«هدنة غزة»: كيف يتجاوز الوسطاء تعقيدات «الشروط الخمسة» لإسرائيل؟

«حماس» توافق على «صفقة شاملة»... ونتنياهو يعتبرها «مناورة»

فلسطينيون يتفقدون أضرار غارة إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون أضرار غارة إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: كيف يتجاوز الوسطاء تعقيدات «الشروط الخمسة» لإسرائيل؟

فلسطينيون يتفقدون أضرار غارة إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون أضرار غارة إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

عادت حركة «حماس» للحديث عن قبولها بتنفيذ «صفقة شاملة» لإنهاء الحرب بقطاع غزة، بعد تمسك الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإطلاق سراح جميع الرهائن، وسط تجاهل منه للمقترح الجزئي الذي طرحته مصر وقطر منذ نحو أسبوعين، ويشمل الإفراج عن بعضهم.

ذلك الحديث الفلسطيني الذي جاء غداة تلميحات قطرية بأن ثمة أفكاراً جديدة تناقش على طاولة اتصالات إقليمية، قوبل بتجديد إسرائيل شروطاً خمسة طُرحت قبل نحو شهر لإنهاء الحرب، منها نزع سلاح «حماس»، وهو ما رفضته الحركة آنذاك.

وشروط حكومة نتنياهو الخمسة تتمثل في: «نزع سلاح (حماس)، وإعادة جميع المحتجزين أحياءً وأمواتاً، ونزع سلاح قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإقامة حكومة مدنية بديلة ليست من (حماس) ولا من السلطة الفلسطينية».

وفي ضوء ذلك الضجيج من التصريحات دون مفاوضات على أرض الواقع، واستمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي، تساءل البعض عن كيفية تجاوز الوسطاء تعقيدات «شروط» إسرائيل.

أسرة فلسطينية نازحة تضع أمتعتها عند خيمة في مخيم البريج بوسط قطاع غزة يوم الأربعاء (أ.ف.ب)

وبحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن الوسطاء أمام أزمة كبيرة إزاء تلك الشروط التي لن تقبل بعضها «حماس» أو إسرائيل، وتوقعوا إما الذهاب لمقترح شامل للحل في إطار مفاوضات تحت النار، مع احتمال أن تفشل حال لم تقدم الحركة تنازلات، أو الوصول لاحتلال كامل قطاع غزة وفرض معادلات جديدة للمحادثات.

وقال ترمب في منشور على منصة «تروث سوشيال»: «أبلِغوا (حماس) بأن تعيد جميع الرهائن العشرين فوراً (وليس اثنين أو خمسة أو سبعة!)، والأمور ستتغير سريعاً. ستنتهي (الحرب)».

قبول صفقة شاملة

وجاء حديث ترمب بعد نحو أسبوعين من عدم تجاوب أميركي أو إسرائيلي مع مقترح الوسيطين المصري والقطري الداعي لوقف إطلاق النار 60 يوماً، والذي قبلته «حماس»، ويتضمن الإفراج عن نحو 10 رهائن أحياء و18 أمواتاً مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى مواقع قريبة من الحدود في غزة، وبدء مفاوضات حول إنهاء الحرب.

وعادت «حماس» عقب تصريحات ترمب لتجدد عبر بيان استعدادها للذهاب إلى «صفقة شاملة» لإنهاء الحرب. واعتبر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ذلك الطرح «مناورة جديدة لا جديد فيها»، وتمسك بالشروط الخمسة التي اتفق عليها «الكابينت» قبل نحو شهر، وقال إنه «يمكن إنهاء الحرب فوراً وفق شروطنا (السابقة)، ومنها تفكيك أسلحة (حماس) والسيطرة الأمنية على القطاع».

