الخرطوم بين ركام الأطلال... وعودة خجولة للحياة

«الشرق الأوسط» تجولت بين المباني المُدمَّرة تشهد على ضراوة الحرب التي عاشتها العاصمة السودانية

تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
TT

الخرطوم بين ركام الأطلال... وعودة خجولة للحياة

تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

بعد أكثر من عامين من الحرب الطاحنة بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، عودة تدريجية خجولة للنشاط التجاري والحياة اليومية. فالمدينة التي كانت ترمز للحداثة والجمال، تقف اليوم على أطلال الدمار وهي تحاول النهوض مجدداً. آلاف المباني المدمرة التي تقف شاهداً على ضراوة الحرب التي عاشتها العاصمة للمرة الأولى، منذ الثورة المهدية، وطرد المستعمر البريطاني أواخر القرن الثامن عشر.

ولا تزال آثار الحرب تحضر بوضوح في المباني والشوارع، فقد تعرَّضت الكثير من معالم العاصمة المعروفة للحرق أو التدمير الكلي أو الجزئي، ونحت الرصاص ثقوبه على جدران الأبنية. المصارف والبنوك أصبحت بلا أبواب أو نوافذ، ورائحة الحريق والسخام تفوح منها، أما الطرق - على علاتها - فقد غمرتها أمطار يونيو (تموز)، بينما نجت بعضها جزئياً.

مبنى رئاسة بنك السودان وتظهر عليه آثار الدمار الذي لحق به وبأحد الفنادق المجاورة (الشرق الأوسط)

عودة حَذِرة للنقل العام

في محطة المواصلات الرئيسة وسط الخرطوم، وتُعرَف بـ«موقف جاكسون»، عادت وسائل النقل العام لنقل المواطنين من مدن ومحليات الولاية وإليها، لكن الوصول لـ«السوق العربية» إحدى أشهر أسواق وسط الخرطوم، لا يزال يتطلب المشي على الأقدام، أو السيارات الخاصة.

وفي مشهد مؤثر، كان رجل سبعيني يخطو بتعب نحو السوق، أرهقه المشي حتى سقطت عمامته من على رأسه وهو يمسح عرقه، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يريد تفقد متجره القديم، وشراء بضائع وسلع بقيمة 200 ألف جنيه سوداني (73 دولاراً). وأضاف مشيراً إلى الخراب المحيط بمباني «واحة الخرطوم» (أكبر المركز التجارية في المدينة وأشهرها)، والأمل يشع من عينيه: «هذا الخراب سيُعمر من جديد، المهم أن نتعلم من الدرس»، ثم التزم الصمت.

أين ذهب الذهب؟

قرب واحة الخرطوم المحترقة، تتحرك السيارات ويجوب الناس المكان، لكن المحال لم تفتح أبوابها بعد. البعض يكتفي بتفقد ممتلكاته، في حين يواصل آخرون أعمال صيانة سياراتهم، تحت لافتة مكتوب عليها «صيدلية الفرجابي».

مبني تجاري مُدمَّر حيث تظهر عليه آثار الحرب على واجهته (الشرق الأوسط)

أما عمارة الذهب، التي كانت يوماً من أكبر مراكز تجارة الذهب في السودان، فالمبنى لا يزال صامداً رغم الحريق الذي طاله، في حين يجري الحديث عن لقاء مرتقب بين والي الخرطوم وأصحاب الشركات لبحث سبل إعادة إنعاش تجارة الذهب في المنطقة.

عند المسجد الكبير

لم تشفع لمسجد الخرطوم الكبير، وهو أحد التحف المعمارية الأثرية، افتتحه الخديوي عباس باشا حلمي في عام 1901، مسجديته أو آثاريته، فقد تعرض لخراب كبير هو والمنطقة المحيطة به، لكن أعمال الصيانة بدأت ومن المقرر عودته لأداء الصلوات خلال أيام. قبل الحرب كان مسجد الخرطوم الكبير، يشهد إقبالاً كبيراً من المصلين، تُشد إليه الرحال من أنحاء الخرطوم، لأداء الصلوات، وسماع الدروس والمحاضرات الدينية.

مشاهد لدمار إحدى الصالات التجارية في وسط العاصمة (الشرق الأوسط)

شارع القصر

على امتداد شارع القصر، وهو أحد شوارع وسط الخرطوم الرئيسة، أخذ اسمه من القصر الجمهوري الذي ينتهي عند بوابته الجنوبية، كان ساحة معارك كبيرة، عادت إليه الحركة، وتشاهَد السيارات الخاصة تقطعه جيئة وذهاباً، خاصة عند تقاطعه مع شارع الجمهورية.

المياه المتجمعة على حواف شارع الجمهورية (الشرق الأوسط)

وخلافاً لبقية الشوارع، فإن شارع القصر يعدّ الأكثر نظافة، رغم تجمعات المياه الصغير على جانبيه. أما عند تقاطعه مع شارع السيد عبد الرحمن، فقد بدأت أعمال الصيانة، في مبنى «البنك الأهلي»؛ استعداداً لاستئناف عمله.

شارع الحرية

أما شارع الحرية وسط الخرطوم من الناحية الغربية، حيث توجد متاجر الأجهزة الكهربائية، فقد عاد بعض التجار إلى محالهم، وبدأ النشاط فيه بالتعافي النسبي، بعد أن وعدتهم السلطات بتأمين المنطقة وإعفائهم من الرسوم الحكومية حتى نهاية العام، ومقابل ذلك تعهد التجار بإنارة الشارع والمناطق المجاورة بالطاقة الشمسية لمنع اللصوص من التسلل ليلاً.

