إلى أي مدى يصل التصعيد بين أسمرة وأديس أبابا؟

رئيس إريتريا حذّر إثيوبيا من «شنّ حرب جديدة»

الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا يوليو (تموز) 2018 (رويترز)
الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا يوليو (تموز) 2018 (رويترز)
TT

إلى أي مدى يصل التصعيد بين أسمرة وأديس أبابا؟

الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا يوليو (تموز) 2018 (رويترز)
الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا يوليو (تموز) 2018 (رويترز)

تتزايد نبرة التهديدات بين إريتريا وإثيوبيا في مشهد يعيد إلى الأذهان توترات الماضي، وسط «شبح صراع جديد» يلوح في الأفق، تغذّيه خلافات حدودية ومصالح متشابكة في «إقليم مضطرب».

وحذّر الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، إثيوبيا، من «شن حرب جديدة»، في ظل تصاعد التوترات بين البلدين، خاصة بسبب سعي أديس أبابا للوصول إلى مواني بحرية.

وقال أفورقي، في تصريحات للتلفزيون الإريتري، نقلتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد، إن اجتياح بلاده «ليس بهذه السهولة»، محذراً رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بالقول: «إذا كان (رئيس الوزراء الإثيوبي) يظن أنه يستطيع اجتياح (القوات الإريترية) بهجومٍ بشري، فهو مخطئ»، مضيفاً: «قبل جرّ شعب إثيوبيا إلى حروب غير مرغوب فيها أو استغلاله لأغراض سياسية أخرى، يجب أولاً معالجة مشكلات البلاد الداخلية وحلها».

وكانت العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا متوتّرة منذ استقلال الأخيرة عام 1993، وخاض البلدان حرباً دامية بين 1998 و2000، قُتل فيها عشرات الآلاف، وانتهت بتوقيع اتفاق سلام عام 2018.

وشهدت العلاقة بين أديس أبابا وأسمرة توتراً ملحوظاً عقب توقيع إثيوبيا اتفاق بريتوريا للسلام مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، من دون مشاورة حلفائها في الحرب التي استمرت لعامين كاملين (2020-2022)، وازدادت حدة التوتر بعد إعلان أديس أبابا رغبتها في امتلاك منفذ على البحر الأحمر، واتهمتها أسمرة بـ«التطلع إلى ميناء عصب الإريتري».

وعدَّ البرلماني الإثيوبي، محمد نور أحمد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تصريحات رئيس إريتريا «ليس لها أساس ولا سند ولا دليل جملة وتفصيلاً»، لافتاً إلى أنه يحاول أن يشغل الداخل لديه بهذه «الادعاءات»، وعليه أن يراجع تصريحاته. وشدّد على أن «آبي أحمد يحترم دول الجوار، ويعطي أولوية للتعاون معها، ولم يصرح أنه سيهاجم إريتريا تماماً، أو سيقطع العلاقات معها».

وطيلة الأشهر الماضية، كان التوتر حاضراً بين أسمرة وأديس أبابا، وأفادت وزارة الإعلام الإريترية، في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، بأن «إثيوبيا تستخدم أكاذيب لتبرير الصراع وإشعاله»، موضحة أنه «في الأيام القليلة الماضية، كثّف النظام الإثيوبي حملاته الدبلوماسية، بما في ذلك إرسال رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من رؤساء الدول والحكومات لاتهام إريتريا بالتعدي على السيادة الإثيوبية وسلامة أراضيها».

وكان الرئيس الإريتري شنّ أيضاً هجوماً على أديس أبابا، في مايو (أيار) الماضي، متهماً إياها بـ«السعي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي تحت شعارات تتعلق بمنفذ على البحر الأحمر»، تزامناً مع تصريحات لمستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، قنا يدتا، كرّر فيها «التشديد على ضرورة حصول بلاده على منفذ بحري».