فلسطينيون يحملون جثث أطفالٍ مُكفّنين قُتلوا في غارات إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

وكرر مكتب نتنياهو في 19 أغسطس (آب) الماضي تلك الشروط، قائلاً إن «مبادئ إسرائيل لإنهاء الحرب كما حددها مجلس الوزراء (في تصويت بالأغلبية يوم 8 من الشهر ذاته) هي نزع سلاح (حماس)، وإعادة جميع المحتجزين أحياءً وأمواتاً، ونزع سلاح قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإقامة حكومة مدنية بديلة ليست من (حماس) ولا من السلطة الفلسطينية».

«إرادة حقيقية»

ودون تفاصيل من الوسطاء، أكد متحدث «الخارجية القطرية»، ماجد الأنصاري، أن أي مقترح بديل يبقى مرهوناً بوجود إرادة حقيقية للوصول إلى اتفاق، مشدداً على أن قطر، بصفتها وسيطاً، لا تملك أوراق ضغط خاصة بها سوى الدفع باتجاه اتفاق، والتعويل على الموقف والضغط الدولي.

وتحدث الأنصاري في بيان الأربعاء عن «وجود اتصالات لتطوير مقترحات جديدة يمكن أن تسهم في الوصول إلى اتفاق»، دون مزيد من التفاصيل.

أستاذ العلوم السياسية والأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، يرى أن «حماس» مضطرة لإعادة الحديث عن «الصفقة الشاملة» في ظل رسائل ترمب وتجاهل إسرائيل للمقترح الجزئي، لأسباب من بينها إدراكها أن واشنطن تدعم نتنياهو، ومحاولة وقف الخسائر الميدانية، متوقعاً ألا يكون أمام الوسطاء مسارات لحلحلة حالية أو لتجاوز شروط إسرائيل.

ويرجح فهمي أن إسرائيل ستواصل التصعيد وحسم احتلال مدينة غزة، ثم قد تفكر بعدها في أرضية جديدة للمفاوضات، موضحاً أنه سيكون أمام «حماس» أن تقدم تنازلات، و«هذا لن يحدث»، وبالتالي «سيتم الذهاب لخيارات صفرية، ومرحلة اغتيالات لقيادات الحركة بالداخل».

مدفعية إسرائيلية تطلق النار باتجاه غزة في 6 مايو 2025 (رويترز)

المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، يتوقع «عدم قبول (حماس) بالشروط الخمسة»، لافتاً إلى أن شروط نتنياهو جزء من شروط المجتمع الدولي والإدارة الأميركية، وبالتالي لن يتنازل عنها.

ويرى أن حديث ترمب يحمل صيغة تهديد، وليست وساطة، ولا دعوة لصفقة شاملة، ولا هدنة جزئية باتت من الماضي، مؤكداً أن الوسطاء ليسوا الأزمة، وليس بيدهم حلول سحرية في ظل تشدد «حماس»، وخاصة بتمسكها بسلاحها الذي بات غير مؤثر بالمعركة، و«هناك مليون طريقة لإخراج مشهد النزاع بالشكل المناسب».

مطالب عربية ودولية

ورغم هذه المخاوف، لا تزال الهدنة محل مطالب عربية ودولية. وطالب وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في كلمة الخميس باجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، بـ«وقف العدوان الهمجي على غزة»، مؤكداً «دعم الجهود المصرية - القطرية - الأميركية المستهدفة التوصل لوقف دائم لإطلاق النار».

وقال الفاتيكان في بيان، إن البابا ليو دعا خلال اجتماع الخميس مع الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، إلى إجراء مفاوضات من أجل إطلاق سراح الرهائن المتبقين، ووقف دائم لإطلاق النار في القطاع.

ودفع القصف الإسرائيلي، الخميس، المزيد من الفلسطينيين إلى النزوح في مدينة غزة، في حين تحدى آلاف السكان الأوامر الإسرائيلية بالمغادرة وبقوا بين الأنقاض في مواجهة أحدث تقدم لإسرائيل، وقُتل 28 فلسطينياً على الأقل بنيران إسرائيلية، وفق ما نقلته «رويترز».

