبطان محترف ودون أي معرفة مسبقة بالملاحة».
إسبانيا| وفق منظمة «أوقفوا الموت في المتوسط» غير الحكومية، فإن أكثر من 1500 مهاجر غير نظامي وصلوا جزر البليار في البحر المتوسط، وشواطئ ألميريا وغرناطة ومورسيا وأليكانتي جنوب إسبانيا منذ الجمعة الماضية وحتى صباح اليوم الأربعاء.المهاجرين وصلوا على متن أكثر من مائة قارب. pic.twitter.com/z6XdMoAwAy
— Muath Hamed (@MuathHamed) August 2, 2023
عند وصولهم إلى الأراضي الإسبانية، استُقبل هؤلاء الجزائريون داخل مركز للقصّر في إيبيزا، وقال أحدهم، ويبدو أكبرهم سناً، في فيديو: «كنا نعلم أن القوانين الإسبانية توفر الحماية للمهاجرين الأحداث... سنلتحق قريباً بالمدرسة هنا في إسبانيا، ولكن إقامتنا ستكون في مركز المهاجرين القاصرين حتى نبلغ سن الرشد، وحينها سنحصل على وثائق الاستقرار».
أثارت الحادثة جدلاً واسعاً في الجزائر، وواجهت السلطات، خصوصاً الجهات الأمنية والعسكرية المسؤولة عن مراقبة السواحل، انتقادات حادة لفشلها في منع هذه الرحلة، علماً بأنه توجد مؤسسة عسكرية بحرية لتكوين الضباط البحريين في تمنتفوست.

كما أثارت الحادثة تساؤلات مجتمعية بشأن دور العائلة، والضغوط النفسية والاجتماعية التي تدفع القُصَّر إلى خوض مغامرات خطيرة كهذه. وإضافة إلى ذلك، تبدي السلطات تخوفها من أن تُغري مغامرة الشبان القُصّر مراهقين آخرين بتقليدها، خصوصاً أن هذه التجربة باتت تُقدَّم على أنها «نموذج للهروب نحو الجنة» بالنسبة إلى آلاف الشباب الباحثين عن حياة أفضل...
ولم يصدر أي رد فعل من أي جهة سياسية رسمية في البلاد، بينما أفردت «مجلة الجيش» التي تصدرها وزارة الدفاع، افتتاحية لهذه الحادثة في آخر أعدادها الشهرية، حيث هاجمت «وسائل إعلام معادية تحاول استغلال حادثة هجرة 7 قُصَّر، لتقديم صورة مغلوطة عن الجزائر ومؤسساتها»، من دون توضيح مَن تقصد.

وأكدت أن الحادثة «واقعة فردية لا ينبغي تعميمها، ولا تعكس بالضرورة واقع كل الشباب أو الوضع الاجتماعي في البلاد»، وربطتها بـ«أنشطة استدراج الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، وأن بعض الصور التي تنشرها الصحافة عن الهجرة غير النظامية «تسعى إلى التضليل والتشويش على الجهد الرسمي» لمحاربة هذه الظاهرة، التي قالت المجلة إنها «صارت عالمية تواجهها الجزائر مثل غيرها من الدول».