ذبح التجار الذبائح ووزعوا الحلوى والعصائر، وزينوا شارع الحرية بأعلام السودان، وصدحت مكبرات الصوت بالأغاني الوطنية، معلنة عودة الحياة إلى قلب الخرطوم التجاري.

الحركة دبَّت في صالات شارع الحرية غرب العاصمة (الشرق الأوسط)

بابكر حسن، تاجر أجهزة كهربائية منذ 40 عاماً، عبّر عن سعادته قائلاً: «هذه العودة تعني عودة الحياة للخرطوم، وأدعو جميع التجار للعودة، فالوضع مستقر الآن». أما التاجر صلاح سوركتي، فطالب بتخفيض الضرائب حتى يتمكن من بيع البضائع بأسعار معقولة، مشيراً إلى أنه خسر أكثر من 200 مليون جنيه (73 ألف دولار) خلال الحرب، وقال: «التاجر يجب ألا يتحسر على خسارته، بل عليه النهوض والبدء من جديد».

محال تجارية عادت للعمل بالخرطوم (الشرق الأوسط)

التاجران نادر جوليت والبشر حسين، وهما شقيقا لاعبين سابقين لكرة القدم بنادي المريخ، قالا إنهما فقدا كل شيء، لكنهما سيعودان فور انتهاء أعمال الصيانة، وأضافا: «أسوأ ما في الحرب ليس فقط الخسارة المادية، بل فقدان الأحبة الذين اعتدنا رؤيتهم كل صباح».

الدولة تحاول الوقوف

تُعدّ وزارة الداخلية، أكثر الوزارات انتشاراً في الخرطوم، وتشهد حركة نشطة لعناصرها، بينما تعكس عمليات الطلاء الجديدة لبعض مبانيها، بوادر العودة والاستقرار، في حين يلاحظ بدء عمليات إعادة ترميم مؤسسات حكومية أخرى عدة، في أنحاء الخرطوم. فالمجلس التشريعي الخرطوم (البرلمان الولائي)، رغم الدمار الذي لحق به، فإن بعض الموظفين يعملون فيه دون كهرباء أو مياه، بينما يبدو مبنى هيئة الكهرباء الأخضر القريب من المكان وهو محترق تماماً.

عشرات المحال التجارية والمولات أصابها الخراب جراء الحرب التي عاشتها العاصمة (الشرق الأوسط)

وأكد أحد الموظفين أن استعادة الخدمات باتت قريبة، ولكن «الأهم هو أن يستتب الأمن».

مقرن النيلين بوابة الخرطوم إلى أم درمان

منطقة «المقرن» والتسمية جاءت لأنها ملتقى النيلين «الأبيض والأزرق»، تشهد حركة سير نشطة بين الخرطوم وأم درمان، فهي إلى جانب كونها مدخلاً لأم درمان، تقع في مؤسسات كبيرة، مثل رئاسة بنك السودان المركزي، مباني شركة «زين» للاتصالات، وفنادق، ومتحف السودان وغيرها، ولم تخلُ أيضاً من الدمار والخرب.

تاجر يقف أمام خراب متجره بإحدى أسواق العاصمة (الشرق الأوسط)

ورغم الخسائر الكبيرة والدمار الواسع، بدأت الخرطوم تنهض ببطء لكن بثقة، بعودة المحال والأسواق، وصيانة المساجد والمباني الحكومية، كلها إشارات إلى أن المدينة التي عاشت جراح الحرب، لا تزال قادرة على النهوض، بدعم أبنائها وعزيمتهم.


مقالات ذات صلة

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

أعرب بدر عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» مع روسيا، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر (أ.ف.ب) play-circle

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

قال شهود لـ«رويترز» إن «قوات الدعم السريع»، التي حاصرت مدينة الفاشر في دارفور قبل اجتياحها، تحتجز ناجين من الحصار، وتطلب فدى لإطلاق سراحهم.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا 
صورة متداولة تبيّن جانباً من الدمار الذي ألحقته مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان play-circle

بعد بابنوسة «النفطية»... ما الهدف التالي لـ«الدعم السريع»؟

بعد قتال شرس استمر لأكثر من عامين، أعلنت «قوات الدعم السريع» الاثنين الماضي، سيطرتها «بشكل كامل» على مدينة بابنوسة... فما الهدف التالي؟

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار يناقش في لقاء سابق مع نظيره السوداني هيثم إبراهيم عوض الله تقديم الدعم اللازم (وزارة الصحة المصرية)

مرضى سودانيون في مصر رهن مبادرات الإغاثة

يعيش عشرات الآلاف من المرضى السودانيين في مصر، بعد فرارهم من الحرب السودانية، رهن مبادرات إغاثة دولية «محدودة»، وجهود حكومية مصرية لرعايتهم، في ظل ظروف صعبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (يسار) خلال اجتماع مجلس الوزراء وإلى يساره الرئيس دونالد ترمب في غرفة مجلس الوزراء في البيت الأبيض في العاصمة واشنطن... 2 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

روبيو: ترمب يتولى شخصياً ملف الحرب في السودان

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، إن الرئيس دونالد ترمب يتولى ملف الحرب في السودان شخصياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.