ويتوقع فهمي عدم تدخل الإدارة الأميركية حالياً، وأن تستمر في تجاهل الأوضاع في غزة لحين حسمها عسكرياً بشكل كامل من جانب إسرائيل، مشيراً إلى أن الوسطاء قد ينتظرون تغييراً مفصلياً للذهاب لحل نهائي، أو عودة إسرائيل للاستمرار في صيغة مفاوضات من أجل المفاوضات بلا نتائج وتحت النيران.

في حين يعتقد مطاوع أن الحديث العربي والدولي سيستمر كعادته منذ الحرب، لكن ليس هناك ما يمكن القول إنه يستطيع أن يغير موازين القوة، ويجبر إسرائيل على الجلوس لطاولة التفاوض والقبول باتفاق في ظل تصعيدها العسكري الذي تراه ناجحاً حتى الآن.


مقالات ذات صلة

مستشفى العودة في غزة يعلّق معظم خدماته بسبب نقص الوقود

المشرق العربي مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle

مستشفى العودة في غزة يعلّق معظم خدماته بسبب نقص الوقود

أعلن مستشفى العودة في النصيرات وسط قطاع غزة تعليق معظم خدماته «مؤقتاً» بسبب نقص الوقود، مع الإبقاء على الخدمات الأساسية فقط، مثل قسم الطوارئ.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية

محمد محمود (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

لم يدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في عهده الثاني برتابة الرؤساء السابقين الذين التزموا بالسياسات الأميركية التقليدية والأعراف الدولية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد انفجارات نفذها الجيش الإسرائيلي داخل الخط الأخضر شمال شرقي بيت لاهيا بغزة (أ.ف.ب) play-circle

الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيين اثنين في غزة

كشف الجيش الإسرائيلي اليوم (الجمعة) أنه قتل فلسطينيين اثنين في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول (د.ب.أ)

ألمانيا لن تشارك في قوة استقرار بغزة «في المستقبل المنظور»

أعلن وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع.

«الشرق الأوسط» (برلين)

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، اليوم (الجمعة)، أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل لبيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، التي كانت تقل رئيس الأركان محمد الحداد ومرافقيه، لعدم توفر الإمكانات الفنية اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الطائرات.

وأكدت الوزارة، في بيان على موقع «فيسبوك»، أنه تم الاتفاق مع تركيا على اختيار بريطانيا كجهة «محايدة» لاستكمال الإجراءات الفنية اللازمة بشأن الطائرة التي تحطمت يوم الثلاثاء، بعد نصف ساعة من إقلاعها من مطار أنقرة.

وقالت الوزارة إنه تقرر نقل جثامين القتلى صباح غد إلى مدينة طرابلس.

كانت الطائرة تقل رئيس الأركان محمد الحداد وعدداً من مرافقيه، وكانت قد أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية الاتفاق مع السلطات التركية على إرسال الصندوق الأسود للطائرة إلى ألمانيا لضمان التحليل الفني الدقيق.


ما تأثيرات اعتراف نتنياهو بـ«أرض الصومال» على الصراع بين إسرائيل والحوثيين؟

نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
TT

ما تأثيرات اعتراف نتنياهو بـ«أرض الصومال» على الصراع بين إسرائيل والحوثيين؟

نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)

في خطوة لافتة تحمل أبعاداً تتجاوز بعدها الدبلوماسي، جاء اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ«جمهورية أرض الصومال» دولة مستقلة وذات سيادة، ليُشعل تساؤلات واسعة حول توقيته ودلالاته، خاصة في ظل الصراع المحتدم بين إسرائيل وجماعة الحوثي، والتوتر المتصاعد في البحر الأحمر.