دبابة عسكرية إريترية متضررة بالقرب من بلدة ويكرو (رويترز)

وفي مارس (آذار) الماضي، حذّر نائب حاكم إقليم تيغراي، تسادكان قبرتسائيل، من أن حرباً جديدة بين إثيوبيا وإريتريا قد تكون على الأبواب، مشيراً إلى أن «هناك استعدادات عسكرية متسارعة في المنطقة»، واتهم أسمرة بـ«انتهاج سياسات توسعية وعدوانية».

وفي فبراير (شباط) الماضي، اتهم الرئيس الإثيوبي الأسبق مولاتو تيشومي، إريتريا بـ«العمل على إعادة إشعال الصراع ودعم المتمردين في منطقة شمال إثيوبيا»، ونفت أسمرة عبر وزير الإعلام، يماني غبريمسقل، ذلك، معتبراً أنه «إطلاق إنذار كاذب»، كما استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مؤتمراً لمعارضين للنظام الحاكم في أسمرة، بشكل علني في فبراير الماضي.

وفي سبتمبر (أيلول) 2024، نشرت وكالة الأنباء الإثيوبية تقريراً تحت عنوان «السلوكيات العدائية لإريتريا في القرن الأفريقي»، معتبراً «إريتريا تمثل عامل زعزعة استقرار المنطقة».

وانضمت إريتريا لتحالف مع مصر والصومال، واستضافت قمة ثلاثية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بين قادة البلدان الثلاثة عقب إعلان أديس أبابا عن رغبتها مطلع 2024 في امتلاك منافذ بحرية سيادية على البحر الأحمر، مع توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال الانفصالي» التي رفضتها مقديشو.

وأكّد البرلماني الإثيوبي أن بلاده «مشغولة بالتنمية وتقديم الخدمات لشعبها، ولا تنوي دخول حرب ضد إريتريا»، مؤكداً أن «هذا التصعيد من أسمرة يهدد المنطقة؛ لكن لن يجر أديس أبابا؛ إلا إذا تم الاعتداء عليها ولن تسمح بحدوث ذلك». وشدد على حق بلاده في «الوصول للبحر، وأنه لا يمكن منعها من هذا، خاصة وهي تريد تعزيز التعاون وتحقيق التنمية لكل دول الجوار، ولا تريد ذلك بالحرب والقتال، لأنه هذا ليس مطروحاً إطلاقاً من جانب إثيوبيا».


مقالات ذات صلة

مقديشو ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» أو استضافة أي قواعد أجنبية

أفريقيا منظر عام لمدينة هرغيسا عاصمة أرض الصومال وأكبر مدنها (أ.ف.ب) play-circle

مقديشو ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» أو استضافة أي قواعد أجنبية

أكد الصومال، اليوم الجمعة، رفضه التام لما وصفه بالهجوم المتعمد على سيادته من خلال اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» كدولة مستقلة.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
أفريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يوقِّعان في يناير 2025 إعلاناً مشتركاً لترفيع العلاقات إلى «شراكة استراتيجية شاملة» (الرئاسة المصرية) play-circle

رفض عربي وأفريقي لاعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

أكّدت السعودية ومصر والصومال وتركيا وجيبوتي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، الجمعة، إدانتهم ورفضهم التام اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال دولةً مستقلةً

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا رئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» ومساعدوه يرفعون علامة النصر بعد اعتراف إسرائيل بالإقليم دولة مستقلة (حساب عرو عبر منصة «إكس») play-circle

بعد اعتراف إسرائيل بها «دولة مستقلة»... ما هي «أرض الصومال»؟

عاد إقليم «أرض الصومال» -«الصومال البريطاني» سابقاً- إلى الواجهة بعد اعتراف إسرائيل به «دولة مستقلة ذات سيادة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز) play-circle 00:32

نتنياهو: إسرائيل تعترف بجمهورية أرض الصومال «دولة مستقلة ذات سيادة»

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن بنيامين نتنياهو اعترف، اليوم الجمعة، بجمهورية أرض الصومال «دولة مستقلة وذات سيادة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أفريقيا يشتهر جبل كليمنجارو بقمّته المغطّاة بالثلوج، ويلقب بـ«سقف إفريقيا» (أ.ب)

5 قتلى في تحطم مروحية على جبل كليمنجارو في تنزانيا

لقي 5 أشخاص مصرعهم كانوا على متن مروحية تحطّمت، الأربعاء، على جبل كليمنجارو في تنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)

ما التداعيات الفلسطينية لاعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»؟

علم «أرض الصومال»
علم «أرض الصومال»
TT

ما التداعيات الفلسطينية لاعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»؟

علم «أرض الصومال»
علم «أرض الصومال»

حرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من رام الله و«حماس» ومقديشو، من أنه يحمل احتمالاً لأن تكون هرغيسا موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت له إسرائيل منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

تلك التحذيرات يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تحمل مخاوف من أن الخطوة الإسرائيلية ستعيد ملف التهجير للواجهة بقوة وستعمل إسرائيل على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

ووقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته جدعون ساعر، ورئيس «إقليم أرض الصومال» عبد الرحمن محمد عبد الله، الجمعة، إعلاناً مشتركاً، وقال إن «إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد». وأفادت القناة «14 الإسرائيلية» بأن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال «جاء مقابل استيعاب سكان غزة».

وخلال أشهر الحرب على غزة، تصاعدت تصريحات إسرائيلية رسمية بشأن المضي قدماً في مخططات تهجير فلسطينيي غزة إلى خارج القطاع، فيما تحدثت وسائل إعلام عبرية عن وجهات محتملة شملت دولاً أفريقيةً، بينها الصومال والإقليم الانفصالي.

مظاهرة لأشخاص من «أرض الصومال» قرب «10 دوانينغ ستريت» في لندن 22 فبراير 2012 (فيسبوك)

وفي مارس (آذار) الماضي، نفت الصومال وإقليم «أرض الصومال» الانفصالي عنها أيضاً تلقي أي اقتراح من الولايات المتحدة أو إسرائيل لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة، حيث قالت مقديشو إنها «ترفض بشكل قاطع أي خطوة من هذا القبيل».

وبعد الاعتراف زادت المخاوف من العودة الإسرائيلية لمخطط التهجير، ونبهت «الخارجية الفلسطينية»، في بيان، أن «سلطات الاحتلال كانت قد طرحت اسم (أرض الصومال) كوجهة محتملة لتنفيذ مخططات التهجير القسري بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتحديداً من قطاع غزة، وهو ما يجعل هذا الاعتراف جزءاً من ترتيبات جيوستراتيجية مشبوهة».

وشدّدت حركة «حماس»، في بيان السبت، على «رفضها القاطع لجميع المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير فلسطينيي قطاع غزة قسراً، بما في ذلك محاولات استخدام إقليم (أرض الصومال) الانفصالي وجهة محتملة لهذا التهجير».

كانت الحكومة الصومالية قد أعربت في بيان الجمعة عن رفضها لاعتراف إسرائيل بما يسمى بـ«جمهورية أرض الصومال»، مؤكدة «الدعم المبدئي والثابت للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، والرفض القاطع للاحتلال والتهجير القسري والهندسة الديموغرافية وتوسيع المستوطنات بجميع أشكالها، وأنه لن يقبل أبداً بجعل الشعب الفلسطيني بلا جنسية».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «ملف التهجير لا تزال إسرائيل تعمل عليه مع الولايات المتحدة، وتراهن على حلول مثل اتفاقية الاعتراف مع (أرض الصومال) التي قد تنطوي على بنود غير معلنة، مع زيادة الضغوط على الداخل، سواء في الضفة عبر الاستيطان أو في غزة عبر القتل الممنهج».

أما المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، فيعتقد أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» هو نوع من تفكيك العزلة حتى لو مع دول طرفية، وهرجيسا ارتبطت على مدار العام الماضي بشكل رئيسي بملف التهجير رغم نفيها. وأكد أن الخطوة الإسرائيلية «ستعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الإغراءات للفلسطينيين للخروج، في ظل غياب أي أفق لإعادة الإعمار، وهو ما ينعكس على الضفة الغربية لكن يمكن بصورة أقل».

ومقابل تلك المخاوف، تواصل الرفض العربي الواسع لخطة إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، وصدرت بيانات منددة بذلك من دول عدة، بينها السعودية ومصر وقطر والأردن وتركيا.

ويشير حسن إلى أن «أرض الصومال» ستواجه ضغوطاً خاصة عربية لمنع التهجير؛ لكن الأمر سيتوقف على ما ستقدمه لها إسرائيل للمضي في هذا النهج، وأوضح مطاوع أن «الرفض العربي سيظل ضاغطاً لعدم تمرير التهجير وعدم دخول الاعتراف حيز التنفيذ»، متوقعاً أن «يشهد ملف الاعتراف تطورات متسارعة، لا سيما في ملف التهجير».


«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
TT

«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)
سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)

دفعت الشكاوى المتصاعدة بخصوص «تكدس مراكز الاحتجاز»، وتردّي أوضاع السجناء، حكومتي شرق وغرب ليبيا إلى إعادة فتح ملف السجون، في ظل ضغوط حقوقية متزايدة، وتقارير دولية «توثق استمرار الاحتجاز التعسفي والانتهاكات خارج الأطر القانونية».

وتسارعت خطوات الحكومتين المتنافستين في التعامل مع هذا الملف الشائك خلال الأسبوع الماضي، في تحركات متقاربة التوقيت لفتت انتباه مراقبين. ففي شرق البلاد، أصدرت حكومة «الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، قراراً، الخميس، بتشكيل لجنة مؤقتة تُعنى بمتابعة أوضاع السجناء ومراكز الاحتجاز في عموم البلاد، ومراجعة سلامة الإجراءات القانونية المتبعة بحق المحتجزين.

رئيس حكومة «الوحدة» «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

وجاء القرار بعد 48 ساعة فقط من إعلان حكومة الوحدة الوطنية في غرب البلاد أنها بصدد دراسة إغلاق ودمج عدد من السجون، في خطوتين وُصفتا بأنهما «مهمتان نظرياً»، لكنهما تظلان مرهونتين بآليات تنفيذ حقيقية على الأرض.

وتأتي هذه التحركات وسط انتقادات دولية حادة ومستمرة لأوضاع حقوق الإنسان في السجون الليبية، كان أحدثها ما وثّقه تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في وقت سابق من هذا الشهر، بشأن وفاة 23 محتجزاً بين مارس (آذار) 2024 وأكتوبر (تشرين الأول) 2025، إلى جانب تسجيل حالات احتجاز تعسفي، وتعذيب وظروف احتجاز غير إنسانية.

وفي هذا السياق، رأى وزير الداخلية الليبي الأسبق، عاشور شوايل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن قرار حكومة حماد «يتطلب آليات واضحة وصلاحيات كافية»، مشدداً على ضرورة الفحص الدوري لأوضاع السجناء، والإفراج الفوري عمّن تنطبق عليهم الشروط القانونية. وسلط شوايل الضوء على أن اللجنة تضم «خبرات قضائية وقانونية يمكن الاستفادة منها إذا توفرت الإرادة السياسية».

وجاء قرار حكومة حماد بعد أقل من أسبوعين من إشارة تقرير غوتيريش إلى احتجاز مئات الأشخاص في مراكز بشرق ليبيا، دون توجيه تهم رسمية، من بينهم محتجزون صدرت بحقهم أوامر قضائية بالإفراج لم تُنفّذ، فضلاً عن تقارير بشأن محاكمات عسكرية لمدنيين.

وتهدف لجنة حكومة «الاستقرار»، وفق قرار تشكيلها، إلى مراجعة أوضاع السجناء والموقوفين، والتحقق من سلامة الإجراءات القانونية، وضمان عدم وجود احتجاز خارج الأطر القضائية، إلى جانب متابعة تنفيذ الأحكام وأوامر الإفراج، ورصد أي انتهاكات محتملة.

ويصف حقوقيون، من بينهم رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان، ناصر الهواري، القرار بأنه «بارقة أمل طال انتظارها»، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «الاكتظاظ الشديد داخل السجون، ووجود محتجزين قضوا سنوات خلف القضبان دون عرض على النيابة، في حالات تُصنَّف كاختفاء قسري، إضافة إلى سجناء لم تُنفّذ بحقهم أوامر إفراج».

داخل سجن معيتيقة المركزي خلال زيارة لسجناء (الصفحة الرسمية للسجن)

وأعرب الهواري عن أمله في أن تبدأ اللجنة عملها فوراً، وأن تتوفر لها وسائل تواصل فعّالة، مع أهمية التواصل المباشر مع أسر السجناء، مؤكداً أن منظمته تلقت عشرات الشكاوى عقب الإعلان عن تشكيل اللجنة.

غير أن الباحث القانوني، هشام الحاراتي، أبدى قدراً من التحفّظ، إذ عدّ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن القرار «لا يزال تحت الاختبار»، وأن نجاحه مرتبط بمدى جدية الحكومة في التنفيذ، لا سيما في ظل سيطرة «الجيش الوطني الليبي» على عدد من السجون. وأشار إلى وجود محاولات لإعادة ترتيب المشهد الحقوقي في المنطقة الشرقية تعكس رغبة في الإصلاح، لكنها «لم تتبلور بالكامل بعد».

في المقابل، جاء قرار حكومة «الوحدة» في طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بدمج وإلغاء بعض السجون بعد أيام من تقرير غوتيريش، الذي أشار إلى استمرار جهات أمنية تابعة لها، من بينها «اللواء 55» في «الاحتجاز التعسفي»، موثقاً «8 حالات اعتقال شملت صحافيين ومسؤولين حكوميين سابقين، ومعارضين فعليين أو محتملين، نفذتها أجهزة أمنية مختلفة، بينها جهاز الردع وإدارة التحقيقات الجنائية».

ويرى شوايل أن قرار حكومة الدبيبة «يمثل بداية جيدة رغم تأخره»، لكنه شدد على حاجته إلى آلية تنفيذ واضحة وجدول زمني محدد، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد الأمني، وسيطرة مجموعات مسلحة على مناطق واسعة من غرب البلاد.

ويعكس الانقسام السياسي والأمني في ليبيا واقع السجون، التي لا تخضع لسلطة أي من الحكومتين بشكل كامل؛ إذ تدير ميليشيات مسلحة عدداً منها، في ظل غياب أرقام رسمية موثوق بها حول أعداد المحتجزين في الشرق والغرب.

رئيس حكومة «الاستقرار» أسامة حماد (المكتب الإعلامي للحكومة)

ورغم ذلك، قاد مكتب النائب العام خلال العام الحالي عدة إجراءات قضائية لفرض الرقابة على السجون، شملت إصدار أوامر ضبط بحق مسؤولين أمنيين متورطين في انتهاكات، والإفراج عن 530 محتجزاً من سجن معيتيقة في طرابلس خلال مارس الماضي.

كما سبق أن أصدر الدبيبة قراراً بتشكيل لجنة لتسليم سجني معيتيقة وعين زارة للجهات الرسمية، وحصر وتصنيف أوضاع النزلاء، ضمن تنفيذ اتفاق أمني مع «جهاز الردع» لإخضاع السجون للرقابة القضائية. ويصف الهواري هذه الإجراءات بأنها «تحسّن جزئي في الملف الحقوقي بغرب البلاد»، لكنه يقر بعدم كفايتها لمعالجة جذور الأزمة.

وفي قراءة أوسع، يدرج الحاراتي قرارات الحكومتين ضمن «محاولات متزامنة لتحسين صورة ليبيا أمام المجتمع الدولي»، مذكّراً بأن «البلاد تخضع، بصفتها عضواً في عدد من المنظمات الدولية، لآليات مراجعة دورية، وتقدم تقارير إلى لجان أممية، بالتوازي مع تقارير منظمات المجتمع المدني التي توثق سنوياً انتهاكات واسعة».

ويخلص الحاراتي إلى أن القرارين يعززان، من حيث المبدأ، دور النائب العام وسلطته الرقابية، لكنه شدد على أن «العبرة ليست بصدور القرارات، بل بقدرتها على إحداث تغيير فعلي على الأرض»، في ظل استمرار القلق الدولي بشأن سجل حقوق الإنسان في ليبيا.


مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

شددت مصر على أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته الإنسانية لضمان توفير «الملاذات الآمنة» والممرات الإنسانية الكافية في السودان، لإيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق. في حين أطلع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، نظيره النرويجي، إسبين بارث إيد، خلال اتصال هاتفي، السبت، على الجهود المصرية في إطار «الآلية الرباعية»، للدفع نحو التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.

وطرحت «الرباعية» التي تضم دول (المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأميركية) في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر». وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري في واشنطن، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكدت «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان».

ورسمت مصر قبل أيام «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، محذرة من عدم السماح بتجاوزها بوصفها تمس الأمن القومي المصري. وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال محادثات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في القاهرة، «دعم بلاده الكامل للشعب السوداني في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة»، مشدداً على «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره».

ورحّبت مصر نهاية الشهر الماضي بـ«انخراط الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الأزمة السودانية». كما شددت على «أهمية تنفيذ (بيان الرباعية) حول السودان ببنوده كافّة».

وزير الخارجية المصري أكد خلال لقائه مفوضة الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي أهمية نفاذ المساعدات إلى السودان (الخارجية المصرية)

وزار وزير الخارجية المصري بورتسودان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتقى حينها رئيس مجلس السيادة السوداني، وناقشا مبادرة «الرباعية الدولية»، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية تقود إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان.

وأكد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي مع إسبين بارث إيد، السبت، «موقف مصر الثابت الداعم لوحدة السودان وسيادته واستقراره، والحفاظ على مؤسساته الوطنية».

وحسب متحدث وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، فإن الوزيرَين تبادلا الرؤى والتقديرات إزاء عدد من التطورات الإقليمية، وفى مقدمتها الأوضاع في قطاع غزة. وأكد عبد العاطي «أهمية تضافر الجهود الدولية، لضمان تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار والانتقال إلى ترتيبات المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي ترمب».

وشدد على رفض مصر أي ممارسات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية أو فرض وقائع جديدة بالضفة الغربية، مندداً في هذا السياق باستمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بدوره لوقف التصعيد في الضفة الغربية وهجمات المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين. كما نوه إلى ضرورة «ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع وتهيئة البيئة اللازمة لبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار»، مثمّناً الموقف النرويجي الداعم للقضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)

الاتصال الهاتفي تناول أيضاً التطورات في منطقة القرن الأفريقي، وأكد وزير الخارجية المصري «دعم بلاده الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية ولمؤسساتها الشرعية، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها المساس بالسيادة الصومالية»، مندداً بمحاولات فرض كيانات موازية تتعارض مع وحدة الدولة الصومالية. وأعرب عن «رفض مصر القاطع وإدانتها انتهاك المبادئ المستقرة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة». واتفق الوزيران على «ضرورة احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، حفاظاً على استقرار النظام الدولي».

كما تطرق وزير الخارجية المصري ونظيره النرويجي إلى الأزمة الأوكرانية، حيث اتفقا على «ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية ودبلوماسية للأزمة، بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي».