«هدنة غزة»: تحركات نحو تسوية دائمة «متعددة المراحل»

القاهرة تؤكد استمرار مساعيها مع واشنطن والدوحة لوقف إطلاق النار

رجل وأطفال صغار يدفعون عربة تحمل خزان مياه بمخيم البريج للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
رجل وأطفال صغار يدفعون عربة تحمل خزان مياه بمخيم البريج للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: تحركات نحو تسوية دائمة «متعددة المراحل»

رجل وأطفال صغار يدفعون عربة تحمل خزان مياه بمخيم البريج للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
رجل وأطفال صغار يدفعون عربة تحمل خزان مياه بمخيم البريج للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحركات مكثفة للوسطاء لانتزاع هدنة في غزة، وسط حديث عن مقترح جديد بالإعلام الإسرائيلي يقوم على «اتفاق شامل متدرج المراحل يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار».

يأتي ذلك وسط مظاهرات حاشدة في إسرائيل تطالب بإبرام صفقة شاملة، وهو ما يراه خبراء، تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط»، يعكس حالة الزخم التي تشهدها القاهرة ومساعيها لوحدة الصف الفلسطيني، وإنهاء أي فجوات قد تُعرقل أي جهود مقبلة نحو الهدنة، غير أنهم عبّروا عن مخاوف من عراقيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبر وضع شروط وذرائع واستمراره في خطة احتلال القطاع أو تهجير الفلسطينيين.

وشارك الآلاف من الإسرائيليين، الأحد، في إضراب بأنحاء إسرائيل؛ دعماً لعائلات الرهائن المحتجَزين في غزة، مُطالبين نتنياهو بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، وإطلاق سراح بقية الرهائن، وفق ما نقلته «رويترز».

واستبَقَ ذلك الحراك الكبير، بساعات، ضخّ إسرائيلي لتسريبات عن اتفاق شامل وآخَر جزئي. وأفادت صحيفة «إسرائيل هيوم» بأن مسوَّدة مقترح أميركي أُعدّت عقب محادثات في مصر أخيراً بين وفد «حماس» ووسطاء تركز على «تسوية دائمة متعددة المراحل.

وتبدأ تلك التسوية بمقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (الجزئي الذي يتضمن إطلاق سراح نصف الرهائن، أحياء وأمواتاً)، وتنتهي بوقف دائم لإطلاق النار، على أن «يكون ذلك العرض الأخير لـ(حماس) لمنع الاحتلال الإسرائيلي الكامل للقطاع مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات».

كما أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن «مصر وقطر أبلغتا إسرائيل بأن (حماس) أبدت مرونة أكبر، وهي، الآن، منفتحة على التفاوض على اتفاق جزئي». وأكدت القناة الإخبارية «12 الإسرائيلية» ذلك، موضحة أن «فريق التفاوض الإسرائيلي للمستوى السياسي يرى أن تغييراتٍ حدثت في موقف (حماس)، بحيث يمكن أن تسمح بالعودة إلى الحوار حول صفقة تدريجية، أو ما يسمى الصفقة الجزئية، وفق خطة ويتكوف».

فلسطينيون يحملون أكياس دقيق حصلوا عليها من شاحنات مساعدات دخلت غزة عبر معبر زيكيم (أ.ف.ب)

في حين نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن مصدرين أن «(حماس) أبلغت الوسطاء باستعدادها لمناقشة اتفاق جزئي».

ورداً على هذا التقرير، أعلن مكتب نتنياهو، السبت، أن إسرائيل مستعدة للموافقة على اتفاق، لكن بشروط محددة وصارمة هي إطلاق سراح جميع الأسرى دفعةً واحدة، وبما يتوافق مع شروط إنهاء الحرب، والتي تشمل نزع سلاح «حماس»، ونزع سلاح قطاع غزة، والسيطرة الإسرائيلية على محيطه، وإقامة حكومة غير تابعة لـ«حماس» أو للسلطة الفلسطينية.

وبعد التظاهرات، قال نتنياهو، أمام مجلس الوزراء، الأحد، إن «مَن يدعون، اليوم، إلى إنهاء الحرب دون هزيمة (حماس) لا يقتصر دورهم على تشديد موقف (حماس) وتأخير إطلاق سراح رهائننا فحسب، بل يفتحون الباب أيضاً أمام تكرار مآسي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مرة بعد أخرى».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن ما يُطرَح إسرائيلياً مع كثافة الاحتجاجات ربما هو تكتيك لإرسال رسائل ناعمة أو مناورات للتغطية على ما هو ما قادم من احتلال للقطاع أو تهجير الفلسطينيين، مؤكداً أن «نتنياهو هو العقبة أمام الاتفاق، وعليه أن يقدم ما يؤكد أنه جادّ في التوصل لصفقة دون مماطلات أو مناورات في ظل الجهود الكبيرة لمصر لإنهاء الحرب».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني نهرو جمهور أن هذه الأفكار تُطرح بقوة في ظل التصعيد الداخلي بإسرائيل بوصفه وسيلة لتهدئة الشارع، ثم ينقلب نتنياهو عليها، بعد أيام، بذرائع جديدة أو سابقة، مشيراً إلى أن التحركات واضحة في القاهرة، والجهود تتواصل لإنهاء الحرب؛ لكن رئيس وزراء إسرائيل لا يزال العقبة أمام التوصل لاتفاق دائم أو مؤقت.

بالتزامن، لا تزال القاهرة تستضيف، منذ الثلاثاء الماضي، محادثات مصرية فلسطينية بشأن إنهاء حرب غزة، كان أحدثها، الأحد، لقاء بين رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، ونظيره الفلسطيني محمد مصطفى، في مدينة العلمين الجديدة بشمال مصر، وفق بيان لـ«مجلس الوزراء المصري».

وشدد مدبولي على «استمرار الجهود المصرية المكثفة في عدد من المحافل الدولية، وفي إطار الوساطة مع كل من قطر والولايات المتحدة الأميركية، بهدف العودة إلى وقف إطلاق النار، وصولاً إلى إنهاء الحرب، وإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع بشكل مستدام».

يأتي اللقاء عقب اجتماع في القاهرة، الخميس، دعت خلاله فصائل فلسطينية، بينها «حماس»، في بيان مشترك، مصر إلى «رعاية واحتضان عقد اجتماع وطني طارئ للقوى والفصائل الفلسطينية كافّة، وتجاوبها مع ترتيبات الحل وإنهاء الإبادة».

وجاء اجتماع الفصائل عقب عقد وفد «حماس»، منذ الأربعاء، «لقاءات ومحادثات في القاهرة تركز حول سُبل وقف الحرب على القطاع، وإدخال المساعدات، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في غزة»، وفق ما أفاد القيادي بالحركة طاهر النونو، في بيانٍ آنذاك.

ويعتقد رخا أحمد حسن أن «حماس» قدّمت ما عليها، ولا سيما بشأن عدم حكم القطاع، والأمر الآن متوقف على ضغط أميركي جادّ وحقيقي على إسرائيل لإنهاء الحرب وضمانات بذلك، وإلا فسيتكرر التعثر مجدداً رغم الجهود المصرية الكبيرة في سبيل وقف إطلاق النار.

ويرى نهرو جمهور أن «حماس»، وفقاً للإعلام الإسرائيلي، جاهزة لاتفاق، لكن الواقع يقول إن نتنياهو هو المعضلة لا يريد اتفاقاً ويتمسك ببنود استسلام لمزيد من عرقلة جهود الوسطاء، مشدداً على أن الأمور حالياً في ظل زخم المحادثات لا تتوقف على زمن قريب أو بعيد لإبرام اتفاق؛ لكن تتوقف على إنهاء عراقيل نتنياهو فقط ليمضي الجميع نحو صفقة شاملة حقيقية وجادة.


مقالات ذات صلة

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

أعاد خلاف مصري – إسرائيلي حول فتح معبر رفح وهجوم لمسلحين يُرجح أنهم من «حماس» ضد قوات جيش الاحتلال في الجبهة ذاتها، تسخين ملف غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة – تل أبيب) محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي أطفال فلسطينيون يستدفئون بالنار في خان يونس (رويترز) play-circle 00:36

5 قتلى وعشرات المصابين في غارات إسرائيلية على خان يونس

قُتل 5 فلسطينيين على الأقل وأصيب آخرون، مساء الأربعاء، في قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على جنوب وشرق قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تركيب فني لصورة للقيادي الفلسطيني المعتقل لدى إسرائيل مروان البرغوثي في مسقط رأسه قرية كوبر في الضفة الغربية شمال رام الله 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)

200 من مشاهير العالم يطالبون بالإفراج عن مروان البرغوثي

دعا أكثر من 200 من المشاهير، بينهم كتاب وممثلون وموسيقيون، في رسالة مفتوحة، الأربعاء، إسرائيل إلى إطلاق سراح السياسي المعتقل مروان البرغوثي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز) play-circle

غوتيريش: «أسباب قوية» للاعتقاد بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الأربعاء، إن هناك «خطأ جوهرياً» في الكيفية التي أدارت بها إسرائيل عمليتها العسكرية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب) play-circle

مصر تُكذّب مزاعم إسرائيل حول فتح معبر رفح للخروج فقط

كذّبت مصر مزاعم إسرائيلية حول الاتفاق على فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان غزة فقط، في وقت هاجم فيه مقاتلو «حماس» جيش الاحتلال جنوب القطاع.

محمد محمود (القاهرة) «الشرق الأوسط» (غزة)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».


اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».