هذا الاعتراف، الأول من نوعه على هذا المستوى، عدّه محللون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، رسالة ضغط مباشرة وطوقاً دبلوماسياً على رقاب الحوثيين، ومحاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ قرب واحد من أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم، وسط تباين في تقدير مآلاته بين من يحذّر من ترتيبات أمنية وعسكرية جديدة، ومن «يقلّل من فرص تحول الخطوة إلى مواجهة مفتوحة».

وأرض الصومال هو إقليم أعلن استقلاله من جانب واحد 1991، ولم تعترف به أي دولة، وتعارض الحكومة الصومالية مطلب استقلال أرض الصومال عنها، وعلى مدار عام 2024، نشبت أزمة بين أديس أبابا ومقديشو بسبب مساعي إثيوبيا لإبرام اتفاق للوجود على المنفذ البحري لأرض الصومال، وسط رفض مصري وعربي، وتدخلت تركيا بوساطة لإيقاف إثيوبيا عن هذا المسار.

تطويق للحوثيين

ويُعد أرض الصومال منطقة جوار لليمن، حيث تقع على الضفة المقابلة لخليج عدن، وتطل على مضيق باب المندب، وهو ممر مائي عالمي حيوي لعبور الملاحة الدولية بين آسيا وأوروبا، وهذا الممر شهد هجمات صاروخية وطائرات دون طيار من الحوثيين في السنوات الأخيرة، مما أثر على التجارة العالمية وأمن الملاحة، وفق ما يرى المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، مؤكداً أن الاعتراف مهم وله دلالات.

ويعطي الاعتراف إسرائيل «طوقاً دبلوماسياً في موقع جغرافي يمكن أن يكون بديلاً أو مكملاً لعملياتها في البحر الأحمر، خصوصاً إذا زاد الحوثيون هجماتهم على سفن أو طرق الملاحة»، وفق تقدير بري، موضحاً أن «إسرائيل ترى ذلك ليس فقط فرصة دبلوماسية، بل ركيزة استراتيجية لمراقبة الممرات المائية والإسهام في أمنها، وتعزيز تموضعها ضد النفوذ الإيراني والحوثي والضغط عليهما وتقليل قدرة الحوثيين على تهديد المصالح البحرية الإسرائيلية».

ويؤكد الباحث اليمني، أشرف المنش، ذلك، موضحاً أن اعتراف نتنياهو يأتي في سياق بحث إسرائيل عن قاعدة عسكرية قبالة اليمن لمواجهة ميليشيات الحوثي واعتراض تهديداتها لخطوط الملاحة، وذلك نظراً إلى تمتع «أرض الصومال» بموقع استثنائي يمتد على ساحل بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، وموقع استراتيجي عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي.

ويرى مراقبون أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» سيكون له تأثير على باب المندب، وقد يقيّد أي إمدادات تأتي إلى الحوثيين، لكن في المقام الأول سيهدد الملاحة والأمن في البحر الأحمر وسيزيد التوتر.

رئيس أرض الصومال يهاتف نتنياهو خلال التوقيع (الحكومة الإسرائيلية)

وتسعى إسرائيل لخلق ما يشبه «كماشة» أمنية لمحاصرة النشاط العسكري الحوثي من جهة الشرق الأفريقي، وذلك بعد تحول السواحل الصومالية قبالة اليمن إلى نقاط تهريب نشطة للحوثيين ساعدهم في ذلك تحالفهم الوثيق مع «حركة الشباب الإرهابية» برعاية من «الحرس الثوري» الإيراني، وفق الخبير اليمني أشرف المنش.

ويعتقد رئيس مركز «جهود للدراسات» في اليمن، عبد الستار الشميري، أن الاعتراف من إسرائيل محاولة لوجود أكبر في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والتموضع على ضفة القرن الأفريقي من خلال أرض الصومال وأيضاً الضفة اليمنية من خلال مهاجمة الحوثيين، وهذا سينعكس سلبياً على البحر الأحمر.

في المقابل، قلّل المحلل السياسي من أرض الصومال، عبد الكريم صالح، من المخاوف من العلاقات بين هرغيسا وتل أبيب، مؤكداً أن الاعتراف لن يؤثر على الصراع مع الحوثيين؛ إذ تربط إسرائيل علاقات دبلوماسية بالعديد من الدول العربية والإسلامية والدولية ولم يحقق ذلك شيئاً، مؤكداً أن الاعتراف مهم في سلسلة الاعترافات الدولية ليس أكثر من ذلك.

ورغم أن الضربات الإسرائيلية ضد الحوثيين بدأت في يوليو (تموز) 2024، فإن عام 2025 شهد زخماً أكبر من الاستهداف في عام 2025، بـ14 استهدافاً على الأقل، وقصف متكرر لميناء الحديدة، قبل الهجوم الكبير الذي استهدف حكومة الحوثي وقيادات عسكرية بارزة لديها في أغسطس (آب) الماضي.

إنشاء القواعد

وفي ضوء ذلك الاعتراف وهذا التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين، لا يستبعد بري أن يتم احتمالات تعاون أمني، وبحث أفكار حول قاعدة أو تعاون عسكري في المستقبل، وهو بمثابة جزء من استراتيجية مواجهة تهديدات الحوثيين.

ويخلص إلى أن وجود عسكري إسرائيلي طويل المدى في أرض الصومال ليس مؤكداً اليوم، لكن القاعدة قد تتوسع إلى تعاون أمني أقوى إذا رأى الطرفان فائدة استراتيجية من ذلك، خصوصًا في مواجهة الحوثيين مقابل زخم الاعترافات.

وعن توقعاته لردود فعل الحوثيين، يعتقد بري أن التهديدات والهجمات من الحوثيين قد تتصاعد بوصفها رد فعل على أي شكل من أشكال وجود عسكري أو تعاون أمني مع إسرائيل قرب السواحل اليمنية، مستدركاً: «لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات رسمية من الحوثيين على كيفية ردهم مباشرة على الاعتراف الصوري فقط الذي لم يشمل التوسيع العسكري بإقليم مثل أرض الصومال».

بنيامين نتنياهو خلال التوقيع (الحكومة الإسرائيلية)

ولا يستبعد أشرف المنش أيضاً -في ضوء التقاء المصالح بين إقليم أرض الصومال الساعي للحصول على اعتراف دولي وإسرائيل- أن تتجه المصالح الإسرائيلية إلى بناء منشأة عسكرية واستخباراتية لـ«تعزيز العمق الاستراتيجي» في القرن الأفريقي.

بينما يؤكد مراقبون أن وجود إسرائيل في الإقليم الانفصالي سيترتب عليه وجود عسكري لا محالة، لأن أي علاقات تسمح بمذكرات تفاهم تشمل نشر قواعد عسكرية وما شابه.

في المقابل، يرى عبد الكريم صالح أن المحادثات والوثائق المتبادلة بين الجانبين لم تتطرق إلى أي مسائل عسكرية. وأفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنهم سيتعاونون بشكل مكثف مع أرض الصومال في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد، دون أي حديث عن تعاون عسكري أو استخباراتي.

وبعد شائعات نفاها إقليم أرض الصومال في 2025، بشأن أن يكون الإقليم إحدى البقاع التي تستقبل الفلسطينيين من غزة، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في حسابه على منصة «إكس»، الجمعة، إنه خلال العام الماضي، وعلى أساس حوار شامل ومتواصل تشكّلت العلاقات بين إسرائيل وأرض الصومال. وأضاف: «عقب قرار رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، ورئيس جمهورية أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله، وقّعنا على اعتراف متبادل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، تشمل أيضاً تعيين سفراء وافتتاح سفارات»، مؤكداً أن إسرائيل ستكثّف التعاون مع أرض الصومال في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والزراعة والصحة.


مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

رفضت مصر إعلان الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة. كما عبّرت عن رفضها «أي محاولات لفرض كيانات موازية تتعارض مع وحدة الدولة الصومالية».

وجاء الموقف المصري في اتصالات لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، الجمعة، مع نظرائه في الصومال وتركيا وجيبوتي. وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكد الوزراء «الدعم الكامل لوحدة الصومال وسيادته»، إلى جانب «دعم مؤسسات الدولة الصومالية الشرعية».

الرفض المصري المدعوم بمواقف دول أخرى، جاء بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، اعتراف إسرائيل رسمياً بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة ذات سيادة، وهي أول دولة تعترف بـ«الإقليم الانفصالي» في الصومال دولة مستقلة.

وقال بيان صادر عن «الخارجية المصرية»، الجمعة، إن الوزير عبد العاطي تلقى اتصالات من نظرائه: الصومالي عبد السلام عبدي، والتركي هاكان فيدان، والجيبوتي عبد القادر حسين عمر، وشددوا على «الرفض التام وإدانة اعتراف إسرائيل»، إلى جانب «الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، يعتقد أن دعم إسرائيل «أرض الصومال» «سيفتح الباب لدول أخرى للاعتراف بهذا الإقليم». ورجح أن «تلجأ إثيوبيا إلى تفعيل اتفاقها مع (أرض الصومال)، للحصول على منفذ بحري لها، مقابل الاعتراف الرسمي به دولة».

وسيؤثر الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» استراتيجياً على مصالح الدولة المصرية في جنوب البحر الأحمر، وفق حليمة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود إسرائيل في هذه المنطقة سيعني حصولها على موضع قدم في جنوب البحر الأحمر وشماله في إيلات»، مشيراً إلى أن هذا التحرك «سيلقى معارضة شديدة من الدول العربية والأفريقية؛ لأن من مبادئ الاتحاد الأفريقي احترام حدود الدول وعدم المساس بها».

وسبق أن عارضت مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع «إقليم أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة. وعدّت القاهرة الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي بعد توقيع اتفاق «الشراكة الاستراتيجية» في القاهرة يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

وأكد عبد العاطي، الجمعة، أن الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول «سابقة خطيرة، وتهديد للسلم والأمن الدوليين ولمبادئ القانون الدولي»، وقال إن «احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي الدول يمثّل ركيزة أساسية لاستقرار النظام الدولي».

كما شدد على «الرفض القاطع لأي مخططات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني خارج أرضه»، وقال إن «هذا المخطط ترفضه الغالبية العظمى لدول العالم بشكل قاطع».

ولن يغيّر الاعتراف الإسرائيلي الوضعية القانونية لـ«إقليم أرض الصومال» بعدّه جزءاً من أرض الصومال، وفق عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، عصام هلال، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما اتخذته إسرائيل خطوة أحادية تخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي».

ويرى هلال أن الدعم الإسرائيلي للإقليم الصومالي «يعدّ تحولاً دبلوماسياً، سينعكس على توازن القوى في منطقة القرن الأفريقي». وأكد ضرورة «تكثيف الجهود الدبلوماسية لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي في هذه المنطقة».

ودائماً ما تؤكد مصر أن «أمن البحر الأحمر قاصر فقط على الدول المتشاطئة وليس مقبولاً أي وجود عسكري به»، وتكررت هذه التصريحات بعد أن أعلنت إثيوبيا طموحها لإيجاد منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر.

و«إقليم أرض الصومال»، الذي يملك ساحلاً بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، يحتل موقعاً استراتيجياً عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي، ولا يحظى باعتراف دولي منذ انفصاله عن جمهورية الصومال الفيدرالية عام 1991.

ووقّع نتنياهو ووزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، ورئيس «إقليم أرض الصومال»، عبد الرحمن محمد عبد الله، إعلاناً مشتركاً، وقال إن «إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد».